اعتقاد العلويين في: الوحدة في الإسلام.. لفضيلة الشيخ عبد الكريم علي حسن الخطيب غفر الله له..

أُضيف بتاريخ الجمعة, 01/04/2011 - 18:17

خُطبة بعنوان (الوحدة في الإسلام)، وقد أُلقيت من على منبر مسجد الإمام علي  في طرطوس في ستّينيّات القرن الماضي  وهي للمغفور له فضيلة الشيخ عبد الكريم علي حسن الخطيب .. وقد نقلناها من كتابه ""الكَلِمُ الطيّب" المطبوع سنة 1968م والذي يشتمل على خطب وبحوث إسلامية.. 

الحمد لله............................ وبعد

قال تعالى: إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ.

أيّها الأخوة

الدين الإسلامي من أجمل مزاياه أنّه دينٌ يرتكز على الوحدة، بدليل قوله تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا..

غير أنّ هذه الوحدة تنقسم إلى أربعة أقسام:

  1. وحدة المُعتقد.
  2. وحدة الأمّة.
  3. وحدة الاتّجاه.
  4. وحدة التشريع.

فوحدة المعتقد:

هي الإعتقاد المَحض بأنّ الله واحدٌ لا شريك له، ولا ثاني معه، إذ لو كان له شريكٌ، أو شركاءٌ، لذهبَ كُلّ واحدٍ منهم بما يخصّه، أو لتخاصموا وارتفع بعضهم فوق بعض، قال تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـٰهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ.

وكما أنّه ليس في الإنسان نفسان، ولا في السماء شمسان، فكذلك لا يجوز أن يكون في هذا الكون العجيب المُنظّم إلاهان.

وليس من المعقول أبدًا أن يكون في هذا الكون آلهةً يتصرّفون بشؤونه كل بحسب هواه، ولو كان ذلك كذلك -والعياذ بالله- لفسد الكون واختل النظام، وقد أرشدنا الله سبحانه إلى إثبات الوحدة والحكمة فيها، فقال سبحانه: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا. فسبحان الله رب العرش عمّا يصفون...

فهذه وحدة المُعتقد، لا يختلف فيها إثنان من المسلمين.


ثانياً، وحدة الأمّة:

وهي أنّ الأمّة وحدة لا تتجزّأ، انحدرت من أصلٍ واحدٍ، قال تعالى: إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً.

وقال رسول الله : (كُلّكُمُ لآدم، وآدم من تُراب)..

وتسير الأمّة على النهج، نهج الوحدة بلا تفريق، فلا قَبَلِيّة، ولا عشائريّة يتهافتون إليها ويُفاخرون بها، ولا تمييز عنصري يُعيق مسيرة مجدها، وقوّتها، ويقطع حبل نموّها وازدهارها، ويحدّ قدرتها ويحول دون غلبتِها على الأعداء، قال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ.

وقال رسول الله : (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضًا).

فهكذا تكون وحدة الأمّة كوحدة البيان المشدود إلى بعضه بالحجارة والحديد، والمتماسك مع بعضه تماسكًا متينًا، وهو بهذا التماسك والإلتحام، يقوى على مواجهة العواصف والأعاصير وبتفكُّكه وانحلاله يتلاشى ويذوب مع أقلّ مواجهة خارجية.


أمّا الوحدة الثالثة، وحدة الإتجاه:

فلا بد أن يكون للأمّة الواحدة ذات المعتقد الواحد، اتجاهٌ واحد، وهذا ما يُشير إليه قوله تعالى: قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا.

قال تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ.

وهذا الإتجاه الواحد أمرٌ مطلوبٌ للأمّة التي تريد السير على طريق النجاح.


والوحدة الرابعة، هي وحدة التشريع:

فالتشريع واحدٌ للأمّة الواحدة ذات المعتقد الواحد، وهو من حق الله وحده، وإنّ إطاعة الله فيما شرّع واجبة وإنّه لا يُطاع غير الله، وهذا من متمّمات الإيمان، ومن الأمور التي لا تفارق اعتقاد الأمّة، التي تعتقد أنّ الله واحدٌ، غير أنّ هذا التشريع خاصٌ في الدين الإسلامي، وهو أقسامٌ: واجبٌ، ومندوبٌ، ومكروهٌ، ومحرمٌ، ومُباحٌ.

ولا يُجيز هذا التشريع لمن يتبعه أن يقوم بأي عملٍ من الأعمال حتى يستفتي الشريعة، فإن كان عمله واجبًا فَعَلَه، وإن كان مندوبًا تخيّر فيه حسب الإستطاعة، وإن كان مُحَرَّمًا تركه، وإن كان مكروهًا تجبّنه، وإن كان مُباحًا أخذ منه ما هو بحاجةٍ إليه فقط، قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا.

