6. ردا على اتهام العلويين بالخيانة وكلمة بمناسبة ذكرى المجاهد الكبير الشيخ صالح العلي (قده)

أُضيف بتاريخ الثلاثاء, 09/11/2010 - 00:57

الفِرْيَة السادسة

( هم مع كل غاز وعدو لأرض المسلمين )

أقول بأنّ هذا الكلام المُختلّ لهو أشبه بتخريف المجانين ولقلقة المهرّجين الذين يُحبّون إضحاك العقلاء على هلوساتهم، وهل يتّفق هذا الإدعاء مع ما اشتهر وعُرف عن المسلمين العلويين من الجهاد والكفاح ضد كلِّ عدوٍ وغازٍ لأرض المسلمين ، 1

وأين نذهب بالحروب والثورات البطوليّة التي ألهبوها في وجوه الغُزاة والمُستعمرين ابتداءً من جهاد الحمدانيين، ومرورًا بثورتي الشيخ حامد الكيميّة، والشيخ راشد الحكيم (اللتين تجاهلهما المؤرّخون المتعصّبون) وانتهاءً بـ الثورة العلويّة الكبرى التي خاض غِمارها المجاهد الكبير الفقيه الشيخ صالح علي سلمان(قده) ضد الفرنسيين، ولكن هؤلاء القوم أبوا إلا التحريف والتزييف وإشاعة المُفتريات والأباطيل.

وبمناسبة ذكرى هذا المجاهد الكبير أقول:

إنّ المغفور له الشيخ صالح علي سلمان المريقب  هو صاحب أوّل ثورة ضد الإستعمار الأجنبي في تاريخ العرب الحديث فكان نواة نهج ثوري تحرّري عربي أُطلقت شرارته من نار علويّة ليَعُمّ الأمّة العربية.

كما أنّ رفضه إقامة دولة علوية مُستقلة كان سَبقًا في الفكر العربي الوَحدوي الذي يَرفض التجزئة بكل أنواعها، كما شكل بذلك أكبر ضربة للفكر الإستعماري المُنحَط الذي حَاول تجزئة الوطن العربي ليس إلى دويلات سياسية وحسب بل إلى دويلات طائفيّة أيضًا ليزيد مَرَض التفرقة ويزرع بذور الفتنة، فقطع بذلك دابر الفكر الإستعماري الخطير واختصر على العرب وَيلات فِتن وحروب وانقسامات فيما بينهم، وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على عروبته الأصيلة ووطنيته الصادقة وإيمانه الراسخ ويقينه الصادق.

ولن أطيل الحديث عن الشيخ الجليل المجاهد الزاهد كي لا يُقال (وسيقال) -علويٌّ يتحدّث عن علويٍّ- بدافع التعّصب والهوى بل سأترك المجال لأديب عربي لا يُشكّ بوطنيته ونزاهته كي يتحدث عنه كما عرفه. وهو الأستاذ عبد الله يوركي حلاق صاحب مجلة الضاد الذي حاز على وسام الإستحقاق السوري وأُقيم له حفل تكريمي على مدرج كلية الطب بجامعة حلب على مستوى القطر العربي السوري كله في: 11\ 7\ 1985.

قال في كتابه " الثورات السورية الكبرى في ربع قرن" :

لم يبق أمام المجاهدين السوريين وهم يرون جحافل الجيش الفرنسي تحتل السواحل والسهول والمرتفعات، إلا أن يثوروا على الغزاة الطامعين وأن يتصدوا لهم في كل مكان، وأن يُناصبوهم العداء صونًا للكرامة العربية، ودفاعًا عن حرمة الوطن السوري.

وكان صالح العلي أوّل الثوار، ثار أوّلاً في وجه الأتراك، وتبع فلولهم الهاربة من وجه الحلفاء، ولما أظهرت فرنسا نيّتها باحتلال الأرض السورية هاجم فرنسا بعدد قليل من رجاله الشجعان فكان يأخذ من قتلى الأعداء ما يحملونه من أسلحة وذخائر، وما يتركونه في ساحة الوغى من مدافع ورشاشات وقنابل ويضمّها إلى سلاحه.

