الكلام على خطبة البيان

أُضيف بتاريخ الثلاثاء, 30/09/2014 - 13:31

الكلام على خطبة البيان


وَمِنْ أَوْهَامِهِ فِي الكَلامِ عَلَى مَنْ يُسَمِّيْهم ( فَرِيْق الغُلاةِ ) ، قَوْلُهُ :

(( ومن شواهد ذلك اهتمامهم وطباعتهم لخطبة "البيان"المنسوبة لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، والتي حكم العلاَّمة المجلسي من كبار محدِّثي الشِّيعة الإماميَّة بأنَّها موضوعة، والتي فيها الغُلُوُّ الصّريح، وأنَّ عليَّاً وَقَفَ بمنبر البَصْرَة يقول : (( أنا الأوَّل والآخر ... أنا الظّاهر والباطن .... أنا الذي أخرجتُ إبراهيمَ من النّار . أنا الذي فَلَقْتُ البحرَ لمُوسَى .. أنا الذي أخرجتُ يُونُسَ من بطن الحُوت ... إلخ)) .)) 1


بَيَانُ الوَهْمِ

لَوْ كَانَ الاِهْتِمَامُ بِخُطْبَةِ البَيَانِ غُلُوّاً ، لَكَانَ مَنِ اسْتَشْهَدَ بِهَا غَالِيًا وَمَنْ شَرَحَها أَكْثَرَ غُلُوّاً ، وَمَنْ طَبَعَهَا إِمَاماً فِي الغُلُوِّ .

وَإِلاَّ فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيْهَا عُلَمَاءُ الشِّيْعَةِ ، فَاحْتَجَّ بِهَا بَعْضُهُم ، وَأَنْكَرَهَا بَعْضُهُم .

وَمِمّنِ احْتَجَّ بِهَا الشّيْخ عَلِيّ اليزديّ الحَائريّ فِي كِتَابِهِ ( إِلْزَام النّاصِب) ، وَمِنْهُ :

(( الرّيْحَان الأَوّل فِي الخُطْبَةِ الّتِي خَطَبَهَا فِي البَصْرَةِ المَعْرُوفة بِخُطْبَةِ البَيَانِ ، وَلَمّا كَانَتْ نُسْخَتُهَا مُخْتَلِفَةً ، ذَكَرْنَا نُسْخَتَيْنِ مِنْهَا، نُسْخَةٌ ذَكَرَ فِيْهَا أَصْحَابَ القَائِمِ ، وَنُسْخَةٌ ذَكَرَ فِيْهَا أَصْحَابَ الولاةِ مَنْسُوبة مِنْهُ إِلَى البِلادِ .

النّسْخَةُ الأُوْلَى : فِي نُسْخَةٍ : حَدَّثَنَا مُحَمّد بن أَحْمد الأَنْبَاري ، قَالَ حَدّثَنَا مُحَمّد بنُ أَحْمد الجرجانِيّ قَاضِي الريّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا طوقُ بن مَالك عَنْ أَبِيْهِ عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مَسْعُود ، رَفَعَهُ إِلَى عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِب (عليه السلام)، لَمّا تَوَلّى الخِلافَةَ بَعْدَ الثّلاثَةِ أَتَى إِلَى البَصْرَةِ ، فَرَقَى جَامِعَهَا ، وَخَطَبَ النّاسَ خُطْبَةً تَذْهَلُ مِنْهَا العُقُوْلُ وَتَقْشَعِرّ مِنْهَا الجُلُوْدُ، فَلَمّا سَمِعُوا مِنْهُ ذَلِكَ ،أَكْثَرُوا البُكَاءَ وَالنّحِيْبَ ، وَعَلا الصّرَاخُ ، قَالَ : وَكَانَ رَسُولُ اللهِ (ص وآله) قَدْ أَسَرَّ إِلَيْهِ السِّرَّ الخَفِيَّ الّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلأَجْلِ ذَلِكَ انْتَقَلَ النّورُ الّذِي كَانَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ (ص وآله) إِلَى وَجْهِ عَلِيّ بنِ أَبِي طَالِب (عليه السلام) ، قَالَ : وَمَاتَ النّبِيّ (ص وآله) فِي مَرَضِهِ الّذِي أَوْصَى فِيْهِ لِعَلِيّ أَمِيْرِ المُؤمِنِيْنَ (عليه السلام)، وَكَانَ قَدْ أَوْصَى أَمِيْرَ المُؤمِنِيْنَ (عليه السلام) أَنْ يَخْطب النّاسَ خُطْبَةَ البَيَانِ ، فِيْهَا عِلْمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ، قَالَ : فَأَقَامَ أَمِيْرُ المُؤمِنِيْنَ (عليه السلام) بَعْدَ مَوْتِ النّبِيّ (ص وآله) صَابِراً عَلَى ظُلْمِ الأُمَّةِ إِلَى أَنْ قَرُبَ أَجَلُهُ ، وَحَانَ وَِصَايَة النّبِيّ (ص وآله) بِالخُطْبَةِ الّتِي تُسَمّى خُطْبَةَ البَيَانِ ، فَقَامَ أَمِيْرُ المُؤمِنِيْنَ (عليه السلام) بِالبَصْرَةِ وَرَقَى المِنْبَر ، وَهِيَ آخِرُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا ، فَحَمِدَ اللهَ ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ......))
2

وَمِنْهُ :

(( الرّيْحَان الثّانِي : فِي خُطْبَةٍ خَطَبَهَا فِي الكوفَةِ المَعْرُوفة بِخُطبَةِ البَيَانِ .

عَنْ دَار المُنْتَظم فِي السّرّ الأَعْظَم ، لِمُحَمّد بن طَلحة الشّافِعيّ ، وَهُوَ مِنْ أَكَابِر عُلَمَاء أَهْلِ السُّنّةِ ، وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَ عُلَمَاءِ الطّرِيْقَةِ وَمَشَايِخ الحَقِيْقَةِ بِالنّقْلِ الصّحِيْحِ وَالكَشْفِ الصّرِيْحِ ، أَنّ أَمِيْرَ المُؤمِنِيْنَ عَلِيّ بنَ أَبِي طَالِب ، كَرّمَ اللهُ وَجْهَهُ ، قَالَ عَلَى المِنْبَرِ بِالكوفَةِ ....)).
3

وَالميرزا مُحَمّد تقي فِي كِتَابِهِ ( صَحِيْفة الأَبْرَار ) ، وَمِنْهُ :

