7- حق اليقين في الدليل على ثبوت وجوده تعالى من طريق الوحي و الكتاب المبين.

أُضيف بتاريخ الثلاثاء, 12/10/2010 - 17:40

إعلم أنّ الماديين جحدوا وجود الخالق الأول سبحانه لعدم رؤيتهم له بالحواس الظاهرة لزعمهم أن المعرفة الحقيقية بالشيء هي النظر إليه بالحواس لا بالعقل و هذا مذهب قديم ومنه كان طلب فرعون رؤية الله بقوله تعالى:
( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ. أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ ) غافر\36-37.

فالآية تضمنت أن طلب فرعون خاطئ بصدّه عن السبيل – وكذلك اليهود طلبوا هذا الطلب من موسى ظلماً من قوله تعالى: ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ) البقرة\55.

وفي موضع آخر فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم أي فليس العدل هو الذي دفعهم إلى أن طلبوا مثل هذا الطلب بل الظلم, ظلم النفوس للحق.

( فالماديون ) يَرَون أنّ عَدَم رؤيتهم الخالق عز وجل بالحواس كان سبباً لإلحادهم و من هذا الدليل حادثة حدثت في مدرسة ابتدائية في الغرب قيل :
وقف معلم ابتدائي ( مادي ) و قال لطلاب السنة الإبتدائية السادسة: ( أترونني ). قالوا: نعم نراك. قال: ( فإذا أنا موجود ). ثم قال: ( أترون اللوح ). قالوا: نعم. قال: (فاللوح إذن موجود ). ثم قال: ( أترون الطاولة ). قالوا: نعم. قال: ( فالطاولة إذن موجودة ). ثم قال: ( أترون الله ). قالوا: لا. قال: ( فالله إذن غير موجود )..
فوقف أحد الطلاب الأذكياء وقال: ( أترون الأستاذ ). قالوا: نعم. قال: ( فالإستاذ إذن موجود ). ثم قال: ( أترون عقل الأستاذ ). قالوا: لا. قال: ( عقل الأستاذ إذن غير موجود ). فخجل الأستاذ ووقف ساكتاً.

( فالماديون ) قد جحدوا وجود الخالق الأول سبحانه لعدم رؤيتهم له بالحواس وقد حققوا وجود أشياء لم يروها بالحواس – وذلك كالجاذبية وقوانينها حيث أثبتوا وجودها و لم يروها بل رؤوا آثارها, كما أنهم حققوا وجود العقل ولم يَروه بل رأوا آثاره, ويُثبتون وجود المغنطيسية ولم يشاهدوا منها غير انجذاب الحديد إلى الحديد دون رؤية الجاذب.

( الماديون ) قد جحدوا وجود الخالق عز وجل بعد رؤيتهم آثاره و أفعاله وقدرته الظاهرة للعَيان في هذا الكون ولم يعلموا أن معرفة الحقائق بالعقل لا بالحواس.

وأقرب شاهد ودليل على ذلك أنك ترى العصى المغمورة في الماء تبدو لك مكسورة والجبل العظيم الكبير تراه على البعد صغيراً ومثله النجوم والكواكب وكثيراً من مثل ذلك بواسطة المكبرات من المحدبات والمقعرات.

ومن هذا الدليل يتبيّن لنا بوضوح :

إنّ الحواس الظاهرة لا تظهر لنا الحقائق الراهنة إلا بواسطة العقل لأن العقل يحكم ببداهته أن الله خالق المادة وهو ليس بمادة وليس للمادة أن تُنشئ لنفسها أسماعاً وأبصاراً وأفئدة والمادة لا تعرف نفسها ولا تعقل غيرها ولا يمكن أن يكون لها إختبار وقدرتها محدودة بإطار.

والخالق سبحانه معروف بظواهر هذا الكون حيث تدل عليه أسماؤه, وأسماؤه تدل على صفاته, وصفاته تدل على ذاته وله آيات تدل عليه وهي واضحة في كل شيء وفيها يقول الشاعر :

وفي كـل شيء لــه آيـــة   تـدل على أنـه الواحـــد

ولكن من أراد الإهتداء إليها يحتاج إلى نفس إنسانية لطيفة وأخلاق شريفة ودين صالح وعقل راجح من قوله تعالى : ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) الأعراف\146.

ومجموع ما سمّى به ذاته تعالى 99 تسعة وتسعون إسما يُطلق عليها الأسماء الحسنى 1 ومجموع الصفات الإلهية في خمس صفات وهي: ( الأول ) و ( الآخر ) و ( الواحد ) و ( القدوس ) و ( القيوم ).
فـ (الأول) هو الموجود بلا بداية و (الآخر) من لا نهاية له و (الواحد) من لا ند له 2 و (القدوس) من لا مشابه له و (القيوم) من لا حاجة به لأحد.

