الإجابة عن السؤال الأول من أسئلة الأستاذ إياد العبد الله.. عن المظلومية العلويّة.

أُضيف بتاريخ الأثنين, 03/02/2025 - 04:56

الإجابة عن السؤال الأول من أسئلة الأستاذ إياد العبد الله
عَن المظلومية العلويّة

السؤال الأول: 

فضيلة الشيخ، سوف أبدأ حواري من حيث بدأت عندما أرسلت لموقع "المكتبة الإسلامية العلوية" ( ولحضرتك حضور لا بأس به على هذا الموقع)، حيث طلبت بعض التعاون والتواصل وبعض الكتب.
فجاءني رد المشرف على الموقع، يتمنى أن أكون منصفاً في كتابي عن العلويين، وأسماهم بـ "الفئة القليلة المظلومة".. 
لقد شدني هذا الوصف، هل توافق عليه؟ 
ومن الذي ظلم هذه الفئة برأيك؟ 
ولماذا حصل ذلك؟ 
وهل لا زال الظلم واقعا عليها حتى الآن؟ 
لاسيما وأن البعض يراها الآن ظالمة! يتكلم البعض عن ما يسمى بـ "المظلومية العلوية"، وأن معظم العلويين واقعين تحت ما تخلفه هذه المظلومية من مشاعر.
هل لك أن تشرح لنا هذا الأمر؟ 


الإِجَابَةُ عَنِ السُّؤَالِ 

قَبْلَ الإِجَابَةِ أُقَدِّمُ قَولَ العَلاَّمَةِ الشَّيْخِ سُلَيْمَان أَحْمد: 

شَهِدْتُ أَنِّي مَلُومٌ لا بَرَاءَةَ لِي***فَعَنِّفِيْنِي خَلاكِ الذَّمُّ أَو لُومِي 
نَفْسِي ظَلَمْتُ وَمَا الدُّنْيَا بِظَالِمَةٍ***وَكَمْ تَظَلَّمَ مِنْهَا غَيْرُ مَظْلُومِ 1

إِنَّ وَصْفَ الطَّائِفَةِ بِالفِئَةِ القَلِيْلَةِ المَظْلُومَةِ، فِيْهِ بَيَانَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَصْفُهَا بِالقَلِيْلَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ قِلَّةَ عَدَدِهَا، أَمْرٌ مَعْلُومٌ فِي الغَابِرِ وَفِي الحَاضِرِ، عَلَى أَنَّهُ تَبَعٌ لَكَثْرَةِ التَّنَاسُلِ وَقِلَّتِهِ، وَلِمَنْ قُتِلَ مِنْهَا، وَلِمَنْ بَقِيَ، وَهَذَا مِنْ جِهَةِ عَدَدِهَا، لَيْسَ غَيْر.
وَمَا هُوَ فِي رَأْيِي دَلِيْلٌ عَلَى شَيءٍ إِلاَّ إِلْمَاحًا إِلَى مَا أَصَابَهَا، وَتَعَزِّيًا بِمَا يُؤْمِئُ إِلَيْهِ لَفْظُ القِلَّةِ كَالّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٞ [ سورة هود 40]
 
وَهُوَ لَفْظٌ أُوْلِعَ بِهِ كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يَسْتَحِقُّهُ عَلَى مَعْنَاهُ القُرْآنِيِّ مَدْحًا وَاكْتِفَاءً.

 وَمَنْ يُحْصِي مَنْ تَمَثَّلَ:

تُعَيِّرُنَا أَنَّا قَلِيْلٌ عَدِيْدُنَا***فَقُلْتُ لَهَا: إِنَّ الكِرَامَ قَلِيْلُ 

