خُطبتا صلاة الجُمُعة في 7 تشرين الثاني 2014م (فيديو)

Submitted on Thu, 15/10/2015 - 12:24
خُطبتا صلاة الجُمُعَة في 7 تشرين الثاني 2014م + (فيديو)

  موضوع الخطبتين: (نشكو الجفاء في القول والقسوة فيه – القول الليّن – الإقتداء بالأئمة ع - حُسنُ الخُلُق هو الذي يُكمِلُ الإيمان – الإعتناء بالبدن والإعتناء بالأخلاق – الإقتداء بالأئمة في الكفّ عن عيوب الناس – إصلاح النفس وتأديبها - مِقياس صِدقِ الرجل بأعماله وليس بكلامه)


  الخُطبة الأولى:

  نشكو الجفاء في القول والقسوة فيه إذا أراد أحدُنا أن يُنبّه أخاه على أمرٍ ما، أو أراد أخوهُ أن يُنبّههُ أو ينصحَ له، يشكو أكثرنا القَسوَة في الكلام، ويذهبُ بنا الظنُّ مَذاهِبَ شَتّى من أنَّ فُلاناً يجب أن يُقال فيه وأن يُقال له، وأن يكونَ الكلامُ فيه شديداً، ولو وصلَ إلى حدٍ يصعُبُ معه قَبولُ الكلمات.

  الذي جاء في كتاب الله عز وجل ولا سِيَّما في الحال التي يُرادُ فيها النُّصْحُ أو التنبيه على خطئ ما، أو يُرادُ منها أن يَدعُوَ الرجُلُ إلى أمرٍ صحيح، ليتذكّر أحدُنا ما وَرَدَ ممّا حَكاهُ الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في قصّة نبيّه موسى عليه السلام يومَ أرسله وأرسل معه أخاه هارون إلى فِرعَون، الذي كان قد استكبر وعلا في الأرض كما جاء في كتاب الله وكان من المُفسدين وكان يُذَبِّحُ الأبناء وكان يستحيي النساء .
ماذا أمر الله تعالى نبيّه أن يقول له؟
وهل أمرهُ حين أمره أن يذهب إليه بأن يُعَنّفه في الكلام وهو على ضلالته وعلى استكباره وعلى عُتُوّهِ؟
ماذا جاء من قوله تعالى في هذا الأمر لموسى ولأخيه هارون {اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} طه (42)
{َلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} أي لا تفتُرا ولا تضعُفا، اذهبا إلى فرعون، إلى ذلك الرجل الذي طغى والذي اسكتبر والذي تجبّرَ وعلا في الأرض وأفسد فماذا يأمُرُهم بعد أن أثبت أنّهُ طغى، ماذا قال تعالى: { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } طه (44)
{ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا} أرسل الله عز وجل نبيه وأرسل معه أخاه إلى فِرعَون الذي كان ادّعى الأُلوهِيَّةَ وقال {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي} القصص (38) وكان يُذَبِّحُ ويقتُلُ ويستَحيي النِساء ويَدَّعي ما يَدَّعي ويُكَذّبُ الأنبياء، قال { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } أوَلا يعلمُ الله عز وجل إذا كان فِرعَون يتذكّرُ أو يَخشى، بلى إنّهُ سُبحانه وتعالى يعلمُ أنّهُ لن يتذكّر ولن يَخشى، ولكن تأمّلوا كيف كان الخِطاب، { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } . قُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا، ثنّياهُ في الكلام حين تكلمونه ولا تذكروا له شيئاً من الكلام يوجبُ إصراره على ما هو فيه، { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا}.
إذا كان هذا الرجل على ما بلغهُ من الفساد ومن الإستكبار ومن الإستعلاء في الأرض يُخاطب بالقول الليّن، فما بالُ أحدِنا إذا خاطب أخاه لم يقُل له قولاً ليّناً؟!.