وثورة صالح العلي ليست أعنف الثورات، ولكنّها ثورة روّعت أكبر قادة العدو وأشدّهم مراسًا، وتركت بصماتها واضحة المعالم في سجلّ كفاحنا من أجل الحرية والإستقلال.

إنّ صالح العلي يتحدر من أعرق وأشرف السلالات العربية وهم بنو هاشم، ومن نسل فاطمة الزهراء بنت الرسول ولا ريب أنّ لبيئته تأثيرًا كبيرًا في تكوين شخصية صالح العلي وفيض نبله، وشمول فضله، وفرط إبائه وبسالته، وبذل أغلى ما يملك في سبيل الذود عن حياض أمّته وبلاده.

كل الذين عرفوا صالح العلي أو عاشروه أحبّوه لشفافية نفسه، وطيب قلبه، وسموّ طبعه، وحلو عشرته، وصدق عروبته.

كان إذا وعد وفى، وإذا قدر عفا، وإذا مشى للقتال وضع روحه على كفه وأقدم غير هيّاب، فإما حياة فيها السؤدد والشرف، وإما موت فيه النجاة من العار والشنار.

كان صريحًا في قوله، جريئًا في مجال الحق والإنصاف، لا يعرف للمحاباة معنى، ولا لخدمة الله والوطن حدودًا، وكانت مشاعره تتدفق من قلبه، فتلمس فيها شمم الجبال، وصفاء ينابيعها الزكية، وكانت عواطفه تتسم ببساطة أهل الريف وكرمهم ونخوتهم واندفاعهم لغوث الملهوف، وعون الجار، ورد الفاقة عن الفقير والمحتاج.

ولهذا اتّبعه عدد كبير من رجاله الشجعان، ومزجوا مصيرهم بمصيره، وهدفهم التخلص من الإنتداب والوصاية، وانتزاع حق بلادهم بقوة الحديد والنار.

دامت ثورة صالح العلي ثلاث سنوات ونصف السنة، وقد فجرها في عهد الملك فيصل عام 1918م. وكان على يقين أن الحلفاء يلعبون على الحبال، ويُبيّتون غير ما يُعلنون، وأنّ مطامعهم كلها كانت محصورة في خيرات أرضنا وثروات بلادنا.

بيد أنّ صالح العلي كان يقظًا بطبعه، يحسب لكل ما يُعرض عليه ألف حساب، وهذا ما جعله ينجو من الأشراك العديدة التي نصبتها له فرنسا.

لم يكن صالح العلي بالرجل العادي. كان شعلة متوقدة بالذكاء والشجاعة الخارقة، لا يكاد ينفض عنه غبار معركة حتى يهرع إلى معركة جديدة، فكأنّه قدّ من فولاذ لا يشعر بالتعب ولا يخشى نيران المدافع...

يُعدّ الشيخ صالح العلي في طليعة روّاد الثورة السورية، وفي مقدّمة رجالها بطولة وخبرة عسكرية أثارت دهشة كبار القادة الفرنسيين.

أحرز الشيخ الريفي المدعو صالح العلي شهرة عطرة وذكرًا طيّبًا، لأنه كان فوق كل مطمع دنيوي، وغرضٍ مادّي.

كان يُعرّض نفسه ونفوس أنصاره ومؤيّديه للموت دفاعًا عن أرض الوطن السوري، لا طمعًا بمغنم، ولا طلبًا لمنصب. وهو لو شاء لتدافعت إليه أعلى المناصب والمراتب ولنال ما يشاء من الأموال.

