المقدمــــة

أُضيف بتاريخ الخميس, 14/10/2010 - 14:48

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ

الحَمْدُ للهِ الذي هدانا إلى الولاية بدراية الرواية، وتوّجنا بالهداية واجتناب الغواية، وأمدنا بالعناية لاعتقاد الولاية ، والصلاة والسلام على صاحب الشريعة الغراء سيدنا محمد وآله في البداية والنهاية.

أما بَعْـــدُ

إن من أخصَّ النعمِ الإلهيةِ، والألطاف الربانية على أبناء هذه العقيدة الإسلامية والولاية العلوية، أن خصهم الله تعالى واختصهم بنعمة الولاية، وحكمة الهداية، المُعبر عنها في الكتاب المبين بكمال الدين وتمام النعمة التي لا يُقبل عمل عامل إلا باعتقادها والتمسك بإرشادها، لقول الصادق الأمين صلى الله عليه وآله وسلمَ:
(( من أحب علياً قبل الله تعالى منه صلاته وصيامه وقيامه واستجاب دعاءه، ألا ومن أحب علياً أعطاه الله لكل عرق في بدنه مدينة في الجنة، ألا ومن أحب آل محمد آمن من الحساب والميزان والصراط، ألا ومن مات على حب آل محمد فأنا كفيله بالجنة مع الأنبياء عليهم السلام، ألا ومن أبغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيساً من رحمة الله)). المناقب للخوارزمي برواية ابن عمر.

ومن المعلوم عند أهل العلوم وباعتراف الخصوص والعموم أنه لم يناد بشيء كما نودي بهذه الولاية السَنية لقول الإمام محمد الباقر عليه السلام:
(( بني الإسلام على خمسٍ: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية )).
إن هذه الولاية الحقة والإمامة المحقة أبانها تعالى بصريح الخطاب في قوله تعالى:
( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) المائدة/55.
وقد أجمع المفسرون والمحدثون والمحققون على نزول هذه الآية في أمير المؤمنين حين تصدق بخاتمه وهو راكعٌ في مسجد رسول الله - يراجع التفسير الكبير للرازي والكشاف للزمخشري، والدر المنثور للسيوطي، ومجمع الزوائد للهيثمي، وشواهد التنزيل للحسكاني، وتفسير الطبري، وتفسير القرطبي، وأسباب النزول للواحدي، وتفسير ابن كثير، وتفسير النسفي، وأحكام القرآن للجصاص، وجامع الأصول لابن أثير، وتذكرة الخواص للسبط الجوزي، وينابيع المودة للقندوزي، وغيرها من المصادر وكلهم من علماء السنة –

فالولاية العلوية ، هي: كمال الدين الذي لم يكمل إلا بتبليغها لقوله تعالى:
( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ )المائدة/67/.
وقد أكدت أكثر المصادر المعتد بها نزول هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع في مكان يُدعى غديرَ خم وهي تحمل دلالة صريحة على إمامة وولاية أمير المؤمنين - من جملة العلماء والمحدثين الذين ذكروا نزولها في أمير المؤمنين :
أحمد بن حنبل في مسنده، والترمزي في صحيحه، وابن ماجة في سننه، والحاكم النيسابوري في مستدركه، والهيثمي في مجمعه، وابن عساكر في تاريخه، والقندوزي في ينابيعه، وابن صباغ المالكي في فصوله، وابن مغازل الشافعي في مناقبه، والنسائي في خصائصه، والطبري الشافعي في ذخائره، والسيوطي الشافعي في حاويه، والحمويني في فرائده، وابن كثير في البداية والنهاية، والكنجي الشافعي في كفايته، والحاكم الحسكاني في شواهده، والذهبي في ميزانه، والسيوطي في تاريخه، والفخر الرازي في تفسيره، والبيهقي في الاعتقاد على مذهب السلف، والخوارزمي الحنفي في نوادر الأصول، والطبري الشافعي في الرياض النضرة، والبلاذري في أنساب الأشراف ، وابن أثير في أسد الغابة.-
ومن تمعن فيها أتضح له أن الخطاب الإلهي قد قطع أعذار المبلغين دالاً على جلال القضية حين قضى بها بلاغاً على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
وناهيك من دلالة أنه سبحانه وعد رسوله العصمة من الناس ، وهي إعلام باستكبار زمرة، وكَيْد أخرى ، إضافة إلى توقيتها في آخر حياة الرسول، أن جعلها حبل الأمة مستقبلاً، كما كانت عروة الدين ماضياً ، وهي تمام النعمة العلوية لقوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ).
وقد دلت هذه الآية على عظمة هذه الولاية وأهميتها لأن الدين الإسلامي الذي هو الدين عند الله كامل بالقوة ، ولكنه لم يكمل بالفعل إلا بتبليغها - من جملة المصادر التي دلت على نزول هذه الآية بعد التبليغ:
مناقب علي بن أبي طالب لإبن مغازل الشافعي، تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، الاتقان للسيوطي الشافعي، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي، كتاب الولاية لأبن جرير الطبري، تاريخ ابن كثير الدمشقي، الكشف والبيان للثعلبي، روح المعاني للألوسي، أرجح المطالب لعبيد الله الحنفي وغيرها من المصادر.-
فهي جوهر الإسلام وصورته المثلى الذي لا تُعرف أصوله وفروعه وآدابه إلا بها لقول رسول الله صلى الله عليه وآله: [ أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب ].
وأهم دلائل هذا الخبر :

  • أعلمية وأفضلية أمير المؤمنين على بقية الصحابة.
  • قربه من رسول الله وكرامته عليه.
  • أنه الخليفة من بعده.
  • وجوب طاعته ولزوم اتباعه وأخذ العلم عنه.
  • عصمته مقرونةٌ بعصمة الرسول(ص).