  إذا كان ذلك الرجل الذي كذّب الأنبياء والذي قَتـَّل والذي نازع الله كِبرياءه في الأرض والذي استعلى حتى زعم أنّه رب العالمين فكان ذلك الرجل يُخاطبُ بالقول الليّن من نبيّ من أنبياء الله عز وجل، فما بالُ أحدنا إذا خاطبَ أخاه لا يُخاطبهُ بقولٍ لَيّن مع أنّهُ مهما بلغ وحيثُما كان من الخطأ موقعهُ لا يصِلُ إلى درجةٍ ذهب إليها أو وصل إليها أو ادّعاها فرعون من تكذيب الأنبياء ومن منازعة الله عز وجل كِبرياءهُ، فما بالُنا نُهمِلُ هذا الأمر ونذهبُ إلى القسوة في القول إذا خاطبنا أحداً أو إذا أردنا أن نُنبَهُ على أمرٍ لينتقل منه إلى أمرٍ يكون خيراً منه. فما بالُنا لا نذهب إلى لين القول؟!!!
ما بالنا لا نذهب إلى الكلمة الطيبة إذا أردنا أن نُخاطِبَ أحداً بأمرٍ ما؟!
في كتاب الله عز وجل وحسبُك بهذه الآية ما إذا نظر فيه ناظرٌ أو تأمّلهُ مُتأمّلٌ علِمَ أنَّ قسوتهُ في الكلام إذا نَبَّهَ على أمرٍ ما ليست بالأمر الذي يوصلُهُ إلى مُبتغاه.

  سُئِلَ الإمام الصادق عليه السلام وهذا الأمرُ أيضاً يجري على كُلّ من يُخالفك في رأيي أو في فِكرٍ أو ما هو دون ذلك، ما نصنع بهؤلاء الناس الذين نُخالطهم وهم على غير أمرنا، ماذا قال له الإمام الصادق ؟
لو تصوّرنا أنّ لنا رجلاً ليس على مذهب أهل البيت، أو أنّ لنا رجلاً نُخالفه ويُخالفنا في بعض الأفكار أو في بعض الآراء، فكيف نُعاملهُ؟
ماذا قال الإمام الصادق عليه السلام؟ قال: (انظروا إلى أئمتكم الذين تقتدون بهم، فإنّهم والله يعودون مرضاهم، ويشهدون جنائزهم، ويأخذون الشهادة لهم وعليهم، ويُؤَدّون الأمانة إليهم)

  هذا هو حُسنُ الخُلُق الذي مَدَحَ اله سُبحانه وتعالى نبيّهُ إذ قال له {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } القلم (4) .

  حُسْنُ الخُلُق هو الذي يُكمِلُ الإيمان، بل هو العلامةُ على صِدقِ الإيمان، حُسْنُ الخُلُق مع الناس جميعاً، {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} البقرة (83) سَواءٌ أكانَ ذلك الرجُل ممّن نُحبّهُ ونُعَظّمُهُ أم كان خَصماً لنا، يجب أن يكون حُسنُ الخُلُق هو أوّلُ شيءٍ يُعرَفُ به من أحَبَّ علياً ومن والى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين.

  أوّلُ شيءٍ يُعرفُ به المُؤمن هو حُسنُ الخُلُق، ولذلك جاء في الحديث (أكمَلُ المُؤمنين إيماناً أحسَنُهُم خُلُقا) كما يبحثُ أحدنا عن نظافة ثوبه وعن نظافة شعره وعن نظافة أظافره، وكما يُحبُّ أن يلبَسَ ثوباً جديداً وكما يُحبُّ أن يكون على أحسن زيٍّ وهَيئة، ينبغي ويجب عليه أن يجتهد وأن يبحث ليكون على أحسنِ خُلُقٍ وعلى أفضلِ عملٍ وعلى أحسن هيئةٍ كما أراد أن يكون بين الناس على أحسنِ هيئةٍ وأحسنِ حال.

  كيف يبحثُ أحدُنا عن ثوبٍ نظيف وعن ثوبٍ جميل وعن ثوبٍ جديد ولا يجتهدُ في أن يجعلَ أخلاقهُ خيراً من أخلاقِ من يُعاشِرُه؟!. لماذا لا يجتهد في أن يَلبَسَ الخُلُقَ الحَسَن كما يجتهدُ لكي يلبّسّ الثَوبَ الحَسَن، وهو يعلم أنّ الله عز وجل ينظُرُ إلى القُلوب.

  كما أمر سُبحانه وتعالى بأن يعتنيَ المُسلمُ ببدنه فجعل له حقاً جعل لعينه حقاً وليده حقاً ولبدنه حقاً ولكل عُضوٍ من أعضائهِ من الحق ألّا يجعله في معصية الله، فكذلك أوجَبَ عليه أن يكونَ على خُلُقٍ عظيم وعلى خُلُقٍ حَسَن.

