نسبة الحديث القدسي إلى المكزون

أُضيف بتاريخ الأحد, 02/11/2014 - 12:18

نسبة الحديث القدسي إلى المكزون


قَالَ ـ عَلَى زَعْمِهِ أَنّهُ حَقَّقَ وَوَثَّقَ ـ :

(( هَؤلاءِ المُؤمِنُوْنَ إِيْمَاناً مُسْتَقِرّاً ، يَقُوْلُ المَكْزُوْنُ عَنْ دَرَجَتِهِمْ ، إِنَّهَا ( مَقَامُ أَهْلِ الإِيْمَانِ فِي العَالَمَيْنِ ، وَالتَّصْدِيْقِ بِالرُّؤْيَتَيْنِ ) ، ثُمَّ يَذْكُرُ لإِيْمَانِهِمُ المُسْتَقِرِّ عَشْرَ خِصَالٍ تُمَثِّلُ قِوَامَ نَظَرِيَّتِهِمْ فِي المَعْرِفَةِ .
 
1 ـ مَعْرِفَةُ الله فِي جَمِيْعِ ظُهُوْرَاتِهِ .
  2 ـ مَعْرِفَةُ الوَلِيِّ .
  3 ـ مَعْرِفَةُ وَلِيِّ الوَلِيِّ .
  4 ـ مَعْرِفَةُ إِبْلِيْسَ ، مِمَّا كَانَتْ بِدَايَتُهُ .
  5 ـ مَعْرِفَةُ قُوَّامِ القِسْطِ .
  6 ـ مَعْرِفَةُ الأَشْخَاصِ الَّذِيْنَ أُقِيْمُوا فِي ضِيَاءِ القُدسِ .
  7 ـ قَبُوْلُ عِلْمِ اللهِ ، وَتَصْدِيْقُ رُسُلِهِ .
  8 ـ تَعْظِيْمُ أَهْلِ مَعْرِفَةِ اللهِ .
  9 ـ المُسَاوَاةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيْهِ فِي الدِّيْنِ وَالدُّنْيَا .
  10 ـ كِتْمَانُ سِرِّ اللهِ ، وَسِتْرُهُ عَنْ غَيْرِ أَهْلِهِ .))
1

بَيَانُ الوَهْمِ

مِمَّا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الدّكتور أَسْعد عليّ، وَجَدَ مَخْطُوْطَةً وَهِمَ نَاسِخُهَا، فَقَلَّدَهُ فِي غَلَطِهِ عَلَى عَادَتِهِ، وَلَعَلّهُ تَوَهَّمَ أَنَّهُ يَنْسخُ كِتَابًا مِنْ تَأْلِيْفِ المَكْزُوْنِ، وَهُوَ بِضْعَةُ رِوَايَاتٍ جَمَعَهَا المَكْزُوْنُ، أَوْ رَجُلٌ جَمَعَهَا وَأَهْدَاهَا إِلَيْهِ عَلَى عَادَةِ المُؤَلِّفِيْنَ وَالنُّسَّاخِ فِي إِهْدَاءِ الكُتُبِ، أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ قَوْلِ المَكْزُوْنِ، وَإِنّمَا شَاهِدٌ فِي كُرّاسَةٍ لا نَعْرِفُ مَا وَقَعَ فِي نُسَخِهَا، وَفِي أَلْفَاظِهِ اخْتِلافٌ يُؤَيِّدُ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ، فَقَدْ نَقَلَ الشّيْخُ المَجْلسيّ فِي كِتَابِهِ بِحَارِ الأَنْوارِ ، مِنْ كِتَابِ التّمْحِيْص ، مَا نَصّهُ:

