أنهار الخمر التي أباحها الله في الجنة ووعد بها المتقين هي بخلاف خمرة الدنيا الملوثة.. الطعام من المباحات فترك بعضه لاستقذار النفس له ليس معصية توجب العقاب.. ما يحل للإنسان أكله..

أُضيف بتاريخ الخميس, 10/11/2011 - 15:08

المرسل: أبو البشائر 05\11\2011م

بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي الشيخ حسين المظلوم، أثابكم الله عمّا تفعلون وسدّد خطاكم، وعظّم الله أجور المشاركين في هذا الموقع لما فيه من خير لهذه الطائفة وللأمة الإسلامية جمعاء، فبأسئلتكم وأجوبتكم المسددة ردٌّ لكل ما هو دخيل على هذا الدين القيّم.
سؤالي سيدي الشيخ هو عما أُحِلّ لنا من الطعام والشراب.
فإن بدأنا بالشراب فلا لبس في المحرّمات المذكورة في القرآن الكريم، كقوله تعالى: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَير آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذّةٍ لِلشّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصفىً وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النّارِوَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمعاءَهُمْ ﴾ محمد/15
ولكن كيف يكون الكلام عن أنهار من الخمر في الجنّة وقد حرّمت في الدنيا، فما هو التفسير الصحيح؟.
كما أنّ هنالك حديثاً حول: ما كان كثيره يُسكِر فقليله يسكر، فهو محرّم؟.

أمّا إن أتينا إلى مسألة المأكولات، فمأخوذٌ علينا نحن العلويون أننا نتأنّى كثيراً في الطعام وخاصّةً في المأكولات البحرية واللحوم، ومنهم من يقول بأننا حذرين جداً في هذا الأمر فلا نأكل كغيرنا دونما البحث أو السؤال أو التأكّد مما نأكل (وكأن في هذا حرام أو استهجان).
فهل لكم سيدي الشيخ وأنتم القائلون (فالمأكولات من المباحات، وترك بعضها ليس عصياناً أو مخالفةً) أن تأتنا على هذا الموضوع في المجمل، خاصّةً وأن البعض يستند إلى الآية الكريمة: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً ﴾ المائدة/96
فمنهم من يفسّر هذه الآية على الشكل التالي: [فصيد البحر : هو ما أُخذ حيّاً ، وطعامه : ما وُجد ميتاً ، وظاهر الآية الكريمة ( أحل لكم صيد البحر ) ظاهرها : أنه لا يُستثنى من ذلك شيء ؛ لأن صيد اسم مفرد مضاف ، والمفرد المضاف يفيد العموم ، كما في قوله تعالى : ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا ﴾ ؛ فإن " نعمة " مفرد هنا ، ولكن المراد بها العموم ، وهذا القول هو الصحيح الراجح أن صيد البحر كله حلال لا يستثنى منه شيء ، واستثنى بعض أهل العلم من ذلك : الضفدع ، والتمساح ، والحيَّة ، وقال : إنه لا يحل أكلها ، ولكن القول الصحيح العموم ، وأن جميع حيوانات البحر حلال ، حيهُ وميتهُ] انتهى

وفي تفسير آخر: [وأما الحيوانات البحرية : فكلها حلال ، صغيرها وكبيرها ؛ لعموم قوله تعالى : ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة ) ، فصيده : ما أخذ ، وطعامه ما وجد ميتاً ، هكذا جاء تفسيرها عن ابن عباس وغيره ؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في البحر : ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته )]
ولكن سيدي الشيخ كيف لنا أن نسلّم في هذا التفسير وكيف نتيقّن من صدقية نقل هذا الحديث عن الرسول الأكرم (عليه وآله الصلاة والسلام)، خاصّةً وأن هنالك حديثاً آخر حول: "كلوا من البحر كل ما حلّس ومن الطير كل ما قنّص"؛ هذا من ناحية الحديث.
أمّا من جهة القرآن الكريم فهذه الآية ذكرت ﴿ صَيْدُ الْبَحْرِ ﴾ فكيف يكون الصيد للميتة؟.
وهنالك آية كريمة تقول: ﴿ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ النحل/ 14
فهل يكون هنا التحديد باللحم إكمال لما ذكر في الآية الأولى، فهل من الصحيح أن يتم أكل الغضاريف والرخويات بالإستناد إلى الآية الأولى ولا يُأتى بالإستناد لهذه الآية الكريمة، وهل يكون للميتة طراوة في اللحم؟.
أرجو من سيادتكم أن توضّحوا لنا ما ذُكر، وإن كان في ما اعتقدت من أمر ملتبس أرجو التصحيح.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 1
الجـواب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآل بيته المعصومين.

الأخ الفاضل أبو البشائر الموقر.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

  الخمر لغةً: الستر والتغطية، وسُمّيَ بذلك لأنه يستر العقل ولا يدعه يُمَيّز بين الخير والشر، والحَسَن والقُبح.
وفي الشرع الشريف فهو: كل شراب مُسكر مُخالط للعقل مُغَطٍّ عليه.
وقد حرّمه الله في سائر الشرائع السماوية لقول الإمام الصادق عليه السلام: ما بعث الله عزّ وجل نبياً قط إلا وفي علم الله عزّ وجل أنه إذا أكمل دينه كان فيه تحريم الخمر ولم تزل الخمر حراماً وإنما ينقلون من خصلة إلى خصلة، ولو حمل عليهم جلة لهلكوا.
وعلة التحريم لا تحتاج إلى بيان لوضوحها من أنه يزيل العقل والذي هو: من أعظم النِعَم الإلهية التي كَرَّمَ الله به الإنسان.

