العلويون والشيعة طائفتان لا مذهبان

أُضيف بتاريخ الخميس, 14/10/2010 - 14:48

إنّ العلويين والشيعة طائفتان مستقلتان على مذهب واحد وهو مذهب أهل البيت  يتفقان في الخطوط العريضة لأسس المذهب ويختلفان في بعض التفاصيل التي تفصل بينهما حينًا، وتوصل أحيانًا.

فلكل طائفة منهما مراجعها المعتمدة -وفق معايير مفصلة عند كل طائفة-، ومصادرها الموثقة -التي تلتقي بالكليات وتفترق ببعض الجزئيات-، يلتقيان في توثيق راوٍ واعتماد أخباره، ويختلفان في آخر، وحديث يثبت عند الأولى يسقط عند الأخرى، وهذا أمر يعود إلى معايير تتعلق بفهم الأصول الاعتقادية فيما يمكن ثبوته أو لا يمكن، وما يجوز قوله أو لا يجوز، كما أن ذلك يوجد بين أبناء الطائفة الواحدة، إذاً فالقضية هي قضية اختلاف وليس خلافاً .

فعلى سبيل المثال:

إنّ أبناء المنهج العلوي يقولون بتوثيق أبي شعيب وصحة الأخبار الواردة والمروية عنه، بينما لا يرى ذلك أكثر علماء الشيعة، وبالتالي فإن هذه الأخبار تُبنى عليها معرفة بعض الأحكام وهنا يقع الاختلاف بين الطرفين ولكن هذا لا يعني أن كل طائفة منهما على مذهب مستقل لأنه لا يوجد إلا مذهب واحد، ولكن معارفه ذاتُ أبواب متفرقة ولكل طالب أن يدخل من الباب الذي أحب، ومشاربه غنية وعذبة المذاق ولكل سالك أن ينهل من الجهة التي يشتهي وباليد التي يطمئن إليها، ولكل شارب أن يعبر عن عذوبة الماء الذي تذوقه، إذ الأذواق تختلف وإن لم يختلف الماء.

وبناءً على ما تقدم فإن أسس الاختلاف عند الطائفتين قائمة على علمي الحديث والرجال وهذان العلمان متعلقان بجزئيات الأصول وكليات الفروع وجزئياتها، والكلام يدور ضمن هذا المحور ولا يتعداه إلى الكليات الثابتة عن الأئمة المعصومين.

وبعبارة أوضح فلا يصح تصنيف العلويين ضمن المدرستين الشيعيتين الإخبارية و الأصولية لأنهم يلتقون مع الأولى في بعض المسائل ويختلفون في أخرى، وكذلك الأمر مع المدرسة الثانية، فالعلويون يرجعون في سلوكهم الإعتقادي والفقهي إلى المنهج الأول الذي أعتُمِد حتى عصر الغيبة وأقصد به مدرسة الفقهاء الرواة الذين كانوا يلتقون الأئمة عليهم السلام ويعرضون عليهم ما لديهم من أسئلة عن قضايا حدثت لهم فيتلقون أجوبة ينقلونها بأمانة إلى أصحابهم وأتباعهم.
وبأصول هذه المدرسة الجامعة ووفق قواعدها المقررة والمدونة لا يزال العلويون يتعبدون ويعملون حتى عصرنا هذا، ولهم موازين ثابتة يُقيمُ الحديثُ على أساسها، فالرواية يجب أن تخضع إلى فقه الدراية، والدراية لا يجب أن تتناقض مع منهاج أئمة الهداية وحديثهم عليهم السلام تدل عليه محكمات الكتاب .

فالعلويون منذ زمن الغيبة إلى أن يقوم قائم أهل البيت  قائلون عاملون بالخبر المروي عن الإمام المهدي: [ وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم ، وأنا حجة الله عليهم]، وبعد مضي رواة الحديث فإننا نرجع إلى مصنفاتهم الموثقة لنعمل بما هو قطعي الصدور ونترك مظنونه.
 

أما ولاية الفقيه فلم تثبت عندنا بالمعنى الكلي الذي ذُكر، لأن الإمامة في معتقدنا تلغي الكثير من التصورات المستحدثة، وتتصور كمنهاج في أعلام الرواية وأقطاب الدراية الصادقين والملتزمين التزاماً راسخًا بنهج الأئمة المعصومين لدرجة الانطباع الكلي.
فالولاية موقوفة في كتاب الله وليست مشاعة لقوله تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ القصص55.
وكلمة إِنَّمَا من أقوى أدوات الحصر، وتفيد أن الولاية من اختصاص الله عزّ وجل، ورسوله ، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب  لتصل إلى أبنائه المعصومين الذين يجتمعون معه في الخصائص المقيدة بهم كالعصمة والمعجز والأعلمية والفضل وما إلى ذلك فتقف عند الإمام محمد بن الحسن الحجة إمام العصر والزمان والحجة والبيان، ولا تمتد إلى غيره لا حقيقة ولا مجازاً لقول أمير المؤمنين  لكُمَيْل بن زياد:

يا كُمَيْل، الدين لله فلا يقبل الله من أحد القيام به إلا رسولاً أو نبيًّا أو وصيًّا.

