العلوية و الأشعرية

Submitted on Thu, 14/10/2010 - 14:48

كُتب للأشعرية دون سواها من المناهج السنية الأخرى البقاء حتى يومنا هذا وما زال يعمل وفقَ منهاجها أهلُ السنة والجماعة وقد أوضحتُ فيما مضى أبرز قواعدها وكيفية نشوئها، وفي هذا الفصل لا بد من إيضاح أبرز النقاط التي تختلف فيه مع النهج العلوي:

  1. صفات الذات زائدة على الذات.
  2. إثبات الرؤية.
  3. إن الله لا يفعل لغرض وإلا لكان ناقصاً مستكملاً بذلك الغرض.
  4. كلام الله قديم وغير مخلوق.
  5. إثبات الحسن والقبح الشرعيين.
  6. الأفعال كلها واقعة بقدرة الله وانه لا فعل للعبد أصلاً.
  7. جواز تكليف ما لا يطاق، وإباحة تعذيب المحسن وثواب المسيء.
  8. الإمامة تكون بالاختيار ولا يشترط أن يكون الإمام أكمل أهل زمانه.

ونقاط أخرى لا حاجة إلى ذكرها.

وعليه أقول أنّ العلوية كعقيدة معصومة عالجت هذه القضايا العقائدية علاجاً شافياً وأوضحتها إيضاحاً وافياً بما ليس عليه من مزيد لمستزيد وهذا بيانها باختصار:

أولاً:

في المنهاج العلوي إن صفات الذات عين الذات وليست غيرها ولو كانت غيرها لكانت الذات ناقصة حتى وجدت الصفات وهذا محال لأن كل كامل بغيره ناقص بذاته.
ولو كانت قديمة مع الذات لوجب تعدد الآلهة وهذا ممتنع نقلاً وعقلاً.
ثم إن الصفة متأخرة عن الموصوف وعليه فانه لو كانت غيره لكان مفتقراً إليها لتقدمه عليها والدليل على ما تقدم قول أمير المؤمنين لأويس القرني: يا أويس لو كانت القدرة غيره لكان عاجزاً حتى خلق القدرة فأصبح قادراً .
وسئل الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام هل خلق الله الأشياء بقدرة أم بغير قدرة ؟ فقال:
لا يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة لأنك إذا قلت خلق الأشياء بالقدرة فكأنك قد جعلت القدرة شيئاً غيره، وجعلتها آلة له بها خلق الأشياء، وهذا شرك وإذا قلت خلق الأشياء بقدرة فإنما تصفه انه جعلها باقتدار عليها وقدرة، ولكن ليس هو بضعيف ولا عاجز ولا محتاج إلى غيره .
فقول الإمام أنه غير محتاج إلى غيره أدل دليل على أن صفاته عين ذاته وليست زائدة عليه .
فمن قال أن صفاته غيره فقد أحوجه إلى الغير ، وكل محتاج إلى الغير ناقص بالذات وبالتالي فهو ممكن، والباري جلّ وعلا واجب الوجود لذاته .
ومن قال أن هذه الصفات قديمة فقد أثبت العدد ونفى الوحدة.
ومن قال أنها حادثة فقد نسب الباري إلى العجز.

ثانياً:

أما فيما يتعلق بمسألة الرؤية فقد جلاّها أمير المؤمنين عليه السلام في نهجه حيث يقول :
لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان، قريب من الأشياء غير ملامس، بعيد منها غير مباين، متكلم بلا روية مريد لا بهمة ، صانع لا بجارحة، لطيف لا يوصف بالخفاء كبير لا يوصف بالجفاء، بصير لا يوصف بالحاسة، رحيم لا يوصف بالرقة، تعنوا الوجوه لعظمته، وتجب القلوب من مخافته.

ثالثا:

أما القول (أن الله لا يفعل لغرض) فلا يستقيم مع الحكمة الإلهية بدليل قوله تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ .) الذاريات/56/.
وقوله تعالى: ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ .) الدخان/38/.
وقوله تعالى: ( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا .) آل عمران/191/.
وآيات كثيرة تدل على حكمته تعالى وأنه لا يفعل إلا لغرض ولكن هذا الغرض لحاجة عباده وليس لحاجته لأنه غني عن العالمين وهم مفتقرون إليه.

