خُطبتا صلاة الجمعة في 11 نيسان 2014م

Submitted on Fri, 13/03/2015 - 05:47
(فيديو + مُلَخّص عن خطبتيّ صلاة الجمعة في 11 نيسان 2014م)

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
اجتنبوا القائلين والمُجادلين بغير علم ولا بيّنة ولا هُدى..
اجتنبوا من يستخف بعاقبة كلامه بغير علمٍ وكأنه لم يسمع أنّ من أفتى بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض..
ما أعجلنا إذا وَرَدَ علينا ما لم نسمع به أو لم نطّلع عليه أو لم نعرفه، ما أعجلنا إلى إنكاره وردّه ودفعه.. وهذا حالٌ عليه أكثر الناس.. (إنّ أكثر الحق فيما تُنكرون)..
صفة الناس في هذا الزمان كصفتهم في زمن أمير المؤمنين .. وينبغي أن نجتنب القائلين بغير علم..

وَفِي الخُطْبَةِ الآخِرَة:
نحن في حالٍ من البلاء لأننا: أخطأنا، وقصّرنا، واستخففنا، وأهملنا، ما أمرنا الله به..

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

يقول الله  في كتابه الكريم:  وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا * وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا * كُلُّ ذَ‌ٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا* الإسراء\36-37-38.

فينا أيّها الإخوة ولا يزال، من يُجادِلُ بغير علمٍ ولا بيّنةٍ ولا هُدًى، ومن يستخفُّ بعاقِبَةِ كلامه بغير علم، كأنّه لم يسمع بأنّ من أفتى بغير عِلمٍ لعنته ملائكة السماء والأرض، ملائكةُ الرّحمة وملائكةُ الغضب، وكأنّهُ لم يسمع أنّ حقّ الله  على عبادِهِ أن يقولوا ما يعلمون، ويقِفوا عند ما لا يعلمون.

حق الله  أن تقول ما تعلم وأن تقِفَ عند ما لا تعلم، قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب :

(أَيُّهَا النَّاسُ، خُذُوهَا عَنْ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ  ، إِنَّهُ يَمُوتُ مَنْ مَاتَ مِنَّا وَلَيْسَ بِمَيِّتٍ، وَيَبْلَى مَنْ بَلِيَ مِنَّا وَلَيْسَ بِبَالٍ، فَلَا تَقُولُوا بِمَا لَا تَعْرِفُونَ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْحَقِّ فِيمَا تُنْكِرُونَ..)

مَا أَعْجَلَنَا إذا وَرَدَ علينا ما لم نسمع به، أو لم نطّلِع عليه، أو لم نعرِفهُ، ما أعجلنا إلى إنكاره وردّه ودفعِهِ، وهذا حالٌ عليه أكثرُ النّاس.

نَعجَلُ إذا وَرَدَ علينا ما لم نعرفُهُ كأنَّنَا قد قرأنا العلم كُلّهُ، أو كأنّنا أَحَطنا بالعلم كُلِّهِ! وكُلُّنا يعلمُ أنّ ما علِمَهُ لو أراد أن ينظُرَ فيما جَهِلَهُ منَ العِلم لكان ما جهله أعظَم. إذا أراد أن ينظُرَ فيه، إن ما جهِلْتَهُ لهو أعظَمُ في مُضاعفتِهِ أضعافًا مُضاعفَةً مِمّا علمت، فلماذا تعجَلُ إلى إنكار ما لم تعرِف!؟

(إِنَّ أَكْثَرَ الْحَقِّ فِيمَا تُنْكِرُونَ..) ما من أحدٍ منَّا يقول أو يظُن -إن ظنّ في نفسه هذا- أن يقول أنّه قد بلغَ العِلمَ كُلَّهُ. إن لم تكُن بلغتَ العِلمَ كُلَّهُ فما لكَ تُجادِلُ فيما لا تعلم!؟ وإذا ورَدَ عليك من يدُلُّكَ على خطئكَ، استكبرتَ أن تخضعَ للحق.

