ثامناً : العلامة الشيخ سليمان الأحمد (قده) – المجاهد الشيخ صالح العلي (قده)

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 10/11/2010 - 18:02

أتوا على ذكر العلامة الكبير الشيخ سليمان الأحمد (ق)  وقالوا عنه : ( سليمان أحمد شغل منصباً دينيّاً في دولة العلويين عام 1920 م ) .
أقول :
إنّ ذكرهم للعلامة بإيجاز مُقتضب مع حفظ اللقب لا يَخلو من الإزدراء الواضح ، وكأنّهم أرادوا التقليل من قيمَته، والحَط من مكانته ولكنه (ق) بما أفاض الله عليه من وافر النِعَم وسِعَة العِلم فإنّه أرفع من أن تناله ألسِنَةُ الحاسدين والحاقدين، وإسقاط لقب رجل الدين المعروف به من قبل الآخرين دليل على عدم تأدّبهم بآداب العلم.

» أما قولهم أنّ العلامة : ( شغل منصبا دينياً في دولة العلويين عام 1920 م ) .
فكلامٌ بعيدٌ عن الصواب ولا يخلو من غايات سيئة. والصواب هو كما قال الأستاذ الأديب والعالم الأريب فضيلة الشيخ محمد حسن شعبان ( كان من تلامذته ومن الموثوقين عنده ) قال :

عُيّن سماحته رئيساً لمحكمة الإستئناف والتمييز الشرعية سنة 1918 ميلادية في عهد المغفور له الملك فيصل كما في المقدمة ولما انطوى العهد الفيصلي عن أرض سورية وجاء الإستعمار البغيض، استقال من رئاسة المحكمة ورفض كل عرضٍ ومساومةٍ للرجوع عن الإستقالة، وانصرف لمهامه الإصلاحية التي بدأها وإتمام رسالته التي ألزمها نفسه يدعو شعبه للإلفة والمحبة، ولكن المُستعمر أخذ يُؤَلّب الشعب بعضه على بعض ويزرع بينهم بذور الفتنة والشقاق بشتى الأساليب فأغرى بعض الجَهلة بالسطو على بعض إخوانهم والسلب لمواشيهم ونهب محتوياتهم، فطلع فضيلته بفتيا على الجُناة العادين على إخوانهم برد الأسلاب. نثبتها هنا كوثيقة تاريخية.
(إلى سائر إخواننا من أهل الولاية
إنّ هذه الفوضى خارجة عن الدين والإنسانية معاً فالواجب على كل من يؤمن بالله واليوم الآخر ويُوالي العِترة الطاهرة أن يبذل وسعه لإرجاع هذه المَسلوبات إلى أربابها، ومن مَنعته الجَهالة والعَصبية عن الإنقياد إلى أمر الله وطاعة المؤمنين فليُهجر ولا يُعاشر، ولا يجوز أن تقبل منه صدقة ولا زكاة ولا يُصلّى عليه إذا مات حتى يفيء إلى أمر الله، وبما أنه لا قوّة لنا على تنفيذ أحكام الشرع الحنيف في هذه المسألة فلنفعل ما يجب علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر لئلا نقع تحت طائلة الوعيد، فإن المُنكر إذا فشا عمَّت عقوبته الحلماء والسفهاء، الحلماء لترك النهي ، والسفهاء لعدم التناهي، وإذا وُجد من المشائخ من يتساهل مع أهل الجهالة يُعامل معاملتهم – اللهم إنّا نبرأ إليك من هذه الأعمال الجائرة وممّن يقرّها، ولا حول ولا قوة إلا بالله ... الخ).