(( إِنْ أَيْقَنْتَ ذَلِكَ عَلَى مَكْنُونِ عِلْمٍ لا يَنْفَدُ ، وَمَخْزُونِ سِرٍّ لا يَفْنَى، فَلا تَسْتَوْحِشْ مِنْ حَدِيْثِ النّورَانِيّةِ ، وَلا خُطْبَةِ البَيَانِ، وَلا الطتنجية، وَلا غَيْرِهَا مِنَ الخُطَبِ وَالأَخْبَارِ الّتِي نَسَبَ فِيْهَا أَمِيْرُ المُؤمِنِيْنَ وَسَائِرُ الأَئِمّةِ المَعْصُوْمِيْنَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم السّلامُ، بَعْضَ أَفَاعِيْل الرّبُوبِيّةِ إِلَى أَنْفُسِهِم، وَلا تَنْسُبهَا إِلَى الوَضْعِ زَعْماً مِنْكَ أَنّهَا مِنْ أَحَادِيْثِ الغُلاةِ وَالمُفَوِّضَةِ ، وَإِلاّ أَبْهَمْتَ كَثِيْراً مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ الكِبَارِ، وَرَمَيْتَهُم بِالغُلُوِّ وَالاِرْتِفَاعِ ، كَجَابِر بن يَزِيد، وَالمُفَضّل بن عمر، وَمُحَمّد بن سنان، وَأَضْرَابِهم مِنْ حَمَلَةِ أَسْرَارِ آلِ اللهِ، لِمُجَرّدِ رِوَايَةِ أَمْثَالِ تِلْكَ الأَخْبَارِ، كَمَا فَعَلَ قَوْمٌ مِنْ ضَعَفَةِ التّحْصِيْلِ غَفْلَةً مِنْهُم عَنْ أَنّ الحُكْمَ بِفَسَادِ العَقِيْدَةِ فِي حَقِّ مَنْ ظَاهِرُهُ الإِيْمَانُ ، وَنِسْبَتَهُ إِلَى الكُفْرِ وَالغُلُوِّ وَالاِرْتِفَاعِ وَالتّخْلِيْطِ وَالكَذِبِ وَأَضْرَابِ ذَلِكَ مِنَ الأَوْصَافِ المُنْكَرةِ بِغَيْرِ حُجّةٍ قَطْعِيّةٍ، لا تَحْتَمِلُ مَحْملاً صَحِيْحاً، مِنْ أَعْظَمِ الجَرَائِرِ عِنْدَ اللهِ، وَإِنَّ اللهَ سَيُقِيْمُ الحَاكِمَ وَالمَحْكُومَ عَلَيْهِ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَلَيُسَائِلُهُما وَيَقْضِي بَيْنَهُمَا بِالحَقّ .

فَلَيْتَ شِعْري مَا جَوَابُ هَؤلاءِ فِي ذَلِكَ المَوْقِفِ العَظِيْمِ، وَأَيّ حُجّةٍ لَهُم يَعْتَذِرونَ بِهَا عِنْد العدلِ الحَكِيْم .

وَلَعَمْري إِنّهُ لَيْسَ لَهُم حُجّةٌ سِوَى رِوَايَاتٍ عَنْهُم لَمْ تَحْتَمِلْهَا عُقُولُهُم القَاصِرَةُ، وَأَفْهَامُهُم الكَاسِرة، فَطَعَنُوا فِيْمَنْ سَلَكَ طَرِيْقَ الهِدَايَةِ، وَحَكَمُوا بِضَلالِ مَنْ لا يَلْحَقُونَهُ فِي بِدَايَةٍ وَلا نِهَايَةٍ .))
4

وَالسَّيِّدُ كَاظم الرشتي فِي كِتَابِهِ ( دُرر الأسرار ) وَمِنْهُ :

(( وَلِذَا تَرَى النّاسَ قَدْ غَلوا فِي عَلِيّ (عليه السلام) بَيْنَ قَائِلٍ : بِأَنّهُ هُوَ اللهُ، وَقَائِلٍ : بِأَنّهُ أَشْرَفُ مِنْ رَسُولِ اللهِ (ص وآله) ، وَمَا غَلوا فِي مُحَمّد (ص وآله) ، إِذْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَا ظَهَرَ مِنْ عَلِيّ (عليه السلام) مِنَ المُعْجِزَاتِ، وَخَوَارق العَادَاتِ،وَإِظْهَارِ تِلْكَ الخُطَب الّتِي تَذهلُ عِنْدهَا العُقُولُ؛ مِثْل خُطْبَةِ الاِفْتِخَارِ، وَخُطْبَةِ البَيَانِ، وَالخُطْبَة التّطنجية، وَحَدِيث طَارق وَأَمْثَالها، مَع أَنّ مَا ظَهَر مِنْ عَلِيّ (عليه السلام) إِنّمَا كَانَ مِنْ مُحَمّدٍ (ص وآله)...)) 5

وَفِي الذّرِيْعة إِلَى تَصَانيف الشّيْعة :

