44. التديّن وليد الفطرة

أُضيف بتاريخ الأحد, 31/10/2010 - 10:46
الملاحظة الرابعة والأربعون

حول الكتاب السادس المتضمن مسألة السلوك والعرفان . قال:

لنبدأ أولا بالسمة المميزة للعلويين في العرفان وما يتبعه من أسرار العبادات الروحية والباطن، أو بتعبير أدق المعرفة( العرفان ) بين أخواننا المسلمين العلويين والتي أصبحت نتيجة لشرائط خاصة سياسية واجتماعية من العصر العثماني وما قبله من جانب والذهنية العاطفية لقسم كبير من الأخوة المؤمنين المخلصين والمحبين لأهل البيت (ع) والابتلاء بالظروف الزمنية الصعبة من جانب أخر.

كان ذلك سبباً لتوجههم نحو الزهد والبحث في العرفان وأغلب هؤلاء من أهل العلم والثقافة والتقوى، إضافة إلى أن اعتقاداتهم بالمبادئ الإسلامية كبيرة وقلوبهم مليئة بالخوف من الله سبحانه وتعالى، والخوف من ارتكاب المعاصي، وكان حالهم حال الخائف المترقب الحذر من الظروف السياسية والإجتماعية التي كانت تحيط بهم وبمن حولهم ولذا مالوا إلى العرفان وأخذوا بالرياضة الروحية( الصوم والسهر والصمت والذكر الدائم) وقد وصل الكثير منهم إلى المقامات والمشاهدات والمكاشفات والكرامات ومن أبرز هؤلاء الفيلسوف الكبير والشاعر الصوفي المكزون السنجاري، والشاعر منتجب الدين العاني أعلى الله مقامهم الشريف وغيرهم.

وتجارب هؤلاء أصبحت مدرسة للزهاد وسالكي الطريق للتحمل والإدامة في هذا السلوك الصعب ومجاهدة النفس ولكن قسماً منهم انحرف عن الطريق نظراً للظروف القاسية التي مرت عليهم ولعدم وجود الأستاذ الكفؤ والمرشد اللازم، إلا أن هذا لم يحرفهم عن جادة الصواب ولم يرتضوا عن الإسلام بديلاً فكل ما جاء به عرفاؤهم وفقهاؤهم من أهل المعرفة هو من الإسلام ومنشأ عرفانهم الفلسفة والتوحيد والاعتقاد الراسخ بالإسلام.

أقول وما توفيقي إلا بالله:

لقد نقلتُ هذه المقدمة كاملة لما تحوي من مُغالطات لا يُمكن السكوت عنها:

تحملُ هذه المُقدمة الكثير من الإطراء الذي لا يخلو من غاية أيّ أن له ثمناً يجب أن يُدفع، وهذا الثمن الباهظ يَسلب العلويين مَحاسنهم وما حافظوا عليه زمناً طويلاً واستماتوا من أجله، وهو ولاؤهم الصادق لمن أمَرَ اللهُ بولائهم عليهم السلام، وكما قيل مدحٌ في معرض الذم ، وهو في غاية الوضوح حين ينسُبُ الباطنية إلينا ولكنه يصيغ لها اسماً جديداً هو العرفان تجميلاً أو ترقيعاً.

يُحاول أن يتلاعب بعواطف القوم ويُغريهم ببعض الكلمات الجذابة كذِكره لشيوخنا الأجلاء أنهم أصحاب كرامات مع العلم أنه لا يوجد علوي أصيل متمسك بعقيدته الإسلامية ومَذهبه المعصوم إلا ويَعلم ذلك علم اليقين ، وما تلك المقامات إلا لأن أولئك الرجال أخلصوا لله في قولهم وفعلهم، وخامر عقولهم واستحكم في قلوبهم حب أهل البيت عليهم السلام، وليس لأنهم أصحاب طريقة صوفية باطنية عرفانية كما ادّعى البادياني ومن لقنه هذا الكلام.

لقد ظن الرجل أن امتداحه لعلماء العلويين سيُمَهِّد له اقتحام قلوبهم لينقل إليهم ما جاء لأجله، ولم يعلم أنه لم يأتهم بجديد، وإنّ قلوبهم لا تتسع إلا لمحبوب واحد.

إنّ السِمَة المُمَيّزة لهذه الطائفة هو تمسك أبناؤها الصادق بأهل البيت عليهم السلام وليس كما قال البادياني:

إن سمتهم العرفان وما يتبعه من أسرار العبادات الروحية والباطن .

لأن هذه السِمَة غريبة عنا وقد اشتهر بها السيد الخُمَيْني قائد الثورة الإسلامية في إيران وهي جلية في كتاباته: ( سر الصلاة أو صلاة العارفين- مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية- الآداب المعنوية للصلاة- شرح دعاء السحر- تفسير آية البسملة محاضرات معرفية).
وغيره من فقهاء الشيعة أمثال الحاج ميرزا جواد آقا التبريزي صاحب كتاب (أسرار الصلاة).
فلا يجوز أن يَنسِبَ إلينا ما اشتهر به أسياده، مع احترامنا لأهل العلم والفقه.

إنّ التديّن ليس ( وليد الظروف السياسية والاجتماعية ) كما قال بل هو وليد الفطرة السليمة والإيمان بالله والتمسك بولاء أهل البيت.
فالظروف السياسية لا توَّلد عقيدةً أو اتجاهاً دينياً بل تؤسس حزباً أو جمعية يعمل المُتضررون بواسطتهما إلى تغيير المناخ السياسي.
أما العقيدة فهي ثابتة لا تخضع لهذه المتحولات العرضية.

لقد أراد الكاتب أن يقول إنّ التصوف والعرفان الذي ألصقه بنا وليد الظروف السياسية وهذا أغرب ما سمعت!

نعم لقد مرَّت على المسلمين العلويين ظروف صعبة أجبرتهم على الانزواء والهروب من وجه أدعياء الإسلام كي لا يفتِكوا بهم، ولكن ذلك لم يُوَلَّد عقيدةً أو مَذهباً أو طريقةً صوفيةً بل أصَرّوا على التمسك بإسلامهم العلوي، وهو الإسلام كما بدا وفق مذهب الأئمة المعصومين عليهم السلام.

لا يوجد بيننا من ( انحرف عن الإسلام وهَدي أهل البيت)، بل يوجد مُقصّرين كما هو الحال عند الجميع ولكنهم رغم تقصيرهم فهم أشَدُ تمسكاً بالولاية من أدعيائها الذين يُطلقونها شِعاراتٍ طنانةً دون أن تثبت في قلوبهم.