التنبيه على الأوهام في كتاب ( صحيفة الأخطاء )

أُضيف بتاريخ الأحد, 11/04/2021 - 12:19

التّنبِيْهُ عَلَى الأَوْهام فِي كِتَابِ

( صَحِيْفَة الأَخْطَاء )


اتّهَامُ عُلَمَاءِ العَلَوِيّيْنَ بِالغُلُوِّ فِي الدِّيْنِ، ذَرِيْعَةٌ إِلَى نِسْبَتِهِم إِلَى القُصُوْرِ وَالجَهْلِ، فَقَدْ نَسَبُوا إِلَيْهِم كُتُبًا، وَنَحَلُوهُم أَقْوَالاً، ثُمَّ زَعَمُوا أَنّهُم يُصْلِحُونَ وَيُصَحِّحُون.

وَمِنْ عُلَمَائِهِم الشّيخ سُلَيْمان أَحْمد، رَحِمَهُ اللهُ، وَلَسْتُ بِصَدَدِ الكَلامِ عَلَى بُطْلانِ مَا نُسِبَ إِلَيْهِ، فَقَدْ أَشَرْتُ إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ 1 ، وَلا بِصَدَدِ نَقْدِ الكِتَابِ كُلِّهِ، وَإِنّمَا أَرَدْتُ أَنْ أُنَبِّهَ عَلَى قَلِيْلٍ مِنْ أَوْهَامِ المُنْتَقِدِ، أُبَيِّنُ فِيْهِ غَلَطَهُ، وَهَذَا بَيَانُهُ : 

رَأْيُ المُنْتَقد

(( استشهد، كما هي عادة الشرّاح للزيادة في الإيضاح، ببيت قديم أورده على هذه الصورة : 

وكالنار الحياة فمن رمادٍ                 أواخرها وأوّلها دخان

وقع خطأ في قراءته ( فمن رماد ). والصواب ( إلى رماد ) ، فيعود البيت إلى صورته الصحيحة :

وكالنار الحياة إِلَى رمادٍ               أواخرها وأوّلها دخان )) 2

بَيَانُ الوَهْم

لَمْ يَذْكُرِ المُنْتَقِدُ دَلِيْلاً عَلَى تَخْطِئَتِهِ؛ لِظَنِّهِ أَنَّ تَقْدِيْرَ البَيْتِ : أَوّلُ الحَيَاةِ دُخَانٌ، وَأوَاخِرُهَا إِلَى رَمَادٍ، وَلَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى قَائِلِه، وَلَوْ فَعَلَ لَمَا خَطّأَ أَحَدًا فِي قِرَاءتِهِ، وَلَكِنّهُ عَجِلَ، وَسُبْحَان القَائِل : خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ [سورة الأنبياء 37].

وَالبَيْتُ فِي سِقْطِ الزَّنْدِ لأَبِي العلاء المَعرّي، وَفِي الإِيْضَاح فِي عُلُوم البَلاغَة، وَفِي مَعَاهِد التّنْصِيص : 

وَكَالنّار الحَيَاةُ، فَمِنْ رَمَادٍ          أَوَاخِرُها وَأَوَّلُهَا دُخَان . 3

وَفِي شُروحِ سقطِ الزّند : 

(( وَكَالنّار الحَيَاةُ، فَمِنْ رَمَادٍ          أَوَاخِرُها وَأَوَّلُهَا دُخَان 

التّبريزي : المَعْنَى أَنّ أَوّلَ مَا يَظْهَرُ مِنَ النّارِ الدّخَانُ إِذا طُرِحَ عَلَيْها الوَقُودُ، وَلا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَآخِرُهَا رَمَادٌ لا نَفْعَ فِيْهِ، وَإِنّمَا يُنْتَفَعُ بِمَا هُوَ وَسَطها بَيْن الدّخان وَالرّمَادِ؛ إِذْ كَانَ يُدْفِئُ وَيُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الاخْتِبَازِ وَالاِطِّبَاخ. يَقُولُ : كَمَا أَنَّ الاِنْتِفَاع بِالنّارِ دُونَ الدّخان وَالرّماد، كَذَلِك العَيْشُ إِنّمَا هُوَ أَيّامَ الشّبِيْبَة ، دُونَ أَيّام الصّبا وَالكِبر.

البَطليوسي : الذّوائبُ : النّواصِي ، وَاحِدَتُها ذؤابةٌ. وَذؤابةُ كُلّ شَيءٍ : أَعْلاهُ. وَالهِجان : البِيْضُ. يَقُولُ : لَسْتُ أَعْتَدُّ بِأَوّلِ عُمْرِي، وَهُوَ عَصْرُ الصِّبَا، وَلا بِآخِرِهِ ، وَهُوَ عَصْرُ الهَرَم، وَإِنّمَا أَعْتَدُّ بِأَوْسَطِهِ، وَهُوَ عَصْرُ الشّبَابِ؛ كَمَا أَنّ النّارَ لا يُنْتَفَعُ بِأَوّلِها لأَنّهُ دُخَانٌ، وَلا بِآخِرِها لأَنّهُ رَمَادٌ، وَإِنّما المُنْتَفَعُ بِهِ مِنْهَا مَا بَيْنَ الطّرَفَيْن. وَهَذَا مَعْنىً لا أَحْفَظُهُ لِغَيْرِهِ.

