كُنْ حُسَيْنِيَّ الرَّأي، وحُسَيْنِيَّ السِيرة، وحُسَيْنِيَّ المَشهَد، وحُسَيْنِيَّ السُّلوك، وحُسَيْنِيَّ الأخلاق. الجمعة في 26 آب 2022م

أُضيف بتاريخ السبت, 29/07/2023 - 13:16


كُنْ حُسَيْنِيَّ الرَّأي، وحُسَيْنِيَّ السِيرة، وحُسَيْنِيَّ المَشهَد، وحُسَيْنِيَّ السُّلوك، وحُسَيْنِيَّ الأخلاق.
الخطبة الآخرة من صلاة الجمعة في 26 آب 2022م
فضيلة الشيخ تمّام أحمد حفظه الله
مسجد الإمام جعفر الصادق (ع) \ قرية عين حفاض \ صافيتا

في العاشر من المحرم كانت واقعة كربلاء، هذه الواقعة التي يجب أن نستلهم من معانيها حقائق، وأن نقِفَ على دقائِقِ سيرتها، لنَنظُرَ إن كانت مرحلةً مضت وخَلَت في أُمَّةٍ سبقت، أم أنّها باقيةٌ إلى هذا اليوم! فإن كانت باقيةً فكيف يُنظرُ إليها اليوم؟

أمير المؤمنين عليُّ بنِ أبي طالب  قال له أحدُهُم بعد انتصاره في بعض معارك الخوارج في النهروان، قال له: يا أمير المؤمنين، ودِدْتُ لو أنَّ أخي كان معنا ليَشهَدَ ما نصركَ الله عز وجل به.
وهذا الرجل لم يكُن أخوه حاضرًا مع القوم. فقال له أمير المؤمنين: (أهَوَى أَخيكَ معنا!)
أَهُوَ يُؤَيِّدُنَا، أيميلُ إلينا بقلبه، أَهُوَ ممّن يرانا على حق؟ 
فقال الرجل: نعم. فقال أمير المؤمنين: (لقد شَهِدَنَا).
شَهِدَنَا وإِن لم يكُن رآنا، شَهِدَنَا وإِن لم يكُن حَضَرَ معنا، لقد شَهِدَنَا، 
(وشَهِدَنَا في موقفنا هذا أقوامٌ في أصلاب الرجال وأرحام النساء، سَيَرْعَفُ بهِمُ الزمان، وَيَقْوَى بهِمُ الايمان.)

لقد شَهِدَنَا في عسكرنا هذا (معسكرنا) قومٌ في أصلاب الرجال وأرحام النساء لم يولدوا، ولكن إذا كانوا يميلون إلى ما نميل إليه، يقولون بأننا على الحق فكأنّهم شهِدوا، وإن لم يولدوا.

ولهذا ينبغي أن ينظر الإنسان في الثقافة التي يتلقاها، وفي الأخلاق التي يكتسبها، إنّها كما تُطبعُ في عقله كذلك تُطبعُ في جيناته، فهو ينقُلها إلى من يأتي من ذُرِّيَتِهِ ومن صُلبِهِ، ولذلك إذا أردتَ أن تُنشِئَ جيلًا متينًا في ثقافته، قويًّا في أخلاقه، مُتماسكًا في تفكيره، مُتَّجِهًا إلى قيمة الإنسانية، فعليك أن تكتسب تلك الثقافة أولا.

إذا كان أحدٌ في هذا العَصر، يرى حق الإمام الحُسين فيما خرج من أجله فكأنّه شهِدَ واقعةَ كربلاء، والذي يرى خِلاف ذلك فهو ممّن قال فيه الإمام الحُسين  حين وصلَ إلى أرض كربلاء، قال ما اسم هذه الأرض؟ قالوا أرض كربلاء، قال :

(هذا كربٌ وبلاء، أعوذ بالله من الكرب والبلاء. هُنا مُناخُنا، هُنا مَحَطُّ رِحالنا، هنا مقتل رجالنا، هنا مَسفِكُ دمائنا).

(أعوذ بالله من الكرب والبلاء، إنّ الناس أبناء الدنيا والدين لُعَقٌ على ألسنتِهِم، يَحُوطونَه ما دَرَت معائشهم، فإذا مُحِّصُوا قَلَّ الدَّيَّانُون.)

إذا مُحِّصُوا قَلَّ الدَّيَّانُون، وهذه صفةٌ لا يخلو منها عصرٌ من العُصور، ولذلك قال في استمرارها الشيخ حُسين سعّود طيّب الله ثراه:

أَتَظَلُّ فِي عُنُقِ الْحُسَيْنِ تَحُزُّهَا    مِنْ غَيْرِ مَرْحَمَةٍ شِفَارُ يَزِيدِ

الحسين  رمز الحق في كل عصر، وأعداؤه رمز الباطل في كل عصر، فكُلَّما غلب الباطل على الحق كان ذلك مشهدًا حُسينيًّا، وكُلَّما انتصر الحق على الباطل كان ذلك مشهدًا حُسينيًّا، غير أنَّ هذا يدُلُّ على أنَّ الحق وإن طال أمَدُ المُغتصب لا بُدَّ أن يسقُط ولا بُدَّ أن يرحل.

فلينظُر كُلٌّ في نفسه كيف يكونُ حُسَيْنِيَّ السيرَة، يكفي أن يشهَدَ كربلاءَ في سُلوكِهِ وفي أخلاقِهِ.

أن يقول للظالم: لا. أن يقول للمُعتدي: لا. أن لا ينقادَ لأمر مُتجبِّرٍ مُتكبِّرٍ في هذه الأرض.

إنّهُ بذلك يكون حُسَيْنِيَّ الرَّأي، وحُسَيْنِيَّ السِيرة، وحُسَيْنِيَّ المَشهَد، وحُسَيْنِيَّ السُّلوك.

التاريخ يستطيع كُلُّ قارئٍ ينظُرُ فيه أن يروِيَه، ما من إنسانٍ يعجَزُ عن أن يقرأ أو أن يُقرأ له، ما كان في كربلاء، ولكنّ الحِكمَةَ اليوم أن نتذكّر قول مولانا أمير المؤمنين : (أهَوَى أَخيكَ معنا!) (فإن كان هواهُ معنا فقد شَهِدَنَا).

فالعاقِلُ من يستطيعُ أن يشهَدَ كُلَّ يومٍ في معركة الحق والباطل رمزيَّة الإمام الحسين ورمزيَّةَ أعداء الإمام الحسين.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم مِمَّن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّدٍ صلاةً تقبل بها صلاتنا، وتُجيب بها دُعاءنا وتغفر بها ذَنبنا، وتمحو بها سيّئاتنا، وتُغني بها فقرنا، وتجبُر بها كسْرنا، إنّك على كُلّ شيء قدير.

عباد الله، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون ﴿النحل 90

اللهم اجعلنا ممّن ذكّرته فتذكّر، وزجرته فانزجر، وأسمعته فسمع وبصّرته فأبصر.

أقول قوليَ هذا وأستغفر الله لي ولكم.