ووصلت أخباره إلى الجنرال غورو، فأعجب به، وقدّر شجاعته وقال في نفسه: (رجل ريفي بسيط يُقاوم جيوش فرنسا بجماعة من أمثاله الريفيين، وينتصر علينا في كثير من المعارك؟ فماذا يكون شأنه لو درس الفنون الحربية في مدرسة سان سير مثلاً. ولو زُوّد بما عندنا من أسلحة وذخائر؟ لاشك أنه كان يردّنا على أعقابنا خاسرين...)

ورغب المندوب السامي لسوريا ولبنان في الإجتماع بصالح العلي فقابله عام 1922م ومدّ يده وصافحه قائلاً: إنني أحيي فيك البسالة والإباء العربيين وأرجو أن نبقى أصدقاء بعد الآن.

ولكن صالح العلي لم يُغيّر عقيدته العربيّة، بل بقي مخلصًا لها، مستعدًا للدفاع عنها في كل لحظة.

وعندما اعتدى الفرنسيون على البرلمان السوري في أيار 1945م أبرق صالح العلي إلى رئيس الحكومة السورية قائلاً:

( سيوف المجاهدين تتململ في الأغماد، ونفوسهم في غليانٍ واضطراب.

لا نقبل امتهان الأمّة، ولا أن تُخرق حرمة الإستقلال.

إنّا للمعتدين بالمرصاد وسيعلم الظالمون أيَّ منقلب سينقلبون )

وأثارت هذه البرقية خوف السلطة الفرنسية التي كانت تلهث تعباً من الحرب وأرسل إليه سعد الله الجابري رئيس مجلس الوزراء يومئذٍ برقيّة هذا نصّها:

" برقيّتكم هزّت الضمير الوطني وأيقظت الشعور القومي وهيّجت في نفوس المخلصين حب الجهاد والرغبة في الإستشهاد " .

فهذا هو الشيخ صالح العلي الذي تحدّث عنه المنصفون والذي قال فيه الزعيم إبراهيم هنانو:

" لو كان في كل مدينة سورية عشرة من أمثال ذلك الرجل لاستطعنا أن نقاوم فرنسا عشر سنوات أخرى رغم ما تملكه تلك الدولة من أموال ومعدّات وطائرات لقد كان رجلاً بكل ما في الرجولة من عزمٍ وصدقٍ ومروءة وإباء عربية مدّ الله في حياته".

وعنه يقول السيّد إحسان الجابري :

" كان عربياً أصيلاً ومناضلاً حراً ومثالاً حياً للتضحية ونكران الذات وكان من أعظم الدعاة إلى القومية العربية وإلى وحدة شعوبنا تحت علم واحد".

ويختم السيّد عبد الله حلاق حديثه عن الشيخ بقوله :

" أنّ أمة تنجب أمثال صالح العلي أمّة خالدة لا تموت ولا يمكن أن تطأطئ الرأس إلاّ لله تعالى وحده".

* * *

فهذا مثالٌ صادق ومنظور يدل على عروبة العلوي وشهامته وثباته في وجه الغزاة الطامحين، وليس كما افترى الحاقدون من أننا (مع كل غاز وعدو لأرض المسلمين)، ولو كنا كذلك ولن نكون لكان الوضع أسوأ مما هو عليه اليوم، ولقُتلت قضيّة فلسطين في مهدها، ولأقامت عدّة دول عربية علاقات مع العدو القابع في أجزاء من بلادنا، والأدلة على ذلك كثيرة ومتوفّرة ولا حاجة إلى سردها في هذه العجالة.

 

  • 1 جاء في كتاب الصليبيون في الشرق:
    وفي أنطاكية أسسوا مملكتهم (الصليبيون) الثانية ثم تابعوا سيرهم نحو القدس وانقسموا فريقين:
    الفريق الأول سار بمحاذاة الساحل يُعاونه الأسطول الصليبي.
    والثاني سار شرقي جبال العلويين ولم يُدافع الحكام السلجوقيّون عن المواقع التي مرّ بها الصليبيون، ولهذا لم يلقوا أي مقاومة إلا في جبلة وطرطوس مقرّ العلويين منذ القديم.