 الخوارزمي : شَبَّهَ الصِّبَا بِالدُّخَانِ فِي أَوَّلِ النّارِ، لاِشْتِمَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى حَرَكَاتٍ غَيْرِ مُتَنَاسِبَةٍ، وَلأَنّ الصِّبَا مِمّا لا يَنْطَبِعُ فِيْهِ الحَقَائِقُ، فَكَأَنّهُ كَدِرٌ غَيْرُ صَافٍ كَالدّخانِ، وَشَبَّهَ الشّيْخوخَة بِالرّمَادِ لِتَوَلِّي الحَرَارَتَيْنِ، وَإِقْبَالِ البَيَاضِ، وَالإِشْرَافِ عَلَى التّفَتّتِ وَالتّشَتّتِ، وَلأَنّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ المَبْدَأ وَالمُنْتَهَى مِمّا لا يَصْحَبُهُ نَفْعٌ، كَالدّخانِ فِي أَوَّلِ النّارِ وَالرّمَادِ فِي آخِرِهَا.)) 4

وَعَلَى هَذَا فَلا خَطَأَ وَلا تَصْحِيْف .


رَأْيُ المُنْتَقد

(( سموا فلم ترهم عين الجهول بهم       
                                  إِلاّ كما نظرت من شخص كيوان                                  

أَخطأ في قراءته (بهم ). والصواب ( بها). أي تراهم العين بها، وأما على قراءته فلا معنى لها. ويعود البيت إلى صورته الصحيحة :

سموا فلم ترهم عين الجهول بها 
                               إِلاّ كما نظرت من شخص كيوان )) 5

بَيَانُ الوَهْم

أَقُولُ : الضّمِيْر فِي ( بِهم ) رَاجِعٌ إِلَى الجَمَاعَة المُشَار إِلَيْهِم فِي قَولِه : سموا فلم ترهم عين الجهول . أَي : عَيْن الجَهُولِ بِهِم، وَلا خَطَأَ فِي قِرَاءة البَيْتِ . 


رَأْيُ المُنْتَقد

(( حتى افترقنا فيا لله ما سفحت     
                             بجفوة البين يوم السفح أجفاني  

أَخطا في قراءته ( بجفوة البين ) . والصواب ( لجفوة البين ) . واللام للسببية أي بسبب قطيعة البعد والفراق. فيصير البيت هكذا :

حتى افترقنا فيا لله ما سفحت               
                         لجفوة البين يوم السفح أجفاني )) 6

بَيَانُ الوَهْم

إِنْ كَانَتِ الحُجّةُ أَنَّ اللاّمَ للسّبَبِيّةِ، فَلا خَطَأَ فِي قِرَاءة البَيْتِ، لأَنَّ البَاءَ فِيْهِ للسّبَبِيّةِ، وَهِيَ مِنْ مَعَانِي حَرْفِ البَاء . قَال ابن هشام فِي مُغْني اللّبِيْب:

(( البَاءُ المُفْرَدَةُ ـ حَرْفُ جَرٍّ لأَرْبَعَة عَشر مَعْنى : وَالرّابِع : السّبَبِيّةُ ، نَحو : إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ [سورة البقرة 54 ]. ....)) 7

وَفِي شَرْح الدّماميني : (( فَاتّخَاذُهم العِجْل سَبَبٌ فِي ظُلْمِهِم الأَنْفُس ..)) 8


رَأْيُ المُنْتَقد 

كُلٌّ يراك كعينه     وسواك ما يبدو له
    إذ كنت مرآة الوجود    فيغيب في حال الشهود

(( وقع تصحيف في قراءته البيت الأوّل ( كنت ). والصواب ( أنت ). لأن ( كنت ) مقرونة بزمانٍ ماضٍ. والله مُنَزَّهٌ عن الزمان ولواحقه وعن المكان وتوابعه، وعن كل ما لا يليق بعظمته وسلطانه ويصير البيت إلى الصورة الصحيحة :

كُلٌّ يراك كعينه
    إذ أَنْت مرآة الوجود ))
 9

بَيَانُ الوَهْم

إِنْ كَانَ المُنْتَقِدُ رَاغِبًا عَنِ اسْتِعْمَالِ كَلِمَة ( كُنْتَ ) لأَنّهَا بِزَعْمِهِ (مقرونة بزمانٍ ماضٍ والله مُنَزَّهٌ عن الزمان )، فَلا يُعَوَّلُ عَلَى نَقْدِهِ، وَذَلِكَ لأَنَّ اللهَ رَضِيَهَا لِنَفْسِهِ، بِقَولِهِ : إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا 11 [سورة النساء ].