(( خُطْبَة البَيَان مِنَ الخُطَبِ المَشْهُورَةِ نِسْبَتُهَا إِلَى أَمِيْرِ المُؤمِنِيْنَ (عليه السلام) وَلَهَا نُسَخٌ مُخْتَلِفَةٌ بِالزِّيَادَةِ وَالنّقْصَانِ، وَالأَتَمّ مِنْهَا يَقْربُ مِنَ الخَمْسمَاية بَيْت أَنْشَأَهَا بِالكُوفَةِ كَمَا فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهَا أَوْ بالبَصْرَة كَمَا فِي أُخْرَى، لَمْ يَذْكُرْهَا الرّضِي فِي "نَهج البَلاغَة" وَكَذا لَمْ يَذْكرهُ ابنُ شهرآشوب فِي المنَاقِب فِي عِدَاد خُطَبِهِ المَشْهُورة، نَعَم ذكَرَ فِيْه مِنْ خُطَبِهِ الّتِي لا تُوْجَدُ فِي النّهْجِ خُطْبة الافْتِخَارِ كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهَا، وَلَعَلّ المُرَادَ مِنْهَا هَذِهِ الخُطْبَةُ، فَإِنَّ فِي أَوَّلِهَا مَا يَقْرُبُ مِنْ سَبْعِين مِنْ أَوْصَافِهِ وَخِصَالِهِ بِعُنوانِ أَنَا كَذَا أَنَا كَذا مُفْتَخِراً بِذَلِكَ كُلّه أَوّلُهَا [ الحَمْد لله بَدِيع السّمَاواتِ وَفَاطِرهَا، وَسَاطِحِ المدحياتِ وَقَادِرِهَا، وَمُوتدِ الجِبَالِ وَتَاغرِها، وَمفجر العُيُونِ وَبَاقِرِهَا، وَمُرسلِ الرّيَاحِ وَزاجِرِهَا، وَنَاهِي العَواصف وَآمِر، وَمُزَيّن السّمَاءِ وَزَاهِرِهَا، وَمُدَبّر الأَفْلاكِ وَمُسَيّرهَا، إِلَى أَنْ قَالَ سَلْمَان  فَقَامَ إِلَيْه سويد بنُ نوفل الهلالي مِن لَفيف الخَوَارج ـ إِلَى قَولِهِ ـ أَنَا آيَةُ الجَبّار، أَنَا حَقِيْقَةُ الأَسْرَار ـ إِلَى قَوْلِهِ ـ أَنَا بابُ الأَبْواب أَنَا مُسَبِّبُ الأَسْبَاب ـ إِلَى قَولِهِ أَنَا الأَوّلُ وَالآخِرُ وَالظّاهِرُ وَالبَاطِنُ ] وَعِنْد قَولِهِ أَنَا المُخْبِرُ عَنِ الكَائِنَاتِ ذَكَرَ كَثِيْراً مِنَ المَلاحِم، وَعِنْدَ قَوْلِهِ أَنَا أَبُو المهدي قَام مَالك الأشتر وَسَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ قِيَامِهِ كَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِهَا . وَهَكَذَا أَنَا ... أَنَا ... إِلَى أَنْ صَاح سويد بنُ نَوفل وَهَلكَ فِي سَاعَتِهِ، ثُمّ قَامَ مِقْدَادُ بنُ الأَسْود إِلَى آخِر الخُطْبَةِ المُخْتَلِفَةِ نُسَخُهَا، وَقَدْ أَوْرَدَ الشّيْخُ عَلِيّ البَارجيني اليزدي الحائري فِي كِتَابِهِ " إِلْزام النّاصب" المَطْبوع أَخِيراً بِإِيران ثَلاث نُسَخٍ مِنْ هَذا الخُطْبَة، ذُكرت فِي أَحديهَا أَسْمَاء أَصْحَاب الحُجّة المَهْدي (عج)، وَذكرت فِي الأُخْرَى أَسْمَاء ولاةِ الحُجَّةِ عَلَى البِلادِ، وَنَقَلَ إِحْدَى تِلْكَ النّسَخِ عَنِ " الدّرّ المُنظّم فِي السّرِّ الأَعْظَم " تَأْلِيْف مُحَمّد بن طلحة الشّافِعي المُتَوفّى (652)، وَنَقَل الشّيْخ سراج الدّين حَسن بَعْضَها عَن " الدّرّ المُنَظّم " أَيْضاً، يُوْجدُ نُسْخَةٌ مِنْهَا فِي الرّضوية كِتَابَتُها (729) مَع خُطْبَةِ الأَقَالِيْم كَمَا مَرّ، وَنُسْخَةٌ أُخْرَى بِخَطّ درويش عَلِيّ بن جَمَال الدّين المقري كُتِبَتْ فِي (923) فِي (55) وَرَقَة مِنْ وقف ابن خاتون فِي (1067) فِي ( الرضوية ) أَيْضاً . وَأَوْرَدَ السَّيّد الشبر تَمَام هَذِه الخُطْبَة فِي رِسَالَتِه " عَلامَات الظّهُور" وَجُمْلَةٌ مِنْ فِقْرَاتِهَا مَذْكُورَةٌ فِي " مَشَارق الأَنوار " للبُرْسيّ لَكِنْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسَمّيها بِخُطْبَة البَيَان . وَأَوْرَدَ القَاضِي سَعِيد القُمِّيّ المُتوَفَّى بَعْد (1103) نُسْخَةً مُخْتَصَرةً مِنْ هَذِهِ الخُطْبَة فِي شَرْحِهِ لِحَدِيث الغَمَامَة، وَشَرح المُحَقّق القُمِّيّ المُتَوفّى (1231) بَعْض فِقْرَاتِ هَذه النّسْخَة الّتِي نَقَلَهَا القَاضِي سَعِيْد فِيْمَا يَقْرُبُ مِنْ ثَلاثَةِ آلافِ بَيْتٍ بِالفَارِسيّة ، وَطبع الشّرح فِي آخر " جَامع الشّتات " المَذْكُور فِي (ج5)، وَلَهَا شُرُوحٌ أُخَرُ يَأْتِي بَعْضُهَا فِي الشّيْن ....)) 6

وَمِمّا ذَكَرَهُ مِنْ شُرُوْحِهَا :

(( خطبة البَيَان فِي شَرْح خُطْبَةِ البَيَانِ المَنْسُوبَة إِلَى أَمِيْر المُؤمِنِيْن (عليه السلام) للسّيّد حُسين القدسي الشّريف المُعَاصر، فَرغ مِن تَأْليفِه تَاسع شوال (1362) فَارسيّ مَبْسوطٌ في ماية وَعشرين صفْحة فِيْه تفسيرُ فقرات الخُطبةِ وَتَأْويلاتِهَا وَإِثْبَاتِ إِمَامَة الأَئِمّة الاثْنَي عَشر (عَلَيْهم السّلام) .)) 7

وَمِنْهَا :

(( شرح خطبة البيان المنسوبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فَارسِيّ فِي نَحْو 2800 بَيْتا، للمُحَقّق المِيْرزا أَبِي القَاسِم الجيلاني صَاحِب (القوانين) المُتوفّى سنَة 1231هـ. وَهُوَ مِنْ أَجْزاء كِتَابِهِ (جَامع الشّتات) المَطْبوع، أَلّفَهُ جَوَاباً لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ صِدْقِ نِسْبَةِ خُطْبَةِ البَيَانِ للإِمَام وَعَدَمِهِ، وَعَلَى تَقْدير الصّدق سَأَلَه عَنْ وُجُوْدِ جُمْلَتَي : أَنَا خَالِقُ السّمَاوات وَالأَرْض، أَنَا الرّازقُ. فِي الخُطْبَةِ أَوْ لا، وَعَلَى فَرضِ وُجُودِهِمَا فَمَا هُوَ المُرَادُ بِهِمَا، وَقَدْ ذَكَرَ المُؤَلِّفُ فِي الجَوَاب أَنَّ الخُطْبَةَ لَمْ تُنْسَبْ إِلَى الإِمَام عَلَيْه السّلام فِي الكُتُبِ الصّحِيْحَةِ المُعْتَبَرَةِ، حَتَّى أَنّ العَلاّمَةَ المَجْلسيّ لَمْ يَذْكُرْهَا، وَأَكْثَرُ فِقْرَاتِهَا مَوْجُودٌ فِي (مَشَارق أَنْوار اليَقِيْن ) للبُرْسيّ. وَمُخْتصَرٌ مِنْه أَوْرَدهُ القَاضِي سَعِيد القمّيّ فِي (شَرْح حَدِيث الغَمَامَة) ....