صفة النّاس في هذا الزمان أيّها الإخوة كصفتهم في زمن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، حين كان يوصي ولده الحسن  ويصِفُ له حال النّاس: (كَيْفَ وَأَنَّى بِكَ يا بُنَيّ إذا صِرْتَ في قَوْمٍ طِفْلُهُم غَاوٍ، وَشابُّهُم فَاتِك، وشَيْخُهُم لا يأمُرُ بمعروفٍ ولا يَنْهَى عن مُنكَر).. حتّى يقول: (فأحمقُ النّاس مَن أَسِفَ على فَقْدِهِم، أو سُرَّ بِكَثْرَتِهِم..) 

كان من حديثه أنّه قال: (فما طِلابُك لقومٍ إن كُنتَ عالمًا عابوك، وإن كُنتَ جاهلًا لم يُرشِدوك.) إن كُنتَ عالمًا قالوا فيك ما لا يجوز أن يُقال، وإن كُنتَ جاهلًا لم يُرشِدوك إلى طريق العلم! عابوكَ إذا عَلِمت، وتركوكَ إذا كُنتَ جاهلًا.

(إن كُنتَ عالمًا عابوك، وإن كُنتَ جاهلًا لم يُرشِدوك. وَإِن طلبتَ العلمَ قالوا: مُتكلِّفٌ مُتَعَمِّق، وإن تركتَ طلب العلم قالوا: عاجزٌ غبيّ.) هذا إذا طلبتَ العلم قالوا: ما له يتكلّفُ ما لم يُكَلَّف، وإذا تركتَ طلب العلم لأنّهم قالوا فيكَ أنك مُتكلّف، عابوا، فقالوا: إنّهُ عاجزٌ غبيّ.

(وإن تحقّقتَ لعبادة ربك قالوا: مُتصنّعٌ مُراءٍ،) إذا أردتَ أن تنفرد لتعبُدَ الله  قالوا: هذا يتصنّعُ ويُرائي.

(وإن أنفقتَ قالوا: مسرف، وإن اقتصدت قالوا: بخيل، وإن لزمت الصمت قالوا: أَلْكَنٌ..) -لا يستطيع أن يتكلّم- (وإن نطقتَ قالوا: مِهْذار..) -كثيرُ الكلام يتكلّمُ بما لا ينفعُهُ- والهَذَرُ والثّرثرةُ بمعنى أن تأتي بكلام لا قيمةَ له.

(وإن احتجتَ إلى ما في أيديهم صارَمُوكَ وذَمُّوك..) بمعنى: هجروك. صارمَ الشيء أي: هجره. أو صادموكَ في بعض النُّسخ، بمعنى لطموك. صارَمُوكَ وذَمُّوك إن احتجت لما في أيديهم.

(وإن لم تَعْتَدَّ بهم كفّروك..) بعدما قالوا، إن لم تلتفت إليهم أو استخففتَ بهم  ولم تَقُم لهُم وزنًا كفّروكَ، نسبوكَ إلى الكفر، (فهذه صِفةُ أهلِ زمانك.)

هذه صفة أهل ذلك الزمن في عهد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، فكيف يكون الحال في هذا الزمن!؟