عَلَى أَنَّنَا عَلَى قِلَّتِنَا، لَيْسَ فِيْنَا إِلاَّ قِلَّةٌ صَادِقَةٌ فِي دَعْوَاهَا اتِّبَاعَ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللهِ  عَلَى مُقْتَضَى قَولِ الإِمَامِ الصَّادِقِ  وَقَدْ قَالَ لَهُ أَبُو الصّباح الكنَانِي: مَا نَلْقَى مِنَ النَّاسِ فِيْكَ؟ 
فَقَالَ الإِمَامُ: وَمَا الّذِي تَلْقَى مِنَ النَّاسِ فِيَّ ؟
فَقَالَ: لا يَزَالُ يَكُونُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرَّجُلِ الكَلامُ، فَيَقُولُ: جَعْفَرِيٌّ خَبِيْثٌ.
فَقَالَ الإِمَامُ: يُعَيِّرُكُم النَّاسُ بِي ؟ 
فَقَالَ الكنَانِي: نَعَم.
فَقَالَ الإِمَامُ: مَا أَقَلَّ ـ وَاللهِ ـ مَنْ يَتَّبِعُ جَعْفَرًا مِنْكُم، إِنَّمَا أَصْحَابِي مَنِ اشْتَدَّ وَرَعُهُ، وَعَمِلَ لِخَالِقِهِ، وَرَجَا ثَوَابَهُ، فَهَؤلاءِ أَصْحَابِي.2

جَعَلَنَا اللهُ مِمَّنْ يَتَّبِعُ جَعْفَرًا، عَلَى هَذَا النَّهْجِ، وَمَا أَقَلَّ مَنْ يَتَّبِعُهُ، وَمِمَّنْ يَنْتَسِبُ إِلَيهِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، وَمَا أَقَلَّ مَنْ أَدْرَكَهَا.


وَالآخَرُ: وَصْفُهَا بِالفِئَةِ المَظْلُومَةِ، فَهُوَ وَصْفٌ لَمْ يُنْكِرْهُ غَيْرُهَا، وَإِلَيْكَ شَيئًا مِمَّا قَالَهُ رِجَالٌ مِنْ غَيْرِ العَلَوِيِّيْنَ.  
فَإِنَّ فِي تَقْدِيْمِ كَلامِهِم إِنْصَافًا لِمَنْ أَنْصَفَ، وَإِقْرَارًا بِفَضْلِ أَهْلِ الفَضْلِ.

قَال الأُسْتَاذ مُحَمّد عَلِي علوش: 

(( لَعَلَّ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ مَهْمَا قَلَّ شَأْنُهَا وَخَفَّ وَزْنُهَا لَمْ تُصَبْ بِمِثْلِ مَا أُصِيْبَتْ بِهِ الأُمَّةُ العَلَوِيَّةُ....

لَقَدْ كَانَتِ الأُمَّةُ العَلَوِيَّةُ فِي مُخْتَلِفِ العُصُورِ الإِسْلامِيَّةِ مَحَطَّ زِرَايَةٍ وَتَنْكِيْلٍ مِنَ المُتَرَبِّعِيْنَ عَلَى كُرْسِيّ المُلْكِ...)) 3

وَقَالَ الأُسْتَاذ مُحَمّد المجذوب: 

(( إِنَّ هَذَا الشَّعْبَ، الشَّعْبَ العَلَوِيَّ الّذِي نَزَحَ فِي يَومٍ مَا إِلَى هَذِهِ القِمَمِ المُمْتَدَّةِ عَلَى سَاحِلِ الشَّامِ مِنْ قَلْبِ الجَزِيْرَةِ العَرَبِيَّةِ. 

قَدِ اسْتَطَاعَ رَغْمَ مَا كَابَدَهُ مِنِ اضْطِهَادِ التُّرْكِ وَمَا عَانَاهُ مِنْ نَكَبَاتِ السِّيَاسَاتِ الدِّيْنِيَّةِ وَالزَّمَنِيَّةِ ....أَنْ يَحْتَفِظَ بِأَكْرَمِ مَا اسْتَحْفَظَهُ مِنْ مُمَيّزَاتِ تِلْكَ الجَزِيْرَةِ وَتُرَاثِهَا القَومِيِّ...)) 4

وَفِي كِتَابِ ( إِسلام بِلا مَذَاهِب ) للدكتور مصطفى الشكعة:

(( وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ كَلِمَةِ حَقٍّ تُقَالُ فِي العَلَوِيِّينَ عَلَى مَسْرَى تَارِيخِهِم الطَّويل: فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الفَضْلِ مُنْتَسِبٌ إِلَيهِم، لاصِقٌ بِهِم....

كَانُوا أَصْحَابَ نَخْوةٍ وَفُرُوسِيّةٍ فِي الحَرْبِ فِي صُفُوفِ جُيُوشِ سَيفِ الدّولَة الحَمدَانِيّ، وَخَاضُوا المَعَارِكَ البَاسِلَةَ ضِدَّ الصَّلِيبِيِّينَ فِي صُفُوفِ إِخْوَانِهِم مِنْ أَبْنَاءِ عَامَّةِ المَذَاهِبِ الإِسْلامِيَّةِ، وَقَاوَمُوا بَعْضَ طُغَاةِ الأَتْرَاكِ مِنَ الحُكَّامِ الغَاشِمِينَ.

