خُطبتا صلاة الجُمُعة في 15 آب 2014م

Submitted on Fri, 14/08/2015 - 11:21
(فيديو + مُلَخّص عن خطبتيّ صلاة الجُمُعَة في 15 آب 2014م)

  موضوع الخطبتين: (حالنا مع الغِيبة والسُخرية والنميمة - شواهد من كلام أسيادنا - من هو الجاهل ما هو الجهل؟ وحالنا معهم)
- في كُلّ يومٍ إن كُنّا ممّن يقرأ في كتاب الله عز وجل نقرأُ قوله الذي نهى فيه عن السُخريَة وعن الغِيبة وعن النَميمة وإن لم نكُن من القُرّاء وهو حال أكثرنا فإنّنا نسمعُ به.
نهانا عن الغِيبة فاغتبنا، ونهانا عن السُخريَة فسَخِرنا، ونهانا عن اللمزِ فلَمَزنا، ونهانا عن سوءِ الظَنّ فظَننّا، ونهانا عن أن يسعى أحدُنا في هَلاكِ أخيه فخالفنا، فمتى نتوب إلى الله ممّا فعلنا، ومتى نرجو نصرَ اللهِ إذا كُنّا ممّن يُخالفُ أمره، ويضربُ بكتابِهِ عُرضَ الحائط ويتجرّؤ على رسوله ويَطعَنُ على أهلِ بيتِهِ، ويستكبر في الأرض بغير الحق ويدّعي بعد هذا أنّه من أولياء أمير المؤمنين وأنّه ممّن أحبّ أهل بيت رسول الله ص وآله وسلم .
- الوَلاية يا عباد الله وَلايتان : إمّا وَلايةُ الله وإمّا وَلايةُ الشيطان.
- ممّا قاله الشيخ محمود سليمان الخطيب رحمة الله تعالى ورضوانه عليه..
- وما أبكى العَلاّمة الشيخ سُليمان الأحمد رحمة الله ورضوانه عليه..
- ممّا قاله الشيخ حُسين سعّود رحمة الله تعالى ورضوانه عليه..
- ممّا أرسله الشيخ محمد حمدان الخير من قصيدةٍ أرسلها للشيخ حُسين سعّود..
- الخطبة الثانية: من هو الجاهل وما هو الجهل؟
- ما أكثر من يقول (ما أعرف هذا وما أراه كان وما سمعتُ به وما رأيتُ فُلانا يفعلُهُ) إذا لم تكُن تعلمُهُ أفيُصبِحُ باطلاً؟! وهل ننتظرك حتى تعلم لنعمل بما أمر به الله عز وجل ؟!. وهل ننتظرك حتى تعلم؟!
- إذا لم تكُن بعدُ قد أيقنتَ وصَدَّقت أنَّ حزب الله إنما جاء هنا ليُساعدك على أعدائك وأنّ جبهةُ النُصرة وأنّ غيرها سيسفكون دمك نحن لن ننتظرك حتّى تُصدّق...
- وكم عانى علماؤنا رحمهم الله من هؤلاء المُدّعين .
- أقوال للعلّامة الشيخ سليمان الأحمد وأقوال للشيخ عبد الهادي حيدر رحمهما الله تعالى...


  الخُطبة الأولى:

في كُلّ يومٍ إن كُنّا ممّن يقرأ في كتاب الله عز وجل نقرأُ قوله الذي نهى فيه عن السُخريَة وعن الغِيبة وعن النَميمة وإن لم نكُن من القُرّاء وهو حال أكثرنا فإنّنا نسمعُ به.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات (11)]
  نهانا عن الغِيبة فاغتبنا، ونهانا عن السُخريَة فسَخِرنا، ونهانا عن اللمزِ فلَمَزنا، ونهانا عن سوءِ الظَنّ فظَننّا، ونهانا عن أن يسعى أحدُنا في هَلاكِ أخيه فخالفنا، فمتى نتوب إلى الله ممّا فعلنا، ومتى نرجو نصرَ اللهِ إذا كُنّا ممّن يُخالفُ أمره، ويضربُ بكتابِهِ عُرضَ الحائط ويتجرّؤ على رسوله ويَطعَنُ على أهلِ بيتِهِ، ويستكبر في الأرض بغير الحق ويدّعي بعد هذا أنّه من أولياء أمير المؤمنين وأنّه ممّن أحبّ أهل بيت رسول الله ص وآله وسلم .