ألستُم تَرَونَ، من إذا جَهِلَ شيئًا عادَى من دَلَّهُ على طريق الخير وعادى من عَلَّمَه، وإذا رآهُ جاهلًا لم يستطع أن يُرشِدَهُ ولا أن يدُلَّهُ، ولكن إذا رآهُ يتعلّم عابَهُ، وإذا رآه يعبد الله قال: هذا مُتصنّعٌ مُرائي، وإذا رآه يُنفِق قال: هذا مسرف، وإذا دلّهُ على عمَلٍ يُرضي الله  ويكون في طاعة الله  ، قال: هذا بخيل! يُريدُ أن يجُرّني إلى البُخل. فما تدري ماذا تعمل!؟. إذا أنفتَ فأنتَ مُسرِف، وإذا اقتصدت فأنت بخيل، وإذا لزِمتَ الصّمت فأنتَ عِندَهُم ألْكَنٌ أخرسُ لا تستطيع، عاجزٌ عن أن تتكلّم. وإذا تكلّمتَ وإذا نَطَقْت، قالوا: هذا مِهذار، كلامُهُ لا يرجعُ إلينا بنفعٍ ولا بفائدة.. فماذا نصنعُ أيّها الإخوة في هذه الحال، وإن كان عليها أكثرُ الناس!؟.

نصنعُ أيّها الإخوة أن نجتنب أمثالَ هؤلاء، نجتنبهم ليعلموا أنّهم على طريق الضلال والخطأ.

نجتنبهم لأن الله  لم يجعَل العِزَّةَ في كَثرةِ النّاس إنّما جعلها في قِلّتِهِم، قوله تعالى: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ 116 . ومدح القِلّة قال: وَقَلِيلٌ مَا هُمْ لكنّه ذمّ الكَثرَة. 

فلا يَحْسَبَنَّ أحدٌ أنَّ في الذي يراه من كَثرةِ القائلين بغير علم أنَّ هذا يحملهُ على أن ييأسَ أو أن يزهَدَ أو أن يشُكَّ في أنّه على طريق الحق. أنتَ إذا عمِلتَ بما أمرَ الله  فقُلتَ ما تعلَم ووقفتَ عند ما لا تعلم أنتَ على طريق الحق ولا تلتفت إلى ما كان على غير هذا. قال أمير المؤمنين عليٌّ :

(لَا تَقُلْ مَا لَا تَعْلَمُ، بَلْ لَا تَقُلْ كُلَّ مَا تَعْلَمُ، فَإِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى جَوَارِحِكَ كُلِّهَا فَرَائِضَ يَحْتَجُّ بِهَا عَلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.)

اُذكُروا هذا أيّها الإخوة. إنّ الله  قد فرض على كُلّ جارحةٍ من جوارحنا فرائض سيحتجّ بها بما فرض عليك يوم القيامة، وهنالك تبلغ كل نفس ما أسلفت، فلا يلتفتنَّ أحدٌ ولا يكُن مِمَّا يراه يُصيبُهُ شيءٌ من الكسل أو الضّجر. يقول الإمام الصادق : (إياك والكسل والضجر،فإنّك إن كَسَلْتَ لم تَعمَل، وإن ضَجِرْتَ لم تقُلِ الحق.)

هذه الحال أيّها الإخوة حالٌ قديمةٌ. لنعمل من أجل أن نجتنب من كان بهذه الصفة. ليس بعالمٍ ولا يعرف كيف يدخُلُ مدينة العلم، وإذا رأى مُتعلّمًا أساء إليه، وإذا رأى جاهلًا تركه على جهله.. فاجتنبوا أمثال هؤلاء.

يا عبادَ الله، إنّ الموقف بين يَدَي الله عظيم، وكُلُّنا سنُسأل، كُلُّنا قرأ أنّهُ سيُسألُ عن شابابه، وعن ماله، وعن جسده، وعن وقته، فاجتهدوا أن لا نكون ممّن غَضِبَ الله  عليهم. أن لا نكون ممّن ينتزع الآيةَ من القرآن فيَخِرُّ فيها أبعد ما بين السماء والأرض، أن لا نكون ممّن يجترئُ على إمامه، أن لا نكون ممّن يُفتي  بغير علم وإذا جاءه الحق أعرض عنه أو استخفّ به، فإنَّ الموعِدَ الله، إنَّ الموعِدَ الله، إنَّ الموعِدَ الله. 

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ 90 سورة النّحل....

وَفِي الخُطْبَةِ الآخِرَة:

.............