وَكَانُوا صُورةً طَيِّبةً للجِهَادِ عَلَى مَسْرَى حَرَكَاتِ الاسْتِقْلالِ العَرَبِيَّةِ الحَدِيثَةِ التّي آخِرُهَا أَحْدَاث 1920 فِي سُورِية.

وَمَا حَدِيثُ البَطَلِ العَظِيمِ الفَارِسِ الشُّجَاعِ الشّيخ صَالِح العَلِيّ بِبَعِيدٍ. )) 5

وَفِي هَذِهِ البُطُولَةِ ، قَال الشَّاعر عمر أبو قوس، فِي تَكْريمِ المُجَاهِد الشَّيخ صَالح العَلِيّ:

هَذِي الجِبَالُ صَحَائِفٌ للقَارِي***كُتِبَتْ بِنُورٍ مَرَّةً وَبِنَارِ
فِي كُلِّ سَطْرٍ آيَةٌ عَلَوِيَّةٌ***تُغْنِي بِرَوعَتِهَا عَنِ الأَسْفَارِ
وَبِكُلِّ حَرْفٍ مُهْجَةٌ  عَرَبِيَّةٌ***وَدَمٌ يَضُوعُ شَذَاهُ فِي الأَقْطَارِ6

وَأَمَّا السُؤَالُ: لِمَ ظَلَمَهَا مَنْ ظَلَمَهَا ؟

فَالجَوابُ: لا يَكُونُ الظُّلْمُ مِنْ خَيْرٍ أَبَدًا، وَمَنْ ظَلَمَ غَيْرَهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ المَظْلُومُ عَلَوِيًّا، أَمْ لَمْ يَكُنْ، فَلَيْسَ لِظُلْمِهِ سَبَبٌ غَيْرُ الجَهْلِ.

(( قَالَ الحَكِيمُ: الظُّلْمُ مِنْ طَبْعِ النُّفُوسِ، وَإِنَّمَا يَصُدُّهَا عَنْ ذَلِكَ أَحَدُ  عِلَّتَينِ: إِمَّا دِيَانَةٌ لِخَوفِ مَعَادٍ، أَو سِيَاسَةٌ لِخَوفِ السَّيفِ.

قَالَ المُتَنَبِّي: 

وَالظُّلْمُ مِنْ شِيَمِ النُّفُوسِ فَإِنْ تَجِدْ***ذَا عِفَّةٍ، فَلِعِلَّةٍ، لا يَظْلِمُ ))7

وَأَمَّا السُّؤَالُ: أَمَظْلُومَةٌ هَذِهِ الطَّائِفَةُ فِي زَمَانِنَا هَذَا، أَمْ ظَالِمَةٌ؟

فَالجَوابُ: إِنَّ للظُّلْمِ صُورًا شَتَّى، فَمِنْهُ مَا يَكُونُ بِالقَولِ، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ بِالفِعْلِ، وَكُلُّهُ يَزِيْدُ وَيَنْقُصُ. 

فَمَا ظَلَمَنَا بِهِ مَنِ اعْتَدَى عَلَيْنَا قَائِلاً ظَنًّا وَمُتَّهِمًا تَخْمِيْنًا، فَمَا أَغْنَانِي عَنْ إِثْبَاتِهِ فِي زَمَانٍ زَادَتِ الحَالُ فِيْهِ مَنَابِرَهُ وَوَسَائِلَهُ، فَلَمْ يَكْتَفِ مَنْ ظَلَمَ بِبَنَاتِ الأَقْلامِ مِنْ كُتُبٍ وَفَتَاوٍ حَتَّى زَادَ عَلَيْهَا مَا مَكَّنَتْهُ التِّقْنِيَّةُ اليَومَ مِنِ اسْتِخْدَامِهِ.

