موضوع الخطبتين:
- عن الغِيبة والنَميمة والسِعاية ..
- وعن العلّامة الشيخ سُليمان الأحمد رحمة الله تعالى ورضوانه عليه.
- وعن غنائم الحرب وفتوى العلّامة فيها..
الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (الحجرات 6)
قرأناها وحفظها كثيرٌ منا.. ما أكثر سماعنا لهذه الآية وما أقلّ عملنا بها..
ما أقلّ عملنا إذا جاءنا فاسق بنبأ، ما أقل تبيّننا للنبأ الذي يأتينا به، وما أكثر ما نستعجل في التشنيع قبل أن نتحقق ما جاءنا!
هذه الآية يجب أن تكون قانونًا ومقياسًا نسير عليه ونستضيء بنوره.. إذا جاءنا فاسق بنبأ أن نتبيّن لأن استعجالنا بالعيب واستعجالنا بالذم والقدح أعظم عند الله عز وجل من فعل العيب فإنّ خيرًا من الخير فاعله وإنّ شرًّا من الشر فاعله..
الخطبة الأولى:
ما أكثر جرأتنا على الله وعلى رسول الله وعلى هذا المذهب الشريف الذي ندّعي اتباعه حين يعيب بعضنا بعضا..
لا أدري عن أي إمام نأخذ حين نفعل هذه الأفعال! أننسى ما نحن فيه ونبحث عن عيوب غيرنا! وإذا وجدنا عيبًا لمخلوق أنجعل ذلك العيب حديثًا وننسى ما نحن فيه من أخطاء ومن عثرات! كيف يرجو أحدنا أن تصحّ وَلايته إذا آخا رجلاً ثم بعد هذا لم ينصح له وإنما جلس يحفظ ما يُخطئ فيه من أجل أن يُعنّفه به يومًا ما!
من سمع قول الإمام الصادق : (إنّ أقرب ما يكون العبد إلى الكُفر أن يُؤاخِيَ الرجل على الدين فيُحصي عليه عثراته وزلاته ليُعنّفه بها يومًا ما).
أين فاعل هذا من قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:
(وإنّما ينبغي لأهل العِصمَة والمصنوع إليهم في السلامة أن يرحموا أهل الذنوب والمعصية ويكون الشُكر هو الغالبَ عليهم والحاجزَ لهم عنهم، فكيف بالعائِب الذي عاب أخاه وعَيّره ببلواه، أما ذَكَرَ موضع سَتر الله عليه من ذنوبه ما هو أعظم من الذنب الذي عابَه به، وكيف يذمّه بذنبٍ قد ركب مثله، فإن لم يكن قد رَكِبَ ذلك الذنب بعَيْنه فقد عصى الله فيما سواه ممّا هو أعظم منه).
ولو افترضنا وهذا افتراضٌ من الخيال أنّ رجلاً لا يُذنب ولا يعصي الله عز وجل في صغير ولا كبير، يقول أمير المؤمنين :
(وأيم الله لإئن لم يكن عصاه في الكبير وعصاه في الصغير لجُرأته على عيب الناس أكبر، يا عبد الله لا تعجل في عيب أحد بذنبه فلعلّه مغفور له ولا تأمن على نفسك صغيرَ مَعصيةٍ لعلّك مُعَذّب عليه، فليَكفُف من عَلِمَ منكم عيب غيره لما يعلم من عيب نفسه وليكن الشُكر شاغلاً له على معافاته ممّا ابتُلي به غيره).
هذا أيها الأخوة لمن كان أميرُ المؤمنين علي بن أبي طالب أسوةً له وقُدوة..
ما بال ذلك العائب ترك ذنوبه وبحث عن ذنوب غيره! أفلا يدري لو أنّه يدري أنّ ذلك من الله عز وجل مَكرٌ واستدراج، ومن يأمن مَكر الله!.. يقول الإمام الصادق : (إذا رأيتم العبد مُتفقداً لذنوب الناس ناسياً لذنوبه فاعلموا أنّه قد مُكر به).
ذلك الإستدراج أيها الإِخوة في الذي جاءنا عن الأئمة الطاهرين أن يكون العبد عاصيًا ولكن الله عز وجل يُجدّد له النِعَم حتى تُنسيه تلك النِعَم أن يستغفر ربّه ممّا جَنَاه فإذا جاء عذاب الله عز وجل لم يكن له من مَرَدّ.
إن لم يكن أمير المؤمنين قُدوَةً، ولم يكن الإمام الصادق قُدوة فبمن نقتدي وعمّن نأخذ!؟ عمّن تأخذون!؟ وبأيّ إمامٍ تتوجهون إلى الله عز وجل وأنتم فيما أنتم فيه من أحقادٍ وأضغان؟!.
قال العلامة الشيخ سليمان الأحمد رحمة الله تعالى ورضوانه عليه آخذًا من هذه المعاني:
فعن أي إمام يا عباد الله نأخذ!؟
فعن أيّ إمام أيها العائِبُ المُتَقَوِّل قبل أن تتحقّق وقبل أن تتبيّن !؟
عن أيّ إمامٍ أنت تأخذ؟ وإلى أيّ إمامٍ أنت ترجع !؟
كيف وقوفك إذا سألك الله عز وجل عن ما أسلفت من غِيبةٍ ومن نميمة ومن سِعاية؟!.
