تاسعا: سليمان المرشد

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 10/11/2010 - 18:02

ذكروا سليمان مرشد وقالوا عنه أنّه:
( كان راعي بقر، لكن الفرنسيين احتضنوه وأعانوه على ادّعاء الربوبية، كما اتخذ له رسولا "سليمان الميدة" وهو راعي غنم، ولقد قضت عليه حكومة الإستقلال وأعدمته شنقاً عام 1946م ) .

هنا لا بد لي من القول أنّ الفرنسيين لم يَحتضنوه ويُعينوه فقط، بل هم الذين ابتكروا هذه الفكرة الخبيثة، وروّجوا لها وزمّروا وطبّلوا، وملأوا الدنيا ضَجيجاً وعَجيجاً، وذلك تشويهاً لسُمعة العلويين وإلحاق الأذى بكرامتهم، وليوَهّمُوا الآخرين بأنّ العلويين يعبدون رجلاً، والعياذ بالله من هذا الإدّعاء الفاسد، والرأي الحائد.

ونحمد الله من أنّ أصحاب هذه الموسوعة اعترفوا بألسنتهم أنّ للفرنسيين اليد الطولى في هذه المهزلة المقرفة والمضحكة معاً، ولكن ما نستغربه هو إدراجهم لاسمه بين الشخصيات العلوية البارزة، وهذا أمرٌ تعمّدوه مرّات عدّة قد نوّهنا على ذلك سابقاً، والغاية من إدراج اسمه في قائمة الشخصيات العلوية واضحة ومكشوفة، فالقوم أرادوا أن يقولوا إنّ لهذا السليمان شأناً عند العلويين، وهذا أمرٌ بعيدٌ عن الواقع بُعدَ السماء عن الأرض. ولا يقرّه علويٌّ صغيراً كان أم كبيراً.

مقالة الشيخ أحمد اسماعيل الرقمة حول سليمان المرشد

في الماضي القريب كتب أحد العلماء العلويين مقالة تتعلق بهذه القضية، وهو فضيلة الشيخ أحمد اسماعيل (الرقمة) أطال الله عمره 1 وقد نشرت هذه المقالة في مجلة العرفان اللبنانية (المجلد 33 سنة 1366هـ تحت عنوان: "مات ولم يمت"

قال الشيخ أحمد اسماعيل :

مات (المرشد) وقدِمَ إلى ما قَدِمَ ولم تمت حسيكة القلوب التي هبّ أوارها وطار شرارها في أصقاع العالم الأرضي واستطالت يد سلطانها الجائر المستبد إلى أقصى المعمور.

مات (المرشد) ولم تمت دعاة السوء الذين أفسدوا أو كادوا أن يُفسدوا على الأمة دينها ودنياها ولم يقضِ على العادات ولم تستأصل الحزازات التي طغت على العدالة الحقة وطمست الحقائق الراهنة وثلمت الصفوف العربية ومزّقت الملة الإسلامية وكادت تقضي على الطائفة العلوية لولا وجود بعض المنصفين الذين يعملون لله والوطن.

أجل مات (المرشد) وطالما قرأنا الكثير وسمعنا ما يفوق حد الكثرة من المقالات الطنانة التي ملأت الدنيا دويّاً ولعبت شوطا بعيداً في دنيا العالم وذلك مِمّا أملاه وجدان العائثين ودبّجته أيدي الظالمين في حقنا العلويين بسبب ذلك الظالم الغاشم الذي مضى لسبيله...

... ولطالما تصاممنا وما بنا من صمم وتغاضينا عن كثير من الأقوال التي ما أنزل الله بها من سلطان وأعرضنا عن تلك السفسطات الفارغة والسخريات اللاذعة الحمقاء وقابلناها بفارغ الصبر وسِعة الصدر وكم بتنا نتشوق بكل جوارحنا إلى ما يقولُهُ أهل العدالةِ والإنصاف في حقيقة هذه البدعة السيئة ولكن من هم وأين هم؟؟.

نعم مات (المرشد) ولكن لم تمت الوصمة التي وُصِمنا بها والتهمة التي لوثنا بها أولئك العائثون في آدابهم العاملون لخراب بلادهم الذين ملأوا الدنيا صراخاً في هجر الأقوال وأوسعوا الدعابات الكاذبة سيَّما بعض الصحفيين الذين يطرحون الكلام على عواهنه فقد تقوّلوا علينا وأجازوا في حقنا القول الشنيع الذي يأباه الله ورسوله ولا يقرّه الإسلام ولا يرضاهُ الإيمان.