  الوَلاية يا عباد الله وَلايتان : إمّا وَلايةُ الله وإمّا وَلايةُ الشيطان.

  يقول الإمام الصادق عليه السلام: (من رَوَى على مؤمنٍ رِوايةً يُريدُ بها شَينَهُ وهَدمَ مُروءَتِهِ ليسقُطَ من أعيُنِ الناس أخرجه الله من وَلايتِهِ إلى وَلاية الشيطان فلا يقبلُهُ الشيطان)
  بلغَ من القُبحِ مبلغاً أنّ الشيطان لا يقبلُهُ فأنّى تذهبون ومع من تُريدون أن تكونوا ؟ الله عزّ وجلّ لا يقبل أن يكون ممّن والاه من يَغتابُ ومَن يَسعى. هذا الإمام الصادق إذا كُنتُم تُصَدّقونه يقول لكم هذا . من فعل هذا أخرجه الله من وَلايَتِهِ إلى وَلاية الشيطان والشيطان لا يقبله.

  أعجبُ ما سمعنا وأعجبُ ما رأينا ولنا أن نتعجّب فلقد تعجّبَ من قبلُ مولانا أميرُ المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام (فيا عجباً وماليَ لا أعجب) .
  نحن ممّن قال فيهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: (لا يقتصّون أثر نبيّ، ولا يقتدون بعمل وَصِيّ، ولا يُؤمنون بغَيب، ولا يَعِفّون عن عَيب، المعروف فيهم ما عَرَفوا، والمُنكرُ عندهم ما أنكروا، كأنّ كُلَّ امرءٍ منهم إمام نفسهِ).

  كانت صفة الناس في زمانه من وصيّته للإمام الحَسَن عليه السلام:
(كيف وأنّى بك يا بُنَيّ، إذا صِرتَ في قومٍ صبيُّهُم غاوٍ، وشابُّهُم فاتِك، وشيخهم لا يأمرُ بمعروف ولا يَنهَى عن مُنكر، وعَالِمُهم خِبْطٌ مَوَّاء، مُستَحوِذٌ عليه هَواه، مُتمسّك بعاجِلِ دُنياه، خوفهم آجِل (يُؤجلون الخوف من الله)، ورجاؤهم عاجل، يُحبّون من غَشّهم، ويَمَنّون من داهَنَهُم، حتى إذا داهنتهم ولم تكُن ممّن يغُشّهُم أصابهُم المَلَل، دينهم الرِبى، كُلّ حَقٍ عندهم مهجور، قد استولت عليهم سَكرَةُ الغَفلَة، إن تركتهم لم يتركوك، وإن تابعتهم اغتابوك، إخوان الظاهر وأعداء السرائر، يتصاحبون على غير تقوى، فإذا افترقوا ذمّ بعضُهُم بعضاً، تموت فيهم السُنَن، وتَحيَ فيهمُ البِدَع، فأحمقُ الناس من أسِفَ على فَقدِهِم، أو سُرّ بكثرتِهِم، فما طِلابُكَ لقوم إن كنتَ عالماً عابوا، وإن كنتَ جاهلاً لم يُرشدوك، وإن طلبتَ العِلمَ قالوا مُتكلّفٌ متعمّد، وإن تركتَ طلب العِلمِ قالوا عاجزٌ غَبيّ، وإن تحقّقتَ لعبادة ربّك قالوا مُتصنّعٌ مُراءٍ، وإن لَزِمْتَ الصَمت قالوا أبكَم، وإن نطقتَ قالوا مِهزار، وإن أَنفقتَ قالوا مُسرِف، وإن اقتصدتَ قالوا بخيل، وإن احتجتَ إلى مافي أيديهم صَرَمُوك وذمّوك، وإن لم تَعتَدَّ بهم كفّروك، فهذه صفة أهلِ زمنك).

  أليس صفتنا اليوم أم يستحي أحدنا أن يقولها، (لا تسُبَّنَّ إبليس في العلانيّة وأنتَ صديقُهُ في السِرّ) هكذا كان يقول أمير المؤمنين.

