باطن تزكية النفس + الدليل على وجود الله

أُضيف بتاريخ الأثنين, 02/11/2015 - 12:31

باطن تزكية النفس + الدليل على وجود الله


وَمِنْ أَوْهَامِهِ قَوْلُهُ :

(( ولما كان الظاهرُ سَطْحاً للباطن، كانت العباداتُ المشروعة، من صلاةٍ وصيام وحجٍّ وزكاة وجهاد ...ممرّات إلى معرفة الباطن؛ وبالتعبير المكزوني، فإن ممارسة العبادات بصورها الظاهرة وسائل تتزكّى بها النفس، وترتقي من الظاهر إلى الباطن، حتّى تصل إلى المعرفة العُظْمَى والنعمة الشاملة ....

لذلك جعل المكزونُ كلَّ بابٍ من أبواب رسالته صورةً من صورِ التزكية ... ودلَّ على ذلك من بناء العنوان .

ففي التزكية أمران : الأول إصلاح النفس وتطهيرها .. والثاني إنماؤها وترقيتها ..

وكذلك في معرفة الباطن أمران يتلازمان مع أمريّ التزكية ، هما معرفة ظاهر العبادات وممارستها؛ ومعرفة باطن العبادات، والتأمل فيها، والجهاد لاكتشافِ أسرارها ...))
1

وَهُوَ مِنَ المَشْهُورِ مِنْ قَبْلُ، وَمِنْهُ فِي رَسَائل إِخْوان الصّفَاء :

(( واعْلَمْ أَنَّ للكُتُبِ الإِلَهِيّةِ تَنْزِيْلاتٍ ظَاهِرَةً، وَهِيَ الأَلْفَاظُ المَقْرُوءَةُ المَسْمُوعَةُ، وَلَهَا تَأْوِيْلات خَفِيّة بَاطِنةٌ، وَهِيَ المَعَانِي المَفْهُومَةُ المَعْقُوْلَةُ، وَهَكَذَا لِوَاضِعِي الشّرِيْعَةِ مَوْضُوعَاتٌ، عَلَيْهَا وَضَعُوا الشَّرِيْعَةَ، وَلَهَا أَحْكَامٌ ظَاهِرَةٌ جَلِيّةٌ، وَأَسْرَارٌ بَاطِنَةٌ خَفِيّةٌ، وَفِي اسْتِعْمَالِ أَحْكَامِهَا الظّاهِرَة صَلاحٌ للمُسْتَعْمِلِيْنَ فِي دُنْيَاهُم، وَفِي مَعْرِفَتِهِم أَسْرَارَها الخَفِيّةَ صَلاحٌ لَهُم فِي أَمْرِ مَعَادِهِم وَآخِرَتِهم، فَمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِ مَعَانِي الكُتُبِ الإِلَهِيّةِ، وَأُرْشِدَ إِلَى مَعْرِفَةِ أَسْرَارِ مَوْضُوعَاتِ الشَّرِيْعَةِ، وَاجْتَهَدَ فِي العَمَلِ بِالسُّنّةِ الحَسَنَةِ وَالسَّيْرِ بِسِيْرَتِهِ العَادِلَةِ، فَإِنَّ تِلْكَ النُّفُوسَ هِيَ الّتِي إِذَا فَارَقَتِ الجَسَدَ ارْتَفَعَتْ إِلَى رُتْبَةِ المَلائِكَةِ الّتِي هِيَ جَنّاتٌ لَهَا ... )) 2

وَقَوْلُهُ :

(( صدَّقَ المكزون القرآن فاتّبعه مقلِّداً، ولكنَّ معاناة التقليد أوصلته إلى التصديق الثاني ،أي إلى المعرفة اليقينية التي لا تحتاج إلى دليل، وإذا احتاجت دليلاً فالوجودُ كلُّه دليلٌ على وجودِ موجدهِ، واجب الوجودِ ...لذلك هتف بالغائبين عن معرفته : إنَّ وجودي من الذي أوجدني دليلٌ على وجوده ...)) 3

وَهُوَ مِنَ المَشْهُورِ الّذِي لا يَحْتَاجُ إِلَى مُعَانَاةٍ لِيُتَوَصَّلَ إِلَيْهِ، وَمِنْهُ قَولُ أَمِيْر المُؤمِنِيْنَ :