ومع هذا وذاك فلنورد في هذا الفصل من القرآن الدليل الواضح على إثبات وجوده تعالى من الأسماء والصفات بناء على اعتبار أنهما المصدر الوحيد من طريق الوحي الصادق. فهاك ما قاله الله تعالى في كتابه العزيز :

الدليل الواضح على إثبات وجوده تعالى.

قال تعالى: ( اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ) الرعد\ آية 2.

وقال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) المومنون\ آية 78-79.
فكل هذه الآيات وكثير من أمثالها تدلك على وجود الله.

و من الدليل على قدمه تعالى وبقائه.

قوله سبحانه : ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) الحديد\ آية 3.

وقال سبحانه : ( وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) القصص\ آية 88.

وقال تعالى : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) الرحمن آية 26- 27.
وفي هذه الآيات الكريمة إشارة إلى صفتي القِدم والبقاء لله عز وجل.

و من الدليل على معرفته تعالى من مخالفته للحوادث.

قوله سبحانه : (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ *) سورة الإخلاص.

و قال جلا وعلا : ( فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) الشورى آية 11.
وفي ذلك إشارة إلى مخالفته للحوادث من خلقه وتنزهه عن الولد والوالد والشبيه والنظير.

و من الدليل على قيامه تعالى بنفسه.

قوله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) سورة فاطر\ آية 15.

و قال سبحانه: ( مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ) الكهف\ آية 51.

وقال عز وجل : ( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ) فاطر\ آية 41.

وقال تعالى : ( اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) البقرة\ آية 255.
وفي ذلك إشارة إلى قيامه تعالى بنفسه واستغناء من خلقه مع حاجته إليه.

ومن الدليل على وحدانيته.

قوله تعالى :
( وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ * وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ * وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ) سورة النحل\آية 51-52-53.

وقال تعالى :
( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ) المائدة\72.
إلى غير ذلك من الآيات التي تثبت أن الله واحد في ذاته واحد في صفاته واحد في أفعاله وتصرفاته لا رب غيره ولا إله سواه.

ومن الدليل على قدرته تعالى.

قوله عز وجل :
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ ) الحج\5-6-7.

وقال تعالى : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ) سورة ق\38.

وقال تعالى :
( وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً ) الفرقان\53-54.
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على قدرته تعالى.

ومن الدليل على نفوذ إرادته تعالى.

قوله عز وجل : ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) ياسين\82.

وقالى تعالى : ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ) الإسراء\16.

وقالى تعالى : ( يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) النساء\26.
إلى غير ذلك من الأيات الكريمة التي تشير إلى إثبات إرادة الله تعالى وإنها فوق كل إرادة ومشيئة.
( وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) التكوير\29.

ومن الدليل على علم الله سبحانه.

قوله عز وجل :
( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ) سبأ\1-2.

وقال تعالى : ( يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) التغابن\4.

وقال تعالى حكاية عن لقمان في وصية لابنه :
( يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) لقمان\16.
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على سعة علمه.

ومن الدليل على حياته تعالى.

قوله سبحانه : ( اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ..) البقرة\255.

وقال تعالى : ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ * مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ .. ) آل عمران\3-4.
وكثير من الآيات تدل على حياته تعالى.

ومن الدليل على سمع الله وبصره.

قال الله عز وجل : ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) المجادلة\1.

وقال تعالى :
( أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ) العلق\9...14.

وقال تعالى لموسى وهارون حين أرسلهما إلى فرعون :
( اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ) طه\43-44-45-46.
وكل ذلك وغيره مما يدل على اتصافه تعالى بالسمع والبصر.

ومن الدليل على قوله تعالى.

قال سبحانه : ( أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) البقرة\75.

وقال سبحانه : ( وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ.. ). التوبة\6.
إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على إتصافه تبارك وتعالى بصفة الكلام.

وأقرب شاهد ودليل على وجوده إظهار قدرته في إبداعه الأشياء التي في هذا الكون :

فانظر إلى هذه السماء الزرقاء وهذا الفضاء اللامتناهي وهذه النجوم ذات الألوان وإلى الشمس عند غروبها وشروقها وانظر إلى القمر وتلونه في حال زيادته ونقصانه فكل ذلك إبداع, وهذا قوس قزح وفصول السنة الأربع فالله عز وجل هو الذي يستطيع أن يرسم جزء مما في الكون بلحظة من لحظاته.

