الإختلاف في المعرفة

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 09/09/2015 - 09:59

الإختلاف في المعرفة


وَمِمّا نَسَبَهُ المُؤَلِّفُ إِلَى المَكْزُوْنِ، وَصْفُ الاِعْتِرَافِ بِالعَجْزِ عَنِ المَعْرِفَةِ، بِالحَيْرَةِ، فِي قَوْلِهِ :

(( يُعطينا المكزونُ فكرةً إجماليةً ، عن انقسام الناس في معرفة الله تعالى .....
1ـ الحائرون، قالوا : (( عرفنا الحقَّ بالعجز عن معرفته ...)) وعلّق المكزونُ على نظريتهم : بأنّهم اقتنعوا من المعرفة بعجزهم، دون معرفة الحق ...لذلك انصرفنا إلى غيرهم ...))
1

وَكَانَ حَقّهُ الإِشَارَةُ إِلَى الاِخْتِلافِ فِيْهِ، مَعَ شُهْرَتِهِ فِي المَنْقُولِ، وَمِنْهُ قَولُ أَمِيْر المُؤمِنِيْن :

(( وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّاسِخِيْنَ فِي العِلْمِ : هُمُ الّذِيْنَ أَغْنَاهُم عَنِ اقْتِحَامِ السُّدَدِ المَضْرُوْبَةِ دُونَ الغُيُوبِ، الإِقْرَارُ بِجُمْلَةِ مَا جَهِلُوا تَفْسِيْرَهُ مِنَ الغَيْبِ المَحْجُوبِ، فَمَدَحَ اللهُ اعْتِرَافَهُم بِالعَجْزِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَمْ يُحِيْطُوا بِهِ عِلْمًا، وَسَمّى تَرْكَهُمُ التَّعَمُّقَ فِيْمَا لَمْ يُكَلِّفْهُمُ البَحْثَ عَنْ كُنْهِهِ رُسُوخًا .....)) 2

وَقَولُ الإِمَام عَلِيّ ابنِ الحُسَيْن :

(( سُبْحَانَ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ فِي أَحَدٍ مِنْ مَعْرِفَةِ نِعَمِهِ إِلاَّ المَعْرِفَة بِالتّقْصِيْرِ عَنْ مَعْرِفَتِهَا، كَمَا لَمْ يَجْعَلْ فِي أَحَدٍ مِنْ مَعْرِفَةِ إِدْرَاكِهِ أَكْثَرَ مِنَ العِلْمِ بِأَنّهُ لا يُدْرِكُهُ، فَشَكَرَ عَزَّ وَجَلَّ مَعْرِفَةَ العَارِفِيْنَ بِالتَّقْصِيْرِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ، وَجَعَلَ مَعْرِفَتَهُم بِالتّقْصِيْرِ شُكْرًا، كَمَا جَعَلَ عِلْمَ العَالَمِيْنَ أَنّهُم لا يُدْرِكُوْنَهُ، إِيْمَانًا ....)) 3

وَفِي إِحْيَاءِ عُلُومِ الدّيْنِ :

(( قَالَ بَعْضُهُم : مَا عَرَفَ اللهَ بِالحَقِيْقَةِ سِوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَقَالَ الصِّدِّيْقُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ : الحَمْدُ للهِ الّذِي لَمْ يَجْعَلْ للخَلْقِ سَبِيْلاً إِلَى مَعْرِفَتِهِ إِلاَّ بِالعَجْزِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ ....)) 4

وَفِي الفُتُوحَاتِ المَكّيّةِ :

(( نَظَرْنَا مِنْ أَيْنَ نَتَوَصّلُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ، فَنَظَرْنَا عَلَى حُكْمِ الإِنْصَافِ، وَمَا أَعْطَاهُ العَقْلُ الكَامِلُ بَعْد جِدِّهِ وَاجْتِهَادِهِ المُمْكِن مِنْهُ، فَلَمْ نَصِلْ إِلَى المَعْرِفَةِ بِهِ سُبْحَانَهُ إِلاَّ بِالعَجْزِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ ....)) 5

وَمِنْ كَلامِ الصّوفِيّةِ عَلَيه فِي الرِّسَالَة القشيرية :

(( وَقَالَ الجُنَيْدُ : أَشْرَفُ كَلِمَةٍ فِي التَّوْحِيْدِ، مَا قَالَهُ أَبُو بَكر الصِّدّيق ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ : سُبْحَانَ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ لِخَلْقِهِ سَبِيْلاً إِلَى مَعْرِفَتِهِ، إِلاَّ بِالعَجْزِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ، وَقَالَ الأستَاذ أَبُو القَاسم الجُنيد : لَيْسَ يُرِيدُ الصّدّيقُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَنّهُ لا يُعْرَفُ، لأَنَّ عِنْدَ المُحَقِّقِيْنَ : العَجْزُ عَجْزٌ عَنِ المَوْجُوْدِ دُوْنَ المَعْدُومِ، كَالمُقْعَدِ عَاجِزٌ عَنْ قُعُودِهِ إِذْ لَيْسَ بِكَسبٍ لَهُ وَلا فِعْلٍ، وَالقُعُودُ مَوْجُوْدٌ فِيْهِ، وَكَذَلِكَ العَارِفُ عَاجِزٌ عَنْ مَعْرِفَتِهِ، وَالمَعْرِفَةُ مَوْجُوْدَةٌ فِيْهِ، لأَنّهَا ضَرُوريّةٌ ...)) 6

وَفِي البُرْهَانِ المُؤَيّد :

(( فَكُلُّ مَا تَرْجَمَ عَنْهُ لِسَانٌ ، أَوْ كَشَفَ عَنْهُ بَيَانٌ ، أَوِ اشْتَمَلَ عَلَيْهِ جَنَانٌ .. فَنِهَايَتُهُ مَحْصُوْرَةٌ ، وَغَايَتُهُ مُدْرَكَةٌ ، حَتَّى تَصِلَ الأُمُورُ بِأَرْبَابِهَا إِلَى العَجْزِ وَالتّقْصِيْرِ ، فَيَقُولُ سَيِّدُهُم : (( لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ )) .