(( عَنِ المُفَضّلِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَالَ : قَالَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ افْتَرَضْتُ عَلَى عِبَادِي عَشَرَةَ فَرَائِض، إِذَا عَرَفُوهَا أَسْكَنْتُهُم مَلَكُوتِي وَأَبَحْتُهُم جِنَانِي، أَوَّلُهَا مَعْرِفَتِي، وَالثّانِيَةُ مَعْرِفَةُ رَسُولِي إِلَى خَلْقِي وَالإِقْرَارُ بِهِ وَالتّصْدِيْقُ لَهُ، وَالثّالِثَةُ مَعْرِفَةُ أَوْلِيَائِي وَأَنّهُمُ الحُجَجُ عَلَى خَلْقِي، مَنْ وَالاهُم فَقَدْ وَالانِي، وَمَنْ عَادَاهُم فَقَدْ عَادَانِي، وَهُمُ العَلَمُ فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَ خَلْقِي، وَمَنْ أَنْكَرَهُم أَصْلَيْتُهُ نَارِي، وَضَاعَفْتُ عَلَيْهِ عَذَابِي، وَالرّابِعَةُ مَعْرِفَةُ الأَشْخَاصِ الّذِيْنَ أُقِيْمُوا مِنْ ضِيَاءِ قُدسي، وَهُم قُوّامُ قسْطي، وَالخَامِسَةُ مَعْرِفَةُ القُوّامِ بِفَضْلِهِم وَالتّصْدِيْقُ لَهُم، وَالسّادِسَةُ مَعْرِفَةُ عَدُوّي إِبْلِيْس وَمَا كَانَ مِنْ ذَاتِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَالسّابِعَةُ قَبُولُ أَمْرِي وَالتّصْدِيْقُ لِرُسُلِي، وَالثّامِنَةُ كِتْمَانُ سِرِّي وَسِرِّ أَوْلِيَائِي، وَالتّاسِعَةُ تَعْظِيْمُ أَهْلِ صَفْوتِي وَالقَبُولُ عَنْهُم، وَالرّدُّ إِلَيْهِم فِيْمَا اخْتَلَفْتُم فِيْهِ، حَتّى يَخْرُجَ الشّرْحُ مِنْهُم، وَالعَاشِرَةُ أَنْ يَكُونَ هُوَ وَأَخُوهُ فِي الدِّيْنِ وَالدُّنْيَا شَرعًا سَواء، فَإِذَا كَانُوا كَذَلِكَ أَدْخَلْتُهُم مَلَكُوتِي، وَآمَنْتُهم مِنَ الفَزعِ الأَكْبَرِ، وَكَانُوا عِنْدِي فِي عِلِّيِّيْنَ .)) 2

وَمَا يُدْرِيْكَ لَعَلّ تِلْكَ الكرّاسَةَ أَحَادِيْث مُنْتَخَبةٌ مِنَ المَنْقُولِ عَنْ أَهْلِ البَيْتِ ، تَوَهَّمَ وَاحِدٌ مِنْ نُسّاخِهَا وَقَلَّدَهُ فِي ذَلِكَ بَقِيّةُ النُّسّاخِ، وَكَانَ فِي أَوّلِهَا اسْمٌ ، فَصَحّفَهُ نَاسِخٌ وَوَهِمَ فِيْهِ آخَرُ، فَصَارَ المُؤَلّفُ نَاسِخاً، وَالنّاسِخُ مُؤَلّفًا، ثُمَّ صَادَفَهَا الدكتور أَسْعد عليّ عَلَى تِلْكَ الحَالِ، فَظَنَّهَا مِنْ تَأْلِيْفِ المَكْزُوْنِ.

قَال الأستاذ محمّد بهجة الأثري : 

(( وَمَا أَرَى كُرَاعًا إِلاَّ قَدْ أَخْطَأَ القِرَاءة، وَصَحَّفَ فَضَمَّ أَوَّلَ اللّفْظَيْنِ وَكَسَرَ ثَانِيَهُمَا، وَزَعَمَ مَا زَعَمَ، ثُمَّ نَقَلَ المُصَنِّفُونَ فِي اللّغَةِ كَلامَهُ، وَلَمْ يُحَقِّقُوهُ، إِذْ كَان هَمّهُمُ الجَمْع لا التّمْحِيص وَالتّحْقِيق .)) 3

وَلَيْسَ مَا فَعَلَهُ الدكتور أسعد عَليّ بِعَجِيْبٍ، فَإِنَّ اشْتِغَالَهُ بِالبَحْثِ عَنِ المَكْزُوْنِ فِي كُتُبِ التّصَوّفِ وَالفَلْسَفَةِ؛ ثَبَّطَهُ عَنْ قِرَاءةِ المَنْقُولِ عَنْ أَهْلِ البَيْتِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ بِعَدَمِ اطِّلاعِهِ عَلَى المَنْقُولِ، أَنّهُ لَيْسَ مِنَ المُحَقِّقِيْنَ فِي المَذْهَبِ العَلَوِيِّ، وَلا مِنَ المُؤَلِّفِيْنَ فِي المَذْهَبِ الإِمَامِيِّ، فَمَا عُذْرُهُ فِي عَدَمِ التَّثَبُّتِ ؟.

