الكنوز العلوية

أُضيف بتاريخ الخميس, 14/10/2010 - 14:48

للحقيقةِ العلويةِ كنوزٌ لا تُحصى، ومَعارفٌ أصيلةٌ لا تُستقصى، حلالٌ سائغٌ لمن أرادَ أن ينهل من غديرها الدافق، ويَستظلَ بظلها الباسِق فما عليه إلا أن يَدخلَ من بابها إلى رَحيبِ رحابها ليَجني من لبابها، فبابها التمسكُ بالولاية، ومحرابُها اقتباسُ الهداية، ولبابُها معرفةُ الغاية، وليس في زواياها ميلٌ تُخفيه، (كما زعم أهل الظن والتيه) لوضوحِ طريقها ونقاءِ مَشربها، وصَفاءِ غايتها، وما نُسِب إليها من مُبغضيها 1 حسداً وبَغياً لجَهلهم فهو مُغايرٌ لها إذ ناقضَ أصولها الساميَة، وفروعها الوافية، وآدابها الشافية، وقد أفْتُرِيَ للانتقاصِ من قدرِها الرَّفيعِ والغَضِّ من مكانتها المَكينة، والطعنِ بها، فَثُمَّ القضاءَ عليها.

((( فهل يَدرون أولئك القوم ماذا يَستهدفون بفعلهم هذا؟! إنهم والله يَستهدفون التُراث الروحي الخالد الذي كرّم الله به الإنسانية منذ نفخ في آدم من روحه إلى يوم يُبعثون، ويَستهدفون نقضَ الميثاق الذي واثق الله به عباده مُذ قال لهم أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى. 2

إنّ أكثر ما تَشكوه العلوية هو جَهلُ خُصومها، وبعض أبنائها، وقد أدّى ذلك إلى تشويه صورتها من خلال تعريفِهِمَا نَهجَها، وهي لا تُعرف إلا بذاتها، ولا تُوصف إلا بصفاتها، وهذا وقفٌ على المُخلصين من أبنائها العارفينَ أصولها المتفقهينَ بفروعها المتخلقيَن بأخلاقِها السَالكينَ وفقَ منهاجها .

إنّ من يتعرّفُ إلى العلويةِ حقيقةً مُجردةً من تحريفِ المحرفين سَيَراها قَصراً مُنيفاً مُشيّداً على أعلى القِمَم بمكانٍ يتمتّعُ المرءُ فيه بأشمل نظرةٍ على الوجودِ بكامله، وهيَ في ماهيّتها الحَبلُ المَمدودُ بينَ اللهِ وعبادِهِ ، وهذا التُراثُ الغنيُّ بالآياتِ والحكمةِ، المُتوّجُ بأهلِ العصمةِ عليهم السلام.
فجوهرُها بعد الإيمانِ بالله ورسله واليوم الآخر هوَ ولاءُ أهل البيتِ عليهم السلام، وإنَّ لهم وحدَهُم دونَ غيرهم القيوميّة على دين الله (لأنهم الخلفاء الشرعيون لرســول الله في قيادة الأمة) وحَقُ الإفصاحِ عمّا نزلَ في كتابه ( لأنهم ورثة علمه)، وهيَ المنهجُ الذي يَسلكُ فيه الطالبُ طريقهُم، ويَستقي معرفتَه وعِلمهُ منهم، ويَقتدي بهُداهم الذي نَشَرُوه في الفِئة المُختارة مِن ثِقاتهم. (والذي لا يَضِلُّ من تمسك به).

ولو لمْ يكنْ عندَ العلويةِ إلاّ هذه المعرفةُ الواضحةُ، وهذا المَنهجُ القَويمُ، وهذه الوسائلُ المُستقاة من أعمق بحار المعرفةِ، معرفةُ الله وبالنفسِ لحَقَّ لها أن تَحتَلّ المكاَن اللائقَ في كلِّ مَجالٍ يَجهَدُ فيه الإنسان لاستعادةِ قُدراتِهِ الروحية، وتحقيقِ مَطمَحِ الإنسانيةِ الحاضرِ من تعايشٍ وتضامنٍ وسلامٍ بينَ الشعوبِ ريثما يأذنُ الله بأن يتوحّدوا إخواناً على سُررٍ مُتقابلين.

وسَواءٌ عَرَفَ الناسُ أمْ لم يَعرفوا فإنّ العلويَة لعِبتْ دوراً أوّلياً في تاريخِ الحضارةِ حتى في غِيابها عن أعنّة القِيادة 3 بمَـا غذّت به هذه الحضارةَ من طاقةٍ روحيةٍ وحفِظتْ لها حنين إلى الأعالي .

