45. الدعوة المشبوهة إلى التصوّف

أُضيف بتاريخ الأحد, 31/10/2010 - 10:46
الملاحظة الخامسة والأربعون

تحدث مطولاً عن (العرفان وأصوله وقِسميه العملي والنظري) ورأى أنه ( أعمق معارفاً من الإسلام وفروعه وآدابه ) وتوصل إلى نتيجة تقول:

إن الزهّاد الذين كانوا في زمن صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله لم يكونوا عرفانيين كما هو عرفانه بل كانوا سطحيين في سلوكهم وإن زهدهم ما هو إلا خوف من نارٍ أو طمع في جنةٍ إلى أخر ما هنالك.

ولذا أقول:

مهما جَمَّلَ صُوفيَتَهُ وأضافَ إليها منَ المَحاسن المُنتزعة من الإسلام المُضافة إليها ما شاء فإنها لا تُغني عن الإسلام، والإسلام يُغني عنها لأنه الدين عند الله ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) آل عمران : 85.

ثم إنّ محاولته للتوحيد بينهما غير مُوَفَّقه، فإذا أمكن التوحيد بين أمرين فهو يدل على أنهما أمرٌ واحدٌ، وإذا كانا كذلك فلِمَ نُطلق عليهما إسمين مختلفين، ونقول إنّ أحدهما أكثر شمولية من الثاني وأعمق وأدق وأكمل وما إلى ذلك.

إنّ دعوته إلى التصوف شبهة لا تخلو من غايات وغايات فإلى أي تصوف يَدعونا، وقد تعدّد وتمَدد ؟

هل يدعونا إلى تصوّف العرفاء الذين أورد أسماءهم في كتابه كـ(الحسن البصري، ومالك بن دينار، ورابعة العدوية، والفضيل بن عياض، وأبو يزيد البسطامي، والتستري، والحلاج، والرودباري، والسرخسي، والخرقاني، والدقاق النيشابوري، والغزالي، والسنائي الغرنوي، والجيلاني، والسهروري، وابن الفارض، ومحي الدين العربي)، وغيرهم ممن يُطلقون على أنفسهم اسم المتصوفة الذين تناقضوا في عقائدهم وسلوكهم فمنهم الحلولي، ومنهم الاباحي، ومنهم معطل الشرائع، ومنهم من قال بوحدة الوجود، إلى ما هنالك من بِدَع وانحرافات مَزَّقَت المُسلمين شرّ تمزيق.

وكيف يُمكن الجمع بينهم وكلٌ له اتجاهٌ مُغاير للثاني، وكيف يُمكن القول ( إن التصوف يَجمع ولا يُفرق ) وقد طعنوا ببعضهم وتعالوا على بعضهم وآثارهم تدل عليهم وهي موجودة سهلة التناول، ولن نخوض في هذا المجال لأنه لا يستحق العناء.

إنّ التصوف الحقيقي هو العمل بمضمون الشريعة بعد اعتقادها، والإخلاص لله في الأقوال والأفعال، وترك المحرمات والقيام بالطاعات، وفي هذا كفاية.

  • هل يجوز أن نتحول عن الإسلام الجلي إلى صوفية عمياء وحركات خرقاء ليس لها ضوابط تُعرف ولا قواعد تُوصف، بل كُلٌّ يَصفها على هواه ويُضيف إليها ما يراه ؟
  • هل يُعقل إن لم نشأ أن نتحول كأفراد من دين إلى طريقة أن نُحَوّل الإسلام من دين جامع للرسالات السماوية إلى طريقة صوفية مجهولة الأساس والغاية لنلتقي عليها بعد أن فرّقنا التعصب المذهبي ؟
  • ألا يوجد في الإسلام ما يجمع المسلمين على مختلف مذاهبهم حتى يلجئون إلى غيره ؟
  • هل تملك الصوفية ما لا يملكه الإسلام في هذا الخصوص ؟
  • هل دعانا الرسول إلى الإسلام الجامع أم إلى الصوفية المُفَرِّقَة ؟
  • وهل يُعقل بعد أن دعانا إلى التمسك بالثقلين المنقذين أن نُصغي إلى من يدعونا إلى عرفان غامض، وتصوف ذي شبه؟ لعمري إن هذا من العجب العجاب!.

دعانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى دخول المدينة، وأرشدنا إلى بابها، وأدخلنا محرابها فقبلنا بيقين ونهلنا من نبع المعصومين عليهم السلام، وعرفنا أصول وفروع وآداب الدين وارتقينا بالأسباب فسهل علينا الصعاب، فكان إسلامنا إيماناً، وإيماننا يقيناً، فسبحنا رب العالمين بإخلاص المخلصين، وتحملنا في سبيل ذلك سيوف المجرمين وأقلام المنافقين الحاقدين، وما زلنا ثابتين، وبعد كل هذا يأتينا داعٍ إلى صوفية جديدة وعرفان وضعي طالباً منّا أن نعتمدها بديلاً عن الثقلين ! صحيح كما يقال إن لم تستح فافعل ما شئت .

وللشيخ محمد البادياني النيسابوري نقول:

أهلاً وسهلاً بك ضيفاً زائراً أمّا طَرْحُك فغير مُرَحَّبٍ به لقد دخلت المدينة من غير بابها ولم تُوَفَّق في المسير لأنك أتيت قوماً فُطروا على الولاية وجُبلوا على الهداية ولهذا فلن يُصغوا لغيرها.