أَنُكَذِّبُ الإِمَامَ الصّادِقَ الّذِي قَال : 

(( قَالَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ افْتَرَضْتُ عَلَى عِبَادِي عَشَرَةَ فَرَائِض، إِذَا عَرَفُوهَا أَسْكَنْتُهُم مَلَكُوتِي وَأَبَحْتُهُم جِنَانِي .))

وَنُصَدِّقُ المُؤَلّفَ فِي زَعْمِهِ : 

(( يَقُوْلُ المَكْزُوْنُ عَنْ دَرَجَتِهِمْ ، إِنَّهَا ( مَقَامُ أَهْلِ الإِيْمَانِ فِي العَالَمَيْنِ ، وَالتَّصْدِيْقِ بِالرُّؤْيَتَيْنِ ) ، ثُمَّ يَذْكُرُ لإِيْمَانِهِمُ المُسْتَقِرِّ عَشْرَ خِصَالٍ تُمَثِّلُ قِوَامَ نَظَرِيَّتِهِمْ فِي المَعْرِفَةِ .)).

وَكَيْفَ نَجْعَلُ هَذَا مِنْ تَصَوُّفِ المَكْزُوْنِ وَفَلْسَفَتِهِ، وَنَسُوقُ الشّاهِدَ عَلَى نِسْبَتِهِ إِلَيْهِ!؟. وَكَيْفَ تُخَصَّصُ تِلْكَ الصِّفَاتُ بِالمُؤمِنِيْنَ إِيْمَانًا مُسْتَقِرًّا وَقَدْ عَمَّمَهُ اللهُ سُبْحَانَهُ فِي قَوْلِهِ : (( افْتَرَضْتُ عَلَى عِبَادِي عَشرَةَ فَرَائِض ... )). فَلَمْ يُخَصِّصْ بِهِ مُسْتَقِرًّا وَلا مُسْتَوْدَعًا.

وَكَيْفَ تَصْنَعُ إِنْ قَرَأْتَ قَوْلَ المُؤَلّف: (( ويكوِّنُ حولَ ذلك نظريّةً في معرفةِ إبليس يَعتبرها خصلةً من خصال الإيمانِ الحقيقيِّ، فما هي هذه النظرية ؟.)) 4     بَعْدَمَا تَبَيَّنَ لَكَ أَنّهَا لَيْسَتْ (( نَظريّة )) للمَكْزُون، وَلا (( اعْتِبَارًا )) للمُؤَلّفِ .

فَمِنْ قَولِهِ تَعَالَى : (( وَالسّادِسَةُ مَعْرِفَةُ عَدُوّي إِبْلِيْس وَمَا كَانَ مِنْ ذَاتِهِ وَأَعْوَانِهِ)). كَانَ إِيْجَابُ مَعْرِفَةِ إِبْلِيْس، وَمِنْهُ فِي الرِّسَالَةِ الجَامِعة : (( فَالوَاجِبُ عَلَى أَهْلِ العِلْمِ أَيْضًا مَعْرِفَةُ إِبْلِيْس، لأَنَّ بِهِم مِنَ الحَاجَةِ إِلَى مَعْرِفَتِهِ مَا لا يَسَعُهم تَرْكُهُ وَالإِهْمَالُ لَهُ، لِئَلاّ يَقَعُوا فِي حِبَالِهِ، وَيَتَوَرّطوا فِي شِبَاكِهِ ......)) 5

وَفِي رَسَائِل إِخْوَانِ الصّفَاءِ : 

(( وَمِنْ دَقِيْقِ مَعْرِفَتِهِم وَلَطِيْفِ عُلُوْمِهِم، مَعْرِفَةُ حَقِيْقَةِ الشّيَاطِيْنِ وَجُنُودِ إِبْلِيْس اللّعِيْن، وَكَيْفِيّةِ وَسْوَاسِهِم وَمَسِّهِم .......)) 6

وَفِي كِتَابِ الغُنْيَة للإِمَام الجيلاني : 

(( وَلا تَتِمُّ أَيْضًا إِلاَّ بِمَعْرِفَةِ خِصَالٍ أَرْبَع : أَوَّلهَا : مَعْرِفَةُ اللهِ تَعَالَى، وَالثّانِيَة : مَعْرِفَةُ عَدُوِّ اللهِ ، إِبْلِيْس، وَالثَّالِثَة : مَعْرِفَةُ نَفْسِكَ الأَمّارَةِ بِالسُّوْءِ، وَالرّابِعَة : مَعْرِفَةُ العَمَلِ للهِ تَعَالَى.....)) 7

وَفِيْهِ : 

