العلوية و المعتزلة

أُضيف بتاريخ الخميس, 14/10/2010 - 14:48

تُسَمَّى هذه الفرقة كما أسلفنا بأصحاب العدل والتوحيد، ويُلقبون بالقدرية والعدلية، وهم يقولون بالتفويض أي أن الإنسان مختار في أفعاله، ومستقل في اختياره استقلالاً تاماً عن القدرة والمشيئة الإلهية.
ويقولون أن مرتكب الكبيرة لا مؤمن ولا كافر بل منزلة بين منزلتين يعني أنه فاسق.

ورداً على التفويض نقول ما قال الإمام على بن موسى الرضا عليه السلام لجماعة من شيعته :
ألا أعطيكم في هذا أصلاً لا تختلفون فيه، ولا تخاصمون عليه أحداً إلا كسرتموه ؟.
قلنا (والكلام لجماعة من شيعته) إن رأيت ذلك.
فقال: إن الله عز وجل لم يُطَعْ بإكراه، ولم يُعْص بغلبة، ولم يُهْمِل العبادَ في ملكه، وهو المالك لِما ملكهم،والقادر على ما أقدرهم عليه، فإن ائتمر العبادُ بطاعته، لم يكن الله عنها صاداً ولا منها مانعاً، وإن ائتمروا بمعصيته، فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل، وإن لم يحل وفعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه.
ثم قال عليه السلام: من يضبط حدود هذا الكلام، فقد خصم من خالفه.

وعن أمير المؤمنين لما سأله عباية بن ربعي الأسدي عن الاستطاعة التي بها يقوم ويقعد ويفعل؟
فقال له عليه السلام: سألت عن الاستطاعة تملكها من دون الله أو مع الله؟
فسكت عباية. فقال له أمير المؤمنين : قل يا عباية، فقال: وما أقول؟
قال عليه السلام: قل إنك تملكها بالله الذي يملكها من دونك، فإن يملكها إياك كان ذلك من عطائه، وإن يسلبكها كان ذلك من بلائه، وهو المالك لما ملكك ، والقادر على ما عليه أقدرك.

أما الخروج من الإيمان فنقول: أن المؤمن لا يخرج بارتكابه الكبائر عن الإيمان ما دام يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر لكنه يعدُّ مذنباً وهذا يقتضي العمل الصالح بعد التوبة لزوال ذنوبه، وربما تشمله الشفاعة شرط أن لا يشرك بالله لقول رسول الله صلى الله عليه وآله: [ لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وأني أختبأت دعوتي شفاعة لأمتي وهي نائلة من مات منهم لا يشرك بالله شيئاً .]
وقال صلى الله عليه وآله: [ إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي .]

وهذا الحديث ينفي قول المعتزلة أن الشفاعة تختص فقط بأهل الطاعة، وقالوا أن أثرها منحصر في رفع الدرجة وزيادة الثواب، وقولهم هذا راجع إلى اعتقادهم في أمر مرتكب الكبيرة وهو الحكم عليه بالخلود في النار إذا مات بلا توبة..، وهذا القول لا يستقيم عند أهل العقول لأن أهل الطاعة يدخلون الجنة بطاعتهم أما أهل المعاصي فهم الذين يحتاجون إلى الشفاعة ، وذلك لأن أثر الشفاعة هو حط الذنوب ورفع العقاب، وهي تشمل أمة محمد باستثناء من أشرك بالله بعد إيمانه، أوكذب بالشفاعة لقول أمير المؤمنين عليه السلام: [ من كذب بشفاعة رسول الله لم تنله ]
أو استخف بالصلاة لقول الإمام الكاظم: [ أنه لن ينال شفاعتنا من استخف بالصلاة ]
أو نصب العداء لآل بيت محمد صلى الله عليه وآله لقول الإمام الصادق عليه السلام: [ إن المؤمن ليشفع لحميمه إلا أن يكون ناصباً، ولو أن ناصباً شفع له كل نبي مرسل وملك مقرب ما شفعوا .]

ثم إن الخروج من الإيمان هو دخول في الكفر ولا منزلة بينهما، لأن صورة الخروج من الإيمان هي إعلان الكفر بالله، ومن لم يكفر بالله، ولم يشرك به، ولم ينفِ وجوده فهو مؤمن، فإذا ارتكب الكبائر وأصر عليها استحق العقاب إلا أن يتغمده الله بعفوه وغفرانه، لقوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَ‌لِكَ لِمَن يَشَاءُ) ، والمراد بـ ( مَا دُونَ ذَ‌لِكَ) كل الذنوب الكبائر منها والصغائر.

ولا يخفى على أهل الدراية أن الحكمة من تشريع الشفاعة هو منع مرتكبيها القنوط من رحمة الله، وحثهم على الاستغفار والتوبة والتضرع إلى الله ليشملهم برحمته الواسعة، لأن الإنسان إذا تيقن أن الله لن يتوب عليه فإنه سيتمادى في ذنوبه .