( شَرْح خُطْبة البَيَان ) رَأَيْتُه ضِمْنَ مَجْمُوعَةٍ ثَمِيْنَةٍ فِي ( مَكْتَبة الإِمَام أَمِير المُؤمِنِيْن عَلَيْه السّلام العَامّة فِي النّجَف الأَشْرف) تَأرِيْخ كِتَابَتِهَا سَنَة 976هـ .... بَدَأَ فِيْهِ بِشَرْحِ : أَنَا الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظّاهِرُ وَالبَاطِنُ، وَأَنَا بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيْم، وَأَنَا المُصَوّرُ فِي الأَرْحَام، وَأَنَا القُرْآنُ وَالسّبْعُ المَثَانِي . وَعِدّة فِقرات أُخر، وَهُوَ فِي مَأتي بَيْت تَقْريبا، وَلَمْ يُذْكَرْ عَلَيْهِ اسْمُ مُؤَلِّفِهِ مَع الأَسف .

( شَرْح خُطْبة البَيَان ) مَع تَرْجمَتِهَا إِلَى الفَارِسيّة نَظْما، صَغِيْرٌ فِي عَشر صفحات، وَهُوَ لنور عَلي شَاه ...

(شرح خطبة البيان) لمحمد بن محمود الدهدار، فارسي، أوّله : الحمد لله الذي خلق الإنسان علّمه البيان.إلخ . اسمه   (خلاصة الترجمان) كما ذكره المؤلف في آخره، وذكرناه في ج7.

( شَرْح خُطْبة البَيَان ) اسْمُهُ (مَعالِم التّأويل وَالبَيَان) كَمَا يَأْتِي ....

( شَرْح خُطْبة البَيَان ) للمَولَى عَبد المهدي. أَوّلُهُ : الحَمْد لله الّذِي خَلَقَنَا فِي زَمَان دَولةِ النّبِيّ الكَرِيْم ....))
8

وَمِنَ المُعَاصِرِيْنَ الشّيْخ عَبْد الرّسُول زيْن الدّين فِي كِتَابِه ( مُعجم أَلْقَابِ وَأَسْمَاء أَمِيْر المُؤمِنِيْن ) ، فَقَدْ نَقَلَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثِمِئَةِ شَاهِدٍ، وَذَكَرَهَا فِي كِتَابِهِ ( الخُطَبِ النّادِرَةِ لأَمِيْر المُؤمِنِيْن )، وَنَقَلَ مَا تَقَدّم آنِفاً مِنْ كِتَابِ الذّريْعة، وَلَمْ يَذكره . 9

وَأَوْرَدَ كَلامَ عُلَمَاءِ الشّيْعَةِ عَلَى نِسْبَتِهَا، وَمِنْهُ :

(( رأي العلماء في الخطبة ونسبتها:

اضطربت آراء العلماء في هذه الخطبة فمنهم من أنكرها أصلاً، ومنهم من قبلها على تأويل بعض فقراتها، ويعجبني نقل رأي العلامة الشيخ أحمد الاحسائي وقد أجاب عن سؤال : هل إنّ خطبة البيان وخطبة التطنجية عن علي (عليه السلام) أم لا؟ فقال (قدس الله نفسه) : (( اعلم أنَّ خطبة البيان،ذكرها محمد باقر المجلسي في بعض ما نقله عنه بعض العلماء انه قال: سمعت من استاذي علامة العلماء والمجتهدين مولانا محمد باقر المجلسي ((أيّده الله)) إنَّ أهل الخلاف نقلوا خطبة البيان)) انتهى.

ومعلوم عند كل احد من الشيعة نسبتها إليه (عليه السلام) ، بحيث لا يكاد أحد يشكُّ في نسبتها إليه، نعم ذكر بعضهم أنّ فيها زيادات ونسخها مختلفة لا تكاد توجد نسختان متوافقتان، وأما الطعن فيها بأنها ارتفاع فممّا لا يلتفت إليه لأنها لها معاني ومحامل تصرف إليها،والذي يترجّح عندي صحة نسبتها إليه (عليه السلام) وأما أن الزيادات من اختلاف النسخ فغير بعيد.))
10

وَقَالَ السّيّدُ الخوئي : (( لا أَسَاسَ لَهَا، وَاللهُ العَالِمُ .)) 11


وَمِمّا يَدُلُّكَ عَلَى خَلْطِ المُؤَلّفِ، أَنّهُ لا يَعْرِفُ الكَلامَ الّذِي يُسَمّى غُلُوّاً فِي قَوْلِهِ :

(( حكم العلاَّمة المجلسي من كبار محدِّثي الشِّيعة الإماميَّة بأنَّها موضوعة، والتي فيها الغُلُوُّ الصّريح، وأنَّ عليَّاً وَقَفَ بمنبر البَصْرَة يقول: (( أنا الأوَّل والآخر ... أنا الظّاهر والباطن .... أنا الذي أخرجتُ إبراهيمَ من النّار . أنا الذي فَلَقْتُ البحرَ لمُوسَى .. أنا الذي أخرجتُ يُونُسَ من بطن الحُوت ... إلخ)) .))

فَقَدْ نَقَلَ المَجلسيّ فِي بِحَارِ الأَنْوَارِ قَولَ أَمِيْر المُؤمِنِيْنَ : أَنَا الّذِي أُحْيِي وَأُمِيْتُ، أَنَا الأَوّلُ وَالآخِرُ وَالظّاهِرُ وَالبَاطِنُ ، وَمِنْهُ :

