النفوس قبل الأجساد

أُضيف بتاريخ الجمعة, 21/08/2015 - 15:14

النفوس قبل الأجساد


وَمِنْ أَوْهَامِهِ قَوْلُهُ :

(( بهذا الصّعود يعرف ما يقابل الأعضاء الحسية من مظاهر العقل ومقامات قدسه؛ ولكنَّ تلك المظاهر القدسية غير المحسوسة تحاكي الأعضاء المحسوسة، وهذه مشكلة ؛ كيف يُشابِهُ المحسوسُ غيرَ المحسوس ، وغيرُ المحسوس رتبةٌ أو رتبٌ علويّةٌ نورانية، أو ملائكةٌ روحانية ...؟.

هذا السؤال يضع المكزون على قمّةِ الصّعودِ من المحسوس إلى غير المحسوس،ولكنّه يُعيده نزولاً من النورانيّ غير المحسوس إلى الجسماني المحسوس ... كيف؟.

يَطرح المكزونُ ما يُسمِّيه مقامات التجلّي ، ويقصد بذلك أنَّ النفوسَ،قبل أن تُصبحَ ذوات أجساد،كانت ملائكةً؛ ثمَّ إنّها بعد الهبوط من عالم الملكوت غير المحسوس ،إلى العالم الحسِّي ، صارت لها هذه الأعضاء الحسية ، وصارت هذه الأعضاء ما كان يقومُ بوظائفها في عالَم القدس ..

ويفسِّرُ هذا ما ختم به النص من (( أنَّ لكلِّ رتبةٍ من العالم النورانيِّ في الكون حكم ذلك العضو الذي دلَّ عليها في البدن ..)) .))
1

بَيَانُ الوَهْمِ

لا تَتّسِعُ قِمّةُ الصُّعُوْدِ الّتِي قَالَ فِيْهَا المُؤَلّفُ : (( هذا السؤال يضع المكزون على قمّةِ الصّعودِ من المحسوس إلى غير المحسوس .)). لِرَاغِبٍ فِيْهَا، إِلاّ أَنْ يَتَدَافَعَ القَوم .

وَذَلِكَ، لأَنَّ هَذِهِ المَقَالَةَ مِنَ الشّائِعِ الّذِي لا يُعَدُّ المُسْتَدِلُّ بِهِ فِي القَرْنِ السّابِع صَاعِدًا فِي سُلّمٍ ، وَلا رَاقِيًا إِلَى جَبَل، وَمِنْهُ فِي الرّسَالَةِ الجَامِعَة :

(( وَالغَرَضُ المَقْصُودُ إِلَيْهِ فِي رِسَالَةِ الإِنْسَان عَالَمٌ صَغِيْرٌ الّذِي عَلَيْهِ دَلَلْنَا، وَإِلَيْهِ بِالقَولِ أَشَرْنَا، هُوَ الإِخْبَارُ عَنْ حَالِ الأَنْفُسِ البَسِيْطَةِ قَبْلَ تَشَخّصِهَا وَاتّصَالِهَا بِالأَجْسَامِ الجُزئِيّةِ وَالأَشْخَاصِ الحِسّيّةِ، وَعِلّة اتّصَالِها بِهَا مُدّةً مِنَ الزّمَانِ، وَحَال مُفَارَقَتِها عِنْدَ بُلُوغِ نِهَايَتِهَا وَاسْتِكْمَال فَضَائِلِها ...)) 2

وَمِنْهَا :

(( أَنّ البَارِي ـ جَلَّ وَعَزَّ ـ جَعَلَ الأُمُورَ الجِسْمَانِيّةَ المَحْسُوْسَةَ كُلّهَا مِثَالات وَدَلالاتٍ عَلَى الأُمُورِ الرُّوْحَانِيّةِ العَقْلِيّةِ، وَجَعَلَ طَرِيْقَ الحَوَاسِّ دَرَجًا وَمَرَاقِيَ، يُرْتَقَى بِهَا إِلَى مَعْرِفَةِ الأُمُوْرِ العَقْلِيّةِ الّتِي هِي الغَرضُ الأَقْصَى فِي بُلُوغِ النّفْسِ إِلَيْهَا ، فَإِنْ أَرَدْتَ يَا أَخِي ـ أَيَّدَكَ اللهُ وَإِيّانا بِروحٍ مِنهُ ـ أَنْ تَبْلُغَ إِلَى أَقْصَى المَطْلُوْبَاتِ، وَأَشْرَفِ الغَايَاتِ، الّتِي هِيَ الأُمُورُ العَقْلِيّةُ، فَاجْتَهِدْ فِي مَعْرِفَةِ الأُمُورِ المَحْسُوسَةِ، فَإِنّكَ بِذَلِكَ تَنَالُ الأُمُورَ العَقْلِيّةَ بِالمُشَاهَدَةِ وَالعِيَانِ .....)) 3

وَمِنْهَا :

(( فَرُؤسَاءُ الضّلالِ هُمْ سَمعُ الّذِيْنَ أَضَلّوهم وَأَبْصَارُهُم وَأَفْئِدَتُهُم، وَأَمْثَالُ الأَعْضَاءِ الّتِي فِي أَجْسَامِهِم، وَهُم جُلُوْدُهُم، وَكَذَلِكَ رُؤسَاءُ الّذِيْنَ آمَنُوا وَاتّقوا أَيْضًا سَمْعُهُم وَأَبْصَارُهُم وَأَفْئِدَتُهُم، وَأَمْثَالُ رُؤسَاءِ أَعْضَاءِ أَجْسَامِهِمُ الطّاهِرَة ...)) 4

وَفِي مَشَارق أَنْوار القُلُوب :

(( وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ التّآلُفِ، التّعَارفُ الأَزَلِيُّ فِي عَالَمِ الغَيْبِ، فَمَنْ تَحَقّقَتْ نِسْبَتُهُ هُنَالكَ، ظَهَرتْ هُنَا، إِذ العَالَمُ الأَسْفَلُ ظِلٌّ للعَالَمِ الأَعْلَى، وَهَذِهِ الأَشْبَاحُ أَمْثِلَةٌ لِتِلْكَ الأَرْوَاحِ، فَمَا مِنْ صُوْرَةٍ فِي عَالَمِ الشّهَادَةِ إِلاّ وَهِيَ مِثَالٌ لِذَاتٍ رُوْحَانِيّةٍ مِنْ عَالَمِ الغَيْبِ، فَإِذَا تَحَرّكَتْ تِلْكَ الحَقِيْقَةُ هُنَالكَ؛ لَزِمَ أَنْ يَتَحَرّكَ مِثَالُهَا هُنَا ....)) 5


 


  • 1معرفة الله والمكزون 1\329ـ 330.
  • 2الرسالة الجامعة 259.
  • 3الرسالة الجامعة 380، وانظر رسائل إخوان الصفا 3\246.
  • 4الرسالة الجامعة 452ـ 453.
  • 5مشارق أنوار القلوب32.