الدكتور عبد الهادي الفضلي وما كتبه عن المسلمين العلويين

أُضيف بتاريخ الأحد, 14/11/2010 - 17:00

قدّم لنا هذا الدكتور كتاباً قيّماً أطلق عليه إسم "خلاصة علم الكلام" وفيه تناول مباحث هذا العلم الشريف، فعرّف منهجه، وشرح مصطلحاته، وأوضح موضوعاته، وفائدة دراسته.

ومن المعلوم عند أهل العلوم أنّ هذا العلم يبحث في أصول الدين 1 الواجب معرفتها عند سائر المسلمين، وهذه الأصول لا تـُؤخذ إلا باليقين لا بالظن والتخمين، ومعرفتها تقوم على الدليل القاطع، والبُرهان الساطع، وتفصيلُ ذلك يطول، ويحتاج إلى عدّة فصول، فليُطلب من الكتب المختصة به.

وبعد هذا البيان أقول وبالله المستعان:
أنّ هذا الكاتب أفاد في كتابه وأجاد، وأوضح من هذا العِلم المُراد، ولكنـّه وللأسف الشديد وجّه إلينا طَعنة لم تكن بالحُسبان وخصوصاً منه، بصفتِه إماميُّ المذهب، علويُّ المشرب، وهذه الطَعنة أورَدَها في بَحثه الذي أطلق عليه "نفي الإتحاد" المُدرج في باب العدل. حيث يقول:

الإتحاد: هو أن يصير شيئان أو أكثر شيئاً واحداً غير زيادة ولا نقصان، هذا علمياً.
واعتقاداً: هو الإيمان باتحاد وليٌّ من أولياء الله نبياً كان أو إماماً أو غيرهما بالله تعالى.

وممّن قال به من المسلمين: النصيريّة . قالوا إنّ الله اتـّحد بعلي. واستدلّوا على ذلك بأنّ "ظهور الروحاني بالجسد الجسماني أمرٌ لا ينكره عاقل.
أمـّا في جانب الخير فكظهور جبرائيل (ع) ببعض الأشخاص والتصوّر بصورة أعرابي، والتمثـّل بصورة بشر.
وأمـّا في جانب الشر كظهور الشيطان بصورة إنسان حتى يعمل الشرّ بصورته، وظهور الجن بصورة بشر يتكلم بلسانه.
فكذلك نقول أنّ الله ظهر بصورة أشخاص.
ولمـّا لم يكن بعد رسول الله ص شخصٌ أفضل من علي ع وبعده أولاده المخصوصون، وهم خيرُ البريـّة، فظهر الحق بصورتهم، ونطق بلسانهم وأخذ بأيديهم.
فعن هذا أطلقنا إسم الإلهيـّة عليهم.
وإنـّما أثبتنا هذا الإختصاص لعلي ع دون غيره، لأنـّه كان مخصوصاً بتأييد إلهي من عند الله تعالى فيما يتعلق بباطن الأسرار، قال النبي ص : (أنا أحكمُ بالظاهر والله يتولى السرائر) .
عن هذا قتال المشركين إلى النبي ص وقتال المنافقين إلى علي ع.
وعن هذا شبّهه بعيسى بن مريم ع فقال النبي ص : ( لولا أن يقول الناس فيك ما قالوا في عيسى بن مريم ع لقلت فيك مقالاً ) . 2

فأقول

إنّ هذا الإتهام نقله عن الشهرستاني برُمّته، وهو أمرٌ مُستغربٌ منه لعِلمه بعَدَم قِيمة أقواله، فالشهرستاني مشكوكٌ بنزاهته، مطعونٌ بعقيدته، معروفٌ بتعصـّبه، وقد عقـّب على قسم من أقواله العلاّمة الشيخ عبد الحسين الأميني صاحب موسوعة "الغدير"، وجرحه، وسجّل عليه مآخذ وسقطاتٍ تدلّ على جهله، وعدم نزاهته.

ولهذا أستغرب من الدكتور الفضلي نقله عنه واستناده إليه، وتوثيقه لأقواله. من دون أن يناقشها، أو يعرضها ويُقابلها مع تصريحات العلماء العلويين.

ومن جهة أخرى لقد أوقع نفسه بتناقض كبير كان يستطيع تجنـّبه لو أنـّه تريّث في إصدار الأحكام، ونقل عقائد القوم من ألسنتهم، وأهمل مُفتريات الشهرستاني الكثيرة.

وهذا التناقض يبرز بوضوح في قوله:

وممّن قال به (أي الإتحاد) من المسلمين: النصيرية.

فقوله بأنّهم مسلمون يتناقض مع قوله: إنـّهم قالوا إنّ الله اتـّحد بعلي (ع)، لأنّ الإتحاد ليس من عقائد الإسلام والمسلمين، فمن قال به فليس مسلماً.

  • فإذا ثبت قولُهُ الأول وهو ثابت، ينتفي الآخر، وهذا هو الحق الذي أعلنـّاه مِراراً.
  • وإذا ثبت قوله الثاني وهذا محالٌ، انتفى الأوّل، وهذا هو الباطل الذي رفضناه تكراراً. والحق والباطل ضدّان لا يجتمعان، ونقيضان لا يتـّفقان.

فالمسلمون العلويون يُنزّهون الخالق عن صفات المخلوق، فكيف يجوز اتـّهامهم بالقول (إنّ الخالق يتـّحد بالمخلوق) ، فالإتحاد في مذهبنا ممتنع الحصول بالدليل المعقول والمنقول لأنـّه يتنافى مع التوحيد الذي هو أوّل الأصول من أصول الدين عندنا.

♦ وأقول: لو أنّ هذا الدكتور أمعن النظر الصحيح في نص الشهرستاني لتبيـّن له بوضوح تام ومن دون إبهام، تناقض اقواله الدالـّة على سقوط مفترياته.
ولكنـّه وللأسف نقل الكلام على علاّته وسيئاته، وهذا أمرٌ لا يتـّفق مع أصول البحث، وصفات الباحث، وخصوصاً في علم الكلام والذي هو من أجلّ العلوم.

  • 1 أصول الدين عند المسلمين العلويين خمسة وهم: التوحيد – العدل – النبوّة – الإمامة – المعاد.
  • 2 هذا النص نقله الكاتب الدكتور عبد الهادي الفضلي بكامله عن الشهرستاني صاحب كتاب الملل والنحل المليء بالأخطاء والعِلل.