فَانْظُرْ مَا فِي الشَّابِكَةِ مِنْ قِيْلٍ بِلا بَيِّنَةٍ يُكَرِّرُ القَائِمُ عَلَيْهِ مَا كَادَ يُمِيْتُهُ الزَّمَنُ إِلاَّ قَلِيْلاً نُثِرَتْ بُذُورُهُ فِي أَنْفُسٍ أَفْسَدَهَا مَنْ كَانَ مَوكُولاً إِلَيْهِ إِصْلاحُهَا، وَمُعَوَّلاً عَلَيْهِ فِي تَهْذِيْبِهَا.

وَمَا أَصْدَقَ الأُسْتَاذ مُحَمّد المجذوب فِي قَولِهِ: 

(( شَبَبْتُ كَغَيْرِي مِنْ فِتْيَانِ السُّنِّيِّيْنَ عَلَى شُعُورٍ خَاصٍّ أَو عَامٍّ نَحْوَ هَذِهِ الطَّائِفَةِ، لا يُقْصَدُ بِصَاحِبِهِ إِلَى عَاقِبَةٍ مِنَ الخَيْرِ وَلا الحَقِّ، بِمَا يُصَوِّرُهُ مِنْ سَوآتٍ أُلْصِقَتْ بِهَذِهِ الطَّائِفَةِ المَعْزُولَةِ عَنْ مُجْتَمَعِنَا الإِسْلامِيِّ، أَوِ الّذِي نُسَمِّيْهِ إِسْلامِيًّا..))8

فَإِنَّهُ يُغْنِي عَنِ الإِجَابَةِ وَعَنِ الاسْتِشْهَادِ عَلَيْهِ.

فَعَلَى مَا شَبَّ الأُسْتَاذُ شَبَّ أَكْثَرُنَا، فَإِنْ أُصْلِحَ هَذَا، أُصْلِحَ غَيْرُهُ، وَإِلاَّ فَشُعُورٌ مِنْ غَيْرِهِ لَيْسَ ظُلْمًا، فَهُوَ شُعُورٌ لَيْسَ إِلاَّ، مِنَّا وَمِنْ غَيْرِنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ.

قَالَ العَلاَّمَةُ الشَّيْخ سُلَيْمَان أَحْمَد: 

العَقْلُ يَهْدِي الفَتَى مَا لَمْ تَشِذَّ بِهِ***عَنْ مَنْهَجِ الحَقِّ آرَاءٌ وَأَهْوَاءُ
وَسُوءُ تَرْبِيَةِ الإِنْسَانِ مُفْسِدَةٌ***أَخْلاقَهُ وَالوَرَى بِالطَّبْعِ أَسْوَاءُ  

وَمَا ظَلَمَنَا بِهِ مَنِ اعْتَدَى بِيَدَيهِ، فَمِنَ الطَّبِيْعِيِّ أَنْ يَرُدَّ مَنْ يَسْتَطِيْعُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ، وَكِلاهُمَا اعْتِدَاءٌ بِحَسَبِ التَّسْمِيَةِ القُرْآنِيَّةِ.

قَالَ تَعَالَى: فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱعۡتَدُواْ عَلَيۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡۚ [ سورة البقرة 194 ]

وَإِنْ كَانَ الآخَرُ دِفَاعًا فِي حَقٍّ. 

 


عناوين الرد على هذا السؤال تجدها في الكتاب المطبوع على النحو التالي، ونحن سننشرها هنا تباعا إن شاء الله:

السؤال الأوّل عَن المظلومية العلويّة........................121
شكوى الظّلم.....................................................129
تعليل الظلم .....................................................131
التُّهَم التي تسوّغ الظُّلم.........................................133
احتلال الساحل السوريّ .....................................139
الغُلُوّ.............................................................147
اجتناب التعميم في الأحكام...................................151
مشاعر المظلوميّة.............................................157
الإنصاف في النقد ............................................163

  • 1كتاب الإمام الشيخ سليمان الأحمد ص 175.
  • 2أصول الكافي 2\82. باب الورع. الحديث السادس.
  • 3مقال منشور في مجلة النّهضة، العدد الثامن ، تموز سنة 1938 م. ص 385.
  • 4مقال منشور في مجلة النّهضة، العدد الأول ، تشرين الثاني سنة 1937 م. ص 5.
  • 5إسلام بلا مذاهب، ط5\ 264.
  • 6مَا قيل في تكريم المجاهد الشيخ صالح العلي، مخطوط.
  • 7البديع في نقد الشِّعر 271.
  • 8مقال منشور في مجلة النّهضة، العدد الأول ، تشرين الثاني سنة 1937 م. ص 4.