  هذا التعريف المختصر بحياة العلامة من قبل بعض معاصريه يوضح لنا عدّة نقاط :

» أولا: سنة 1918 م لم يكن هناك ما سُمّيَ بدولة العلويين التي فرضها الإستعمار الغاشم لعزل العلويين عن إخوانهم في العروبة والإسلام.
» ثانياً : لم يكن الفرنسيون حينما عُيّن العَلّامة في هذا المنصب قد دخلوا سورية بعد.
» ثالثاً : يتّضح لنا بأنّ أصحاب هذه الموسوعة يُطلقون الكلام على عَواهنه من دون نظرٍ فيه أو تدبّرٍ لمعانيه، غايتهم الإساءة إلى هذه الطائفة الكريمة، وليوهموا القرّاء بأنّ العلّامة كان راضياً عن إقامة دولة العلويين وهذا ما لا أساس له من الصِحّة لأنّ من أكبر أسباب إستقالته هو طلب الفرنسيين منه تشجيع إقامة هذه الدولة وتأييدها، بصفته أكبر مرجعية للعلويين في وقته، فكان رفضه (ق) صَفعة مُدوّية على جبين الإستعمار، أذل بها كبرياءهم ومَرّغ أنوفهم.

ويحاول أصحاب هذه الموسوعة وغيرهم القول بأنّ العلويين كانوا راضين راغبين في إقامة دولة لهم وذلك بتمرير بعض الإتهامات الكاذبة كالقول بأنّ العلويين ( كانوا دائماً وأبداً مع كل غازٍ لهذه البلاد العربية )

  ولهذا نقول لأولئك المتقولين علينا ما لا نقول :

إليكم هذه الوثيقة التاريخية التي تدحض هاتين الوصمتين وهي كلمة قالها السيد إحسان بك الجابري 1 في تقديمه لكتاب ( تاريخ الثورة العلوية ) تأليف الأستاذ عبد اللطيف اليونس وصاحب الكلمة كان على اطلاع تام بجميع أحوال الثورة ووضعها والمراحل التي مرّت بها والنتائج التي أسفرت عنها.

وثيقة تاريخية حول المجاهد الشيخ صالح العلي(ق)

إنّه من الصعب أن يعرف المرء أهميّة الثورة التي قام بها الشيخ صالح العلي - من الوجهتين المادية والمعنوية- قبل أن يعلم نوايا الفرنسيين الحقيقية ومقاصدهم الإستعمارية التي دفعتهم إلى دخول الحرب الكبرى بقصد الإستيلاء على ممتلكات في حوض البحر الأبيض المتوسط وخاصة سوية ولبنان اللذين كانت تعتبرهما فرنسا مركز إشعاع لمدنيتها وثقافتها في سائر أنحاء الشرق.

ولمّا وقف الإنكليز - أوّلا - في وجه مطامع الفرنسيين في جميع المؤتمرات والمفاوضات كان هؤلاء يزعمون أنّ السوريين واللبنانيين ينتظرون جيوشهم بفارغ الصبر!!
وأنه لا يوجد في البلاد السورية واللبنانية من يرفض انتدابهم واحتلالهم!!
وقد أثبتت الوقائع فيما بعد بطلان هذه الإدعاءات والإفتراءات وبرهنت على أنّ الشعب السوري بأسره يرفض أي انتداب أو احتلال.

ولهذا فقد كانت ثورة الشيخ صالح العلي صدمة عنيفة لإدعاء الفرنسيين وتبجّحهم وغرورهم. وكان لها – بالنسبة للفرنسيين- صدى سيء في المحافل الأوروبية جمعاء. وقد مُنيَ دعاتهم بخيبة مريرة وإخفاق شديد.

ولقد كنا في جنيف نجابه الفرنسيين بذكر الثورة العلوية حينما يزعم دُعاتهم المغرضون بأنّ العلويين يكرهون الوحدة ويريدون الإنفصال. والذي يُقيّض له الإطلاع على سجلات جامعة الأمم يرى أننا كنا نستشهد بثورة الشيخ صالح العلي لدحض المفتريات الفرنسية ومزاعمهم ضد العلويين خاصة والسوريين عامة.

من هذا، وهذا وحده، يستطيع القارئ أن يُدرك مدى انتفاعنا من تلك الثورة العنيفة التي دامت ماينوف عن الثلاث سنوات.