أحدُ عُلماء الشافعية قال:
إذا سألوا عن مذهبي لم أبُح به وأكتُمُهُ كِتمانُه لِيَ أسلَمُ

فإنّ حَنَفِياً قُلتُ قالوا بأنّني   أُبيحُ الطِلى وهو الشرابُ المُحَرَّمُ
وإن مالِكياً قلتُ قالوا بأنّني   أُبيحُ لهم لحمَ الكِلابِ وأمهُمُ
وإن شافعياً قلتُ قالوا بأنّني   أبيحُ نِكاح البِنتِ والبِنتُ تَحرُمُ
وإن حَنبلياً قلتُ قالوا بأنّني   بَغيضٌ حوليٌّ ثقيلٌ مُجَسّمُ

  لو خطب أمير المؤمنين اليوم لقُلنا له إنّ قومنا إذا استشهدنا لهم بحديثٍ من صحيح البُخاريّ أو مُسلِم قالوا تسنّن! وإذا استشهدنا لهم بشيءٍ من أهل البلاغة قالوا تشيّع! وإذا استشهدنا لهم بشيءٍ من الإنجيل قالوا تنصّر وصار مسيحياً! وإذا استشهدنا لهم بشيءٍ من التوراةِ قالوا تَهَوَّدَ وصار يهودياً!
  ما بقيَ إلّا أن نستشهد لهم بما جاء في كُتب محمد بن عبد الوهَاب لعلّهم يقولون لقد كان إسلامُك صحيحاً!
  أحمقُ الناس من يأسف على فَقدِ أمثال هؤلاء، أو من يُسرّ بكثرتهم ونحن لن نكون من أحمق الناس، وإن كما فعل رسول الله ص وآله وسلم كان إذا أراد سفراً وَرّى عنه بغيره، قلنا لهم سنعتزلكم ونجلس في بيوتنا لعلّهم حينئذٍ يظنون أنّهم قد انتصروا! وبلغوا المَبلَغَ الذي يُريدون! فإذا كانوا بعد هذا نظروا فلم يجدوا شيئاً تغيّر من مكانه.

  نحن نعلم تاريخ المُصلحين وتاريخ الإصلاح، ونعلم ما لاقاه النبيّون وإن لم نكن نعلم فلسنا أهلاً لنقف على هذا المِنْبَر، لكن الحالةُ كما ترون ، حالةٌ من الغِيبَة، ومن النَميمة، ومن السَعي، ومن الفساد، ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ البقرة (14-15-16)

  نحن مُتمسّكون بمذهب أهل البيت ومروءة أهل البيت أن تعفُوَ عمّن ظلمك، ومُروءة أهل البيت أن تُعطِيَ من حَرَمَك، ومُروءة أهل البيت أن تَصِلَ مَن قَطَعَك، لكن حين ننظرُ فيمن سَبَقَ من عُلمائنا ومن أشياخنا الذين لم نعرف للقوم مولداً ولا مَصدراً، كتاب الله عز وجل لا يُلتفتُ إليه وسُنّة نبيّه لا يُلتفتُ إليها، وحديث الأئمة لا يُلتفتُ إليه، وعُلماؤهم وأشياخُهُم لا يلتفتون إليهم، إذا لم يكُن للمرء مرجعٌ لتُحاكِمه إليه فبماذا ستجابهُهُ وماذا ستقول له!؟

  بلى أصابَ كثيراً من عُلمائنا ممّا كان غيرَ أنّهم لم يلتفتوا إلى ما كان.

ممّا قاله الشيخ محمود سليمان الخطيب رحمة الله تعالى ورضوانه عليه:

مُتْ يا زمان العِلمِ والأدب   بُدّلتَ بالإخلافِ والكذبِ
لله أنتَ مُشَيَّعاً تركَ   الأحشاءَ في بيتٍ من اللهبِ
ويثور بي غضبٌ ولستُ أرى   شخصاً أُوَجّهُ نحوهُ غضبي
من أينَ هذا البُؤسُ جَلَّدَني   وأحاطَ بي من أوْجُهٍ عجبي
والناسُ شرٌّ من ألومُ ومن   أهنو لأن أُبدِلَهُ عن نبي
الأهلٌ أهلٌ للشقاقِ فلا   تذكُر مساويهم ولا تَعِبِ
أنا شنفا أهلي برِئتُ إلى   التِرحالِ من قومي وآل أبي
حظّي من الدنيا وزينتها والناس   حظُّ الضَبِّ في الذنبِ