(( رُوِيَ أَنَّ أَمِيْرَ المُؤمِنِيْنَ (عليه السلام) كَانَ قَاعِداً فِي المَسْجِدِ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالُوا لَهُ : حَدِّثْنَا يَا أَمِيْرَ المُؤمِنِيْنَ، فَقَالَ لَهُم : وَيْحَكُم إِنَّ كَلامِي صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ لا يَعْقِلُهُ {إِلَّا الْعَالِمُونَ} }سورة العنكبوت 43]، قَالُوا : لا بُدَّ مِنْ أَنْ تُحَدِّثَنَا، قَالَ : قُومُوا بِنَا ، فَدَخَلَ الدّارَ، فَقَالَ : أَنَا الّذِي عَلَوتُ فَقَهَرْتُ، أَنَا الّذِي أُحْيِي وَأُمِيْتُ، أَنَا الأَوّلُ وَالآخِرُ وَالظّاهِرُ وَالبَاطِنُ، فَغَضِبُوا وَقَالُوا : كَفَرَ ، وَقَامُوا، فَقَالَ عَلِيّ (عليه السلام) للبَابِ : يَا بَابُ اسْتَمْسِكْ عَلَيْهِم، فَاسْتَمْسَكَ عَلَيْهِمُ البَابُ، فَقَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكُم : إِنَّ كَلامِي صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ لا يَعْقِلُهُ إِلاَّ العَالِمُونَ ؟. تَعَالوا أُفَسِّر لَكُم، أَمّا قَوْلِي: أَنَا الّذِي عَلَوتُ فَقَهَرْتُ : فَأَنَا الّذِي عَلَوْتُكُم بِهَذَا السَّيْفِ فَقَهَرْتُكُم حَتَّى آمَنْتُم بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَأَمّا قَوْلِي : أَنَا أُحْيِي وَأُمِيْتُ : فَأَنَا أُحْيِي السُّنَّةَ وَأُمِيْتُ البِدْعَةَ، وَأَمّا قَوْلِي : أَنَا الأَوّلُ : فَأَنَا أَوّلُ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَأَسْلَمَ، وَأَمّا قَوْلِي : أَنَا الآخِرُ : فَأَنَا آخِرُ مَنْ سَجَّى عَلَى النَّبِيِّ (ص وآله) ثَوْبَهُ وَدَفَنَهُ، وَأَمّا قَوْلِي : أَنَا الظّاهِرُ وَالبَاطِنُ : فَأَنَا عِنْدِي عِلْمُ الظَّاهِرِ وَالبَاطِنِ ، فَقَالُوا : فَرَّجْتَ عَنَّا فَرَّجَ اللهُ عَنْكَ .)) 12

وَنَقَلَ قَوْلَهُ : (( أَنَا الّذِي أَخْرَجْتُ يُونُس مِنْ بَطنِ الحُوتِ بِإِذْنِ رَبّي)) فِي خَبَرِ مَعْرِفَةِ أَمِيْرِ المُؤمِنِيْنَ بِالنُّورَانِيَّةِ ، وَمِنْهُ :

(( أَنَا الّذِي حَمَلْتُ نُوْحاً فِي السَّفِيْنَةِ بِأَمْرِ رَبِّي، وَأَنَا الّذِي أَخْرَجْتُ يُونس مِنْ بَطْنِ الحُوتِ بِإِذْنِ رَبِّي، وَأَنَا الّذِي جَاوَزْتُ بِمُوسَى بنِ عِمران البَحْرَ بِأَمْرِ رَبِّي، وَأَنَا الّذِي أَخْرَجْتُ إِبْرَاهِيْم مِنَ النّارِ بِإِذْنِ رَبِّي، وَأَنَا الّذِي أَجْرَيْتُ أَنْهَارَهَا، وَفَجَّرْتُ عُيُوْنَهَا، وَغَرَسْتُ أَشْجَارَهَا، بِإِذْنِ رَبِّي .

وَأَنَا عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ [سورة الشعراء 189]، وَأَنَا الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ [سورة ق ]. قَدْ سَمِعَهُ الثَّقَلانِ: الجِنُّ وَالإِنْسُ، وَفَهِمَهُ قَومٌ.

إِنِّي لأسمعُ كُلّ قَوم الجَبّارينَ وَالمُنَافِقِيْنَ بِلُغَاتِهِم، وَأَنَا الخَضِر عَالِمُ مُوْسَى، وَأَنَا مُعَلِّمُ سُلَيْمَان بن دَاؤود، وَأَنَا ذُو القَرْنَيْن، وَأَنَا قُدْرَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ .))
13

وَحَقَّقَهُ الميرزا مُحَمّد تقي فِي كِتَابِهِ ( صَحِيْفَة الأَبْرَار) وَمِنْهُ :

(( الحَدِيْث الأَرْبَعُون. كِتَابُ العَوَالم : للشّيْخ المُحَدّثِ الجَلِيْلِ الشّيْخ عَبْد اللهِ بن نُور اللهِ البحرانِيّ، مِنْ تَلامِيْذِ مَوْلانا مُحَمّد بَاقِر المَجْلسيّ، قَالَ: ذَكَرَ أُسْتَاذِي العَلاّمَةُ ، رَفَعَ اللهُ مقَامهُ، ذَكَرَ وَالِدِي رَحِمَه اللهُ، أَنّهُ رَأَى فِي كِتَابٍ عَتِيْقٍ جَمَعَهُ بَعْضُ مُحَدِّثِي أَصْحَابِنَا فِي فَضَائِل أَمِيْرِ المُؤمِنِيْنَ (عليه السلام) هَذَا الخَبَرَ، وَوَجَدْتُهُ أَيْضاً فِي كِتَابٍ عَتِيْقٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى أَخْبَارٍ كَثِيْرَةٍ .

أَقُولُ : هَذَا قَولُ المَجْلسيّ رَحِمَهُ اللهُ، وَنَقْلُ تِلْمِيْذِهِ عَنْهُ فِي كِتَابِ الإِمَامَةِ مِنْ كِتَابِهِ عَوَالِم العُلُوم، وَوَجَدْتُ عَلَى حَاشِيَةِ النُّسْخَةِ الّتِي عِنْدِي مِنْ كِتَابِ العَوَالِم بِخَطِّ الشّيْخ الأَجَلِّ العَلاّم الكبريائي مَوْلانَا الشّيْخ أَحْمَد بن زَين الدّين الاحْسائي ، أَنَارَ اللهُ بُرْهَانَهُ، عِنْدَ نَقْلِ صَاحِبِ الكِتَابِ هَذَا الكَلامَ عَنِ المَجْلسيّ رَحِمَهُ اللهُ، مَا هَذَا عِبَارَتُهُ :

الظّاهِرُ أَنَّ هَذَا الكِتَابَ، هُوَ كِتَابُ أَنِيس السّمراءِ وَسَمِيْر الجُلَسَاءِ، لأَنَّ هَذَا الحَديْثَ وَحَدِيْثَ الخَيْط الأَصْفَر مَذْكُورانِ فِيْهِ، انْتَهَى كَلامُهُ، زِيْدَ مَُقَامُهُ.

