تصوّر الرُتَب + أصل المعرفة الحقيقية

أُضيف بتاريخ الأثنين, 05/10/2015 - 03:11

تصوّر الرُتَب + أصل المعرفة الحقيقية


وَمِنْ أَوْهَامِهِ : زَعْمُهُ أَنَّ المَكْزُوْنَ تَصَوَّرَ رُتَباً مِنَ القُرْآنِ ، وَجَعَلَ لَهَا مَنْهجاً تَرْتِيْبِيّاً ، فِي قَوْلِهِ :

(( وأما طبقات المؤمنين ، فهي ثلاث :

الأولى : إيمانُها مَحضٌ ، وهي العَالمُ الكبير النورانيّ ، ومراتبُه سبعُ درجات ، هي من الأعلى : الأبواب . الأيتام . النقباء . النجباء. المختصون . المخلصون . الممتحنون .

الثانية : تَمَحّض إيمانُها ، وهي : العالَمُ الصغيرُ الروحانيُّ ؛ ومراتبه سبع درجات أيضا ، هي من الأعلى : المقرَّبون . الكروبيون . الروحانيون . المقدَّسون . السائحون . المستمعون . اللاحقون .))
1

وَكَتَبَ في ذَيل الصّفْحَة :

(( لاحظ أسماء المراتب ، في القرآن الكريم، وتأمل كيفية بناء المنهج الترتيبي من الآيات المتفرقة ... فمثلاً الرتبة الأولى، الأبواب ، تصورها المكزون كما رأى ، من سورة النبأ : 78\19 وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا )).

وَقَوْلُهُ :

(( المكزون، في تصوُّره، يبدأ من الأعلى، من الأزل، من المعنى أو الباري أو الحقِّ الأوّل ، ويرينا كيف رتَّب المرتّبُ مخلوقاته، التي صارت أرباباً بأمره لمن دونها، على حدِّ تعبير الغزالي.

ولكنَّ المكزونَ، وهو يعرضُ تصوُّره، يبقينا في جوٍّ مثاليٍّ ، أو تمثيليٍّ بمعنَى أنّه لا يفارقُ الشجرةَ التي سمع منها النِّداء ، وتجلَّى اللهُ منها .. لذلك يقول في الباب الأوّل من رسالته : (( أصل المعرفة الحقيقية : شجرةٌ ذات أصلٍ ثابت، وفرعُها باسقٌ، لا تُنالُ ثمرتُها إلا برفعِ أيدي السؤال إلى فروعها الزاكية .
فأصلُها الأزلُ ... وفرعُها الأبدُ ... وثمَرُها السّرمدُ ...

وهذه الرُّتَبُ الثلاث، هي التي عبَّر عنها أهل التوحيد : بالمعنى ، والاسم، أو الحجاب ، والباب ...))
2


بَيَانُ الوَهْم

ذَهَبَ المُؤَلّفُ إِلَى القَوْلِ : إِنّ مَصَادِرَ أَسْمَاءِ المَرَاتِبِ مِنَ القُرْآنِ الكَرِيْم وَأَوْرَدَ بَعْضَها ، وَلَمّا نَظَرْنَا فِي قَوْلِهِ ، تَعَذَّرَتْ عَلَيْنَا مَعْرِفَةُ تَصَوّرِ المَكْزُوْنِ لِرُتْبَةِ النُّجَبَاءِ ، وَكَتَبْنَا إِلَى المُؤَلِّفِ ، فَلَمْ يُجِبْ .

فَهَلْ يَسْتَطِيْعُ أَنْ يُبَيِّنَ للقَارِئِ كَيْفِيّةَ تَصَوُّرِ المَكْزُوْنِ لِتِلْكَ الرُّتْبَةِ ، وَمِنْ أَيْنَ جَاءَ بِهَا ، فَإِنّهَا لَمْ تَرِدْ فِي القُرْآنِ الّذِي زَعَمَ المُؤَلِّفُ أَنّهُ مَنْهَجُ المَكْزُوْنِ .

وَمَا أَوْقَعَهُ فِي هَذَا إِلاَّ تَصَوُّرُهُ أَنَّ المَكْزُوْنَ اسْتَنْبَطَ كُلَّ مَا كَتَبَهُ ، وَرَغْبَتُهُ فِي إِثْبَاتِ مَا خَطَرَ عَلَى بَالِهِ ، وَلَيْسَ فِي شَيءٍ مِمّا تَقَدّمَ تَصَوُّرٌ للمَكْزون، وَإِنّمَا تَصَوُّرٌ للمُؤَلِّفِ، بِدَلِيْلِ عَجْزِهِ عَنِ الدّلالَةِ عَلَى جَمِيْع أَسْمَاء الرُّتَب الّتِي أَوْرَدَهَا، مِنَ القُرْآنِ الكَرِيْم، وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي كَلامِ أَهْل البَيْتِ ، بِلا تَصَوّرٍ وَلا تَخَيُّلٍ وَلا ظُنُون، وَمنْهُ فِي الهِدَايَةِ الكُبْرى وَفِي بِحَارِ الأَنْوارِ وَفِي إِلْزَام النّاصِب :

(( المَعْرِفَةُ : إِثْبَاتُ التّوْحِيْدِ أَوّلاً ثُمّ مَعْرِفَةُ المَعانِي ثَانِياً ، ثُمّ مَعْرِفَةُ الأَبْوَابِ ثَالِثاً ، ثُمّ مَعْرِفَةُ الأَيْتَام رَابِعاً ثُمّ مَعْرِفَةُ النّقَبَاءِ خَامِساً، ثُمّ مَعْرِفَةُ النُّجَبَاء سَادِساً ، ثُمّ مَعْرِفَةُ المُخْتَصِّيْنَ سَابِعاً، ثُمّ مَعْرِفَة المُخْلصِين ثَامِنًا، ثُمّ مَعْرِفَةُ المُمْتَحَنِين تَاسِعًا...