وما أبكى العَلاّمة الشيخ سُليمان الأحمد رحمة الله ورضوانه عليه :

إذا فَكَّرتُ في أحوالِ قومي   بكيتُ وما الذي يُغني بُكائي
أرى الداء العَقَامَ وليسَ عندي   علاجٌ قاطعٌ غيرُ اشتكائي
فلا مالي يُبَلّغُهُم ثراءً ولا   للعلمِ يَكفيهِم ذكائي

قال الشيخ حُسين سعّود رحمة الله تعالى ورضوانه عليه:

وأينَ الدينُ مِنّا إن بَقِينا   نَكيلُ لبعضِنا تُهَماً وقذفا
ونلهو عن وقوفٍ مُستمرٍّ   بوجهِ من استهانَ أو استخفَّ

كان ممّا أرسله إليه الشيخ محمد حمدان الخير من قصيدةٍ أرسلها للشيخ حُسين سعّود :

أعوذ بالله من عِلمٍ بلا وَرَعٍ   عن الحَرامِ ومن دُنيا بلا دينِ
من ليسَ تأمَنُهُ أنَّى سَعى ورعى   فليس يوماً على دينٍ بمأمونِ
وأخسرُ الناسِ أعمالاً أخو سِعَةٍ   يحتالُ في سلبِ أرزاق المساكينِ
كم جُبَّةٍ مُرتديها مَدَّها شَرَكاً   وعِمّةٍ لفّها زوراً وعثنوني
لا يخدعنّكَ منهُ مَظهرٌ حَسَنٌ   إنَّ المَضامينَ ليست كالعَناوينِ
قد يُسقِطُ الله من يُرضي بَلِيَّتَهُ   عنهُ بزائفِ تقوى ذاتِ تَلوينِ
فلا يَغُرَّكَ منهُ مَنظَرٌ حَسَنٌ   إنّ السمومَ لا تسري في الرَياحينِ
بيّنتُ للقوم ما عن فَهْمِهِ غَفَلوا   فكانَ أصعبَ ما لاقوهُ تَبييني
وكنتُ عِندَهُمُ ذا الفَضلِ لو أَذِنَت   لهم قَنَاتِيَ بعدَ الغَمْزِ باللّينِ
فالناسُ فييَّ أخو جَهلٍ يُكاشِفُني   مَحضَ العَداء ورَوَّاغٌ يُداجيني
يسُبُّني منهُمُ من ليس يعرفُني   إلاّ بكاتِبِ تبليغٍ وتلقينِ
وما خلا الحقُّ من بَغيٍّ عليه وهَل   نجى مِنَ البَغي عمّارُ بصِفّينِ

  هل نجى عمّار، من قتل عمّار وقال رسول الله ص وآله (تقتلُهُ الفِئَةُ الباغِيَة)
هذا البَغيُ الذي لا يزالُ مُمتداً لن يرُدّنا عن شيءٍ نحن فيه على بصيرةٍ من أمر ديننا وعلى بيّنةٍ من كتاب ربّنا ومن سُنّةِ نبيّنا ولقد قلنا غير مرّةٍ أنّ ما من مُصلِحٍ إلاّ وعانى وما من ناطِقٍ بالحق إلاّ وقيل فيه ما قيل لكن (لَإِن قال الوُشاةُ عليَّ إفكاً) كما قال الشيخ محمود سُليمان الخطيب رحمة الله تعالى ورصوانه عليه:

لإن قال الوُشاةُ عليَّ إفكاً   وساقوا فِريَةً ورَوَوا كِذابا
فذاك لأنهم لم يُدرِكوني   ولو ركبوا لإدراكِ السَحابا
شأوتُهُمُ إلى مَجدٍ قديمٍ فما   عَرَفوا لهُ بالقَصدِ بابا
طلعتُ ضُحىً فَلَمَّا يُبصِروني   وإِن أوسَعتُهُم مِنّي اقترابا
وإنّي أعذِلُ الخُفّاشَ يرضى   من النورِ الدَياجِرَ والضَبابَ
إلى الرحمنِ أشكو ظُلمَ قومٍ   صَفَوتُ لهم فعافوني شرابا
وكُنتُ أظُنُّهُم ماءً فُراتاً   فلمّا جِئتُهُم جِئتُ السرابا
فلا واللهِ ما جَهِلوا مَقامي   ولا عرفوا هناك عليَّ عابا
ولكن رانَتِ الدُنيا عليهم   فأعمَتهُم فلم يَرَوا السرابا
وآبوا تحمِلُ الأغراضُ منهم   مُضَرّصَّةً ألا تَعِسوا مآبا