رابعاً:

إن مسألة كلام الله أخذت حيزاً كبيراً من البحث والجدال فقالت الحنابلة إن كلامه تعالى حروف وأصوات وهي قديمة.
وقالت الكرامية إن كلامه تعالى صفة له مؤلفة من الحروف والأصوات وهي قديمة.
والأشاعرة أثبتوا الكلام النفسي.
ومما لا خلاف فيه من إن الله سبحانه وتعالى متكلم بدليل قوله تعالى: ( وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا .) النساء/164/.
وقوله تعالى: ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ .) الشورى/51/.
والكلام كما لا يخفى من صفات الأفعال الحادثة بدليل قوله تعالى: ( مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ .) الأنبياء/2/.
فقد وصف الله تعالى الكلام بالحدوث فلا يصح القول أنه قديم خلافاً لقوله تعالى.
وقال الإمام الصادق عليه السلام: وليس الخالق إلا الله عز وجل وما سواه مخلوق والقرآن كلام الله لا تجعل له اسماً من عندك فتكون من الضالين.

خامساً:

أثبتت العلوية الحسن والقبح العقليين لا الشرعيين بأدلة عقلية ونقلية لقوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) النحل/90/.
فهذه الآية وغيرها من الآيات تدل أن هناك أموراً توصف بالعدل والإحسان والمعروف والفحشاء والمنكر والبغي قبل تعلق الأمر والنهي بها وليس عرفانها موقوفاً على تعلق الشرع، وإنما دور الشرع تأكيد إدراك العقل بالأمر الحسن والنهي عن القبيح وعليه فإن العقل يعرف حسنها من قبحها. ولا يصح القول أن معرفتها موقوف على الشرع.

سادساً :

إن الأفعال الواقعة من العبد هي بقدرة العبد ولولا ذلك لما استحق ثواباً على صالح ولا عقاباً على طالح لقول الإمام الصادق عليه السلام: أما العدل فأن لا تنسب إلى خالقك ما لامك عليه .
فالباري جلّ وعلا يعلم الأشياء قبل حدوثها وفي الوقت نفسه فإنه لا يجبر العباد على أفعالهم لأن ذلك ينافى العدل الذي يُعدّ أصلاً من أصول العقيدة الإسلامية.
قال أمير المؤمنين: والعدل أن لا تتهمه .

سابعاً:

قال تعالى: ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ .)البقرة/286/.
وقال مولانا الصادق عليه السلام : ولا أمَرَهُ - أي العبد- بشيء إلا وقد علم أنه يستطيع فعله لأنه ليس من صفته العبث والفجور والظلم وتكليف العباد ما لا يطيقون .
أما تعذيب المحسن وثواب المسيء فإنه ينفي العدل الإلهي ويثبت نقيضه والله تبارك وتعالى نزه نفسه عن ذلك بقوله: ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ .) الزلزلة/7،8/.

ثامناُ:

الإمامة في المنهاج العلوي هي عهد الله الذي لا يناله الظالمون، وإن الله سبحانه وتعالى هو الذي يَعهد به لمن يشاء من عباده المخلصين لقوله تعالى مخاطباً إبراهيم: ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) البقرة /124/, فهذه الآية تنفي الاختيار وتؤكد التعيين الإلهي.
ويجب أن يكون الإمام أكمل أهل زمانه لقبح تقدم المفضول على الفاضل، وهذه القاعدة الثانية تؤكد الأولى إذ لا يمكن معرفة الأكمل إلا بدليل رباني.
فثبت أن الإمامة بتعيين من الله وليس باختيار بشري لعلم الله سبحانه تعالى بالأكمل والأفضل.

وأقول أن البحث عن هذه القضايا وتفصيلها يتطلب كتاباً مستقلاً ولكن مرادنا التنبيه على الفروق باختصار.