(( وَأَمّا مَعْرِفَةُ عَدُوِّ اللهِ، إِبْلِيْس، فَقَدْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِمُحَارَبَتِهِ وَمُجَاهَدَتِهِ فِي السِّرِّ وَالعَلانِيَةِ ... فَإِذا عَرَفَهُ العَبْدُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُلْزِمَ قَلْبَهُ مَعْرِفَتَهُ فِي الحَقِّ وَالبَاطِنِ، بِلا غَفْلَةٍ وَلا سَهْوٍ مِنْهُ، فَيُحَارِبه بِأَشَدّ المُحَارَبَة، وَيُجَاهِدهُ بِأَشَدّ المُجَاهَدة، (سِرًّا وَ عَلاَنِيّةً) [سورة البقرة 274].ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ...)) 8

لَقَدْ شَكَّكَ المُؤَلّفُ فِي تَارِيْخِ مُحَمّد أَمِيْن غَالب الطّويل، فَقَالَ :

(( لكنَّ هذا لا يعني أن نطمئنَّ لما وردَ فيه : أولاً : لأنَّ صاحبه لم يذكر المصادر التي استقى منها معلوماته . فهي من عندياته، ومن السماع غير الموثوق ....
  ثانياً :لأنَّ المؤلِّفَ نفسَه يعرفُ أن كثيراً من أحاديثه عن تاريخ المكزون أشبَهُ بالخيال ... بل يصف الإطار الزمنيّ الذي تحرّك المكزون فيه ، بأنه (( العصر الخيالي في تاريخ العلويين )). ))
9

وَهُوَ حَرِيٌّ بِالقَولِ :

(( لم يذكر المصادر التي استقى منها معلوماته. فهي من عندياته، ومن السماع غير الموثوق ....لأنَّ المؤلِّفَ نفسَه يعرفُ أن كثيراً من أحاديثه عن تاريخ المكزون أشبَهُ بالخيال .)).

وَمِمّا يُشْبِهُ التّحْقِيْقَ تَنْبِيْهُهُ عَلَى اخْتِلافِ النُّسَخِ فِي جُمْلَةِ : (( وَلَهُ عَشْرُ خِصَالٍ ، مَنْ أَقَرَّ بِهَا دَخَلَ المَلَكُوتَ الأَعْلَى )). بِقَوْلِهِ : (( تضيف النسخ : جاءت من الله ؛ ولعلها زيادة من النساخ )). 10

أَقُولُ :

مَا دَامَ الخَطَأُ نَافِذًا إِلَى نِسْبَةِ كَلامِ الخَالِقِ إِلَى المَخْلُوقِ؛ فَلا يُعَوّلُ عَلَى اخْتِلافِ النُّسَخِ فِي جُمْلَةٍ، وَمَا دَامَ المُؤَلِّفُ وَاهِمًا ؛ فَلا وَزْنَ لِجُمْلَةٍ سَقَطَتْ، وَلا لِجُمْلَةٍ بَقِيَتْ.

وَمَا حَاجَتُكَ إِلَى نُسْخَةٍ لا تُمَيِّزُ فِيْهَا شَاهِدًا مِنْ تَفْسِيْرٍ، فَقَدْ ظَنَنْتَ أَنَّ الشّاهِدَ مِنْ كَلامِ المَكْزونِ، وَمَا يُدْرِيْكَ أَنَّ مَا نَسَبْتَهُ إِلَى المَكْزُوْنِ لَمْ يَكُنْ شَوَاهِد، عُرِفَ بَعْضُهَا، وَخَفِيَ بَعْضُهَا، فَكُنْتَ وَاهِمًا فِيْهِ كُلِّهِ .


 


  • 1معرفة الله والمكزون السنجاري 1\ 239 .
  • 2بحار الأنوار مج26\534. وفي التمحيص 420 .
  • 3تحرير المشتقات من مزاعم الشذوذ، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق م49 ج4\722.
  • 4معرفة الله والمكزون 1\366 .
  • 5الرسالة الجامعة 127.
  • 6رسائل إخوان الصفاء1\363.
  • 7الغنية لطالبي طريق الحق 471.
  • 8الغنية 472، وأظن سياق الكلام يقتضي أن تكون الجملة (( فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُلْزِمَ قَلْبَهُ مَعْرِفَتَهُ فِي الحَقِّ وَالبَاطِل )) بدلا من جملة : (( في الحق والباطن )).
  • 9معرفة الله والمكزون 1\480 ـ 481 .
  • 10معرفة الله والمكزون 2\ 275.