إضاءة أُولى على المذاهب الخمسة

أُضيف بتاريخ الخميس, 14/10/2010 - 14:48

تبين لنا مما تقدم أن المذاهب الإسلامية التي أتينا على ذكرها قد تعاقبت عليها أحوال كثيرة من التحقيق والتدقيق فعدلت مناهجها بما لا يناقض أصولها الثابتة، ولكن هذا الأمر أحدث اختلافًا بين أتباع هذه المذاهب في بعض الفروع، فكان لكل مذهب عدة مدارس ، ولكل مدرسة من هذه المدارس أتباعها وروادها، يتفقون في مسائل ويختلفون في أُخرى ، فأتباع المذهب الجعفري مدرستان:

  • الأُولى مدرسة الاخباريين.
  • والآخرة مدرسة الأصوليين.

وقد اقتصرت الأُولى في مصادر الفقه على الكتاب والسنة، وألغت اعتبار الإجماع والعقل، وقالت بعدم جواز الأخذ بظواهر القرآن إلا ما فسرته السنة منها، وذهبوا إلى قطعية ما في الكتب الأربع، وقسموا الأخبار إلى قسمين:

  1. صحيح، وهو المقرون بما يفيد العلم بصدوره.
  2. وضعيف وهو الذي لا علم بصدوره، ويرون الرجوع إلى ما لا نص فيه إلى الاحتياط : يعنى التوقف عن الفتوى، ولا يقولون بالاجتهاد والتقليد بل الرجوع إلى الأحاديث مباشرة.

أما الأصوليون

فأنهم يقولون: أن مصادر الفقه هي الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، ولا يقولون بقطعية ما في الكتب الأربع بل يرون أن فيها ما هو قطعي الصدور، وما هو مظنونه، ويقولون بتربيع الحديث إلى صحيح، وحسن، وموثق، وضعيف، ويرجعون إلى ما لا نص فيه إلى البراءة الأصلية، ويوجبون الاجتهاد، أو التقليد، أو الاحتياط على التخيير في الوصول إلى الحكم الشرعي.

فهذه أشهر الفروق المنهجية بين المدرستين، ومع هذا فلا يوجد انقسام جوهري في أصول المذهب بل هما أبناء مذهب واحد وهو مذهب الإمام جعفر الصادق .

أما الأحناف

فبعد وفاة إمام مذهبهم عمدوا إلى الاجتهاد ضمن أصول المذهب نفسه فاستخلصوا قواعداً عامة لم تكن في عصره، وحرّروا المذهب واستخرجوا أصوله، وضبطوها، وصاغوها بقواعد مجردة، واستنبطوا أيضًا أحكاماً للوقائع الجديدة، وخالفوا إمامهم في بعض الفروع التي كان الاجتهاد فيها وفق المصلحة والعرف، فالقواعد الفقهية المعتمدة في هذا المذهب لم تنشأ دفعة واحدة، بل استخرجت على مراحل ، وعلى يد عدد كبير من الفقهاء الأحناف، وبعبارة أوضح إنها لم تكن في عصر أبي حنيفة.

أما المذهب المالكي

فقد ظهرت فيه آراء لكبار تلاميذه خالفوه فيها، ودونوا تلك المخالفة، وأعلنوها مع تقديرهم لشيخهم، وخرّجوا عن أصوله فيما لم يرد عنه رأي فيه، ولم يحفظ فقه مالك كما كان في عصره إلا أتباع المدرسة المغربية، أما بقية المدارس فقد اختلفت فيما بينها في بعض القضايا.

فالمدرسة المدنية : لم تنظر في كون العمل المدني موافقًا له أو مخالفًا.

أما المدرسة المصرية فقد تميزت باعتماد أئمتها على العمل بالسنة الثرية، وما تقتضيه من مسايرة عمل أهل المدينة.

والمدرسة العراقية اشتهرت بالتقعيد والتخريج، وجمع النظائر، واعتنت بالفقه الافتراضي.

أما المذهب الشافعي

فقد مرّ بثلاث أطوار:

  1. طور النمو في ظل الاجتهاد المطلق مع التزام بأصول الشافعي.
  2. وطور النمو في ظل التخريج.
  3. وطور إغلاق باب الاجتهاد .

وقد ظهرت آراء صنفت من المذهب الشافعي مع خروجها عن أصول المذهب، وأطلق عليها الأوجه في المذهب، أي آراء الأصحاب.

أما تلاميذ أحمد بن حنبل

فقد جعلوا العادات والأعراف مُحكمة ما لم تكن مستنكرة في شرع الله تعالى، فعملوا بالعرف في أثناء الفتوى في غير مواضع النصوص والآثار وعند عدم المصلحة، والتزموا كثيرًا بمبدأ الاستصحاب مما أدى إلى توسيع دائرة العقود والشروط الجائزة عندهم.

فيتضح لنا أن ما من مذهب من هذه المذاهب بقي على حالته الأولى التي كانت في عصر مؤسسه، وهذا لا يعني وجود انقسام جوهري، أو افتراق بين المذهب وأبنائه، لأن أتباع هذه المذاهب التزموا أصوله الثابتة إلا أنهم استخرجوا قواعدًا تتناسب مع مجريات الأمور ، وفرعّوا عن أصول القواعد مسائلاً اقتضتها الأحوال، والخلاف الواقع إنما هو بين الأتباع أنفسهم وليس بينهم وبين المذهب. فكل واحد منهم ينظر إلى مذهبه من خلال مداركه العقلية فيرى الأمور ضمن إطار فهمه لها، ويتعاطاها من خلال ما وصل إليه من التحقيق والتدقيق، واطمأن له من التوثيق.

والمسلمون العلويون يتفقون مع الأخباريين في مسائل ويختلفون في أُخرى، والحال عليها مع الأصوليين، وسنأتي على بيان ذلك في فصل مستقل.