وَأَقُولُ : وَتَحْقِيْقُ هَذَا الظُّهُوْرِ، أَنَّ صَاحِبَ العَوَالِمِ، رَوَى بَعْدَ هَذَا الحَدِيْثِ الآتِي حَدِيْثَ ( الخَيْط الأَصْفَر) عَنْ شَيْخِهِ المَجْلسيّ رَحِمَهُ اللهُ، عَنِ الكِتَابِ العَتِيْقِ المَذْكُورِ بِسَنَدٍ هُوَ بِعَيْنِهِ السَّنَدُ الّذِي ذَكَرَهُ شَيْخُنَا العَلاّمُ المَذْكُورُ فِي كِتَابِ ( شَرْح الجَامِعَة) فِي شَرْح فِقْرَة وَمَوْضع الرّسَالَةِ بِحَدِيْثِ الخَيْطِ، عَنْ كِتَابِ ( أَنِيْسِ السّمرَاءِ ) كَمَا يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللهُ ذِكْرُهُ فِي القِسْمِ الثّانِي فِي مُعْجِزاتِ السّجّادِ (عليه السلام) .

هَذَا،وَقَالَ شَيْخُنَا العَلاّمُ المَذْكُورُ فِي كِتَابِهِ ( شَرْح الجَامِعَة) فِي شَرْحِ فِقْرَةِ : (( أَسْأَلُكَ أَنْ تُدْخِلَنِي فِي جُمْلَةِ العَارِفِيْنَ بِهِم )) إِلَى آخِرِه، مَا هَذَا لَفْظُهُ :

وَالمُرَادُ بِالعَارِفِ بِهِم، العَارِفُ بِهِم بِالمَعْرِفَةِ النُّوْرَانِيَّةِ، كَمَا فِي حَدِيْثِ عَلِيّ (عليه السلام) لِسَلْمَان وَأَبِي ذَرّ ، عَلَى مَا فِي أَنِيْسِ السّمرَاءِ، مَعَ أَنَّ الخَبَرَ عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يَحْتَاج إِلَى الخَوْضِ فِي تَحْقِيْقِ سَنَدهِ، وَمَتْنِهِ مَعَ ذَلِكَ شَاهِدٌ لِصِحَّةِ صُدُوْرِهِ عَنْ مَصْدَرِ الوَلايَةِ عِنْدَ صَاحِبِ الذّوقِ السّلِيْمِ وَالطّبْعِ المُسْتَقِيْم، وَمَنْ {شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [سورة الكهف 29]، وَهَذِهِ صُوْرَةُ الحَدِيْثِ : قَالَ : رَوَى مُحَمّد بن صَدقة، أَنّهُ سَأَلَ أَبُو ذَرٍّ الغِفَاري سَلْمَان الفَارِسِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ مَا مَعْرِفَةُ أَمِيْرِ المُؤمِنِيْنَ (عليه السلام) بِالنُّوْرَانِيَّةِ ؟.

قَالَ : يَا جُنْدب، فامْضِ بِنَا حَتّى نَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ : فَأَتَيْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ . قَالَ: فَانْتَظَرْنَاهُ حَتّى جَاءَ. قَالَ ـ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْه ـ : مَا جَاءَ بِكُمَا ؟. قَالا : جِئْنَاكَ يَا أَمِيْرَ المُؤمِنِيْنَ نَسْأَلُكَ عَنْ مَعْرِفَتِكَ بِالنُّوْرَانِيّةِ.

قَالَ : مَرْحباً بِكُمَا مِنْ وَلِيّيْنِ مُتَعَاهِدَيْنِ لِدِيْنِهِمَا، لَسْتُمَا بِمُقَصّرَيْنِ، لَعَمْرِي إِنَّ ذَلِكَ الوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُؤمِنٍ، ثُمّ قَالَ (عليه السلام) : يَا سَلْمَانُ وَيَا جُنْدب. قَالا : لَبّيْكَ يَا أَمِيْرَ المُؤمِنِيْنَ قَالَ : إِنَّهُ لا يَسْتَكْمِلُ أَحَدٌ الإِيْمَانَ حَتَّى يَعْرِفَنِي كُنْهَ مَعْرِفَتِي بِالنّوْرَانِيَّةِ، فَإِذَا عَرَفَنِي بِهَذِهِ المَعْرِفَةِ امْتَحَنَ اللهُ قَلْبَهُ للإِيْمَانِ، وَشَرَحَ صَدْرَهُ للإِسْلامِ، وَصَارَ عَارِفاً مُسْتَبْصِراً، وَمَنْ قَصرَ عَنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ، فَهُوَ شَاكٌّ مُرْتَابٌ. يَا سَلْمَانُ وَيَا جُنْدب. قَالا : لَبّيْكَ يَا أَمِيْرَ المُؤمِنِيْنَ.قَالَ : مَعْرِفَتِي بِالنّوْرَانِيّةِ : مَعْرِفَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمَعْرِفَةُ الله ِعَزَّ وَجَلَّ : مَعْرِفَتِي .....))
14

وَتَكَلّمَ بَعْدَ إِيْرَادِهِ عَلَى صِحّتِهِ، وَشَرَحَ بَعْضَهُ ، وَوَهّمَ مَنْ أَنْكَرَهُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَولُهُ :

(( قَدْ ذَهَبَ هَذَا الحَدِيْثُ بِعُقُولِ قَوْمٍ، فَمِنْهُم مَنِ اسْتَوْحَشَ مِنْهُ وَأَنْكَرَ، وَمِنْهُم مَنْ وَقَفَ وَتَحَيَّرَ، وَسَلَّمَ قَلِيْلٌ مِنْ بَيْنِهم وَتَبَصَّرَ، وَمَنْ خَاضَ فِي بِحَارِ الأَخْبَارِ وَجَاسَ خِلالَ تِلْكَ الدِّيَارِ، وَجَدَ فِقراتِ هَذَا الحَدِيْثِ مُتَوَاتِرةً ، إِمّا لَفْظاً وَإِمّا مَعْنىً، فَلَيْسَ فِيْهِ مَا يُوْجِبُ حَيْرَةَ الضُّعَفَاءِ فِي بَادِي الرّأْي، سِوى فِقرات عَدِيْدةٍ، فَلْنُشِرْ إِلَى شَيءٍ مِنْ مَعَانِيْهَا، حَتّى يَخْسَأَ المُعَانِدُ وَيَذْهَبَ المُتَوَقِّفُ بِتَأوِيْلِهِ .....

فَمِنْهَا : قَوْلُهُ (عليه السلام) : أَنَا الّذِي حَمَلْتُ نُوْحاً فِي السَّفِيْنَةِ، وَمَا يَتْلُوهُ وَيُضَاهِيه مِنَ الفِقراتِ.

