ما قَدْرُ نفسك، وما ثمنها، وما هو ثمن الجنة؟ الجمعة في 05 آب 2022م

أُضيف بتاريخ الجمعة, 22/09/2023 - 06:55


ما قَدْرُ نفسك، وما ثمنها، وما هو ثمن الجنة؟

هذه الخطبة الأولى من صلاة الجمعة في 05 آب 2022م
لفضيلة الشيخ تمّام أحمد حفظه الله
مسجد الإمام جعفر الصادق  \ قرية عين حفاض \ صافيتا

لكل شيء في هذه الدنيا قَدْرٌ وقِيمةٌ، تُعرفُ قيمتُه بمقدار نَفَاسَتِهِ ونَفْعِهِ للناس، كُلُّ سِلْعَةٍ في هذه الدنيا تُقَوَّمُ بمالٍ أو بسلعةٍ من جنسها تكون مقابلةً لها، فلا يستطيعُ أحدٌ أن يدخُلَ إلى السوق إلا إذا كان يحمِلُ مالًا، ولا يستطيعُ أن يدخُلَ إلى مَتْجَرٍ ليَشْتَرِيَ شيئًا إلا إذا كان يحمل مالا.

لا يأكُلُ ولا يشرَبُ ولا يَلْبَسُ مجَّانًا، كُلُّ ذلك له ثمن، إذا كانت هذه الأشياء وهي من لوازم الجسد، من الفانيات الباليات، لا تُعطَى إلا بثمن ولا تُؤخَذُ إلا بثمن، فكيف يطمعُ الإنسان أن تكون جنّة الله عز وجل بغير ثمن!

إذا كنت لا تستطيعُ أن تأكُلَ الخُبْزَ إلا إذا دفعتَ ثمنه، إلّا إذا أنقَدْتَ البائعَ ثمنهُ، فكيف تكون الجنّة بغير ثمن، إنّما ثمن الجنّةِ لا يتطلّبُ منك مالًا، إنّما يتطلب منك عملًا صالحًا، وأخلاقًا وقِيَمًا، وذلك لا يتأتّى إلا حين يعرف الإنسان قَدْرَ نفسه، وحين يضعُها في الموضِعِ الذي يجبُ أن تكون فيه.

يقول مولانا أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب :

"مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَق، هَلَكَ عِنْدَ جَهَلَةِ النَّاسِ، وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَلَّا يَعْرِفَ قَدْرَه".

أن لا يُنزِلَ نفسه المنزلة التي تستحق، إنّنا نعرف أثمان كثيرٍ من الأشياء، ونعلمُ أقدارَها وأوزانها، وقِيَمَهَا، ولكنَّنَا لا نبحثُ عن أقدارِ أنفسنا، كما نبحث عن غير ذلك من قِيَمِ الأشياءِ وأقدارِهَا.

ما مِن أحدٍ لا يعلَم بحاجته إلى ما يعيشُ به وما يقتات عليه، لا يعلم ثمن الخُبز وثمن الغاز، وثمن الخُضار والفواكه، وثمن اللحوم، ويُراقبها، ويعلم زيادتها ونُقصانها، فهل فتّش ليعلم قَدْرَ نفسه وقيمَةَ نفسه كيف تكون، إذا أراد أن يُنزلها منزلتها.

"كَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَلَّا يَعْرِفَ قَدْرَه". إنّ اللهَ عز وجَلّ إذا جمعَ الناس سألهم عمّا عَهِدَ إليهم، ولم يسألهم عَمَّا قَضَى عليهم!

لا يسألُكَ اللهُ عز وجل يوم القيامة عمّا قَضى عليك من ضيقٍ، أو فقرٍ، أو مرضٍ، أو نازلةٍ، أو نائبة، ولكنه يسألك عمّا عهِدَ إليك من عِلمٍ ومن عمَلٍ ومن فروضٍ ومِن واجبات، "وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَلَّا يَعْرِفَ قَدْرَه". أن يكون عارفًا أقدارَ كثيرٍ من الأشياء، ولكنّه لا يقِفُ عند نفسه ليَعلَمَ قَدْرَها! "إِنَّ لِأَنْفُسِكُمْ أَثْمَانًا، فَلَا تَبِيعُوهَا إِلَّا بِالْجَنَّة".

أليس منَ العَجَب أن نعلم سِعرَ كثيرٍ من السِّلَع وأقدارها وقِيَمَها، ولا نجتهدُ لنعرفَ أقدارَ أنفُسِنا، أين نضعُها، وكيف نُنزلها منزلتها، ولقد قال مولانا أمير المؤمنين عليُّ بنِ أبي طالب : "أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ  أَنْ نُنْزِلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُم"، جُملةٌ بسيطةٌ من كلامه:

"قِيمَةُ كُلِّ امْرِءٍ مَا يُحْسِنُهُ"

"فَتَكَلَّمُوا فِي الْعِلْمِ تَتَبَيَّنُ أَقْدَارُكُمْ"

"زِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، وَحَاسِبُوهَا قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا".

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم مِمَّن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّدٍ صلاةً تقبل بها صلاتنا، وتُجيب بها دُعاءنا وتغفر بها ذَنبنا، وتمحو بها سيّئاتنا، وتُغني بها فقرنا، وتجبُر بها كسْرنا، إنّك على كُلّ شيء قدير.

عباد الله، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿النحل 90﴾ 

اللهم اجعلنا ممّن ذكّرته فتذكّر، وزجرته فانزجر، وأسمعته فسمع وبصّرته فأبصر.

أقول قوليَ هذا وأستغفر الله لي ولكم.