الشجرة المباركة

أُضيف بتاريخ الأحد, 30/08/2015 - 02:30

الشجرة المباركة


فَمِنَ التَّمَيُّزِ الّذِي نَسَبَهُ إِلَى المَكْزُوْنِ فِي قَوْلِهِ :

(( نقلَ المكزونُ (( المباركية )) من وصف البقعة، إلى وصف الشجرة ، تمهيداً للارتفاع إلى التعبير عمّا وراء الظاهر؛ فالشجرة التي وصفها (( بالمباركية )) لم تعد شجرة الزيتون، الموجودة في الوادي الأيمن من جانب الطّور، ولكنها صارت (( العالية عن حدود الأين )) ... والأين : المكان . والعالية : المرتفعة.... والمعنى أنَّ هذه الشجرة أجَلُّ من التحديد في المكان، فهي شجرة المعرفة ، تجلّى الله منها، لذلك تَنَزَّهَتْ عن التحديد... ألمْ يُناد موسى من الشجرة : {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ]القصص]. تحقّق المكزونُ هذا ، في (( قدميّته ))، فصرَّح معترفاً بأنّه سمع النداء من الشجرة المباركة ..)) 1

بَيَانُ الوَهْمِ

إِنَّ وَصْفَ الشّجَرَةِ بِالمُبَارَكَةِ، لَيْسَ مِمَّا يُمَيِّزُ أَحَدًا، لأَنّهُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ [سورة النور 35] .

وَكَذَلِكَ القَوْلُ : إِنّهَا شَجَرَةُ المَعْرِفَةِ المُنَزَّهَةُ عَنِ الجِهَاتِ، لأَنّهُ مُسْتَعْمَلٌ قَبْل المَكْزون، فِي تَفْسِيْر قَولِهِ تَعَالَى : أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [سورة إبراهيم].

وَمِنْهُ فِي التّفْسِيْر الكَبِيْر للإِمام الرّازي :

(( وَأَمَّا الصِّفَةُ الثّانِيَةُ وَهِيَ كَون هَذِه الشَّجَرَةِ ثَابِتَة الأَصْل، فَهَذه الصِّفَةُ فِي شَجَرَة مَعْرِفَةِ اللهِ تَعَالَى أَقْوى وَأَكْمَلُ، وَذَلِكَ لأَنَّ عُرُوقَ هَذِه الشّجَرَةِ رَاسِخَةٌ فِي جَوْهَر النّفْس القُدْسِيّة، وَهَذا الجَوهَرُ جَوْهَرٌ مُجَرّدٌ عَنِ الكَونِ وَالفَسَادِ بَعِيْدٌ عَنِ التّغَيُّرِ وَالفَنَاء، وَأَيْضًا مَدَدُ هَذَا الرّسُوخِ إِنّمَا هُوَ مِنْ تَجَلّي جَلالِ اللهِ تَعَالَى، وَهَذَا التّجَلّي مِنْ لَوَازم كَونِه سُبْحَانَهُ فِي ذَاتِهِ نُور النّور وَمَبْدأ الظّهُور، وَذَلِكَ مِمّا يَمْتَنِعُ عَقْلاً زَوَالُهُ، لأَنّه سُبْحَانَهُ وَاجِبُ الوُجُودِ لِذَاتِهِ، وَوَاجِبُ الوُجُودِ فِي جَمِيع صِفَاتِهِ، وَالتّغَيّرُ وَالفَنَاءُ وَالتّبَدّلُ وَالزّوالُ وَالبُخْل وَالمَنْع مُحَالٌ فِي حَقِّهِ، فَثَبَتَ أَنَّ الشّجَرة المَوْصُوفَةَ بِكَونِهَا ثَابِتةَ الأَصْلِ، لَيْسَتْ إِلاّ هَذِه الشّجَرَة .

الصِّفَةُ الثّالِثة لِهَذِه الشّجَرة : كَوْنُها بِحَيثُ يَكُون فَرْعُهَا فِي السّمَاء، وَاعْلَم أَنَّ شَجَرَةَ المَعْرِفَةِ لَهَا أَغْصَانٌ صَاعِدَةٌ فِي هَوَاء العَالَمِ الإِلَهِيِّ، وَأَغْصَانٌ صَاعِدَةٌ فِي هَوَاء العَالَم الجِسمَانِي ...