في هذا يقول العلّامة الشيخ سُليمان الأحمد رحمة الله تعالى ورِضوانُهُ عليه:

نشرتَ عَيْبي لكي تنحَطَّ مَرتبتي   ليتَ انحطاط مقامي كان أعلاك
ماذا استفدتَ ممّا أغضضتَ من شرفي   فهل إذا كان قد أوصاكَ مَولاكَ

أكلتُم لحمَ إخوتِكُم فبِتُّم بِطاناً   بعدَما كُنتُم خِماصا
تواصيتُم بضُرِّ أخٍ وجارٍ   وسالِفُكُم بنفعِهُمُ تَواصى
إزالَةَ هذه الدُنيا أَمِنتُم   أما تَخشَوْنَ في الأُخرى قِصاصا

اسمعوا ماذا قال رحمه الله:

أكلتُم لحمَ إخوتِكُم فبِتُّم بِطاناً   بعدَما كُنتُم خِماصا
(لم تكُن لكُم بُطونٌ من شِدَّةِ الجوع)
تواصيتُم بضُرِّ أخٍ وجارٍ   وسالِفُكُم بنفعِهُمُ تَواصى
إزالَةَ هذه الدُنيا أَمِنتُم   أما تَخشَوْنَ في الأُخرى قِصاصا

  أما تَخشَونَ في الأُخرى أن يُحاسِبَكُم الله، إن لم يُحاسبكُم أحدٌ هُنا تكبُّراً واستصغاراً لقدركُم وسُمُواً عن انحطاطِكُم، إن لم يُحاسبكم هنا أحدٌ فانظروا كيف سيُحاسبُكُم ربُّكم إن آمنتم به وإن لم تُؤمنوا قل بئس ما يأمُرُكم به إيمانكم إن كُنتُم مؤمنين .

للعلّامة الشيخ سُليمان الأحمد:

جعلتُم هذه الدنيا سبيلاً   يُجازُ إليهِ مِن جِهَةِ الدِيانَة
وأَقْبِح بالأمانةِ مِن طريقٍ   إذا جُعلَت مَمَرّاً للخيانة
حذارِ حذارِ من زَيدٍ وعَمرٍ   كِلا الرجُلَينِ أهلٌ للخيانة
وأقبحُ ما تكونُ إذا تأتَّت   من المعلوم في أهل الأمانة
تظاهرتم بما لستم عليه   وليس صلاحُكُم إلاّ فسادُ
وما أحبَارُكُم إلاّ بُهاةٌُ   خُدِعتُم في ظواهِرِهِم فسادوا

  لولا أنّكم سَوَّدتُم عليكُم من لا يفقه من أمر دينكم شيئاً ما سادَ عليكُم. هكذا يقول الشيخ سُليمان الأحمد رحمة الله تعالى ورِضوانُهُ عليه .

  فليتأمل متأمِّلٌ ما هو عليه بشهادة عُلماء هذه الطائفة من الإنحراف ومن قلّة الإنصاف ومن الكذب ومن الأباطيل هذه لو شهِدَها رجُلٌ من غيرنا لقُلنا أنّه يفتري وأنتُم هُنا بين أمرين: إمّا أن تُكذّبوا ما قاله هؤلاء وإمّا أن تخضعوا لما قالوه.
إن كذّبتموهم فقد خرجتم ممّا تدّعون وإن لم تُكذّبوهم فعليكم أن تُقرّوا بأنكم على ما ذكروا من الإختلاق ومن الأباطيل ومن الكذب.

  نسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يؤاخذنا بما فعل السُفهاءُ مِنّا ونسأل الله عز وجل أن يجعل طاعتهُ أفضل عندنا من طاعةِ أعدائه من المُخالفين ونسأل الله سُبحانه وتعالى أن يُخرج حُبّ الدُنيا من قلوبنا إلاّ ما تقوم به أبداننا كُلٌ سيُرَدُّ إلى مولاه وهناك سوف يُحاسب ولا يظُنَّنَّ أحدٌ أنّه إذا عزّى نفسه وأوهم نفسه أنّه بذلك يستطيع أن يُختدع الله عز وجل إذا خدعت فُلاناً أو فُلاناً من الناس فلن تستطيع أن تخدع الله عز وجل وغداً سننظر ماذا سينفعُنا دُعاؤكم حين تُقبِلُ عليكُم جيوش الأعداء حينئذٍ قولوا هذه ليست لنا وهذا لا ينفعُنا لنرى إذا كان هؤلاء يقبلونكم، حتى هؤلاء لا يقبلونكم.....

  الخُطبة الثانية:
  كُلُنا يأنَفُ أن يُسَمّى جاهلاً، فإنّ مولانا أميرَ المؤمنين عليه السلام قال (كفى بالعِلمِ شرفاً أن يَدَّعِيَهُ مَن لا يُحسِنُه، ويَفرَحَ إذا نُسِبَ إليه، وكفى بالجهلِ عاراً وقُبحاً أن يتبرّأ منه من هو فيه، ويغضَبُ إذا نُسِبَ إليه).

  من هو الجاهل ما هو الجهل؟

  للجهلِ قسمان يُسمّيه عُلماءُ المنطق الجهل البَسيط والجَهلَ المُرَكّب.
الجهل البسيط أن تكون جاهلاً وأن تشهد أنك جاهل، أنت تجهل وتعلم أنّك تجهل فحينئذٍ يكون جهلُكَ بسيطاً قد يُستصلح .
الجهل المُرَكَّب أن تجهل ولا تدري أنّك تجهل، يجهلُ ويجهلُ أنّه يجهل، يعني جاهلٌ ولا يدري أنه جاهلٌ، جاهلٌ ويعُدُّ نفسهُ عالماً.

  (هذا رجلٌ يدري ويدري أنه يدري وذلك عالمٌ فاسألوه
رجلٌ يدري ولا يدري ولا يدري أنه لا يدري وذلك غافلٌ فنبّهوه
رجُلٌ لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذلك أحمقٌ فاجتنبوه)

  الجاهل بتعريف مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام (الجاهل مَن عَدّ نفسه بما جهل من معرفة العِلم عالماً) هذا الرجل الذي يعُدُّ نفسه بما جهل من معرفة العِلم عالماً . مَن عَدَّ نفسه عالماً فهو جاهل ومن عرأى نفسه مُحسناً فهو مُسيء، لما يجب أن تكون عليه من التواضع لله عز وجل وماذا أدركتَ من العلم ؟

فقُل لمن يَدَّعي في العِلمِ فلسفةً   حفِظتَ شيئاً وغابت عنك أشياءُ

  (الجاهل مَن عَدّ نفسه بما جهل من معرفة العِلم عالماً، وبرأيه مُكتفياً، فلا يزالُ للعُلماء مُباعِداً، وعليهم زاهياً، ولمن خالفه مُخَطِّئاً، ولما لا يعرف من الأمور مُضَلِّلاً، فإذا وَرَدَ عليه من الأمور ما لم يعرفهُ قال ما أعرفُ هذا وما أراهُ كان أم سيكون وأنّى يكون)

  ألستُم تسمعون هذه العِبارة كُلّ يوم (ما أعرف هذا) إذا لم تعرف هذا أيكون هذا الأمر خَطئاً! هذه صِفَةُ الجاهل . (ما أعرف هذا) وهل أفنيتَ عُمُرَكَ في القِراءة؟! أنت رُبّما قرأت في دهرك كتاباً أو كتابَين وربّما أنّ كان ما سمعته من التِلفاز ومن أجهزة الإعلام من القُرآن أكثَرَ ممّا قرَأت! (ما أعرف هذا) وهل يضُرُّنا إن لم تعرف هذا؟!
(ما أعرفُ هذا وما أراهُ كان) فما ينفك هذا الرجل بما رأى ممّا يلتبس عليه رأيهُ من الأمور ما ينفكُّ على رأيه الذي يدّعي بات للجهل مُستفيداً . ما ينفكّ للجهل مُستفيداً مُزداداً من ذلك الجهل . (للجهلِ مُستفيداً، وللحقِّ مُنكراً، وفي الجَهالةِ مُتَحَيّراً، وعن طلبِ العِلمِ مُستكبراً)

  هذه صفة الجاهل الذي إذا لم يعرف شيئاً إذا ورد عليه من الأمور ما لا يعرفه أنكره وكذّب به وقال ما أعرف هذا. يجعل مِقياس تصويب الأمور من العلم ما يعرفه وليس ما هو صحيحٌ في العلم! هذه صفة الجاهل.