  انظروا إلى الفرق بين رجُلٍ يكون ثوبُهُ نظيفاً وتكون صورتُهُ جميلةً ولكن تكون أخلاقُهُ قبيحَة، انظروا إلى الفرق بين رجلٍ تكون صورته ذميمةً مكروهةً وتكون أخلاقُهُ حَسَنَةً، أيُّهُما أقربُ وأيُّهُما أحبُّ إلى من يراه أو إلى من يسمعُه.

  الثوب والجاه والمكانة لا تُحَسّنُ الأخلاق، ولكنّ الخُلُقَ الحَسَن يُحسّنُ الجاه ويُحَسّنُ المَكانة ويُحَسّن صورة الإنسان ومَنظَرَهُ بين الناس.

حَسِّن الخُلْقَ فكَم هَذَّبَ حُسنُ   الأخلاق خلقاً ومَنظَراً قبيحا
لستُ أرضى لكَ الغَدَاة لعَمْري   خُلُقاً سيّئاً ووَجهاً صَبيحا
هَذَب الأخلاق فإنّك إذا هذّبتَ الأخلاق كما يقولُ العلّامة الشيخ سُليمان الأحمد رحمه الله في هذين البيتين .
ماذا يدفعُ الوجهُ الجَميل   إذا كان الخُلُقُ قَبيحاً؟!
ماذا تنفعُ المَكانةُ الجليلة   إذا كان الخُلُقُ قبيحاً؟!

  ما أمر الله سبحانه وتعالى وما حَضَّ عليه نبيّهُ هو حُسنُ الخُلُق لأنَّ حُسنَ الحُلُقِ يُكمِلُ الإيمان.
نسألُ الله سُبحانه وتعالى أن يجعلنا وإيّاكُم ممّن عَرَفَ إلى حُسنِ الأخلاقِ سبيلاً، وممّن سَلَكَ إلى مَحامِدِ الفِعال، وإلى مَكارِمِ الأخلاق طريقاً، اللهم صلّ على محمد وآل محمد...

  الخُطبة الثانية:
  ذكرنا حُسنَ الأخلاق فيما ذكرناه وبقيَ أن نعلمَ أنّ من حُسنِ الخُلُق وأنَّ مكارم الأخلاق كثيرة، لكن من أحسن الأخلاق الكَفُّ عن عيوب الناس.

  من أحسن الأخلاق أن يُمسِكَ الرجل لسانه وألّا يكون لفُضُول الكلام الذي لا معنى له أو الذي لا فائدة فيه ولا طائل تحته ألاّ يكون ممّن يميل إليه أو ممّن يستخدمه.

  حُسن الخُلُق في الكفّ عن عيوب الناس، إذا أراد أحدُنا أن يقتديَ بأئمّته، وهذا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام يقول (ألا وإنّ لكُلّ مأمومٍ إماماً يقتدي به) . إذا كان لكُلّ مأمومٍ إمامٌ يقتدي به فبمن نقتدي إذا جاء إلينا رجُلٌ ينقُلُ إلينا حديث فُلانٍ أو فُلان؟
إذا جاءنا من يقول لنا إنّ فُلان تكلّمَ وإنّ فُلاناً عالجَ وقال فيك وتكلّمَ ، بما تقتدي حينئذٍ إذا جاء إلينا ناقلُ الحديث؟

  نقتدي بالإمام عليّ بن الحُسين عليه السلام حين جاء إليه رجُلٌ قال له: إنّ فُلاناً قال فيك وإنّ فلاناً عابك وإنّ وإنّ فماذا قال له الإمام عليه السلام؟ قال له: (ما رَعَيْتَ حقَّ مُجالسةِ الرجل حين نقلتَ إليَّ حديثَهُ، ولا أدَّيتَ حَقَّ مُجالستي حين أخبرتني عن أخي بما لستُ أعلمُهُ) .

