المعرفة والعبادة

أُضيف بتاريخ الأحد, 06/09/2015 - 05:22

المعرفة والعبادة


وَمِثْلُهُ مَا ظَنَّ أَنّهُ كَشَفَ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ :

(( ولكنَّ المشكلة، هنا ، بهذا المدخل الذي افتتح المكزون به نصّه ، بقوله : (( ومعرفته لا تصحُّ إلا بذاته ، وذاته لا تُعرفُ إلا برؤيته ..))..)) 1

وَهُوَ مِنَ المَشْهُورِ الّذِي لا يُنْسَبُ إِلَى صُوْفِيٍّ؛ لِشُهْرَتِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ أَمِيْر المُؤمِنِيْن :

(( اعْرِفُوا اللهَ بِاللهِ، وَالرَّسُولَ بِالرِّسَالَةِ، وَأُوْلِي الأَمْرِ بِالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ.)) 2

وَفِي الكَافِي وَالتّوْحِيْدِ وَبِحَار الأَنْوارِ، قَولُ الإِمَامِ الصّادِقِ :

(( ... وَإِنَّمَا عَرَفَ اللهَ، مَنْ عَرَفَهُ بِاللهِ، فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ بِهِ فَلَيْسَ يَعْرِفُهُ، إِنّمَا يَعْرِفُ غَيْرَهُ ...)) 3

وَفِيْهَا :

(( ..عَنْ مَنْصُور ابن حَازم، قَال : قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ : إِنِّي نَاظَرْتُ قَوْمًا فَقُلْتُ لَهُم : إِنَّ اللهَ جَلَّ جَلالُهُ أَجَلُّ وَأَعَزُّ وَأَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ بِخَلْقِهِ، بَلِ العِبَادُ يُعْرَفُونَ بِاللهِ، فَقَالَ : رَحِمَكَ اللهُ .)) 4

وَفِي كِتَابِ التّوْحِيْدِ للشّيخ الصّدوق :

(( القَولُ الصّوَابُ فِي هَذَا البَابِ هُوَ أَنْ يُقَالَ : عَرَفْنَا اللهَ بِاللهِ، لأَنّا إِنْ عَرَفْنَاهُ بِعُقُوْلِنَا فَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ وَاهِبُهَا، وَإِنْ عَرَفْنَاهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ وَحُجَجِهِ (ع) فَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ بَاعِثُهُم وَمُرْسِلُهُم وَمُتَّخِذُهُم حُجَجًا، وَإِنْ عَرَفْنَاهُ بِأَنْفُسِنَا فَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ مُحْدِثُهَا، فَبِهِ عَرَفْنَاهُ، وَقَدْ قَالَ الصّادِق : (( لَوْلا اللهُ مَا عُرِفْنَا، وَلَوْلا نَحْنُ مَا عُرِفَ اللهُ )). وَمَعْنَاهُ لَوْلا الحُجَجُ مَا عُرِفَ اللهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ، وَلَوْلا اللهُ مَا عُرِفَ الحُجَجُ ...)) 5

وَتَعَقَّبَهُ المَجْلِسِيّ فِي بِحَارِ الأَنْوارِ :

(( وَأَمّا مَا ذَكَرَهُ الصّدوقُ (( رَحِمَهُ اللهُ )) فَيَرْجِعُ إِلَى أَنَّ المَعْنَى أَنَّ جَمِيْعَ مَا يُعْرَفُ اللهُ بِهِ، يَنْتَهِي إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنّهُ عَلَى هَذَا تَكُونُ مَعْرِفَةُ الرّسُولِ وَأُولِي الأَمْرِ أَيْضًا بِاللهِ، فَمَا الفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَعْرِفَةِ اللهِ فِي ذَلِكَ ؟.

وَأَيْضًا لا يُلائِمُهُ قَوْلُهُ : اعْرِفُوا اللهَ بِاللهِ، إِلاَّ أَنْ يُقَالَ : الفَرْقُ بِاعْتِبَارِ أَصْنَافِ المَعْرِفَةِ، فَالمَعْرِفَةُ بِالرِّسَالَةِ صَنْفٌ مِنَ المَعْرِفَةِ بِاللهِ، وَالمَعْرِفَةُ بِالمَعْرُوفِ صَنْفٌ آخَر مِنْهَا، وَمَعْرِفَةُ اللهِ فِيْهَا أَصْنَاف لا اخْتِصَاصَ لَهَا بِصَنْفٍ، وَالمُرَادُ بِاعْرِفُوا اللهَ بِاللهِ : حَصِّلُوا مَعْرِفَةَ اللهِ الّتِي تَحْصُلُ بِاللهِ؛ هَكَذَا حَقَّقَهُ بَعْضُ الأَفَاضِلِ.