  إذا أردنا أن ننظُرَ فيمن نسمع منه هذا الكلام هل نستطيع أن نعُدّهم؟! ما أكثر من يقول (ما أعرف هذا وما أراه كان وما سمعتُ به وما رأيتُ فُلانا يفعلُهُ) إذا لم تكُن تعلمُهُ أفيُصبِحُ باطلاً؟! وهل ننتظرك حتى تعلم لنعمل بما أمر به الله عز وجل ؟!. وهل ننتظرك حتى تعلم؟!

  إذا لم تكُن بعدُ قد أيقنتَ وصَدَّقت أنَّ حزب الله إنما جاء هنا ليُساعدك على أعدائك وأنّ جبهةُ النُصرة وأنّ غيرها سيسفكون دمك نحن لن ننتظرك حتّى تُصدّق، إختر بين الأمرين لن ننتظر حتى تُصدّق ولن ننتظر حتى تعلم، لأن العلم هو الذي ينبغي أن يُقدّم إذا لم تكُن تعرف ما يجب في الشرع وما يجوز وما لا يجوز فلسنا لننتظرك حتى تعلم، هذا هو العِلمُ أمامك، فاعلم إذا شئت وإن لم تعلم فما يضُرُّنا فإنّ كُلاًّ مُيَسَّرٌ لما خُلِقَ له، وفي ما جاء من الحِكَم (من خُلِقَ ليزحَف لا يستطيعُ أن يطير) .

  وكم عانى علماؤنا رحمهم الله من هؤلاء المُدّعين .

يقول العلّامة الشيخ سُليمان الأحمد رحمة الله تعالى ورضوانه عليه:

عزّ فُلاٌن فازدهى مُعجباً   كون اسمه بين الوَرى عالما
أيُّ علومٍ قد حَواها وهو   لا يُمَيّزُ المُعتَلَّ والسالمَ

  لو سألناه في اللغة العربية عن الفعل المُعتلّ لما استطاع أن يُميّز الفعل الذي فيه حرف علّةٍ من الفعل الذي ليس فيه حرف عِلّة. ثم هو بعد هذا من العلماء.

أحقاً فُقتَ هذا الخَلقَ عِلماً   كما بشهادةِ الجَمِّ الغفيرِ
لقد غُرّى الورى فعُدِدتَ منهم   ولا في العيرِ أنت ولا النَّفيرِ

  أين تكون؟ أين أنت من العلم حتى تَدَّعِيَ بعد هذا ما يجوز لك أن تقوله وما لا يجوز؟ غَرَّكَ أنَ حولكَ بعضَ الذينَ نمّستَ عليهم وعَمَّيتَ عليهم وعَمَّستَ عليهم فحسبتَ أنَّ هؤلاء سيشفعون لك عند الله.
أما تعلم أنّ سقوطك من عين الله عز وجل سيكون أعظم وأشدَّ من سقوطك أعيُن الناس أما علمتَ هذا.

  نحن لا نَدَّعي شيئاً من العِصمَة ولكنَّ الحَقَّ بَيّن والحق واضح .
نحن نقتدي بأئمّتنا ونريد أن أعرف بمن تقتدون أنتم في علمكم؟
نحن والحمد لله نعرف عمّن نأخذ ونحن والحمد لله نعرف الذي ينطِق عمّن يَنطِق، ونعبُدُ الله عز وجل على هذا وتركنا لكم عبادة إبليس لتعبدوه كما شِئتُم حين تنطِقون عن الهَوى .
هذا إمامُكُم يقول (من أصغى إلى ناطقٍ فقد عبدهُ فإن كان ينطق عن الله فقد عبد الله، وإن كان ينطِقُ عن إبليس فقد عبدَ إبليس).