  من حق ومن حقوق المُجالسة أنّ أحدَنا إذا علمَ أنّ كلمةً يسمعُها سوف تُؤذي غيرهُ وستكون سبباً للشِقاقِ وللبَغضاء فالواجبُ عليه أن يكتُمَ هذه الكلمة، الواجبُ عليه إن سمعها أن لا يُظهِرها وأن لا ينشُرها وأن لا يكون فِعلُهُ سبباً لشِقاقٍ ولمُنازعةٍ وقد تصِلُ الأمور إلى عاقبةٍ لا تُحمد.
(ما رَعَيْتَ حقَّ مُجالسةِ الرجل حين نقلتَ إليَّ حديثَهُ، ولا أدَّيتَ حَقَّ مُجالستي حين أخبرتني عن أخي بما لستُ أعلمُهُ، إنّ المَوت يعُمُّنا) ، ما من أحدٍ إلا سوف يُنقلُ من مكانه الذي يسكُنُ فيه، الناس تستوي في مكان واحدٍ في مسكن واحد الكبير والصغير والغنيّ والفقير والعبدُ والملك وغيرهُ له مسكنٌ واحد، المسكنُ الذي لا يستطيعُ أحدٌ أن يختال فيه ولا يستطيع أحدٌ أن يَفخَرَ بأثاثِهِ ولا بما فيه من المَتاع.

  من سكن القصر ومن سكن في الكوخ سيجتمعان في بيتٍ واحدٍ هو القبر:

أهلَ القبور رويدكم   إن تُحرموا سُكنى القُصور
فَلَيُنْقَلَنَّ جميعُ من سَكَنَ   القصور إلى القُبور
هُنالك يكون البيت الذي لا يُميّز فقيراً من غنيٍّ ولا كبيراً من صغير كُلنا سوف نسكُنُ في هذا البيت.

  (إنّ المَوت يعُمُّنا، والبَعثُ مَحشرنا، والحَشرُ موعدنا، والله يحكُمُ بيننا، إيّاكَ والغِيبَة فإنّها إدامُ كلاب النار، واعلم أنَّ مَن أكثر ذكر عُيُوب الناس ، شهد عليه الإكثار ، أنّه إنما يطلبها بقدر ما فيه) . مَن أكثر ذكر عُيُوب الناس فإنَّ إكثارهُ من هذا الفِعل يشهدُ أنّهُ يطلُبُها بقدر ما يكون عليه وما يكون فيه من العُيوب يطلُبُ عيوب غيره. ومن مِنّا إذا نظرَ في نفسه لا يجد لها من العُيُوب ما يُوجبُ عليه أن يصمُتَ. لما ؟ لكي يكون مشغولاً بإصلاح نفسهِ قبلَ إصلاحِ غيره.

  هذا الإمام عليّ بن الحُسين عليه السلام، جاء في دُعائه الذي ينبغي أن ندعُوَ به كُلَّ يوم (اللهم لك الحمدُ على سِترِكَ بعد عِلمِك، وعلى معافاتك بعد خُبْرِك، فكلنا قد اقترف العائِبَة فلم تَشهَره، وارتكبَ الفاحشة فلم تفضحه، وتستَّر بالمساوئ فلم تَدْلُل عليه. كم نهيٍّ لك قد أتيناه، وأمر قد وقفتَنَا عليه فتعدّيناه، وسيئةٍ اكتسبناها، وخطيئةٍ ارتكبناها، كنتَ أنتَ المُطَّلِعَ عليها دون الناظرين، والقادِرَ على إعلانها فوق القادرين، كانت عافيتُك لنا حجابا دون أبصارهم، ورَدْماً دون أسماعهم) .

  لينظُر كُلٌّ مِنّا في عيوب نفسه وليتصوّر أنّ الله عزّ وجلّ لم يستُر عليه، ماذا يكونُ حالُهُ بين الناس؟
(كلنا قد اقترف العائِبَة فلم تَشهَره، وارتكبَ الفاحشة فلم تفضحه، وتستَّر بالمساوئ فلم تَدْلُل عليه)
مَن مِنّا لا يعلمُ من عيوب نفسه أضعاف ما يعلمُ من عُيوب غيره؟!
من مِنّا لو عَدَّ عيوبَه ما زاد على عيوب غيره؟!
وهل فينا من يَدّعي أنّه بلا عُيوب؟!
مَن يستطيع أن يدّعِيَ أنّهُ بلا عَيب؟!
ليكُن حَمْدُ الله سُبحانه وتعالى، ليكُن شُكرُ الله سبحانه وتعالى، ليكُن ذلك في سكوتنا وفي توبتنا عن البحث عن عيوب الناس، ليكون كُلٌّ مِنّا مشغولاً بنفسهِ . بهذا يقول العلّامة الشيخ سُليمان الأحمد رحمة الله تعالى ورضوانه عليه:

تركتُ البحثَ عن عيبِ البرايا   كفاني شاغلاً عن ذاكَ عَيبي
فلا فتّشتُ عن جيبٍ لأدري   خَفاياهُ كفى ما ضَمَّ جَيبي
كفى ما فييَّ من العيوب، لنجتهد في إصلاح عيوبنا قبلَ أن نبحث عن عيوب الناس فإننا بذلك نكون أقرب إلى الله سبحانه وتعالى ويكون عملُنا أصلحَ وأنفَعَ وأحسَن.