ليَقُل أيها الإخوة كُلُّ قائلٍ ما يشاء، الذي شرح الله عز وجل صدره لدينه ولمحبة وصيّه فإنّه لا يَضُرّه ما قيل فيه، لا يَضُرّه ما يَطعن به فلان وفلان فإنّ الناس كما تعلمون يُكثرون الكلام بما لا يعلمون وما لا يعرفون وما سَلِمَ أحدٌ من هؤلاء، ما سلم أحدٌ من المتقوّلين..
تذكرون أنّ نبيّ الله موسى كان قد سأل الله عز وجل أن لا يذكره أحدٌ إلا بالخير فأوحى الله تعالى إليه: (يا موسى ما جعلت ذلك لنفسي).
ما جعل الله عز وجل لنفسه أن يسكُتَ عنه الناس، ولا يقولون فيه شيئًا، فكيف ترجو أيها المخلوق أن يسكُتَ عنك الناس ولا يقولون فيك شيئا إلا حَسَنا؟!. لم يجعل الله عز وجل هذا الشيء لنفسه.
ما نحن فيه أيها الأُخوة ينبغي لنا أن نُبيّنه لنعرف على أيّ طريق نسير وأين نمضي وكيف نتوجّه.. هذه السِعايات والوِشايات والنَّميمة والغِيبة والحِقدُ والحَسَد ليسوا من دين الله عز وجل في شيء، ومن زعم أنّه يتولّى عليًّا ثم يُقبل إلى الغِيبة والنَّميمة والسِعاية فهو مُتَوَهّمٌ في هذا الوَلاء لأنّ الله عز و جل حين أمرَ نبيّه أن يُبيّن للناس وَصِيّه أمرَ ذلك الوصيّ مَن أحبّه أن يقتدِيَ به، وما جُعل الأمر من أجل أن نقوله بألسنتنا دون أن يكون لنا فعلٌ يُصَدّق قولنا..
لقد أُسيء إلى كثيرين من علماء هذه الطائفة من بعض الجاهلين الذين لا يعرفون ممّا يقولون غير الحِقد والحَسد، كان منهم العلّامة الجليل الشيخ سُليمان الأحمد رحمة الله تعالى ورضوانه عليه وطالما دعا الناس وطالما حرّض الناس إلى الرجوع إلى مذهب آل البيت عليهم السلام:
كيف يتبيّن أيها الأخوة أنّ هذا يُحب فلانًا وأنّ هذا يكره فلانًا، أنلبس لباس الأعداء ثم نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أوليائه؟!..
وفي الحديث القُدسيّ: (قُل لعبادي لا يلبسوا لباس أعدائي ولا يطعموا طعام أعدائي لئلّا يُصبحوا من أعدائي). إن لم نخلع عنّا هذا اللباس الذي أُلقيَ علينا من بعض الجاهلين فكيف نرجو مخرجًا ممّا نحن فيه.. ما هذا من نشر العيوب:
الذي نحن فيه أيها الأخوة أننا إذا أحببنا أفرطنا، وإذا كرهنا أفرطنا، ولسنا في حبنا ولا في كرهنا على بيّنة من بُغضٍ ولا من ولاء.
(لا تثقنّ بأخيك كُلّ الثقة فإنّ صرعة الإسترسال لا تُستقال). وضربنا بذلك عُرض الحائط، ثم نرجع بعد هذا ونقول ما لنا أُصبنا في هذا وابتلينا بهذا..
يقول شيخنا العلامة الشيخ سليمان الأحمد رحمة الله تعالى ورضوانه عليه:
الذي ابتُلينا فيه أيها الأخوة من الأحقاد والأضغان يُذكرنا ما ابتُليَ به السابقون، وأنا أُريد أن أُكثر اليوم من الإستشهاد بشعر الشيخ سليمان الأحمد رحمة الله تعالى ورضوانه عليه لما كان له يوم كان في هذه الجبال من لا يُحسن القراءة لما كان له من مكانةٍ علمية عظيمة وجليلة بين المسلمين على اختلاف طوائفهم:
تابع مشاهدة الخُطبة الثانية لتعرف فتوى العلّامة في غنائم الحرب..
الخطبة الثانية:
الخطبة الثانية:
...أما بعد فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يكثر هذه الأيام أيها الإخوة من إذا خرج ليُقاتل رجَع وفي جُعبته من المتاع ما يَعُدُّهُ غنائم حرب!
هذه التي تُسمّى "غنائم حرب" يحملها بعضهم ليبيعها للناس على أنّ هذا من حقه، لأنه ذهب وقاتل وجاهد، فهو يحمل معه في بعض المَتاع ما لا يظن أنه يعيبه!
