رسوخ الحقيقة العلوية

أُضيف بتاريخ الخميس, 14/10/2010 - 14:48

إنّ رسوخ الحقيقة العلوية في العقيدة والشريعة الإسلامية أمرٌ لا يُخفى على أهل الرواية والدراية، فالأدلة الكتابية الناطقة والشواهد النبوية الصادقة أكثر من أن تُحصى، وأجل من أن تستقصى لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( لو أن الرياضَ أقلامٌ، والبحرَ مدادُ، والجنَ حسابٌ، والأنسَ كتابٌ ما أحصوا فضائلَ علي بن بي طالب )) .

وروي عن ابن عباس إنه قال : (( نزلت في علي عليه السلام أكثر من ثلاثماية آية )) ولو لم يكن من هذه الآيات إلا آيتا (التبليغ وإكمال الدين) لكانتا كافيتين كدليل لسالكي هذا السبيل، والنهج الجليل لما فيهما من عظيم الدلالة على وجوب ولايته والتمسك بنهجه وهدايته.

إن هذا النهج الأسمى يُعدُ حقاً، الصورة المتكاملة الصادقة، صورة الإسلام بكلياته وجزئياته ولذا اتخذه المسلمون العلويون على علم ويقين وبصيرة سبباً لنجاتهم ( يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * ) .

فالعلويون مسلمون وفق هذا النهج الراسخ المستقيم، القائم على الدليل القاطع والبرهان الساطع 1 والهادي إلى الإسلام الجامع للأصول والفروع والآداب.
وإن إسلامهم هذا هو : الإسلام المحمدي كما بدا 2 ودعا إليه صاحب الرسالة بواضح المقالة فآمنت به أهلُ البصائرِ والعقول، واستدلت عليه بالمنقول والمعقول.

فالإسلام الكامل بالعلوية، والعلوية الدالة على الإسلام هما : صورتان لحقيقة واحدة 3 ، هي : الهداية 4 التي تُطلب منهما ، وتُعرف بهما، وهما الدالان عليها والموصلان إليها، ولا فرق بين هَديهما إذ إنهما كامنان في بعضهما بالقوة حين خُلقا من نور واحد ، وظاهران من بعضهما بالفعل : أنا من علي وعلي مني، فالعلوية التي أصّلها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب هي : الصورة الصادقة للإسلام بحقيقته المحمدية 5 ، والإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله هو : جوهر العلوية بحقيقتها الإسلامية 6 .

فالإسلام يُعرف بالعلوية الأصيلة بما أوضحه أمير المؤمنين عليه السلام , والعلوية تُعرف بالإسلام الجامع بما نقل من النصوص الدالة عليها.
فلا يمكن الوصول إلى العلوية إلا من الإسلام 7 ، ولا يمكن بلوغ الإسلام إلا بالعلوية 8 لأنها كماله 9 وتمام النعمة الإلهية.

فالعلوية كامنة في الإسلام بالقوة ككمون النار في الحديد، وظاهرة منه بالفعل كظهور الشعاع من القرص فهي : صورته عملاً، الدالة على أصوله العقائدية وفروعه الفقهية وآدابه الأخلاقية.
والإسلام كامن في العلوية بالقوة ككمون الحياة في الحي، وظاهر في توضيح نهجها بالفعل كظهور النطق من الناطق ، فهو بتبليغــها المُحَمّدي صورتها الدالة على وجوب اتباعها واعتقاد إمامتها وولايتها.
فكلٌ منهما دال على صاحبه ومُرشدٌ إليه، ويبقى شرف التقدّم للإسلام على العلوية لتقدم النبّوة على الإمامة رتبة ومكانة عند الله، وفُضّلت النبّوة على الإمامة بالوحي والتبليغ، ولولا الوحي لما عُرفت النبّوة، ولولا النبّوة وتبليغها لما عرفت الإمامة، ولولا الإمامة وإعلانها لما كمُل الإسلام، ولولا الإسلام لما كانت الهداية، ولولا الهداية لكان إيجاد الكائنات عبثاً والباري سبحانه وتعالى يجل عن العبث، فهو لا يفعل إلا إبداعاً ولا يبدع إلا اختراعاً.

فالإسلام هو الدين الذي بعث الله الأنبياء لتبليغه إلى أمَمِهم .
والعلوية هي صورته المُثلى وثمرته الذكية فمن تمسك بها وأخذ عنها اهتدى وكان من الفائزين لقوله تعالى: ( فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * ) البقرة /28/.
فالهدى الآتي هو أمير المؤمنين عليه السلام كما أوضح ذلك الإمام محمد الباقر عليه السلام . (تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي)

  • 1 لقول رسول الله صلى الله عليه وآله:
    [من أحب أن يتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها فليتمسك بولاية أخي ووصي علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه لا يهلك من أحبه وتولاه، ولا ينجو من أبغضه وعاداه ].
  • 2 المراد بكلمة الإسلام كما بدا هو قول الرسول لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه :
    [يا أبا ذر اعبد الله كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك واعلم إن أول عبادة الله المعرفة به فهو الأول قبل كل شيء فلا شيء قبله، والفرد فلا ثاني له، والباقي لا إلى غاية، فاطر السموات والأرض وما فيهما وما بينهما من شيء وهو الله اللطيف الخبير وهو على كل شيء قدير، ثم الإيمان بي والإقرار بأن الله تعالى أرسلني إلى كافة الناس بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ثم حب أهل بيتي الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً .
    واعلم يا أبا ذر أن الله عز وجل جعل أهل بيتي في أمتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن رغب عنها غرق، ومثل باب حطة في بني إسرائيل من دخلها كان آمناً.
    يا أبا ذر احفظ ما أوصيك به تكن سعيداً في الدنيا والآخرة] .
    فهذا هو الإسلام كما بدا وأوضحه صاحب النبّوة والهدى والذي به النجاة من الردى.
  • 3 لقول رسول الله صلى الله عليه وآله:
    [كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله عز وجل مطبقاً يسبح الله ذلك النور ويقدسه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام فلما خلق الله آدم ركب ذلك النور في صلبه فلم نزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب فجزءٌ أنا وجزءٌ علي].
  • 4 النبّوة والإمامة هما عين الهداية لقوله تعالى: ( اهدنا الصراط المستقيم) .
    فقد روى فرات بن إبراهيم الكوفي بإسناده إلى رسول الله في تفسير هذه الآية انه قال (ص) : (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) دين الله الذي نزل به جبرائيل عليه السلام على محمد (ص) : (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) قال : شيعة علي الذين أنعمت عليهم بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام ولم تغضب عليهم ولم يضلوا.
  • 5 هذا من أوضح الواضحات ويبدو جلياً ومؤيداً بالبينات الساطعة في نهج الإمام عليه السلام.
  • 6 العلوية بنهجها السامي هي أشعة فيض الإسلام وضياؤه.
  • 7 لأن من شروط الإيمان وأركانه اعتقاد الولاية، ولا يصح اعتقادها إلا بدخول حرم الإسلام، والتسليم لله بقلب سليم.
  • 8 إن كمال الإسلام في قلب المسلم الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر واعتقاد الولاية الحقة، والعمل بالأركان التعبدية، والتأدب بآداب أهل العصمة عليهم السلام.
  • 9 ليس المقصود بقولنا إن الإسلام كَمُلَ بالعلوية أي أنه كان ناقصاً، بل المقصود أنه كمُلَ بالفعل بعد أن كان كاملاً بالقوة، وذلك لأنهما مقترنان منذ إيجادهما.