وَإِنّمَا نَشْأَةُ الحَيْرَةِ فِيْهِ مِنْ عَدَمِ التّأَمّلِ فِي الأَخْبَارِ الّتِي نَقَلُوهَا وَتَلَقّوها بِالقَبُولِ فِي غَيْرِ هَذَا المَوْضِعِ مِنْ غَيْرِ نَكِيْر، وَهِيَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ أَنْوَارَهُم قَبْلَ خَلْقِ الخَلْقِ، حَيْثُ لا سَمَاء مَبْنِيّة ، وَلا أَرْض مدحيةٌ وَلا نَبِيّ ، وَلا مَلَكَ، وَلا إِنْسَ، وَلا جِنَّ، وَلا غَيْر ذَلِكَ مِنَ المَخْلُوقَاتِ، فَإِنّ الأَخْبَارَ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَلَمْ يُعْهَدْ مِنْ أَحَدٍ إِلَى الآن إِنْكَارُهَا، وَتَأَخُّرُ ظُهُورِهِم البَشَرِيّ لا يُنَافِي ذَلِكَ، فَإِنّ المَدَارَ عَلَى الظُّهُوْرِ الوُجُوْدِيِّ لا البَشَرِيّ الظّاهِرِيّ، فَافْهَم.

وَتَوَاتَرَتِ الأَخْبَارُ أَيْضاً، أَنّهُم (ع) يَدُ اللهِ البَاسِطَةُ، وَلِسَانُهُ النّاطِقُ فِي خَلْقِهِ، فَإِذْ كَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، فَمَا يَمْنَعُكَ أَيّهَا المُنْكِرُ مِنْ أَنْ يَبْعَثَ اللهُ تَعَالَى يَدَهُ البَاسِطَةَ فِي عَالَمِ الأَنْوَارِ فَيَحْمل نُوْحاً فِي السّفِيْنة، وَيُخْرِج يُونس مِنْ بَطْنِ الحُوتِ، وَيُجَاوِرَ بِمُوسَى بن عِمران البَحْر، وَيُخْرِج إِبْرَاهِيْم مِنَ النّارِ، وَيَبْعَث لِسَانَهُ النّاطِقَ فَيَتَكَلّم عَلَى لِسَانِ عِيْسى فِي المَهْدِ، وَعَلَى لِسَانِ الخَضِر فِي تَعْلِيْم مُوْسَى، وَعَلَى لِسَانِ نَمْلَةٍ فِي تَعْلِيْمِ سُلَيْمَان، كَمَا تَكَلّمَ اللهُ تَعَالَى مَع مُوْسَى مِنَ الشّجَرَةِ، وَيَبْعَث يَدَه كَذَلِك فَيُجْرِي أَنْهَارَ الدُّنْيَا، وَيَفْجر عُيُونَهَا وَيَغْرس أَشْجارهَا ،إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

مَع أَنّهُ لَوْ قِيْلَ : إِنّ اللهَ تَعَالَى بَعَثَ مَلَكاً، فَحَمَلَ نُوْحاً فِي السّفِيْنَةِ، وَأَخْرَجَ يُونس مِنْ بَطْنِ الحُوتِ، وَجَاوَزَ بِمُوسَى البَحْرَ، وَأَخْرَجَ إِبْرَاهِيم مِنَ النّارِ، وَتَكَلّمَ عَلَى لِسَانِ عِيْسَى، وَعَلّمَ مُوْسَى وَسُلَيْمَان، وَنَادَى بِنِداءٍ سَمِعَهُ الثّقَلانِ مِمّنْ مَضَى وَيَأْتِي، وَأَجْرَى أَنْهَارَهَا، وَفَجّرَ عُيُوْنَهَا وَغَرَسَ أَشْجَارَها، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ، لَمْ تُقَابِلْ شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ بِالإِنْكَارِ، فَمَا بَالُكَ تَقْبلهُ فِي المَلَكِ، وَتُنْكِرُهُ فِيْمنْ لَوْلاهُ لَمْ يُوْجدْ مَلَكٌ وَلا فَلَكٌ.))
15

وَمِنْهُ :

(( قَولُهُ (عليه السلام) : أَنَا أُحْيِي وَأُمِيْتُ، فَهُوَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ، كِلاهُمَا صَحِيْحَانِ، أحَدهمَا: أَنْ يُرَادَ بِهِ : إِنّي قَادِرٌ عَلَى الإِحْيَاءِ وَالإِمَاتَةِ إِذَا شِئْتُ، وَهَذَا المَعْنَى مِمّا لا يَرْتَابُ فِيْهِ مُسْلِمٌ، لأَنّهُ مِنْ لَوَازِمِ مَقَامِ النُّبُوّةِ وَالوَلايَةِ، لِكَوْنِهِ مِنْ جُمْلَةِ المُعْجِزَاتِ وَصُدُوْره عَنْهُم غَيْرُ عَزِيْزٍ، وَكِتَابُ اللهِ العَزِيْز نَاطِقٌ بِهِ، وَثَانِيْهما: أَنْ يُرَادَ بِه أَنَّ أَمْرَ الإِحْيَاءِ وَالإِمَاتَةِ إِلَيَّ بِالكُلّيّةِ، وَهَذَا أَيْضاً مِمّا لا يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقّفَ فِيْهِ شِيْعِيٌّ، لأَنّهُ مُرَكّبٌ مِنْ قَولِ مَلَكَيْنِ : إِسْرَافِيل وَعزرائيل، فَكَمَا يَصِحّ لإِسْرَافِيل أَنْ يَقُولَ : أَنَا أُحْيي النّفُوسَ، وَلِعِزرائيل أَنْ يَقُولَ : أَنَا أُمِيْتُهَا، وَلا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَا إِلَهَيْنِ مِنْ دُوْنِ اللهِ لأَنّهُمَا حَامِلانِ أَمْرَ اللهِ، وَلَيْسَ لَهُمَا اسْتِقْلالٌ فِي ذَلِكَ، كَذَلِكَ يَصِحّ لِمَنْ جَعَلَ اللهُ المَلائِكَةَ خُدّامَهُ وَعَبِيْدَهُ { لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } [سورة الأنبياء]. أَنْ يَقُولَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَنْسُبَ هَذِهِ الأَفْعَالَ إِلَى نَفْسِهِ بِالطّرِيْقِ الأوْلَى، لأَنّهُ الوَاسِطَةُ الكُبْرَى فِي ذَلِكَ،جَعَلَ اللهُ قَلْبَهُ وِعاءً لِمَشِيْئَتِهِ وَمَهْبطاً لإِرَادَتِهِ، بِهِ {يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [سورة آل عمران 40].وَ {يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [سورة المائدة].