لقد وقعت أمثال هذه الأمور منذ زمن بعيد وطالما ذكّرنا ونبّهنا على أنّك إذا كنتَ توالي من فرض الله عز وجل وَلايته فليس لك أن تحمل شيئًا من متاع القوم. فإنّ الإمام الذي تُنسبُ إليه لادّعائك وَلايته، طالما قال: (فإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا، ولا تدخلوا دارا إلا بإذن، ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم، ولا تهيجوا امرأة بأذى، وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم وصُلَحاءَكم...)1 . فإذا كُنَّا مُتّبعين ومُصدّقين بهذا القول فإنّ من خالفه بما يعُدّه غنائم حرب ينبغي أن يُعَنَّف، وإن لم نستطع أن نُعَنّفه أن نُنكِرَ ما فعله بألسنتنا أو بقلوبنا.
لقد وقع من أمثال هذه الأمور أيّام العُدوان الفرنسي على سورية، وكان بعض الجاهلين قد حرّض بعض القُرى العلوية حتى أغارت على بعض قرى أهل السنّة. وأخذوا ونهبوا وسرقوا، فمنِ انتفض في ذلك الزمن ورَدَّ هذا ردًّا بيّنًا حفِظه التاريخ، كان العلامة الشيخ سليمان الأحمد رحمة الله تعالى ورضوانه عليه، وأنا أستقصي هذا من أجل أن أُبيّن للقوم الذين يفعلون هذا ويدّعون أنّ من المشائخ من أفتى لهم.
إذا جئناكم عن الصادق وعن أمير المؤمنين قُلتُم يُؤَوَّل! فكيف إذا جئناكم بكلام عن شيخ من كبار مشايخ هذه الطائفة، وهل كانت له منفعةٌ في ذلك!
كتب رحمة الله تعالى ورِضوانه عليه:
(إلى سائر إخواننا من أهل الوَلاية، إنَّ هذه الفوضى خارجةٌ عن الدين والإنسانية معًا -هذه السرقة وهذا الاعتداء، ونقل أساس البيوت ومَتاع الناس- فالواجب على كُلّ من يُؤمن بالله واليوم الآخر أن يبذِلَ وُسعَهُ لإرجاع هذه المسلوبات إلى أهلها، ومن منعته الجَهالة والعصبية من الإنقياد إلى أمر الله وطاعة المؤمنين فليُهجَر ولا يُعاشر ولا تُقبل منه صدقةٌ ولا زكاة ولا يُصَلّى عليه إذا مات حتى يفيئَ إلى أمر الله).
الذي يفعل هذه الأفاعيل يجب أن يُهجَر ولا يُعاشر ولا تُقبل منه صدقةٌ ولا زكاة ولا يُصَلّى عليه إذا مات حتى يفيئَ إلى أمر الله.
ثم عَلَّل رحمة الله ورِضوانه عليه أنه:
(لا طاقة لنا على تنفيذ أحكام الشرع الشريف فإنما نفعل ما يُمليه علينا الشرع الشريف من الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر لئلا نقع تحت طائلة الوعيد، فإنَّ المُنكر إذا فشى عمّت عقوبته الحلماء والسفهاء معا، فأمّا العقوبة تقع على الحًلماء لعدم النهي، وعلى السفهاء لعدم التناهي، وإذا وُجِدَ من المشائخ من يتساهل مع أهل الجهالة يُعامل مُعاملتهم، اللهم إنّا نبرأ إليك من هذه الأعمال الجائرة وممّن يُقِرُّها ولا قُوَّةَ إلا بالله العلي العظيم).
عن هذا أيها الأخوة، عن أمثال هذا الإمام العلامة الشيخ نأخذ، ومنه وهو أهلٌ لأن يُفتِيَ، وليس ممن لا يفقه من أمر دينه شيئًا. من ذلك الرجل الذي كان يُؤَرِّقُه ما حل في قومه، وكان يسهر الليالي متفكرًا:
بأمثال هؤلاء وعنهم أيها الأخوة نأخُذ، وليس عمَّن لا يفقه من كتاب الله شيئًا، ولا من سُنّةِ نبيّهِ شيئًا، إنّه ممّن قال فيه:
من أمثال هؤلاء الجاهلين الذين يحملون في أعناقهم دماء طائفة فيما يُفتون! مَن منكم يطّلع على الشابكة فلينظر في الأنترنيت، وليرى ما يُقال وليرى مقاطع الفيديو التي من عناوينها (استخفاف العلويين بالمساجد)، والتي من عناوينها (الجنس المُستباح عند العلويين)، والتي من عناوينها (اضحك على معتقدات العلويين)، وغيرها وغيرها وغيرها...
من كان يملِكُ هذه الوسيلة فليبحث عمّا ذكرته له، لنرى من يغار إذا رأى مثل هذه، ومَن يغضب لدينه!
إذا لم تكُن تُريد أن تغضب لدينك أفلا تغضب لأهلك، أفلا تغضب لانتسابك!
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
نسأل الله سبحانه وتعالى لنا ولكم ولجميع عباده المؤمنين أن يجعلنا ممن قد أخذ به إلى منهج الحق وأن نكون ممّن يسلُكُ بنا العلم على صراط سوي.
- 1تاريخ الطبري: ٥ / ١٠، الكامل في التاريخ: ٢ / ٣٧٠، الفتوح: ٣ / ٣٢ نحوه.
- 1465 views