السرّ الخطير في حديث الغدير
بما أنّ الرسول الأعظم محمد وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ 1 ، وأنّ كلامه إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ 2 ، قد امتثل لأمر الله سبحانه وتعالى:
يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۖ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُۥۚ وَٱللَّهُ يَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِۗ... 3 .
فأعلنَ الولاية لأمير المؤمنين عليّ بقوله:
((اللّهُمَّ والِ مَنْ والاهُ وَعادِ مَنْ عاداهُ، وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ، وَأَدِرِ الْحَقَّ مَعَهُ كَيْفَما دارَ))
وبما أنّ كلامه قد حصل فيه تمامُ الدين وكمالُ النعمةٍ لقوله تعالى: ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي،4 فلقد أًلزَمًتْنا الحجّةُ أن نتمعّنَ في الحديث ونستخلصَ منه سبب ما نحن فيه؛ ففي دعاء الرسول توسّلٌ إلى الله أن تكون الموالاة حقّاً لمن والى عليًّا، والمعاداة لمن عادى عليًّا، والنُّصرة لمن نصر عليًّا، والخذلان لمن خذل عليًّا....
ولا يُخفى على كل ذي بصيرة أنّ العلويين اليوم في موقع خذلان، بسبب سقوط منظومة مجتمعٍ بكامله....
وبحسب دعاء الرسول الأعظم فإنّ ما نحن فيه من خذلان هو لأننا خذلْنا أميرَ المؤمنين (( وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ )). نعم، لقد خذلْنا الإمام، فخذَلَنا رب الأنام.
خذلنا عليّا الذي قال للدنيا: "إِلَيْكِ يا دُنْيا عَنِّي... هَيْهاتَ هَيْهاتَ غُرِّي غَيْرِي، لَقَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلاثًا لا رَجْعَةً فِيها". ونحن خالفناه حين أقبَلَتْ علينا الدنيا المُخادعة فارتمينا في حضنها... نعم، خالفناكَ وما تبعناكَ حين قلتَ لها: "غُرِّي غَيْرِي"ونحن صدّقنا غُرورَها وعانقنا شرورَها... لقد غرّتنا الدنيا فأغرقتنا... وتعلّقنا بها فلَسَعتْنا بسُمِّها.. وأنتَ من أوضحتَ لنا حقيقتها أنها كالافعى "ناعِمٌ مَلْمَسُها، قَوِيٌّ سُمُّها".
لقد قلت لنا: "يُوشِكُ أَنْ يَأْتِي يَوْمٌ عَلَى النّاسِ يَكُونُونَ فِيهِ أَوْثَقَ بِدِرْهَمِهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ"؛ وقد حصل لكثيرٍ منا أن يثقَ بدرهمه ويُطيعه ويعتصمَ به من دون الله ظلمًا وبهتانًا.
فكيف نستحق أن نكون من أتباعك يا أميرالمؤمنين؟؟
لقد قلت يا مولاي لابن عباس وأنتَ تخصِفُ نعلكَ بذي قار: "أَنّ قِيمَةَ خِلافَتِكُمْ عِنْدِي مِثْلَ قِيمَةِ نَعْلِي هَذا، إِلَّا أَنْ أُقِيمَ بِها حَقًّا أَوْ أَدْفَعَ بِها باطِلاً"؛ لكننا خالفناك وجعلناها غايةً بذلنا في سبيلها الغالي والنفيس، ومارسنا على أعتابها كل أشكال النفاق والتدليس، وتحالفنا لأجلها مع أشباه إبليس...
فكيف نكون من أولياءك يا أميرالمؤمنين؟؟!!
لقد قلتَ لنا : "إِنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَرائِضَ فَلا تًُضَيِّعُوها، وَحَدَّ لَكُمْ حُدُودًا فَلا تَعْتَدُوها، وَتَرَكَ لَكُمْ أُمُورًا فَلا تَتَكَلَّفُوها"؛ ونحن أسرفنا بالاستخفاف في الفرائض حتى ضيّعناها، وتجاوزنا الحدود وتعدّيناها؛ وتكلّفنا ما تركه الله عمدًا، وفعلنا ما نهانا عنه عِنْدًا.
فكيف نكون من أولياءك يا عليّ؟؟؟
وماذا نُحصي من مخالفتنا لنهجك ووصاياك وأوامرك، وكم قد تكلّفنا ما نهيتنا عنه، وخالفنا ما أَمَرتَنا به، وتعامينا عمّا أبديتَ من تناهي الخِصال وكمال الفِعال وجوهر الأقوال.
لقد خالفناك وخذلنا أنفسنا وخذلناك يا مولاي يا أمير المؤمنين، فاستحقّينا دعاء رسول الله ...
(( لَقَدْ خَذَلْنا الإِمامَ، فَخَذَلَنا رَبُّ الأَنامِ ))
يا سيّدي يا رسول الله : لقد خسرنا دعاءك حين خنّا عهدنا بالوفاء لمن أقرّيت له بالولاء، إذ لم نوالِ عليًّا حَقَّ الوَلاية، وتاهت بنا سبيل الهداية، واتّبعنا سبل الغواية...
يا أمير المؤمنين : لقد أخذَنَا الغرور فوقَعْنا في الشرور، حذّرْتَنا من "اتِّباعِ الْهَوَى وَطُولِ الأَمَل" فوقَعْنا في فخِّ ما حذرْتَنا منه.
نحن نقرّ أننا ارتكبنا خطيئةً كُبرى هي ادّعاءُ الانتماء إليك، وهذا أمرٌ قد ورِثناهُ لفظًا ولم نَرْتَقِ إليهِ سُلوكًا... نعرفُ أنَّ "قَلْبَكَ قَدِ امْتَلأَ مِنّا قَيْحًا وَصَدْرَكَ مَشْحُونٌ مِنّا غَيْظًا"، فعفوك يا مولاي عفوك.
يا سيّدي يا رسول الله ، نقف أمام هذا النداء العظيم وقوفَ العاجز المقرّ بالذنب العظيم، اعتراف واعتذار الجزء عن الكل، فالنداءُ كان عامًّا، واستماعهُ كان خاصًّا، واتّباعهُ كان لخواص الخاصة...
ألا وإنّ الله قد ابتلانا حُبًّا، وإنّ الله إذا أحبَّ عبدًا ابتلاه؛ فاجعلِ اللهم للمؤمنين في هذا البلاء، سببًا لاستعادة حقيقة الولاء.
- 145 مشاهدة