  هذا هو الدين، الدين بَيِّنٌ وواضحٌ والطريقُ إليه واضحةٌ لا يستطيع أن يدفعها دافعٌ ولا أن يُنكرها مُنكرٌ وإن توهّمَ وأوهَمَ وإن دعى أنّهُ بما يقول يستطيع أن يصِلَ إلى الأمرِ الذي هو من سقط المتاعِ في هذه الدنيا، فليعلم أنّه عند الله عز وجل من الخاساسرين.

يقول العلاّمة في أمثال هذا:

لستُ مُستغرباً جِدالك إن كُنتَ   من العِلمِ والحِجَى ذا افتقارِ
غيرَ أنّي استغربتُ كونَكَ   تُدعى عالماً فاضلاً ولسَ بقاري

  لا نستغربُ جِدالك إن جادلت غير أنّنا نستغربُ أنّك لستَ قارئاً ولكنّكَ تعُدُّ نفسك عالماً فاضلاً، فلتكن هذه بَيّنَةٌ لكُلّ من سوّلت له نفسُهُ الجُرأةَ والتَقَحُّمَ فيما لا يعلم، إنّه أصابَ نفسهُ ولم يُصِب غيرهُ لأن الإمام الصادق عليه السلام قال: (من هَجَمَ على أمرٍ بغير عِلم فقد جَدَعَ أنفَ نفسِهِ)، ليتهُ يعلم أنّهُ لم يُسِئ إلى غيره وأنّه إنّما أساء إلى نفسه وليستفق كُلُّ مريضٍ من هذا الوهم الذي فيه وليتذكّر كُلٌّ منا أنّ مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: (من عرف من أخيه وثيقة دين وسند طريق فلا يَسمَعَنَّ فيه أقاويلَ الرجال) لأنَّ سامعَ الغِيبة كالمُغتاب وما على الرسول إلّا البلاغُ المُبين، قُل الحقُّ من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. إنّه لن ينفعنا إيمانه ولن يضُرّنا كُفرُهُ ، مَن صَدَّقَ بعد هذا أم لم يُصَدِّق، ومن رضيَ به أم لم يرضَ، لن يستطيعَ أحدٌ أن يخدع الله عز وجل .

يقول الشيخ عبد الهادي حيدر رحمه الله:

لا تُلقي بالاً إلى إِفكِ الشياطين   وما استحلّوه من عِرضي ومن دِيني
فإنّ ربّك بالمرصادِ فوقَهُمُ   لم يُعجزوه وإن أُرجوا إلى حِينِ
فهم أذلُّ وأخذى لا أبَ لهُمُ   من أن يحطّوا مقامي أو يَنالوني
إني وإن لم أكُن بَرّاً أخا نُسُكٍ   فإنّ لي خُلُقاً لم يرضَ بالدوني
وما الذباب وإن أقذى مسالحَهُ   بطائلٍ وقعُهُ نَشْرَ الرياحين
مالي وللحاقدين الزرق إنّ لهم   كيداً يَحيقُ بهم ذَرهُم يَكيدوني
حَسبي من الناس أهلُ العقل إن   رضيَت عنّي فلستُ أُبالي بالمجانين

  ما أكثرَ ما آلمَ عُلماءنا .

  الشيخ حُسين سعّود رحمه الله قال بما كتبهُ أنّ له جاراً مسيحياً قال له إنّ فُلاناً العلويّ قد تسنّن، فقال له الشيخ حُسين سَعّود : وما علامَةُ تسنُّنُهِ؟ قال رأيتُهُ بعَينَيَّ يقرَأُ القرآن ويدخُلُ المسجد. فهذه علامةُ تسنُّنِهِ دخل إلى المسجد وقرأ القُرآن !! أفلهذا الحَدِّ وصلنا من الإنحطاط؟! ألهذا الحَدِّ وصلنا من الجَهلِ ومن المُكابرةِ والعِناد ؟!

  قال (وأُقسِمُ أنّي سمعتُها من فَم العلامة الشيخ سُليمان الأحمد رحمه الله) قال:
(والله لن يكون لنا كِيانُ أُمَّةٍ إسلامية ما دمنا لا نَهتَمُّ بتطبيق مَفروضِ الإسلام ومَسنُونِه وما على الرسول إلّا البلاغُ المُبين).....