  (مالي أُراقِبُ من دوني على خطئٍ) إذا كان ذلك الرجل الذي يُراقبُكَ ثم تريد أن تبحثَ عن عيبٍ له من أجل أنّه أساء إليك وبحثَ عن عُيوبِك، أفنكون إذا وجدنا رجُلاً من أمثال هؤلاء فهل نُشابهُهُ في أخلاقِه؟!
لنذكُر سِترَ الله عز وجل علينا، ليذكُر كُلٌّ مِنّا أنّ الله ستره وأنّ الله لم يُظهِر عيوبه فليكُن بصمته جاعلاً ذلك الصمت توبةً وشُكراً لله عز وجل ولا يذهبنَّ أحدُنا مذهباً أو رأياً أو طريقاً يُشابِهُ فيه أمثال هؤلاء.

  يقول العلاّمة الشيخ سُليمان الأحمد رحمة الله تعالى عليه:

مالي أُراقِبُ من دوني على خطئٍ   لا أرقٌبُ الله فيه إذ يُراقُبُني
كم مِثلَهُ جِئتُ أضعافاً مُضاعفةً   وسيّدي بِيَّ يَدري لا يُعاقِبُني

  ليذكُر كُلٌّ مِنّا إذا أراد أن يُحصِيَ عيوبه أنّها تفوق وأنها أضعافٌ مُضاعفةٌ من عُيوب غيره، حينئذٍ يَلزَمُ كُلٌّ مِنّا نفسه وحينئذٍ يلزمُ كل منا إصلاح نفسه مكان البحث عن إصلاح غيره لأنه لا يستطيع أن يُصلِح غيرَهُ حتى يُصلِحَ نفسه قبل ذلك و (أنّ مَن نَصَبَ نفسهُ للناس إمام) كما جاء وكُلّنا سمع هذا الحديث (فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليبدأ بتأديب نفسه قبل تأديب غيره، وليكُن تأديبُهُ بسيرتِهِ) وليس بلسانه، ليكن تأديبه بسيرته وبفعله هذا الحديث هو الذي جاء فيه (كونوا دُعاةً لنا بغير ألسِنَتِكُم) بالأفعال ، إذا فعل أحدُنا فِعلاً كان له من قلوب الناس موقعٌ حَسَن، وهذه هي الدعوة إلى الله عز وجل بحُسنِ الخُلُق وبالسيرة وبالأفعال، ولنظرح كُلَّ ما جاء من الأقوال حتى يكون مُوافقاً وحتى تشهَدَ له الأفعال .

  إذا نظرتَ بين قولٍ وفِعل ولم يُوافق أحدُهُما الآخر فهُنا ينبغي أن نتنبّه أنّ مِقياس صِدقِ الرجل بأعماله وليس بكلامه.

  يقول الشيخ سُليمان الأحمد رحمه الله:

لقد أطلتُم على زَيدٍ ثناءكُمُ   والمرءُ يرفعُ منه مَدحُ جيرتِهِ
دعوا المُغالاة إن صِدقاً وإن كذِباً   فسيرةُ المرء تُنبي عن سريرتِهِ

  عملُ كُلٍ منا يدُلُّ على ما في قلبهِ، نسأل الله عز وجل أن يجعل علانيتنا وسريرتنا خالصةً لله لا نعمل عملاً نبتغي فيه غير وجه الله عز وجل، نسأله سبحانه وتعالى أن لا نكون ممّن يُعجبُ بعلانيّته إذا كانت سريرتُهُ قبيحة ونعوذ بالله كما استعاذ منه الصالحون من أن تحسُنَ علانيّتُنا وأن تقبُحَ سرائرُنا.
اللهم صلّ على محمد وآل محمد.....