وقد يقع بعض الأمور تنازع واختلاف، ولكن الله سبحانه أمر بأن تردّ الأمور المتنازع عليها إلى الله والرسول، قال تعالى: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.

فعلينا أن نُكثر من الإطّلاع على كتاب الله وعلى سُنّة رسول الله، وأن نرجع في كُل ما نختلف عليه إلى هذين الأصلين أي: الكتاب والحديث.

وإليكم بهذه المناسبة، هذه الحكاية اللطيفة:

يُروى أنّ النبيّ بعث جيشًا، وأمَّرَ عليه واحدًا منهم، وأمر الجيش أن يسمع له، ويُطيع، وفي يوم من الأيام أغضبوا الأمير في شيء، فقال لهم: اجمعوا حطبًا.
فجمعوا، ثم قال: أوقدوا به النار، فأوقدوا.
ثم قال: ألم يأمركم رسول الله بطاعتي؟
قالوا : بلى.
فقال: ادخلوا هذه النار.
فنظر بعضهم إلى بعضٍ، وأراد ناسٌ منهم أن يدخلوها، وقال آخرون: وَيحَكُم إنّا لم ندخل الإسلام إلاّ فِرارًا من النار، فكيف يأمرنا هذا بدخول النار؟؟ فامتنعوا، ولم يدخلوها.
ولما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله ، فقال للذين أرادوا أن يدخلوها إطاعة للأمير: لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة.
وقال للذين امتنعوا عنها قولاً حسنًا، ثم قال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)..


هكذا يأمر التشريع الإسلامي بالنظر في عواقب الأمور، وبموافقتها لأمر الله ولسنّة رسول الله، ثم يبني حُكمه عليها بالإجماع، قال تعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ.

وقال تعالى لنبيّه : (فاعف عنهم، واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر).

وقال : (ما اجتمعت أمّتي على ضلال)...

وعلى هذا الطريق، طريق الوحدة التي رسمها رسول الله ، سار الصحابة الأجلاّء رضوان الله عليهم جميعًا، وأعطونا دروسًا عملية في سبيل الوحدة وفي كيفيّة العمل بها، ومن أجلها...
هذا علي بن أبي طالب ، بينما كان مشغولاً في تجهيز الرسول ودفنه باليوم الذي انتقل فيه إلى الرفيق الأعلى، اجتمعت فئة من المُهاجرين والأنصار، وبايعت الصدّيق خليفة بعد الرسول، ويصل الخبر إلى أبي سُفيان، ويأتي إلى علي ويقول: قد انفرد بها شيخ بني تَيْم لنفسه، امدُد يدك أبايعك، وإن شئت لأملأنّها عليهم خيلاً ورجالاً.

ويُدرك الإمام علي الغاية من هذا القول، ويعلم أنّ القصد منه تمزيق شمل الوحدة العربية الإسلامية وتفريق صفوف المؤمنين، فيقول لأبي سفيان تلك الكلمة الحكيمة المشهورة، وهي:

(المؤمنون نَصَحَة بعضهم لبعض، الكافرون غَشَشَة بعضهم لبعض، اذهب، فلا حاجة بي إلى خيلك ولا إلى رجالك)...

هذا ما قاله علي ، ولقد قال هذا حرصًا على الوحدة، وبالرغم من أنّه يرى أنّ هذا الحق حقه، وأنّ هذا الأمر ليس دون سواه، ولا أدل على ذلك من قوله:

(وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جزاء، أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير)

ثم قال:

(فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى، فصبرت، وهذا ابن أبي قحافة يصل إليه أنّ البعض غير راضٍ بخلافته، فيصعد المنبر ويقول: وُلِّيتُكُم ولست بِخَيْرِكُم، أقيلوني بيعتي رُغبةً منه في الوحدة، وهذا ابن الخطّاب يحكم على (جبلة ابن الأيهم) ملك الشام بأن يَلْطُمَهُ العبد، بدلاً عن لطمة كان جبلة قد لطمه إياها، ويقول له: الإسلام ساوى بينكما، ويتلو قوله تعالى: إَنَّمَا المُؤْمِنُونَ أُخْوَة.

من هنا وعن هؤلاء الرجال الأجلاّء، أخذنا بوحدة المُعتقد ووحدة الأمّة والإتجاه والتشريع، ومن هنا نتمسّك بقوله تعالى: إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ.

وفّقنا الله وإيّاكم إلى ما فيه رعاية وحدة هذه الأمّة والسًير بها على طريق العزّة والكرامة، إنّه على كل شيء قدير.

إنّ أحسن الحديث ذكر الله، وأبلغ موعظة المتقين كتاب الله.