وَيَقُولُ الآخَرُ : (( العَجْزُ عَنْ دَرْكِ الإِدْرَاكِ ... إِدْرَاكُ )) .

وَهَذَا إِشْعَارٌ بِعَدَمٍ حَاصِلٍ مُتَحَقَّقٍ مِنْ جِنْسِ الشَّاهِدِ ، مَع إِثْبَاتِ وُجُوْدِهِ المُنَزَّهِ عَمَّا يَقُومُ فِي الشَّاهِدِ؛ لأَنَّ فِيْهِ كَاف الخِطَابِ للتّخَاطُبِ.

أَي : عَرَفْتُ وُجُوْدَكَ ، وَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى إِحْصَاءِ صِفَاتِكَ ، وَلا إِدْرَاكِ ذَاتِكَ .

فَمِنْ ضَرُوْرَةِ وُجُوْدِي .. وُجُوْدُكَ ؛ لأَنِّي مَعْلُومُكَ ، وَأَنْتَ القَائِمُ بِي ، فَلَزِمَنِي الاِعْتِرَافُ بِكَ مِنْ حَيْثُ لا يُمْكِنُنِي جَحْدُهُ ..))
7

وَفِي شَرْحِ مَوَاقِف النِّفَّرِيّ :

(( وَلَمَّا طَلَبَهُ أَهْلُ العُقُولِ مِنَ الفَلاسِفَةِ وَالمُتَكَلِّمِيْنَ تَوَغّلُوا فِي أَفْكَارِهِم، فَمَا رَجَعُوا بِطَائِلٍ، وَنِهَايَةُ أَحَدِهِم أَنْ يَقُولَ : تَحَقَّقْتُ العَجْزَ عَنْ إِدْرَاكِ المَطْلُوبِ، وَيَجْزمُ بَعْضُهم أَنْ لا وُصُولَ إِلاّ أَنْ يَعْلَمَ أَنْ لا وُصُوْل، وَيَذْكُرُ " العَجْزُ عَنْ دَرَكِ الإِدْرَاكِ إِدْرَاكُ ". وَيَقُولُ : إِنَّ الصِّدِّيْق الأَكْبَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ ذَلِكَ، وَيَتَأَسّى بِهِ، وَيَقْتَدِي فِي زَعْمِهِ بِهِ وَهُوَ غَالِطٌ، فَإِنَّ مُرَادَ أَبِي بَكْر ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ بِهَذَا القَولِ ـ إِنْ صَحَّ عَنْهُ ـ لَيْسَ هُوَ هَذَا، بَلِ المُرَادُ مَضْمُونُ قَولِ الطّائِفَةِ ـ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِم أَجْمَعِيْن ـ : " مَنْ عَرَفَ اللهَ كَلَّ لِسَانُهُ "..)) 8

وَفِي عِلم اليَقِين :

(( فَنِهَايَة مَعْرِفَةِ العَارِفِيْنَ عَجْزُهُم عَنِ المَعْرِفَةِ، وَمَعْرِفَتُهُم بِالحَقِيْقَةِ أَنّهُم لا يَعْرِفُونَهُ، وَأَنّهُ لا يُمْكِنُهم ـ ألبَتّة ـ مَعْرفَته، وَأَنّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَعْرِفَ اللهَ ـ المَعْرِفَةَ الحَقِيْقِيّةَ المُحِيْطَة بِكُنْه صِفاتِ الرّبوبيّة ـ إِلاّ اللهُ تَعَالَى؛ فَإذا انْكَشَفَ لَهُم ذَلِكَ انْكِشافاً بُرْهَانِيّاً ـ كَمَا ذَكَرْناهُ ـ فَقَدْ عَرَفُوهُ، أَي بَلَغوا المُنْتَهَى الّذِي يُمْكِنُ فِي حَقِّ الخَلْقِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ؛ وَهُوَ الّذِي أَشَارَ إِلَيْه مَنْ قَالَ : (( العَجْز عَن دَرك الإدراك إدراك )). )) 9


 


  • 1 معرفة الله والمكزون 1\231. وانظر المجلد الثاني 266.
  • 2 شرح نهج البلاغة مج3\449.
  • 3 تحف العقول 191، وفي بحار الأنوار مج31\214.
  • 4 إحياء علوم الدين1\134، وانظر مقدمة كتاب (( عين اليقين )) للكاشاني 1\19.
  • 5 الفتوحات المكية 1\120 .
  • 6 الرسالة القشيرية 198. وقد أشار الدكتور جمال المرزوقي إلى قول الجنيد، في تحقيقة لشرح مواقف النفري ، ص 548.
  • 7 البرهان المؤيد 296ـ297.
  • 8 شرح مواقف النفري 79.
  • 9 علم اليقين في أصول الدين 1\53 ـ 54.