بداية إبليس - تطهير النفس - لسان الإعتراض.

أُضيف بتاريخ الثلاثاء, 18/08/2015 - 14:05

بداية إبليس - تطهير النفس - لسان الإعتراض.


وَمِنْ أَوْهَامِهِ قَوْلُهُ :

(( المكزونُ يتصوَّرُ للنفس رأياً، ومن هنا يتحوَّلُ الرأيُ الاستكباريُّ نارَ أنفةٍ، هذه النار تمتدُّ فيتشكّلُ من امتدادها وجودان؛ الأول : ذات الجهل .. والثاني : ظلمة الاعتراض ... بهذا يكونُ إبليسُ رمزاً لانحجاب النفس عن المعرفة، وهو متولِّدٌ من رأي النفس، أو من نار الأَنَفَةِ ...)) 1

بَيَانُ الوَهْمِ

لَقَدْ تَصَوّرَ بَعْضُهُم مَا ظَنّهُ المُؤَلّفُ مِنْ تَصَوُّرِ المَكْزون، وَمِنْهُ فِي كِتَابِ عَين اليَقِين للكاشاني :

(( وَقَالَ بَعْضُهُم : إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَلَكَ سَبِيْلَ الغَواية وَالضّلالَة، وَطَرَدَهُ الحَقُّ عَنْ عَالَمِ رَحْمَتِهِ، وَوَقَعَ عَلَيْه اسْمُ إِبْلِيْس، هُوَ جَوْهَرٌ نطقيّ شِرّيرٌ، يَتَوَلَّدُ مِنْ طَبَقةٍ دُخَانيّةٍ نَارِيّة، لَهَا نَفْسٌ مَلَكوتِيّة، صَدَرَتْ بِجِهَةٍ ظُلْمَانِيّةٍ رَدِيّةٍ، شَأْنُهُ الإِغْوَاءُ وَسَبِيْلُهُ الإِضْلالُ ....

وَكَأَن عَنْ هَذا المَلْعونِ عُبِّرَ بِالجَهْلِ، فِي مَا رَوَاهُ فِي الكَافِي، بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَولانا الصّادِق ، قَال : إِنَّ اللهَ خَلَقَ العَقْلَ، وَهُو أَوَّلُ خَلْقٍ مِنَ الرّوحَانِيّينَ عَنْ يَمِين العَرْشِ مِنْ نُوْرِهِ، فَقَالَ لَهُ : أَدْبِرْ، فَأَدْبَرَ، ثُمّ قَالَ لَهُ : أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى : خَلَقْتُكَ خَلْقًا عَظِيْمًا، وَكَرّمْتُكَ عَلَى جَمِيع خَلْقِي، قَالَ : ثُمّ خَلَقَ الجَهْلَ مِنَ البَحْر الأجَاجِ ظُلْمَانِيّاً، فَقَالَ لَهُ : أَدْبِرْ، فَأَدْبَرَ، ثُمّ قَال لَهُ : أَقْبِلْ ، فَلَمْ يُقْبِلْ، فَقَال لَه : اسْتَكْبَرْتَ، فَلَعَنَهُ ..........

وَمِنْ هُنَا قِيْلَ : إِبْلِيْس كُلِّ إِنْسَانٍ هُوَ نَفْسُهُ عِنْد مُتَابَعَة الهَوى، وَسُلُوكِ طَرِيق الوَسْواس، وَالجُحُود وَالعُتُوّ وَالاِسْتِكْبَار .....))
2

وَمِنْهُ تَعْرِفُ وَهْمَ المُؤَلّفِ فِي قَوْلِهِ :

(( وللمكزون في بداية إبليس نظرية خطيرة ؛ فإبليس عند المكزون ليس من الملائكة ، ولكنه من نار أنفة النفوس ، إنه رشَح من النفوس تجسيداً لاعتراضها على خالقها .. وهذا المولود الغريب، إبليس ، ناصب آدم العداء، وأخرجه عن طاعة ربِّه ، فأكل من الشجرة المحرَّمة ، فأهبطهما الله من الجنة إلى الأرضِ ، وجعل بعضهما عدوَّ بعضٍ .