يا كُمَيْل : هي نبّوة ورسالة وإمامة وليس بعد ذلك إلا موالين متبعين أو عامهين مبتدعين إنما يتقبل الله من المتقين.

ولا يصح عندنا إطلاق النيابة على أي كان إلا بتعيين مباشر من صاحب العصر عليه السلام، قال الإمام الصادق ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم: من أنبت شجرة لم ينبتها الله، -يعني من نصب إمامًا لم ينصّبه الله- أو من جحد مَن نصّبه الله، ومن زعم أن لهذين سهماً في الإسلام.

قال تعالى : وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ القصص 68.

وبالنسبة إلى الألقاب التالية كـ "حجة الإسلام والمسلمين"، و"آية الله العظمى"، و"آية الله الكبرى"، و"روح الله" وغيرها، فليست معتمدة في نهجنا لعدم وضوحها ولعدم ورود نقل الإجازة من المعصومين أو الأذن بإطلاقها.

أما إدارة شؤون المسلمين فمنوطٌ بالفقهاء المتقين لقول الإمام الصادق عليه السلام: خذوا بعلمائكم ما داموا زاهدين في الدنيا فإذا رغبوا بها فاضربوا بهم عرض الحائط.

وأما المرجعية الشاملة فتكون لأعدلهم وأعلمهم على الإطلاق.

أما تقليد الفقهاء والمراجع فله موازينٌ منقولة عن الأئمة المعصومين في اختيارهم والرجوع إليهم ولسنا مكلفين تقليد من لا تثبت لنا عدالته وأعلميته لأن العدالة في منهاجنا فاعلة وليست منفعلة، والأعلمية مطلقة وليست مقيدة، ويجب مراعاة هذه المسائل قبل العمل بها مراعاة لأصول الدين لأن التقليد يتطلب الالتزام.

والنتيجة:

إنّ العلويين والشيعة يتفقان في الأصول الاعتقادية والفروع الفقهية ويختلفان في بعض الجزئيات المتعلقة بهذين الجناحين ويتفقان في بعض المصادر ويختلفان في أخرى، والاتفاق لا يعني أن تتخلى أي طائفة منهما عن هويتها المستقلة كما إن الاختلاف لا يعني عدم الائتلاف أو إنهما على مذهبين مختلفين، وبصورة أوضح فمن غير المقبول الاندماج أو الاتباع لأن الاندماج يعني إلغاء الهوية العلوية التي نعتز ونفتخر بها إذ قُتلنا لمحافظتنا عليها وتمسكنا بها ، والاتباع هو انتقاص من قدرها الرفيع لأنها تتقدم على غيرها.

وفي الماضي كُثفت هذه المساعي ولكنها باءت بالفشل لأنها كانت تهدف إلى إلغاء كلي للشخصية المستقلة مع الإبقاء على الشخصية الداعية لهذا الأمر مع رفض العكس، فنحن مندمجين في النهج العلوي ومتبعين له أصلاً وفرعاً وآداباً، ونؤيد كل وحدة تنصب في خدمة الإسلام شرط أن لا تفقدنا هويتنا أو تسلخنا عن مجدِ وهدي السلف الصالح من أهل الولاية واليقين.

وبالعودة إلى موضوع الغلو فأقول:

تعرض العلوي لتهمة الغلو من قبل بعض متعصبي السنة ومتطرفي الشيعة:

  • فالفئة الأولى اتهمته بذلك لقوله بأفضلية علي عليه السلام على بقية الصحابة واعتقاده عصمة الأئمة.
  • والفئة الثانية اتهمته بذلك لقوله بوثاقة أبي شعيب رضوان الله عليه فكما أن اتهام الفئة الأولى يسقط لثبوت الأفضلية والعصمة بأدلة قاطعة وكذلك الأمر فإن اتهام الفرقة الثانية يسقط أيضاً لصحة الوثاقة بحجج دامغة.

ثم إن قدوم الكثيرين من علماء الشيعة إلى بلاد العلويين وأماكن تواجدهم لدعوتهم إلى التشيع أمرٌ يدعونا إلى الاستغراب الشديد، وإلى طرح بعض الأسئلة الهامة:
أليس التشيع في اصطلاح أهله هو موالاة أهل البيت، وإتباع نهجهم، والتمسك بعروتهم، وفي الوقت نفسه ألا يعلم أولئك الدعاة أننا إبان تعرضنا لأبشع أنواع الفتك والإبادة تخلينا عن كل شيء إلا عن هذا النهج المقدس؟!
فما هي الغاية من هذه الدعوة إذًا؟
وماذا يكمن وراءها ؟
ولم كل هذا العناء من قبلهم وهم يعلمون أن العلوي لم يُقتل ويُشرد ويحرم من أبسط حقوقه إلا لتمسكه بهذا المبدأ !.

أما إذا كان سبب مجيئهم للتواصل والتعارف أكثر فهذا شيء مرحبٌ به من قبلنا ولكن ضمن شرطٍ أساسي وهو عدم المزايدة علينا بشدّة الولاء لأهل البيت، والتخلي عن فكرة اتهامنا بالغلو الموروثة عن قوم متعصبين كتبوا بأمرٍ من السلاطين. 1