وإنّ من أعظم مزايا ثورة الشيخ صالح العلي أنها استمرّت مايُقارب السنة بعد خروج الملك فيصل من الشام، وانقطاع المساعدات المنظمة عن الثورة. ولم يكن لها ما يُغذّيها في فترة تلك السنة الأخيرة إلا إيمان الشيخ صالح، وثباته ومتانة عقيدته، وما أزال أحتفظ بين مذكراتي ببعض الرسائل التي كانت تردنا من دمشق وهي مملوءة بالعزيمة الصادقة والإخلاص الشديد.

وثمّة منافع أخرى كثيرة أتت عن طريق تلك الثورة ودلّت على أنّ فائدتها لم تنحصر ضمن نطاق معيّن. ومن ذلك الثورات التي قامت بعدها في جبل الدروز وجبل الزاوية وجبل عامل والغوطة وحماة وبقية المناطق الأخرى والتي لم تكن إلا بمثابة تموّجات طبيعية للثورة الأولى التي أطلقها الشيخ صالح العلي رصاصتها الأولى.

ولو كانت اليقظة العربية مثلها اليوم لما تخلل تلك الثورات ماتخللها من فترات الهدوء والسكينة. ولكان مصير فرنسا الذي تقرر منذ عامين قد تقرّر منذ عشرين عاماً.

والذي يبعث على تقدير الشيخ واحترامه أنّ ثورته كانت بعيدة عن الإستثمار وأنّ شخصه كان أرفع من أن تؤثر به المغريات الماديّة، والمؤثرات السياسية. أو أن تُخرجه من عزلته للإستفادة التي كانت تُعرض عليه في كل مناسبة ويُعرِض عنها بكل شرفٍ وإباء.

وهو لم يتلكأ عن القيام بواجباته الوطنية حينما كانت المصلحة العامة تدعوه إلى ذلك، بل كان يقوم بها خير قيام ويؤديها خير أداء.
وقد لقيتُ منه يوم كنت محافظ اللاذقية في أصعب الظروف وأقسى الأحوال أصدق معونة وأنبل إخلاص.
أمدّ الله في عمر الشيخ صالح العلي وعمر رفاقه المجاهدين وحفظهم وحفظ البلاد العربية من كل أذى ومكروه والله جل جلاله لا يُضيّع أجر من أحسن عملا.

إحسان الجابري.

لو نظر مُنصف إلى هذه الكلمة الصادقة والغنية بالحقائق الثابتة لتبيّن له وبكل وضوح الأمور التالية :

  • أولاً:   أنّ المسلم العلوي كان وسيبقى دائما وأبداً ضد كل غازٍ لهذه البلاد العربية والإسلامية. وأنّه وبإصرار شديد يرفض كل تجزئة للوطن العربي. ولم يكن يوماً مع الإنفصال عن بقيّة إخوانه العرب والمسلمين. ولم يرضخ لمخططات أعداء الدين والوطن فلا يثنيه عن مبادئه الترهيب، ولا يغريه الترغيب.
  • ثانياً:   يُبيّن لنا الوثيقة أنّ ثورة المجاهد الكبير الشيخ صالح العلي رحمه الله حطّمت كبرياء الفرنسي وأذلته وكانت شاهداً حياً على عروبة العلوي وصدق إسلامه. وبرهانا على قدسيّة الجهاد عنده. وحافزاً على قيام ثوراتٍ عديدةٍ. وأخيراً وليس آخرا تكذيباً للمتخرصين ورداً على افتراءاتهم.
  • 1 إحسان بك الجابري كان محافظ اللاذقية في عصر الإنتداب خلفاً للسيد مظهر أرسلان وقد كان الجابري يتبع سياسة تمزيق العلويين وقد أساء معاملتهم بصورة مباشرة وخلفه على هذا المنصب السيد شوكت العباس.
    وقد اخترت شهادة الجابري بوطنية العلويين كمُستند تاريخي للأسباب التي ذكرتها حوله، فشهادة البعيد في هذه القضايا الحساسة أفضل من شهادة القريب وأقوى حجّة...