ولكنَّ آدمَ نَدِمَ وتابَ ، فوعده ربّه بالعودة إلى الجنّة إذا اتّبع ما سيُنزّله عليه من الهدى ومن هذا الهدى يقيم المكزون نظريته في الطاعة، ويُسمِّيها التكليف الثاني .
من ذلك الحين والإنسان المؤمن ، يجاهد ليعودَ إلى حيث كان ، منعّماً بجوار ربِّه ؛ وفي فساح جنّته .))
3

فَإِنّ قَوْلَهُ : (( وللمكزون في بداية إبليس نظرية خطيرة ؛ فإبليس عند المكزون ليس من الملائكة ...)) تَجَاهُلٌ لأَهْلِ البَيْتِ ، أَوْ جَهْلٌ بِالمَنْقُولِ عَنْهُم، وَمِنْ ذَلِكَ جَوابُ الإِمَام الصّادِق عَنْ إِبْلِيْس : (( أَكَانَ مِنَ المَلائِكَةِ ، أَمْ كَانَ يَلِي شَيْئًا مِنْ أَمْرِ السّمَاءِ ؟. فَقَالَ : لَمْ يَكُنْ مِنَ المَلائِكَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يَلِي شَيْئًا مِنْ أَمْرِ السَّمَاءِ ....)) 4

فَكَيْفَ تَكُونُ للمَكْزُونِ (( في بداية إبليس نظرية خطيرة )) وَلا يَكُونُ للإِمَام الصّادِق خَطْرٌ وَلا قَدْرٌ وَلا ذِكْر ؟!.

وَفِي كَونِ إِبْلِيْس مِنَ المَلائِكَة اخْتِلافٌ كَثِيْرٌ، أَشَارَ إِلَيْهِ الشّيخ الطّوسيّ فِي التّبْيَانِ، وَالطّبرسي فِي مَجْمع البَيَان، وَابن كَثِير فِي تَفْسِير القُرْآن ، وَالقُرطبي فِي الجَامِع، وَابن عطيّة فِي المُحَرّر الوَجيْز، وَغَيْرُهم . 5

وَقَوْلَهُ :

(( ولكنَّ آدمَ نَدِمَ وتابَ ، فوعده ربّه بالعودة إلى الجنّة إذا اتّبع ما سيُنزّله عليه من الهدى ومن هذا الهدى يقيم المكزون نظريته في الطاعة ، ويُسمِّيها التكليف الثاني . من ذلك الحين والإنسان المؤمن ، يجاهد ليعودَ إلى حيث كان ، منعّماً بجوار ربِّه وفي فساح جنّته .)).

مِنَ الشّائِعِ قَبْلَ المَكْزُونِ وَبَعْدَهُ، وَإِنْ نُسِبَ إِلَيْهِ هَذَا الاِسْتِنْبَاطُ عَلَى ظَنِّ المُؤَلِّفِ ، وَمِنْهُ فِي رَسَائِل إِخْوان الصّفاء :

(( وَاعْلَمْ أَنَّ نَفْسَكَ هِيَ إِحْدَى تِلْكَ الصُّوَرِ، فَاجْتَهِدْ فِي مَعْرِفَتِهَا لَعَلَّكَ تُخَلِّصُها مِنْ بَحْرِ الهيُولَى وَهَاوِيَةِ الأَجْسَامِ وَأَسْرِ الطّبِيْعَةِ الّتِي وَقَعْنَا بِهَا بِجِنَايَةٍ كَانَتْ مِنْ أَبِيْنَا آدَم، عَلَيْهِ السّلامُ، حِيْنَ عَصَى رَبّهُ فَأُخْرِجَ هُوَ وَذُرّيّتهُ مِنَ الجَنّةِ الّتِي هِيَ عَالَمُ الأَرْوَاحِ ..)) 6

وَفِي المَظَاهرِ الإِلَهِيّةِ :

(( فَاجْتَهِدْ أَيّهَا السّالِكُ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَالطّائِر بِجَنَاحَي العِلْمِ وَالعَمَلِ، لَعَلَّكَ تُوَفَّقُ للخُرُوْجِ مِنْ جَنّةِ إِبْلِيْس، فَتَرْجِع إِلَى جَنّةِ أَبِيْك آدَم ....)) 7

وَلَيْسَ القَولُ : يَجِبُ تَطْهِيْر النّفْسِ مِنَ الظّلْمَةِ، مَنْهَجًا يُخَصّصُ بِرَجُلٍ دُوْنَ غَيْرِهِ، فَإِنّ قَوْلَ المُؤَلّفِ :

(( والمكزون بهذا الفهم ينسجمُ مع منهجه ، الذي يدعو إلى تزكية النفس ، يعني تطهيرها ممّا يحجبها عن معرفة الروح المُتجلِّي ...لذلك جعلَ الحربَ حرباً داخليةً ، والجهادَ جهاداً نفسياً ، والتزكية سفراً واجتيازاً لحجاب الظلمة الذي يحجبُ النفس عن رؤية النور ....)) 8

مِنَ الشّائِعِ فِي كُتُب الصّوفِيّةِ، وَمِنْهُ فِي مَشَارق أَنْوار القُلُوب :