لقد كانتِ العلوية في عالمنا الحارسَ الأمينَ لكلِّ القِيَمِ النبيلةِ ابتداءً من إغْضاءِ الإمام عليّ القَذى فحَفَظَ أنْ لا تزولَ ( لا إله إلا الله) 4

شتان ما يومي على كُورها   ويومُ حيان أخي جابر.

فيا عجباً بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته لشد ما تشطرا ضرعيها فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كَلْمُها ويخشن مسّها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة، إن أشنق لها خَرَم، وإن أسلس لها تقحم، فمني الناس – لعمر الله – بخبطٍ وشِماس وتلّون واعتراض، فصبرت على طول المدة وشدة المحنة حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم فيالله وللشورى متى اعترض الريب فيَّ مع الأول منهم حتى صرت أُقرن إلى هذه النظائر ، ولكني أسففت إذْ أسفُّوا وطِرت إذْ طاروا. فصغى رجل منهم لضغنه ومال الآخر لصهره مع هَنٍ وَهَنٍ إلى أن قام ثالث القوم نافخاً حضنيه بين نِثليه ومُعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نِبتة الربيع، إلى أن انتكث فَتْلُه، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته، فما راعني إلا والناسُ كعرف الضَّبُع إلي ينثالون عليَّ من كل جانب، حتى لقد وُطئَ الحسنان، وشُقَ عِطفاي، مجتمعين حولي كربيضة الغنم فلما نهضت بالأمر ، نكثت طائفةٌ ومرقت أخرى، وقسط آخرون، كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول: ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين.) بلى والله لقد سمعوها ووعوها ، ولكنهم حليَت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها.
أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخِرها بكأس أولها، ولألقيتم دُنياكم هذه أزهد عندي من عفطَةِ عَنْزٍ]. ومِنْ تَجَرُّعِ الإمامِ الحَسَنِ لِمَرارةِ التَسليمِ فأنقَذَ الأُمّة مِنْ نَزفٍ مُميتٍ 5 ، ومـِنْ بَزلٍ وتضحيةٍ بالنفسِ والنّفيسِ في كربلاء 6

وعقيدة الإمام الحسين تتجلى بوصيته لأخيه محمد بن الحنفية لما عزم على الخروج إلى مكة وهي قوله:
[بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية ، إن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله جاء بالحق من عند الحق وإن الجنة والنار حق وإن الساعة آتية لا ريب فيها، وإن الله يبعث من في القبور ، وأني لم اخرج اشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي وأبي علي بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين].
فهذا هو الفرق بين عقيدة الحسين الإسلامية وعقيدة يزيد الجاهلية وهذا هو سبب النزاع بينهما، فقد كان الحسين يُمَثل الرسول والرسالة، وكان يزيد يُمَثل أبا سفيان والضلالة، ولو أن الأمام الحسين رضي ببيعة يزيد لكان ذلك بمثابة القضاء على الإسلام ومبادئه، وسحق للروح المعنوية عند المسلمين. فأُعيدَ للإسـلامِ حَرارَتهُ وتوهُّجَهُ بعدَ أنْ كادَ يَخمُدُ في الضَمائِر 7 ، ومِنْ استسلامٍ مُستنيرٍ وتعليمٍ للصَبرِ الجميلِ واحتمالٍ في اللهِ وخشيتِهِ في صحيفــــــــةِ زين العابدين 8 ، ومِنْ علمٍ مبذولٍ وقدوةٍ لا يَلحقُها أحدٌ مِنَ الباقر 9 والصـادقِ وبَنيهِ 10 وفي هذه الانتفاضاتِ على الظُلمِ التي يَزرعُ شُهداؤها كلَّ أحْقابِ تاريخِنا.

إن مشكلة العلوية مع أخصامها تلخصها القصة التالية :
يُحكى إن حطاباً كان يجمع كل يوم من الغابة حمل حطب ويبيعه في السوق بما يقيم له أود ذويه ، وفي يوم وبعد أن جهز حمله إذا بمسافر تعب يصل إلى جانبه ويسأله أن يحمله على دابته بدل حمل الحطب وله ضعف ما يجني من ثمن الحطب ففرح الحطاب بهذا الربح الطارئ ، ولكن كيف يترك حمل الحطب ؟
وفوت على نفسه الراحة والربح (فما أكثر المواقف التي تقفها العلوية من محاوريها كموقف ذلك المسافر مع الحطاب فقد أراد أن يريحه ويرفع أجره، وهو يأبى إلا مألوفه)، هي تريد أن تخفف من حيراته وترفع قدره ومحاورها لا يستطيع تجاوز مألوفه، وهكذا قدر العلوية سيجعلها دوماً معصومة من أن ينالها ذو عقل حبيس ، وعصية على كل متآمر خسيس، وما ذنب الشمس إن لم تقوَ لها عيون الخفاش، وأي عيب فيها إن تكسرت دونها جفون الأرمد؟!
فالعلوية تضع للبشرية غاية هي معرفة الله.
وترسم لها نهجاً لا تضل فيه وهو الوفاء بالعهد الذي عاهد عليه عباده منذ أوجدهم
وتسلك سبيل الإقتداء بأهل العصمة ومن سبقهم من الأنبياء والمرسلين.
وتمنح الوسيلة التي تؤَمن الاستطاعة والقدرة على تحمل كل متطلبات هذا القصد البعيد وعلى جميع المستويات.
وتشرع العقل إماماً يمنح الفرد حرية الانتقاء والاختيار، ويحمله شرف المسؤولية عن أعماله، ويمنيه بتجاوز قدره والتسامي في درجات الكمال))) العالم الدكتور الشيخ علي سليمان الاحمد.