وَبِقَوْلِهِ : وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا 17 [سورة النساء].

وَبِقَوْلِهِ ـ حِكَايَة عَنْ سَيِّدِنَا مُوسى ـ : إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا 35 [سورة طه].

فَتَأَمّل. قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ [سورة البقرة 140].


رَأْيُ المُنْتَقد

(( واستجل بدراً في حماها لم يزل                   
                          عن اكتمال حسنه منذ اكتمل

وقع تصحيف في قراءته ( عن ) . والصواب ( على ) . فيعود البيت إلى الصورة الصحيحة :

واستجل بدراً في حماها لم يزل    
                         على اكتمال حسنه منذ اكتمل )) 10

بَيَانُ الوَهْم

لَمْ يَذْكُر المُنْتَقِدُ دَلِيْلاً عَلَى مَا عَدَّهُ تَصْحِيْفًا، وَفِي مَعَاجِم العَرَبِيّة مَا يَرُدُّهُ، لِصِحّةِ تَعْدِيَة الفِعْلِ ( زَال ) بِـ ( عَن )، وَمِنْهُ فِي تَاج العَرُوس :

(( الزّوَالُ : الذّهَابُ وَالاِسْتِحَالَةُ وَالاِضْمِحْلالُ ... وَزَالَ الشَّيءُ عَنْ مَكَانِهِ يَزُولُ، هَذَا هُوَ الأَكْثَرُ ...)) 11

وَالمُرَادُ : لَمْ يَسْتَحِلْ عَن اكْتِمَالِهِ، وَعَلَى هَذَا فَلا خَطَأَ فِي قِرَاءة البَيْتِ وَهَذَا مَا رَغِبْتُ فِي التّنْبِيْهِ عَلَيْهِ، لأَنّ بَقِيّةَ الكِتَابِ عَلَى مِثَالِ مَا تَقَدَّمَ، مِمّا يَسْقُطُ مِنْ فَوْرِ عَرْضِهِ عَلَى كُتُبِ اللّغَةِ وَالشّرِيْعَةِ، وَلَعَلّ المُخْتَارَ مِنْ كَلام الأستاذ سليم الجندي خَيْرُ مَا يَصِفُ الحَال :

(( يَقُولُ أُدَبَاء هَذا العَصْر : الإِنْسَانُ حُرٌّ فِي بَيَانِ رَأْيِهِ. وَنَحْنُ نَقُولُ جَرْياً عَلَى هَذِهِ القَاعِدَةِ : الأستاذ حُرٌّ فِي بَيَانِ رَأْيِهِ وَإِنْ كُنّا نَقُولُ مِنْ جِهَةٍ ثَانِيَةٍ : قَاتَلَ اللهُ الحُرّيّةَ الّتِي وَصَلَتْ إِلَيْنَا لأَنّنا نُذِلُّ كُلَّ مَا يَُعَِزُّ عِنْدَ الأُممِ الأُخْرى، وَنَمْتَهنُ كُلّ مَا يُكرم لَديها، وَلَكِنّنا لا نُسَامِحُ الأستاذ أَنْ يَدْعُوَ إِلَى اتّبَاع طَرِيْقَتِهِ وَالتّمَسّك بِأَهْدَابِها فَإِنّ البَاحِثَ المُمْعِنَ فِيْها لا يَجِدُ فِيْها شَيئًا طَرِيْفاً وَلا طَرِيقاً لاحِباً وَلا أسلوباً مَحْبوباً بَل جُلّ مَا فِيْها مِمّا تَستكّ مِنْهُ الآذان وَتَقْشعرّ الأَبْدان.)) 12
 


 


  • 1في فصل تحقيق نسبة الكتب .
  • 2صحيفة الأخطاء 70.
  • 3سقط الزند، دار صادر ، 64، وفي الإيضاح في علوم البلاغة، المكتبة العصرية، 2004م، 107، وفي معاهد التنصيص على شواهد التلخيص، عالم الكتب، بيروت 1947م، 1\220.
  • 4شروح سقط الزند، القسم الأول ، ص 178.
  • 5صحيفة الأخطاء 96.
  • 6صحيفة الأخطاء 97.
  • 7مغني اللبيب 1\90 ـ 91.
  • 8شرح الدماميني على مغني اللبيب 1\381.
  • 9صحيفة الأخطاء 277.
  • 10صحيفة الأخطاء137.
  • 11تاج العروس من جواهر القاموس14\ 318.
  • 12مجلة المجمع العلمي العربي م13 ج 7 ـ 8\ 360.