(( وَالصِّنْفُ الثّالِثُ هُمْ أَصْحَابُ الرِّيَاضَةِ، لأَنَّ الأَصْلَ طَهَارَةُ النّفْسِ وَخُلُوصُهَا، وَمَا حَصَلَ فِيْهَا مِنَ الظّلْمَةِ عَارِضٌ، وَالعَارِضُ يُمْكِنُ زَوَالُهُ مَا لَمْ يَسْتَحْكِمْ، لا سِيّمَا إِذَا بَقِيَ فِي النّفْسِ قَبُولٌ للخَيْرِ وَلَمْ يَسْتَحْوِذِ الشّرُّ عَلَيْهَا ...)) 9

وَفِي رَسَائل إِخْوَان الصّفَاء :

(( وَلَيْسَ غَرَضُ الأَنْبِيَاءِ فِي دَعْوَتِهِمُ الأُمَمَ، وَوَضْعِ الشَّرَائِعِ وَالسُّنَنِ، إِصْلاحَ الدُّنْيَا فَحَسْبُ، بَلْ غَرَضُهُم مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ نَجَاةُ النّفُوسِ الغَرِيْقَةِ مِنْ بَحْرِ الهيولى، وَالعِتْقُ لَهَا مِنْ أَسْرِ الطَّبِيْعَةِ، وإِخْرَاجُهَا مِنْ ظُلُمَاتِ الأَجْسَامِ إِلَى أَنْوَارِ عَالَمِ الأَرْوَاحِ، وَالتّنْبِيْهُ لَهَا مِنْ نَومِ الجَهَالَةِ ....)) 10

وَلَيْسَ قَوْلُهُ :

(( هل بدايةُ إبليس من نار السّموم أم من ظلمة الاعتراض ؟ فقد يكونُ المكزون في تصوّره قريباً من الحكاية القرآنية ؛ أو أنّه فهمَ رمزيَّتها بصورة دقيقةٍ، فاعتبر الاعتراضَ تصوّراً للملائكة...)) 11

مِمّا يُخَصَّصُ بِالمَكْزُوْنِ، فَقَدِ اُسْتُعْمِلَتْ هَذِهِ الأَلْفَاظُ قَبْلَهُ، وَمِنْهَا قَولُ الإِمَامِ الجيلاني :

(( لَمَّا سَمِعَتِ المَلائِكَةُ بِآذَانِ العُقُولِ قَوْلَهُ تَعَالَى: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [ سورة البقرة 30 ] .وَلَمَعَ لَهَا مِنْ أُفُقِ العِنَايَةِ بَرْقُ المَجْعُولِ بِيَدِ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي [ سورة الحجر29] . قَالَتْ : إِلَهَنَا، أَيْنَ يَكُونُ هَذَا الخَلِيْفَةُ ؟.

قَالَ : فِي نُقْطَةِ خَطّ الأَرْضِ . قَالَتْ بِلِسَانِ الاِعْتِرَاضِ : أَتَجْعَلُ فِيهَا [ سورة البقرة 30 ] . كَيْفَ لَمَعَ هَذَا البَارِقُ مِنْ سَحَابِ التُّرَابِ ؟ هَلِ التُّرَابُ إِلاّ مَحَلّ الظُّلْمَةِ ؟ هَلِ الصّلْصَالُ إِلاّ مَرْكَزُ العَيْبِ لا الغَيْبِ ؟.))
12


 


  • 1 معرفة الله والمكزون 1\ 374 .
  • 2 عين اليقين للكاشاني 2\371ـ 372 ـ 373 .
  • 3 معرفة الله والمكزون1\ 255 ـ 256.
  • 4 الكافي8\ 219، وفي بحار الأنوار مج5\ 87، 105، وفي تفسير العيّاشي 1\52، وفي تفسير الصافي 1\ 107، وفي مجمع البيان 1 ـ 2\ 190، وفي الميزان في تفسير القرآن 8\ 62. مع اختلاف في ألفاظه .
  • 5 التبيان في تفسير القرآن 1\150، وفي مجمع البيان 1ـ 2\190، وفي تفسير ابن كثير 1\114، وفي المحرر الوجيز 1\245 ـ 246، وفي تفسير القرطبي 1\438 ـ 439 وفي تفسير الطبري 1\257، وفي تفسير البغوي 1\33، وأشار إليه الجزائري في النور المبين في قصص الأنبياء 45. وكأنه مختصر ما ورد في التبيان ومجمع البيان، وانظر مواهب الرحمن في تفسير القرآن 1\235.
  • 6 رسائل إخوان الصفا 2\21.
  • 7 المظاهر الإلهية 69.
  • 8 معرفة الله والمكزون 1\375.
  • 9 مشارق أنوار القلوب 10 .
  • 10 رسائل إخوان الصفاء 4\28 ـ 29.
  • 11 معرفة الله والمكزون 1\373.
  • 12 بهجة الأسرار ومعدن الأنوار20.