أَمّا إِثْبَاتُ التّوْحِيْدِ ، مَعْرِفَةُ اللهِ القَدِيْمِ الغَائِبِ الّذِي لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [ سورة الأنعام ] وَهُوَ غَيْبٌ بَاطِنٌ سَتُدْرِكُهُ كَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ .

وَأَمّا المَعَانِي ، فَنَحْنُ مَعَانِيه وَمَظَاهِرُهُ فِيْكُم ، اِخْتَرَعَنَا مِنْ نُوْرِ ذَاتِهِ ، وَفَوّضَ إِلَيْنَا أُمُوْرَ عِبَادِهِ ، فَنَحْنُ نَفْعَلُ بِإِذْنِهِ مَا نَشَاءُ .......)).
3

وَعَلَى هَذَا، فَلا تَصَوّرَ للمَكْزُوْنِ، كَمَا تَوَهَّم المُؤَلّفُ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الكَلامِ الّذِي نَسَبَهُ إِلَيْهِ، مِنَ الشّائِعِ قَبْلَهُ، وَفِي عَصْرِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ :

(( المكزونُ يُخبرُ عن ذلك بطرق مختلفة؛ فمرّة يبدأ بموقفه من الذات المتجلّيه، ويقول : إنّه لبّى دعوتها عندما أوجدته من الغيب لتشهدَه جمالَها وتُعرِّفه بربوبيتها ، وتتلطّفُ لذلكَ فتظهر بمثلِ صورته، لأنَّ الخَلْقَ لا يستطيعون رؤيتها بذاتها، لأنها الخالقةُ المصوِّرة ...)) 4

وَهُوَ مِنَ المَشْهُور فِي كُتُب الصّوفية، وَمِنْهُ فِي الفُتُوحَاتِ المَكّيّة :

(( كَانَ الحَقُّ يَتَجَلّى لِعِبَادِهِ عَلَى مَا شَاءهُ مِنْ صِفَاتِهِ، وَلِهَذَا السَّبَبِ يُنْكِرُهُ قَوْمٌ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ، لأَنّهُ تَعَالَى تَجَلَّى لَهُم فِي غَيْرِ الصُّوْرَةِ وَالصِّفَةِ الّتِي عَرَفُوهَا مِنْهُ .... فَيَتَجَلّى للعَارِفِيْنَ عَلَى قُلُوبِهِم وَعَلَى ذَوَاتِهِم فِي الآخِرَةِ عُمُومًا، فَهَذَا وَجْهٌ مِنْ وُجُوْهِ الشّبهِ، وَعَلَى التّحْقِيْقِ الّذِي لا خَفَاءَ بِهِ عِنْدَنا، أَنّ حَقَائِقَهَا هِيَ المُتَجَلّيةُ للصِّنْفَيْنِ فِي الدّارَيْنِ، لِمَنْ عَقَلَ أَوْ فَهِمَ مِنَ اللهِ تَعَالَى المَرْئِيِّ فِي الدُّنْيَا بِالقُلُوبِ وَالأَبْصَارِ، مَع أَنّهُ سُبْحَانَهُ مُنْبِئٌ عَنْ عَجْزِ العِبَادِ عَنْ دَركِ كُنْهِهِ، فَقَالَ : {لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [سورة الأنعام] لَطِيْفٌ بِعِبَادِهِ بِتَجَلّيه لَهُم عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِم. خَبِيْرٌ بِضَعْفِهِم عَنْ حَمْلِ تَجَلّيه الأَقْدَس عَلَى مَا تُعْطِيه الألُوهَةُ؛ إِذْ لا طَاقَة للمُحْدَثِ عَلَى حَمْلِ جَمَالِ القَدِيْمِ، كَمَا لا طَاقَة للأَنْهَارِ بِحَملِ البِحَار ...)) 5

وَفِيْهَا :

(( وَالحَقُّ مَا تَجَلَّى لَهُم إِلاَّ فِي صُوْرَةِ ذَوَاتِهِم، لا فِي رُتْبَتِهِ، فَإِذَا تَجَلَّى لَهُم فِي رُتْبَتِهِ انْعَزلَ الجَمِيْعُ، فَلَمْ يَكُنْ إِلاَّ هُوَ ...)) 6

وَمِمّا يُوْهِمُ أَنّهُ مِنَ الإِبْدَاعِ، قَوْلُهُ : ...


 


  • 1 معرفة الله والمكزون 1\240 .
  • 2معرفة الله والمكزون 1\332.
  • 3 الهداية الكبرى 230، وانظر بحار الأنوار مج11\249. وإلزام الناصب 1\41.
  • 4 معرفة الله والمكزون 1\357.
  • 5 الفتوحات المكية 1\102.
  • 6 الفتوحات المكية 7\154.