  • 1 مبغضوا العلوية هم القوم الذين نصبوا العداء لآل بيت النبّوة.
  • 2 العلوية بين الحقيقة والظنون "العالم الدكتور الشيخ علي سليمان الأحمد".
  • 3 قليلون هم الذين إذا أزيلوا من مناصبهم المخصصة لهم يقدمون النصح للذين أزالوهم وخصوصاً إذا كان هذا النصح ينصب في خدمة الدين وأهم قضايا الأمة، لأن عملاً كهذا لا يوفق له إلا الذين لا يريدون فساداً في الأرض إذا شغلهم حب الله وحده فهو من أسمى درجات مكارم الأخلاق، وأدل دليل على قوة الغيرة الدينية وتقديم مصلحة المسلمين وهي المصلحة العليا على غيرها ، ومما لا يُخفى على أحدٍ أنه إمام هذه الفئة على رأس هذه الفئة هــو مولانا أمير المؤمنين وأبناؤه المعصومين عليهم السلام، فقد روى العديد من الحفاظ والفقهاء والمتكلمين والأدباء من الفريقين في كتبهم وجوامعهم المعتمدة والمعتبرة أن الخلفاء الثلاثة كانوا يرجعون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في المعضلات والشدائد التي تنزل بهم في أبواب الفقه والقضاء والتفسير والأمور السياسية وغيرها من المسائل التي ترتبط بالدين ارتباطاً وثيقاً، وكانوا يأتون إليه بأنفسهم ويراجعونه فكان بدوره يجيب على مسائلهم من دون مقدمة فيحسون بالطمأنينة والارتياح، ويدركون خطأ أجوبتهم ويقرون بعدها بأنه الحلال للمعضلات، والكاشف للكربات.
  • 4 إنّ في إغضاء أمير المؤمنين على القذى، وصبره على الأذى وعدم أخذه الأمر بالقوة لحكم جليلة وغايات نبيلة، والكلام فيها على بساط البحث والتحليل يحتاج إلى شرح طويل وإطناب في النقد والتأويل وقد يخرجنا عمّا ننشده في هذا الكتاب ولذا أرى الاكتفاء بتلخيصه الجامع وبيانه الواسع أجدى وأنفع وإخباره عن الأمر بذاته أبلغ وأوسع حيث يقول في خطبته الشهيرة المعروفة بالشقشقية:
    [ أما والله لقد تقمصها فلان وأنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحا ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير، فسدلت دونها ثوباً وطويت عنها كشحاً، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهبا، حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده(ثم تمثل بقول الأعشى) :
  • 5 إن صُلح الإمام الحسن ومعاوية أمر دقيق السلك، خفيّ المسلك تأوّله جاهلون، وحرّفه متعصبون، وهو جليّ لمن أراد أن يَعي في قوله حين عتب على ذلك الصلح: [ والله لو وجدت أنصاراً لقاتلت معاوية ليلي ونهاري.]
    وقوله في المدائن في خطابه التاريخي: [علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله لبني ضمرة، وبني الأشجع، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية ، أولئك كفار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل[] .
    فالإمام الحسن عليه السلام لم يُسالم معاوية رضاً به، ولا ترك القتال جبناً عن القتال، ولا تجافى عن الشهادة طمعاً في الحياة، ولكنه صالح حين لم يبق في ظرفه احتمال لغير الصلح، وانه لو برز إلى ميدان الحرب مستميتاً لاستجاب بين يديه خواص شيعته المخلصين لأهدافه السامية المُنصبّة في مصلحة الأمة ، فإنما كانوا ينتظرون منه كلمته الأخيرة لخوض غمرات الموت فقد قال في بعض أجوبته لمن اعترض عليه: [ما أردت بمصالحتي معاوية إلا أن أدفع عنكم القتل.] لأنهم لو قتلوا معه لَقُتِلَ الإسلام برمته وانمحت آثاره إذ أنهم من خيرة ونخبة حملته، القائمين به وأجِلّة أصحاب الرسول (ص) وأمير المؤمنين (ع).
  • 6 لم يكن النزاع بين الإمام الحسين والطاغية يزيد نزاعاً شخصياً على السلطة كما يراه البعض بل كان نزاعاً بين خطين متناقضين، وفهمين مختلفين للعقيدة الإسلامية، فعقيدة يزيد كانت كما قال شعراً:

    لعبت هاشم في الملك فلا   خبرٌ جاء ولا وحي نزل

  • 7 وذلك لأن الإسلام بدأ غريباً بمحمد وعلي وعاد غريباً في عصر معاوية وابنه يزيد وبطانته الفاسدة ، ولكن ثورة الإمام الحسين أعادت له تألقه وأصالته ، واستشهاد الإمام رسّخ جذوره في ضمير الإنسانية، ولولا تلك الثورة الهاشمية والثبات العلوي والعزيمة الحُسينية لما بَقيَ له ذلك الأثر في نفوس الشرفاء، وقد تجسّدت هذه الثورة بثورات عديدة وبطولات مجيدة ولن تغرب شمسها ما دام الظلم موجوداً.
  • 8 تسلم الإمام علي زين العابدين مسؤولياته القيادية والروحية بعد استشهاد أبيه عليه السلام وتعرض في حياته إلى الكثير من الأذى والنكبات التي لا تطاق فقد شهد مصرع أبيه واخوته وأعمامه وبني عمومته وأصحاب أبيه، وشاهد بنات رسول الله عصر عاشوراء يتراكضون في البيداء من خباء إلى خباء، وشاهد ابن مرجانة و العود بيده ينكث ثنايا أبيه الحسين عليه السلام ، وتحمّل كل ذلك بصبر جميل وتسليم لله ليس له مثيل، وأما صحيفته فهي (تعبر عن عمل اجتماعي عظيم كانت ضرورة المرحلة تفرضه على الإمام إضافة إلى كونها تراثاً ربانياً فريداً يظل على مر الدهور مَصدر عطاء ومَشعل هداية ومدرسة أخلاق وتهذيب وتظل الإنسانية بحاجة إلى هذا التراث المحمدي العلوي وتزداد حاجة كلما ازداد الشيطان إغراء والدنيا فتنة) محمد باقر الصدر. وقد أُطلق عليها اسم زبور آل محمد والموسوعة الإلهية الكبرى.
  • 9 سبق الإمام محمد الباقر عليه السلام الدنيا بعلمه، وامتلأت الكتب من حديثه، فلم يُروَ عن أحد من أئمة أهل البيت عليهم السلام – بعد الإمام الصادق – ما روي عنه فقد قال جابر الجعفي: حدثني أبو جعفر سبعين ألف حديث، وقد روى عنه خلق كثير من بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين فمن الصحابة كجابر بن عبد الله الانصاري، ومن التابعين جابر بن يزيد الجعفي، ومن الفقهاء كأبي حنيفة ومالك والشافعي، وفيه يقول رسول الله (ص) محدثاً جابراً : يا جابر يوشك أن تلحق بولد من ولد الحسين أسمه كاسمي يبقر العلم بقراً، أي يُفجّره تفجيراً فإذا رأيته فأقرأه مني السلام .
    وقد تخرج من مدرسته المئات من العلماء والفقهاء لأن الظروف التي عاشها كانت أفضل من ظروف آبائه مما أتاحت له أن ينشر جزءً من علمه وعرفانه.
  • 10 الإمام جعفر الصادق عليه السلام مُعجزة الدنيا الخالدة، ومَفخرة الإنسانية الباقية على مرّ العصور وعَبر الأجيال والدهور, جَمَعَ الفضائل كلها وحَاز المكارم جميعها وسَبق الدنيا بعلومه ومعارفه ، أمّا مدرسته الفريدة فلم يَشهد التاريخ لها مثيلاً، وقد تخرّج منها كما رُوِيَ أربعةُ آلافِ طالبٍ في الفقه والحديث والتفسير والأخلاق والفلسفة والفلك والطب والكيمياء وغيرها من العلوم والمعارف، وكذلك أبناؤه المعصومون فقد كانوا مراجعاً للطالبين ومناهلاً للواردين يُستقى من علومهم الوافرة وآدابهم الطاهرة على مر العصور، وآثارهم باقية لا تفنيها الدهور فهم فروع الجزوَة العلوية، وأغصان الدوحة المُحمّدية، وثمارهم من أيْنع الثمار، وعلومهم ليس لها إحصار.