وَأَمّا الصِّفَةُ الرّابِعَةُ : فَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى : {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}. فَهَذِه الشّجَرةُ أَوْلَى بِهَذِه الصِّفَةِ مِنَ الأَشْجَار الجِسمانِيّة لأَنّ شَجَرةَ المَعْرِفَة مُوْجِبةٌ لِهَذه الأَحْوال وَمُؤَثِّرَةٌ فِي حُصُولِهَا ...))
2

وَفِي مَشَارق أَنْوار القُلُوب :

(( وَالمَحَبَّةُ هِيَ الدُّهْنُ الّذِي تُوْقَدُ بِهِ هَذِهِ السُّرُجُ كُلُّهَا، وَهُوَ مُسْتَخْرَجٌ مِنَ الشَّجَرَةِ المُبَارَكَةِ الّتِي هِيَ شَجَرةُ المَعْرِفَةِ الّتِي لا شَرْقِيّةٌ وَلا غَرْبِيّةٌ لِتَنَزُّهِهَا عَنِ الجِهَاتِ، إِذْ مَعْرُوفُهَا لا فِي جِهَةٍ ...)) 3

وَفِي مَنَارَاتِ السّائِرِيْنَ :

(( ثُمَّ اعْلَمْ أَنّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وَوَلِيٍّ تَمَتّعًا مِنْ مَقامِ هَذِهِ المَعْرِفَةِ، عَلَى قَدْرِ شُهُوْدِهِم الّذِي قَدّرَ اللهُ لَهُم، وَاسْتِعْدَادِهِم فِي قَبُولِ الفَيْضِ الإِلَهِيِّ بِلا وَاسِطَةِ حِجَابٍ ، وَلا يَبْلغُ السّائِرُ الصّادِقُ إِلَى هَذِهِ المَرْتَبَةِ السّنِيّةِ إِلاّ بِالعُبُورِ عَلَى مَقَامَاتِ النّفْسِ وَالقَلْبِ وَالسّرِّ وَالرّوح .....

فَالسّيْرُ يَكُونُ فِي مَقَامَاتِ البَشَرِيّةِ السّفْلِيّةِ بِالجذبَة، فَالجذبَةُ تُبَعِّدُهُ عَنْ أَنَانِيَّتِهِ، وَتُقَرِّبُهُ إِلَى هُوِيّتِهِ ...... حَتّى يَتَجَلّى لَهُ شَمْس الرُّبُوبِيّة عَنْ سَمَاءِ العُبُوْدِيّةِ .... فَاسْتَضَاءتِ الآفَاقُ الجَسَدانِيّةُ بِضَوءِ الشّرِيْعَةِ، وَظَهَرَتِ المِشْكَاةُ النّفْسَانِيّة بِلَوَامِع الطّرِيْقَةِ، وَتَنَوّرَتِ الزّجَاجَةُ القَلْبِيّةُ بِأَنْوَارِ حَقِيْقَةِ الرّوْحَانِيّةِ، وَأَشْرَقَ المِصْبَاحُ الرُّوْحَانِيُّ بِنَارِ نورِ الإِلَهِيّةِ، وَبَدَتْ شَجَرَةُ الوَحْدانِيّةِ، وَنُوْدِي مُوسَى السّرّ مِنَ الشّجَرَةِ : {أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص] فَانْمَحَتِ الجِهَاتُ .. وَتَلاشَتِ الصُّوَرُ، وَانْطَمَسَتِ الأَبْعَاضُ، وَانْعَدَمَتِ الأَجْزَاءُ...))
4

وَفِي المَظَاهِرِ الإِلَهِيّةِ :

(( فَظَهَرَ مِنْهُ أَنَّ شَجَرةَ طُوبَى يُرَادُ بِهَا أُصُولُ المَعَارِفِ وَالأَخْلاقِ؛ لِيَكُونَ زَيْنَةَ النّفُوسِ القَابِلَةِ، كَمَا أَنَّ مَا عَلَى الأَرْضِ زِيْنَةٌ لَهَا .....)) 5


 


  • 1معرفة الله والمكزون 1\284.
  • 2التفسير الكبير 7\91، ولخّصه الألوسي في تفسيره ، انظر روح المعاني 5\203 ـ 204 .
  • 3مشارق أنوار القلوب 25.
  • 4منارات السائرين 58 ـ 59 ـ 60 .
  • 5المظاهر الإلهية 143.