ولكل دلالة ومدلول عليه من هذه الألفاظ بحث شامل ، وقد نقل هذا الخبر أكثر من مئتي مصنف من علماء السنة ومن أراد الإستقصاء فعليه بموسوعة الغدير للشيخ الأميني .
ولذا فإن ولايته وولاية أبنائه المعصومين تدخل في أصول الدين في منهاجنا المبين وتندرج في مبحث الإمامة 1 وفي حقيقة هذه الولاية المعصومة يقول العلامة الأوحد الإمام العلوي الشيخ سليمان الأحمد (ق) :

إن الشريعـة مشرع التقوى ومنهــــاج الهداية
وقوامهـــــا الإيمان والإيمان إخلاص الولايـــة
وبقية الأعمــــــال كـالعنوان وهو لهـن غايـــة
وبذاك قد صحت عن الهـــادي وعترته الرواية

فلو تأملنا في هذه الأبيات الرائقة ذات المعاني الفائقة التي تنبع من قلب علوي ينبض بصدق الولاية للاحظنا الجواهر كيف تنساب من عبقرية هذا الإمام النادرة، والبلاغة تشرق من ألفاظه العطرة، وكأنه يجيب سائلاً عن أصول كلامية ومسائل اعتقادية، مُعَبّراً في الوقت نفسه عن محض عقيدته وصحة ولايته بصفاء سريرته وقوة عزيمته.
كأن السائل سأله عن ماهية الشريعة وغايتها ؟ فأجابه : أنها ( مشرع التقوى ومنهاج الهداية )، ثم أراد أن يتعرف حقيقة قوامها ، فدله على الإيمان وعرفّه هو: إخلاص الولاية، ثم طلب توضيح بقية الأعمال فقال أنهن ( كالعنوان والإيمان لهن غاية ).
ثم استخبر عن الدليل فأرشده إلى الهادي وعترته الذين صحة الرواية عنهم بذلك .

وخلال هذا السرد الموضوعي تبرز لنا عدة عناوين تجتمع بتسلسل منطقي لتؤلف قضية كاملة وأساسية مفادها :
أن الشريعة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ربه هي : مشرع التقوى ومنهاج الهداية.
وإن كمالها الإيمان المعبر عنه بإخلاص الولاية لمن أمر الله بولائهم، لأن ولاءهم هو كمال الدين وتمام النعمة .
وإن بقية الأعمال التعبدية من صلاة وزكاة وصيام وحج وجهاد هي عناوين هذه الغاية كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله: [ والذي نفس محمد بيده لو أن رجلاً عبد الله ألف عام ثم ألف عام ما بين الركن والمقام ثم أتى الله جاحداً بولايتهم لأكبّه الله في النار كائناً من كان ] كفاية الأثر.

والنتيجة إن هذا التسلسل المنهجي لهذه المعاني الإعتقادية والمباني الشرعية التي أوردها هذا الإمام الجليل بأسلوبه الرائع وبيانه الجامع يُعدُ بحثاً متكاملاً يؤكد صحة الرواية الدالة على وجوب الولاية المرشدة إلى محراب الهداية بألطاف العناية.
فقوله ( إن الشريعة مشرع التقوى ومنهاج الهداية ) متفقٌ عليه عند المسلمين كافة .
وتأكيده أن قوامها هو الإيمان فلا خلاف فيه، أما شرحه الإيمان أنه: إخلاص الولاية ففيه خلاف بين الفريقين يحسمه قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: [ حب علي إيمان وبغضه نفاق ] ، وتلقيبه به يوم الخندق بقوله [ لقد برز الإيمان كله إلى الكفر كله ]
وأما قوله أن الإيمان هو غاية الأعمال فقد أجمع على ذلك المنصفون .

وبناءً على ما تقدم أقول:

أن هذا الكتاب بحث مقتضب يعطي صورة صادقة عن العلوية الحقة بأصولها المحقة، ويتناولها من مصادرها المعتمدة ومصابيحها المتقدة ، وفيه بيان عن المناهج الأخرى التي تتفق مع العلوية حيناً وتخالفها أحياناً.

وقد حثني على الكتابة في هذا المجال الدقيق بيانٌ قرأته، فراقني حسنه للعالم العامل الدكتور الشيخ علي سليمان الأحمد رحمه الله فانطلقت من قواعده، وزينت مقالي بجمال فرائده، وأعترفت بالفضل لموفور موائده التي أسس بنيانها وتوّج برهانها والده الإمام الجليل العلامة الشيخ سليمان الاحمد (ق).

  • 1 لقد أخذَ هذا المبحث حيزاً كبيراً من المناقشات بين علماء المسلمين، وكُتب فيه مئات المؤلفات الكلامية وما زال النقاش إلى عصرنا، وهو في منهاجنا أصل أصيل لا يكمل الإيمان إلا بمعرفته لأن الإمامة كمال للنبّوة وتمامها.