  أما أنهار الخمر التي أباحها الله في الجنة ووعد بها المتقين فهي بخلاف خمرة الدنيا الملوثة والتي تُذهب العقل وتُغيّب الحواس، فخمر الجنة روحي ليس فيه إلاّ العقل واللذة الروحية الدائمة، لقوله تعالى: ﴿ يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ [45] بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ [46] لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ ﴾ [الصافات:47]

  أما الحديث الذي أوردته نقلاً فصحيح، وهو دال على النهي والتحريم.

  وأعلم يا أخي بأنّ الطعام كما ذكرنا سابقاً فهو من المُباحات، فتركُ بعضه لاستقذار النفس له ليس مَعصية توجب العقاب، وهذا المُباح أيضاً ليس مُطلقاً بل مُقيداً في نوعٍ دون أخر أكان برياً أم بحرياً أم نباتياً، والحلالُ والحرامُ أمران توقيفيّان وليس لمخلوقٍ أن يُعمل الرأي في هذا المجال، وحين تلتبس الأمور نعود إلى أهل العصمة عليهم السلام الذين ذكروا لنا هذه الكليات بقواعد جامعة وإليكها بإيجازٍ:

من تحف العقول للثقة الجليل ابن شعبة الحراني ، عن المولى الصادق عليه السلام:

ما يحل للإنسان أكله.

فأما ما يحل ويجوز للإنسان أكله مِمّا أخرجت الأرض، فثلاثة صنوفٍ من الأغذية:

  1. صنف منها جميع الحب كله، من الحنطة والشعير والأرز والحمص وغير ذلك من صنوف الحب وصنوف السماسم وغيرها كل شي‏ء من الحب مما يكون فيه غذاء الإنسان في بدنه وقوته فحلال أكله، وكل شي‏ء تكون فيه المضرة على الإنسان في بدنه فحرام أكله إلا في حال الضرورة.
  2. والصنف الثاني مما أخرجت الأرض من جميع صنوف الثمار كلها مما يكون فيه غذاء الإنسان ومنفعة له وقوته به فحلال أكله وما كان فيه المضرة على الإنسان في أكله فحرام أكله.
  3. والصنف الثالث جميع صنوف البقول والنبات وكل شي‏ء تنبت الأرض من البقول كلها مما فيه منافع الإنسان وغذاء له فحلال أكله وما كان من صنوف البقول مما فيه المضرة على الإنسان في أكله نظير بقول السموم القاتلة ونظير الدفلى وغير ذلك من صنوف السم القاتل فحرام أكله.
  • وأما ما يحل أكله من لحوم الحيوان.
    فلحوم البقر والغنم والإبل وما يحل من لحوم الوحش وكل ما ليس فيه ناب ولا له مخلب وما يحل من أكل لحوم الطير كلها ما كانت له قانصة فحلال أكله وما لم يكن له قانصة فحرام أكله ولا بأس بأكل صنوف الجراد

  • وأما ما يجوز أكله من البيض.
    فكل ما اختلف طرفاه فحلال أكله وما استوى طرفاه فحرام أكله.

  • وما يجوز أكله من صيد البحر.
    من صنوف السمك ما كان له قشور فحلال أكله وما لم يكن له قشور فحرام أكله.

  • وما يجوز من الأشربة.
    من جميع صنوفها فما لا يغير العقل كثيره فلا بأس بشربه وكل شي‏ء منها يغير العقل كثيره فالقليل منه حرام.
  • فهذا بيان جامع عن الإمام الصادق يوضح فيه معالم الحلال والحرام من دون إبهام.

    وبهذا الشمول في الإيضاح نستغني عن التأويلات المُتناقضة والغريبة.

    ففي حال لم يَطِب للإنسان بعضُ صُنوف الحلال فلا يُعَدُّ ذلك عصياناً، إنّما يَكمن العصيان في تحريمه لاستقذار النفس له.

      أما الآية التي استندت إليها وطرحت أوجُهَ الخلاف حولها فإنّها تُبَيّن أحكام صيد البر والبحر أثناء الإحرام للحج أو العمرة فقط، وليست حُكماً مُطلقاً وعاماً في بيان حُكم صيد البحر.
    فقد نهى الله عن صيد البر أثناء الإحرام، فلو كان الحكم التشريعي مُطلقاً لَحُرّمَ صيد البَر بالمُطلق وهذا غير واردٍ في أحكام الله.
    وأَحَلت الآية صيد البحر وطعامه، أي أُحِلّ هذا الصيد البحري دون البري، وأُحِلّ أيضا أكله وهذا هو المراد من طعامه.
    أمّا المعنى الذي أوردتَه فغير صحيح في منهاجنا لأن ما وُجِدَ مَيتاً فحَرامٌ أَكلُهُ.

      وكل عام وأنتم بخير.

    حسين محمد المظلوم
    6\11\2011