وَرَاجِعْ فِي تَحْقِيْق ذَلِكَ إِلَى مَا قَدّمْنَاهُ فِي العَنَاوِيْنِ، وَلا تُلْجِئْنَا إِلَى التّكْرار، فَلَيْتَ شِعْري مَا وَجْهُ التّحَيُّرِ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الأَخْبَارِ وَتَأْوِيْلِهَا بِمَا تَضْحَكُ مِنْهُ الثّكْلَى، كَقَولِ بَعْضِ المُحَدّثِيْن ـ بَعْدَ ذِكْرِ الخَبَرِ مَا هَذَا لَفْظُهُ ـ : قَوْلُهُ (عليه السلام) : أَنَا الّذِي حَمَلْتُ نُوْحاً . إِلَى آخِره.

أَقُولُ : لَوْ صَحّ صُدُوْرُ الخَبَرِ عَنْهُ (عليه السلام) لاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ المُرَادُ بِهِ وَبِأَمْثَالِهِ : أَنّ الأَنْبِيَاءَ بِالاسْتِشْفَاعِ بِنَا وَالتّوَسّلِ بِأَنْوَارِنا رُفِعَتْ عَنْهُم المَكَارِهُ وَالفِتَنُ، كَمَا دَلّتْ عَلَيْهِ الأَخْبَارُ الصّحِيْحَةُ الصّرِيْحَةُ، انْتَهى.

فَانْظُرْ إِلَى هَذَا المُحَدِّثِ الفَاضِلِ وَإِخْرَاجِهِ الكَلامَ عَنْ ظَاهِرِهِ بِالكُلّيّةِ بَعْدَ التّرَدُّدِ فِي أَصْلِ الخَبَرِ مِنْ غَيْرِ دَاعٍ يَدْعوهُ إِلَيْهِ، وَلَعَمْري إِنّهُ مِمّنْ يَرْوِي فِي كِتَابِهِ أَخْبَاراً صَحِيْحةً مُتَوَاتِرةً فِي أَنّهُم (ع) خُلِقُوا قَبْلَ خَلْقِ الخَلْقِ دُهُوْراً لا يَعْلَمُ إِحْصَاءهَا إِلاّ اللهُ، وَأَنّهُم كَانُوا فِي عَالَمِ الأَنْوَارِ مَوجُوْدِيْن حَيْثُ لا سَمَاءَ مَبْنِيةٌ وَلا أَرْض مَدْحيةٌ ، وَلا آدَم وَلا حَوّاء .

لَقَبِيْحٌ غَايَةَ القَبَاحَةِ، عَصَمَنَا اللهُ وَإِخْوَانَنَا مِنَ الخَطَأ وَالخَطَلِ، وَإِنّمَا نَشَأَتْ هَذِهِ الأُمُوْرُ مِنَ الغَفْلَةِ عَنْ مِيْزَانِ تَصْحِيْحِ الأَخْبَارِ الّذِي قَدّمْنَاهُ فِي صَدْرِ الكِتَابِ، يَا سُبْحَانَ اللهِ، إِنّ الّذِي يُعَلِّمُ المَلائِكَةَ التَّسْبِيْحَ وَالتّقْدِيْسَ فِي ابْتِدَاءِ خَلْقِهم كَمَا نَقَلَ هُوَ نَفْسُهُ بِذَلِكَ أَخْبَاراً مُسَلّمَةً مُتَوَاتِرةً مَعْنىً، لِمَ لا يَجُوزُ أَنْ يَحْمِلَ نُوْحاً فِي السّفِينَةِ وَيُخْرِجَ يُونس مِنْ بَطْنِ الحُوْتِ، وَمَا الّذِي أَقْدَرَهُ عَلَيْهِ، ثُمّ أَعْجَزَهُ عَنْ ذَلِكَ، مَاتَ ، أَوْ هَلَكَ ، فِي أَيّ وَادٍ سَلَكَ؟. صَدَقَ وَلِيّ اللهِ،{وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}[سورة البقرة45].))
16

فَتَأَمّلْ ، تَرَ عَجَباً، إِذَا نَقَلَ الحَائِري خُطْبَةَ البَيَانِ، وَاحْتَجّ بِهَا ، قِيْلَ: لَيْسَ غُلُوًّا .

وَإِذَا احْتَجّ بِهَا المِيْرزا مُحَمّد تقي، قِيْل : لَيْسَ غُلُوًّا .

وَإِذَا نَقَلَ الشّيْخُ المُفِيْد وَالمَجلسيّ وَالميرزا وَالبَحرانِيّ ، قَولَ أَمِيْر المُؤمِنِين : أَنَا الأَوّلُ وَالآخِرُ وَالظّاهِر وَالبَاطِن ، قِيْل : لَيْسَ غُلُوّاً .

وَإِذَا قَرَأَ المُسْلِمُ العَلَوِيُّ تِلْك الأقْوال ، قَالُوا : إِنّهُ مِنَ الغُلاةِ !!!.

لا حَولَ وَلا قُوّةَ إِلاّ بِاللهِ العَلِيّ العَظِيْم .


 

  • 1الفرق والمذاهب الإسلامية منذ البدايات 271، إن كان الكلام له .
  • 2إلزام الناصب2\ 178ـ 179.
  • 3نفسه 232ـ 233، وعنوان الكتاب في الذريعة ( الدرّ المنظّم فِي السّرّ الأعظم ). وانظر ينابيع المودّة ص 486.
  • 4صحيفة الأبرار 1\46ـ47.
  • 5درر الأسرار 121ـ 122.
  • 6الذريعة إلى تصانيف الشيعة7\143ـ 144، ومع أن في نسخ خطبة البيان اختلافا فإنَّ في جملة (( وَنَاهِي العَواصف وَآمِر )) مخالفة للسجع، وفي إلزام الناصب 2\179 ، وفي الخطب النادرة 94 (( وناهي القواصف وآمرها )).
  • 7الذريعة 7\143.
  • 8الذريعة 13\127ـ 128.
  • 9انظر الخطب النادرة 89 ـ 90 .
  • 10الخطب النادرة 91.
  • 11صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات 471.
  • 12بحار الأنوار مج 17\ 495، وفي صحيفة الأبرار 2\138، وفي مدينة المعاجز 1\370، وفي الاختصاص 163، مع اختلاف في بعض ألفاظه.
  • 13بحار الأنوار مج 11\244، وفي إلزام الناصب 1\34، وفي مشارق أنوار اليقين 257، وفي صحيفة الأبرار 1\ 133. مع اختلاف في بعض ألفاظه.
  • 14صحيفة الأبرار 1\ 129ـ 130.
  • 15صحيفة الأبرار1\134ـ 135.
  • 16صحيفة الأبرار 1\ 136ـ 137.