فإنا لله وإنا إليه راجعون - أما كان في وسعهم أن ينقلوا أضاليل هذه البدعة على صحّتها ويؤثرون الحق الذي به تعرف الرّجال على الباطل الذي لا تقوم به قيامة ولا تحمد له عاقبة.

أما والله إنّ في أقوالهم هذه خروجاً على الدين الصحيح وليست أقوال ذي وجدان. وقد شوّهوا وجه الحقيقة والتاريخ بهذه الدسائس المحرّمة - فيا لها من جرأة على الإنسانية أجمع. وما أعظمها من فِرْيَة وأكبرها من جريمة لا تغتفر -

ويا للعجب مرة ويا للغرابة الف مرة. أصحيحٌ أنّ كل هؤلاء القائلين يعتقدون أو يظنون أنّ العلويين يعتقدون أنّ (سلمان مرشد) رب - معاذ الله وكلا - ولكن لا شك أن التعصب يَعمي البصير عن رؤية الحق المنير (إنما تنجح المقالة في المرء إذا صادفت هوىً في الفؤاد) والله يعلم وأكثر القائلين يعلمون إننا من هذه التهمة بُريئون وما نراها إلا بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار ولنا في رسول الله (ص) أسوة حسنة وسبيلنا في ديننا الثقلان اللذان قال فيهما (ص) :

"إني مخلّفٌ فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض"

وقد أمرنا بالإقتداء بهما بقوله (ص) : اقتدوا بالذي بعدي.

ولا نرى في ديننا إلا ما ثبت لدينا بالنقل الصحيح المتواتر عن أهل بيت رحمته (ع) الذين قال فيهم (ص):

"أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق"...

والله من وراء القصد.

في هذه الكلمة الصادقة خير دليل على ما نوّهنا عنه سابقاً من أنّ قضية (المرشد) لا علاقة للعلويين بها بل هي وليدة المكر الإستعماري الفرنسي.

وبعد انتهاء أصحاب هذه الموسوعة من ذكر أبرز الشخصيات العلوية (كما يقولون) راحوا يبحثون في الأفكار والمعتقدات، فنسبوا إلينا خليطاً غير متجانس من الإعتقادات المتناقضة فيما بينها، والبعيدة عن العقيدة الإسلامية العلوية الحقّة المُصرّح بها من قبل علمائنا الثقاة، وقد نقلوا هذه المفتريات كما ذكروا عن الشهرستاني، وابن تيمية، والأذني، ومحمد الطويل، ومصطفى الشكعة، ورينيه دوسو، وبروكلمان، وصابر طعيمة، والحسيني عبد الله، ومحمد فريد وجدي، وغيرهم من الذين أكل الحقدُ قلوبهم، واستولى عليهم وعلى ضمائرهم سلطان التعصب المقيت، وتعرّش في نفوسهم حبُّ الفتنة البغيضة، فأعاذنا الله مِمّن هذه صفاتهم وأخلاقهم.

وبما أنّ أصحاب هذه الموسوعة اعتمدوا فيما كتبوا عن هؤلاء الكتـّاب المشبوهين فلا داعي للرد عليهم لعدم الثقة في كتاباتهم، ولكن لا بُدّ من الوقوف على أمرٍ واحد قد أتوا على ذكره، وهو قولهم:

اتفق علماءُ المسلمين على أنّ هؤلاء النصيريين لا تجوز مناكحتهم، ولا تُباح ذبائحهم، ولا يُصلّى على من مات منهم، ولا يُدفن في مقابر المسلمين، ولا يجوز استخدامهم في الثغور والحصون.

وهنا نسأل ويحق لنا ذلك:

  • من هم العلماء الذين اتفقوا على هذه الأكاذيب والكبائر التي تنص على تكفير قوم أسلموا للهِ خالص اعتقادهم؟.
  • ولماذا لم يذكروا لنا أسماءهم وصورة هذا الإتفاق، والحجج التي استندوا عليها؟.
  • وفي الحقيقة التي يُقرّها المنصفون فلا يوجد من هؤلاء (العلماء) سوى ابن تيمية، الذي أطلق هذه الفِرْيَة، وقد صرحوا بذلك حينما ذكروا قسماً من فتواه الجائرة التي هي عن الحق نافرة.
  • 1 العالم الجليل الشيخ أحمد إسماعيل من كبار العلماء العلويين في سوريا، شاعر وأديب وفقيه محدّث، ولد سنة 1329هـ في قرية الرقمة التابعة لمحافظة طرطوس، قضى حياته وما زال في العلم والتعليم ، له مقالات واشعار عديدة، ومراسلات مع كبار علماء الشيعة، أطال الله لنا بعمره الشريف...