كيف تنال العزة والكرامة والشرف... من أين تأتي، وكيف يُوصل إليها، وكيف تُبلغ، وكيف تُصان؟ الجمعة في 5 آب 2022م

أُضيف بتاريخ الجمعة, 15/09/2023 - 04:36


كيف تنال العزة والكرامة والشرف...
من أين تأتي، وكيف يُوصل إليها، وكيف تُبلغ، وكيف تُصان؟


هذه الخطبة الأولى من صلاة الجمعة في 05 آب 2022م
لفضيلة الشيخ تمّام أحمد حفظه الله
مسجد الإمام جعفر الصادق  \ قرية عين حفاض \ صافيتا

ما من أحدٍ في هذه الدنيا لا يرغب في أن ينال جاهًا عريضًا، ومكانةً عاليةً، ومقامًا مرموقًا في دنياه.

وكُلٌّ يبحث عن هذه الصفات بحسب ما أوتيَ من عقلٍ ومِن فِكر، وبحسب ما يجد السبيل إليها أو يظنُّ أنّ الوصول إليها مُعَلَّقٌ به.

من الناس من يبحث عن الشرف وعن الجاه وعن المكانة، ولكن كيف تتأتّى هذه الأشياء، ومن أين تأتي وكيف تُصان، كيف يوصلُ إليها، كيف تُبلغ؟ لكُلٍّ رأيٌ في هذه المسألة. ولكُلٍّ قناعةٌ في سُلوكِهِ إليها.

من الناس من يرى العزّة في الدنيا بأن يكون صاحب صيت ومال وجاه، ومنهم من يراه بخلاف ذلك.

ومن الناس من يرى الكرامة في أن يكون مُعَظَّمًا في قوله ومُبجّلًا بين أهلِهِ ومُطاعًا أمرُهُ.

ومنهم من يرى بخِلاف ذلك. فكيف تُبلغُ هذه المنازل، وكيف يُوصلُ إليها، وصولًا إلى حقائقها فلا تزول من بعد ذلك.

يقول الإمام الصادق :

"مَنْ بَرِئَ مِنْ ثَلَاثَةٍ نَالَ ثَلَاثَةً: مَنْ بَرِئَ مِنَ الشَّرِّ نَالَ الْعِزَّة، وَمَنْ بَرِئَ مِنَ الْكِبْرِ -من التكبر والغرور- نَالَ الْكَرَامَةَ، وَمَنْ بَرِئَ مِنَ الْبُخْلِ نَالَ الشَّرَفَ".

"مَنْ بَرِئَ مِنَ الشَّرِّ"، لم يقترب منه، "نَالَ الْعِزَّة"، والعِزَّةُ الحقيقية هي التي تبقى، لا تفنى ولا تزول ولا يكون ذلك إلا بطاعة الله. إِنّ العزيزَ من أعَزَّتهُ طاعتُه، وإِنَّ الذليل مَن أذَلَّتهُ معصيتُه. ولذلك قال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴿الـمنافقون 8﴾.

أمّا الاعتزاز بغير الله فهو ذُلّ، قد يكون عِزَّا في الدنيا وجاهًا، لكنّهُ يزول بزوال صاحبه، وينقضي بانقضائه، أمّا إذا كان عِزًّا مبنيًا على طاعة الله، وعلى الخضوع لأمر الله، فذلك الذي لا يموت ولا يَبلى ولا يتبدّل.

"وَمَنْ بَرِئَ مِنَ التَّكَبُّرِ نَالَ الْكَرَامَةَ"، إذ يقول الله عَزّ وجَلّ: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴿الحـجـرات 13

العاقل مَن تواضع لله عز وجل، فإنّ من تواضع رفعه الله، ومن تكبّر وَضَعَهُ الله، قانونٌ إلهيٌّ لا يزول ولا يتبدّل ولا يتغيّر، من تواضع رفعه الله عز وجل، إذ لا يتواضعُ إلا العلماء، أمّا من تكبّر كان تكبُّرُهُ دليلًا على ضعف عقله، ولذلك قال مولانا الإمام: "عُجْبُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ عَقْلِهِ".

إعجاب المرء بنفسه دليلٌ على فساد عقله، "وَمِنَ الْعُجْبِ دَرَجَاتٌ: مِنْهَا أَنْ لَا يَرَى الْإِنْسَانُ لِأَحَدٍ فَضْلًا عَلَيْه". ذلك دليلٌ على ضَعفِ عقلِهِ ونَقصِ تفكيره، واختلال نظره إلى حقائق الأمور.

"وَمَنْ بَرِئَ مِنَ الْبُخْلِ نَالَ الشَّرَفَ"،  نال العُلُوّ في الدنيا وفي الآخرة، لأنّ سادة الناس في الدنيا همُ الكُرماء، ولأنَّ سادةَ الناس في الآخرة هُمُ الأتقياء، ولذلك جاء في الأثر: "خَصْلَتَانِ لَا تَجْتَمِعَانِ فِي مُؤْمِنْ: الْبُخْلُ وَسُوءُ الْخُلُق".

وقال تعالى في كتابه الكريم: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿آل عمران 180

وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، إنّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، كيفما حاول الإنسان أن يحتال في أمور هذه الدنيا إنّه قد يحجُبُ عنك أمرًا، أو يُخادعُكَ في أمرٍ، أو يُخفي عنك أمرًا، ولكنّه بين يدَي ربّهِ لا يستطيعُ أن يُخفِيَ شيئًا!

وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴿الـمنافقون 7﴾، وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ ۚ ﴿محمد 38﴾، ومن يُعطي فإنّما يُعطي نفسه، إذا أعطيت إنّما أنتَ تُعطي نفسكَ لا تُعطي غيرك، وإذا بخِلت، فأنتَ إنّما تبخلُ على نفسك.

إذ ما أعطيت وجدتَ من يُعطيك، إذا يسّرتَ أمرَ أحدٍ أرسل الله عز وجل لك من يُيَسِّرُ أمرك، وإذا أكرَمتَ أحدًا يَسَّرَ الله تعالى من يُكرمك.

مَن أعطى باليد القصيرةِ يُعطى باليد الطويلة، ونِعَمُ الله عز وجل لا تُعَدُّ ولا تُحصى، فالمُحسِنُ مُحسِنٌ لنفسه، والمُسيءُ مُسيٌ لنفسه. لا يستطيعٌ أحدٌ أن يُحسِنَ إلى أحد، ولا أن يُسيءَ إلى أحد، من أحسنَ؛ أحسنَ لنفسه، وقَدِمَ على ثوابِ ما عَمِلَ فوَجَدَهُ حاضِرًا، وكذلك من أساء.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم مِمَّن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّدٍ صلاةً تقبل بها صلاتنا، وتُجيب بها دُعاءنا وتغفر بها ذَنبنا، وتمحو بها سيّئاتنا، وتُغني بها فقرنا، وتجبُر بها كسْرنا، إنّك على كُلّ شيء قدير.

عباد الله، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿النحل 90﴾ 

اللهم اجعلنا ممّن ذكّرته فتذكّر، وزجرته فانزجر، وأسمعته فسمع وبصّرته فأبصر.

أقول قوليَ هذا وأستغفر الله لي ولكم.