ثُمَّ إِنَّ فِي كَلامِهِ تَشْوِيشًا وَتَنَاقُضًا، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَخِيْرًا نَفْيُ مَعْرِفَةِ صِفَاتِهِ الكَمَالِيّةِ حَقَّ مَعْرِفَتِهَا بِدُونِ إِرْسَالِ الرُّسُلِ وَنَصْبِ الحُجَجِ، إِلاّ أَنَّ التّصْدِيْق بِوُجُوْدِهِ تَعَالَى يَتَوَقّفُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ كَلِمَاتِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ.))
6

وَفِي فُتُوْحِ الغَيْبِ :

(( أَوَّلُ مَا يَنْظُرُ العَاقِلُ فِي صِفَةِ نَفْسِهِ وَتَرْكِيْبِهِ، ثُمَّ فِي جَمِيْعِ المَخْلُوْقَاتِ وَالمُبْدَعَاتِ، فَيَسْتَدِلُّ بِذَلِكَ عَلَى خَالِقِهَا وَمُبْدِعِهَا، لأَنَّ فِيْهِ دَلالَةً عَلَى الصّانِعِ، وَفِي القُدْرَةِ المُحْكَمَةِ آيَةٌ عَلَى الحَكِيْمِ، فَإِنَّ الأَشْيَاءَ كُلّهَا مَوْجُوْدَةٌ بِهِ .

وَفِي مَعْنَاهُ مَا ذُكِرَ عَنِ ابنِ عَبّاس، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فِي تَفْسِيْرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ [ سورة الجاثية 13 ] فَقَالَ : فِي كُلِّ شَيءٍ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ، وَاسْمُ كُلِّ شَيءٍ مِنِ اسْمِهِ، فَإِنّمَا أَنْتَ بَيْنَ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، بَاطِنٌ بِقُدْرَتِهِ وَظَاهِرٌ بِحِكْمَتِهِ، ظَهَرَ بِصِفَاتِهِ وَبَطَنَ بِذَاتِهِ، حَجَبَ الذَّاتَ بِالصِّفَاتِ، وَحَجَبَ الصِّفَاتِ بِالأَفْعَالِ ........))
7

وَفِي فُصُوصِ الحِكَم :

(( أَحَالَنَا تَعَالَى فِي العِلْمِ بِهِ عَلَى النَّظَرِ فِي الحَادِثِ ، وَذَكَرَ أَنّهُ أَرَانَا آيَاتِهِ فِيْهِ، فَاسْتَدْلَلْنَا بِنَا عَلَيْهِ ....)) 8

وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ شُرّاحِ كِتَابِهِ . 9

وَقَوْلُهُ :

(( فالله سبحانه أوجدَ الموجودينَ، واقتضى هذا الإيجادُ المعرفةَ، معرفة الوسائط التي أوجدها ؛ ومعرفته، قبلَ كلِّ شيءٍ، لأنها السبيلُ الوحيد إلى معرفة تلك الوسائط ... بل لأنَّ الحكمة من هذا الوجود،أو الغاية منه، هي هذه المعرفة ، أو ليس القائل سبحانه : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [ سورة الذاريات ]. وَكَيْفَ يُعْبَدُ مَجْهُولٌ ؟ إذن، لا بُدَّ من المعرفة . لأنَّ الطاعة في العبادة تأتي بعد المعرفة . والعبادة بمعناها الحقيقيّ ليست إلا المعرفة ..)) 10

مِمّا قِيْلَ فِي الكَلامِ عَلَى هَذِهِ الآيَةِ، قَبْل المَكْزُون وَبَعْدَهُ، وَمِنْهُ فِي شَمْس القُلُوب :

(( قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [ سورة الذاريات ] تَفْسِيْرُهُ : إِلاَّ لِيَعْرِفُونِي . فَإِنَّ المَعْرِفَةَ أَوَّلٌ وَالعِبَادَة آخِر ، فَصَارَتِ المَعْرِفَةُ أَصْلاً ، وَالعِبَادَةُ فَرْعاً . فَإِنِ اعْتَلَّ الأَصْلُ فَسَدَ الفَرْعُ لا مَحَالَة، فَأَشَارَتِ الآيَةُ إِلَى المَعْرِفَةِ وَالعِبَادَةِ جُمْلَةً فَيَكُون مَعْنى الآيَةِ عَلَى وَجْهِ التّقْدِيْرِ وَالاِحْتِمَالِ : مَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْرِفُونِي ثُمّ لِيَعْبُدُونِي ، فَإِنّهَا لا تَسْتَقِيمُ مَعَانِي العُبُوْدِيّةِ إِلاّ بَعْدَ مَعْرِفَةِ نُعُوتِ الرّبُوبيّة ...)) 11

وَفِي مِنْهاج العَابِدِين :

(( وَإِنّما صَارَ العِلْمُ أَصْلاً مَتْبوعاً يَلْزَمكَ تَقْدِيْمُهُ عَلَى العِبَادَةِ لأَمْرَيْنِ : أَحَدهما : لِتَحصل لَك العِبَادَةُ وَتَسْلم، فَإِنّكَ أَوّلاً يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَعْرف المَعْبُودَ ثُمّ تَعْبُدَهُ، وَكَيْفَ تَعْبُدُ مَنْ لا تَعْرِفُهُ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِ ذَاتِهِ ....)) 12

وَفِي دُرَرِ الأَسْرَار :

(( وَلا شَكَّ أَنّهُ سُبْحَانَهُ إِنّمَا خَلَقَ الخَلْقَ لأَنْ يَعْرِفُوه، كَمَا قَال : ( كُنْتُ كَنْزًا مَخفيّا، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُعْرَفَ، فَخَلَقْتُ الخَلْقَ لِكَي أُعْرَف)، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [سورة الذاريات]، قَال : أَي : لِتَعْرِفُون.

وَذَلِكَ أَنَّ العِبَادَةَ لا تَتَحَقَّقُ إِلاَّ بَعْدَ المَعْرِفَةِ، فَمَا بَقِيَ إِلاَّ أَنْ يُعَرِّفَهُم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَفْسَهُ، وَيَصِفَ لَهُم مَعْرِفَتَهُ ؛ حَتَّى يَعْرِفُوهُ بِمَا وَصَفَ لَهُم بِهِ نَفْسَهُ ...))
13

وَعَلَى هَذَا فَلا تَمَيُّزَ للمَكْزُون فِيْمَا نُحِل، وَلا للمُؤَلّفِ فِيْمَا كَتَب .


 


  • 1 معرفة الله والمكزون 1\354.
  • 2 الكافي 1\140، وفي التوحيد 286، وفي روضة الواعظين 38، وفي شرح أصول الكافي 3\80 ، وفي بحار الأنوار مج1\594، وفي مرآة العقول 1\ 294.
  • 3 الكافي 1\166، وفي التوحيد 143، وفي بحار الأنوار مج2\121، وفي شرح أصول الكافي 3\298، وفي مرآة العقول 2\35، وانظر الميزان في تفسير القرآن 8\278.<
  • 4 الكافي 1\141، وفي التوحيد 285، وفي بحار الأنوار مج1\593 ، وفي شرح أصول الكافي 3\87، وفي مرآة العقول 1\300، مع اختلاف في ألفاظه.
  • 5 التوحيد 290.
  • 6 بحار الأنوار مج1\596. وانظر مصابيح الأنوار 1\24.
  • 7 فتوح الغيب 113.
  • 8 فصوص الحكم 53.
  • 9 انظر شرح القاشاني 36. وشرح صائن الدين 1\134. وشرح فصوص الحكم لمؤيد الدين الجندي.193. وشرح جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص للنابلسي 1\38. ومطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم للقيصري 1\196.
  • 10 معرفة الله والمكزون 1\353.
  • 11 شمس القلوب 154 ـ 155.
  • 12 منهاج العابدين إلى جنة رب العالمين 16ـ 17.
  • 13 درر الأسرار 67، وانظر الرسالة الخراسانية للشيخ محمد آل أبي خمسين 109.