وكل ورقة من أوراق الشجر منظمة أبدع نظام مخططة أجمل تخطيط وأروع ما يكون في الأزهار برشاقتها الفاتنة الرائعة وألوانها المُوَزّعة بشكل يُحافظ كلُّ زهرٍ معه وإنك لتجد في كل زهرة إحساساً جديداً فالورق والزهر والساق والغصون والفروع والثمار كلها إبداع عجيب منفردة كانت أو مجتمعة موصولة أو مقطوعة, والوادي الأخضر إبداع, والنهر والأشجار الباسقة والصخور إبداع, والجبال يُجَلل قِممها الثلج إبداع, وصوت الرعد ولمعان البرق والطيور فوق الغابة إبداع, وكُرَويّة الأرض إبداع, وفي الغنم جمال, وفي البقر جمال, وفي الماعز جمال, وفي النحل الذي يمتص رحيق الزهر جمال, وفي كل ما خلق الله جمال, وفي حركات السمك وتموجات حشائش البحر في الأعماق أو تموجات حشائش البر في النسيم جمال, وفي التناسق الذي نراه في كل مخلوق مثل انسجام الأعضاء بعضها مع بعض وانسجام اللون مع الأعضاء جعل كل شيء في محله فكل ذلك إبداع يُشير إلى مُبدع والله سبحانه يقول: ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) البقرة\117.

واعلم أنّ هذا الإبداع خلقه الله سبحانه من أجل الإنسان من قوله تعالى :
( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً.. ) لقمان\20.

فلا يفوتنك أيها الإنسان أن ترى الإبداع ولا تعرف المُبدع, أو تلمس الإحسان وتنسى المُحسن, أو تعشق الجمال ولا يمتلئ قلبك بحب خالق الجمال.

وخلاصة البحث من هذا الباب:

أنّ نشأة الحياة دليل على الله. وتعقيدات الحياة دليل على الله. وتنوّع الأحياء دليل على الله. ومركز الإنسان في هذا الكون وصفاته العليا دليل على الله.

لقد كتب هارون الرشيد إلى موسى الكاظم: عِظني وأوجز فكتب إليه: ما من شيء تراه عينك إلا وفيه موعظة.

وهذا كاف وحده لتعرف به الله فكيف إذا اجتمع معه ما ذكرناه سابقاً ومما سنذكره لاحقاً أو كيف إذا اجتمع مع ذلك وحيٌ وتنزيلٌ أو مُعجزات تتحدى.

وبعد ذلك أقول بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن إخواني الذين يشتركون معي من سائر أهل المذاهب والأديان بثبات وحرارة.

يا جاحداً جعل الإلحادَ مذهبه   كفاك ما جئتَ من أُفكٍ وبُهتانِ
دَعني أديـنُ بربٍ واحدٍ أحــدٍ   مُنـزّهٍ في عُـلاهُ مَا لــهُ ثانـــي

ونرى أننا قد بلغنا شط السلامة ولو بعد هذا الجهاد المُبرِّح وأيقنّا يقيناً راسخاً بتجديف القول بالصدفة والإتفاق وتقرّر بالبُرهان إثبات وجود واجب الوجود سبحانه وروحية النفس الإنسانية وخلودها وتحقيق قول الفلاسفة والحكماء إذ قالوا: إن الإنسان ذاته هو الدليل على معرفة الخالق عز وجل لأنه مختلف الصفات و المزايا عن سائر الكائنات الأرضية إذ هو خليفة الله على الأرض.
ولعل هذا القول هو عين ما يعنيه القديس (بول) بقوله (إن الإنسان نشأةٌ مقدسةُ).

ومع هذا وذاك أقدمُ موضوعي هذا المشتمل عليه هذا الباب...
إلى حاملي الكتب السماوية..
إلى الروح الإنسانية الطاهرة الزكية..
إلى أرباب القلوب الحية التقية..
إلى أصحاب الأفكار الواعية والعقول الساطعة المضيئة..
إلى عُشاق الحقائق من الناطقين بكلمة التوحيد المُتمسكين بعُرى الدين والوَحي الصادق المُبين الذين لا يخشون في الله روعة ظالم ولا تأخذهم به لومة لائم..

لأن موضوعنا هذا يتعلق بالجميع على السواء ومباحثه مشتركة بين الجميع بلا استثناء فإن رأوا في بعض تعاليمه عَثرة قَلَم أو زَلّة قَدَم فإني مع الشكر أقبل دلالتهم عليها وإشارتهم إليها فإن العِصمة لله وَحْدَه ذي الجلال وهو المنفرد بالكمال وفوق كل ذي علم عليم.

  • 1 إنّ مُقتضى كثرة أفعال الله تعالى أثر من العلم و الإرادة و القدرة أن يكون له أسماء كثيرة و لكن الأدب مع الله أوجب أن لا يُسمّى الله إلا بما سمي به ذاته على لسان الوحي الثابت و الدليل القاطع من قوله تعالى ( ل َهُ اَلأَسْمَاءُ الحُسْنَى ).
  • 2 النِد : بالكسر, المثل. الجمع : أنداد كالنديد و الند خص بالمخالف المماثل في الذات كما أن المساوئ خص للمُماثل في القدر.