إن معرفة الثقات من غيرهم منوط بالفقهاء المتمرسين، ولا يحق لأي كان أن يوثق هذا ويشكك بذاك لأن الأمر منوط بمعايير عديدة، وسنختصرها للقارئ الكريم...

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 26/12/2012 - 02:42

المرسل: زياد محمد \18\10\2012م

بداية أشكركم على الاجابة عن سؤالي السابق. .
إن تفسير القرآن الكريم كما أشرتم يعتمد مبدأ "الأثر القطعي" وهذه يتضمن وجود سلسلة من الثقاة تصل ماصدر عن الائمة الكرام بنا .. من الناحيتين النقلية والعقلية.
سؤالي هو : من يحدد من هم الثقاة : هل هو جمهور المسلمين أم الثقاة انفسهم .. وإذا كان الجواب بأن جمهور الناس هم من يحددون الثقاة " الذين وضعت شروطا لموثوقيتهم" فإني أرى أنها مهمة صعبة على عامة الناس سيما في وقتنا الراهن وكثرة وسائل التزييف والخداع فيه .. كما ان هنالك الكثير ممن ينصبون انفسهم ثقاة ... وبالحقيقة ليس من السهل الحكم عليهم للسبب المذكور آنفا .. باختصار لقد حددت شروطا " للثقاة" ولكن من هو المخول ليستخدمها ويحدد من خلالها صحة الموثوقية من عدمها .. وهل هنالك هرمية بموضوع الموثوقية تبدأ بعامة الناس وتنتهي بإمام العصر أم ان الأمر محصور بالثقاة ... مع الشكر الجزيل 1
الجـواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآل بيته المعصومين وأصحابه الميامين، والتابعين لهم إلى يوم الدين.

  إنّ معرفة الثقات من غيرهم منوط بالفقهاء المتمرسين، ولا يحق لأي كان أن يوثق هذا ويشكك بذاك لأن الأمر منوط بمعايير عديدة، وسنختصرها للقارئ الكريم.

  فالضابطة الأولى هي عدم سماع ذموم بحق الرجل المبحوث عن وثاقته من قبل الإمام، وفي حال صدر ذمٌ وجب التحقق من غايته، هل هو على سبيل الطعن والذم، أم هو من باب حمايته وحفظه من شر السلطة الغاشمة التي عرفت قربه من الإمام، فذمه المولى لصرف الأذى عنه، فإذا كان الذم من باب الطعن مع ظهور القرين وجب التبين من حديثه، ولم يجز طرحه إبتداءً خوفاً من صحته بمنأى عن حال الرجل، والتبين يكمن في صدور الحديث نفسه عن رجل محمود السيرة، أو عرضه على أصول المعصومين فإذا وافقها أو حظي براوٍ ثانٍ مأمون أُخذ به، وإن لم يصح طُرح جانباً، وإن كان ذلك الذم لجهة صرف الأنظار عنه قُبل الحديث وعُمِل به وأخذ الطعن على محمله الصحيح، وليس كما فعل البعض من اعتبار الطعن حقيقة ثابتة بحق الرجل .

  والضابطة الثانية تكمن في اشتهار فضل الرجل إلى حد الشيوع الذي لا يلتبس على احدٍ أمثال سلمان والمقداد وأبو ذر ورشيد الهجري وقنبر بن كادان وعثمان بن مظعون ومالك بن الحارث الأشتر وغيرهم من علية الأصحاب الذين كانوا في عصر النبي وأمير المؤمنين، وإذا كان الرجل مجهول الحال من حيث الحمد أو الذم من قبل المعصوم أو أجلاء الأصحاب عُرض حديثه على متونهم (ع) فإن وافق أستُدل به على فضله وعُمل بالحديث.

  وفي مقابلة فضل الرجل إلى حد الشيوع من حيث القبول يبرز قبح الرجل إلى درجة الشيوع من حيث رفض الحديث.

فالرجال يُحكم عليهم بما ظهر منهم وصفاً، وصدر عنهم علماً، لا بما يُنسب إليهم من قبل مُفترين وحاسدين ومُضللين.

  فالطبقة الأولى التي أثنى عليها الإمام ثقات ميامين لا انقسام فيها، وهم معرفون بسيماهم لا يلتبس أمرهم إلا على القاصرين والمُقلدين والمُشككين.

  والطبقة الثانية يقسمون إلى قسمين:
- قسم اعتمد على الطبقة الأولى وروى عنهم وصدّقهم أكان الأمر خارقاً للعادة أم لم يكن، فهم التابعون للأصحاب بإحسان وتصديق.
- وقسم التبس الأمر عليه وتوهّم بالروايات الموضوعة بحقهم من قِبل المدسوسين فطرح أحاديثهم وضعّفهم.
- ومنهم من لم يقبل أو يحتمل غرائب ما أوردوه فرفض ما صدر عنهم وشكك فيهم .

  والطبقة الثالثة: هم المتلقون على اختلاف درجاتهم وتفاضل رتبهم علماً وفهماً، أو قبولاً ورفضاً على مقتضى ما لديهم من قواعد للتوثيق والتضعيف، وهذا كله يعود إلى تفاوت العقول وتفاضل الأذهان.

وأنوَّه إلى أن الطبقة الأولى هم الذين عاصروا المعصومين عليهم السلام وشاهدوهم ورووا عنهم مباشرة من دون وسيط، والذين لم يشاهدوهم نقلوا عن المباشرين ورووا عنهم وصولاً إلى المعصوم.

  ثم أن الذين شاهدوا المعصوم ينقسمون إلى قسمين :
- قسم أثنى عليهم الأمام الذي عاصروه وهم الذين عنيتهم بأصحاب الطبقة الأولى الثقات.
- وقسم لم يرد بحقهم حمدٌ أو ذمٌ لعدم المناسبة، ولا يخلو الأمر من أفراد مدسوسين قدح بهم الإمام لأسباب كثيرة، وهؤلاء يُدرجون في قسم مستقل.

فأبرز الضوابط لمعرفة وثاقة الرجال:

  • أولها:القطع بحمده من قبل الإمام.
  • ثانيها: إجماع الأصحاب على فضله ووثاقته.
  • ثالثها: توافق رواياته مع روايات الصادقين المشهورين في حال جُهل أمره.
  • رابعها: توافق رواياته مع أصول المعصومين.
  • خامسها: اعتماده روايات الثقات.
  • سادسها: اعتماد الثقات رواياته.
  • سابعها: عدم ورود قدح بحقه من قبل المعصومين.
  • ثامنها: اشتهار فضله إلى حد الشيوع.

فبهذه الطرق السليمة والضوابط المستقيمة تُعرف الرجال الصادقين من غيرهم، أما الذموم الموضوعة بحق بعضهم فلا عِبرة بها، وهي كثيرة وتدل على جهل أصحابها وضعفهم وقصورهم في العلم والمعرفة.2

  والحمد لله رب العالمين.

حسين محمد المظلوم
25\12\2012