(( الحَمْدُ للهِ الدَّالِّ عَلَى وُجُوْدِهِ بِخَلْقِهِ، وَبِمُحْدَثِ خَلْقِهِ عَلَى أَزَلِيَّتِهِ ...)) 4

وَفِي مَنَارَاتِ السّائِرِيْن :

(( لأَنَّ وُجُودَ الإِنْسَانِ يَدُلُّ عَلَى وُجُوْدِ مُوْجِدِهِ، كَالبِنَاءِ يَدُلُّ عَلَى البَانِي. وَتَخْتَلِفُ وحْدانِيّة الإِنْسَانِ عَنْ وحْدَانِيّة الحَقِّ ...)) 5

وَمِنْهُ تَعْرِفُ وَهْمَ المُؤَلِّفِ فِي قَوْلِهِ :

(( لكن المكزون ، هنا ، يفهم شيئاً جديداً ، ويعرضه على مرحلتين : الأولى : تقريره عن الوجود والمعرفة الحقيقيين ، فهما في الوجود الكُليِّ ، الذي ينتهي إليه كل وجود .... لقد صار ذلك في غاية الوضوح ، عند المكزون ، وصار الموجد دليلاً على كلِّ موجود ....

أمّا المرحلة الثانية ، فهي تأكيد هذا التقرير واتخاذ موقف من هذه الحقيقة .... هذه قمة المعرفة عند المكزون ، يعرف أنَّ اللهَ هو الكلُّ ، بل الكلُّ عطايَا يديه ....))
6


بَيَانُ الوَهْم

لَيْسَ فِي هَذِهِ الكَلِمَاتِ فَهْمٌ جَدِيْدٌ، وَلا اسْتِنْبَاطٌ بَدِيْعٌ، فَمَنْ قَرَأَ نَهْجَ البَلاغَةِ عَرَفَ أَنَّ وُجُوْدَهُ دَلِيْلٌ عَلَى وُجُوْدِ اللهِ، وَمَنْ قَرَأَ كُتُبَ التّصَوّفِ قَبْلَ المَكْزُوْنِ قَرَأَ أَنَّ اللهَ هُوَ الكُلُّ، وَمِنْهُ فِي إِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّيْنِ :

(( وَأَمَّا أَفْعَالُهُ تَعَالَى فَكَذِكْرِهِ خَلْقَ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَغَيْرِهَا . فَلْيَفْهَمِ التّالِي مِنْهَا صِفَاتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَجَلالَهُ ، إِذِ الفِعْلُ يَدُلُّ عَلَى الفَاعِلِ فَتَدُلُّ عَظَمَتُهُ عَلَى عَظَمَتِهِ . فَيَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَ فِي الفِعْلِ، الفَاعِلَ دُوْنَ الفِعْلِ، فَمَنْ عَرَفَ الحَقَّ رَآهُ فِي كُلِّ شَيءٍ ؛ إِذْ كُلُّ شَيءٍ فَهُوَ مِنْهُ، وَإِلَيْهِ، وَبِهِ، وَلَهُ ، فَهُوَ الكُلُّ عَلَى التَّحْقِيْقِ . وَمَنْ لا يَرَاهُ فِي كُلِّ مَا يَرَاهُ فَكَأَنّهُ مَا عَرَفَهُ . وَمَنْ عَرَفَهُ عَرَفَ أَنَّ (( كُلّ شَيءٍ مَا خَلا الله بَاطِلُ ))، وَأَنَّ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [سورة القصص 88]؛ لأَنّهُ سَيَظَلُّ فِي ثَانِي الحَالِ؛ بَل هُوَ الآن بَاطِل إِنِ اعْتَبَرَ ذَاتَهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ، إِلاَّ أَنْ يَعْتَبِرَ وُجُوْدَهُ مِنْ حَيْثُ إِنّهُ مَوْجُوْدٌ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبِقُدْرَتِهِ، فَيَكُون لَهُ بِطَرِيْق التّبعِيّة ثَبَاتٌ، وَبِطَرِيْقِ الاِسْتِقْلالِ بُطْلانٌ مَحْض. (( وَهَذَا مَبْدَأٌ مِنْ مَبَادئ عِلْم المُكَاشَفَةِ ......)) 7

وَعَلَى هَذَا فَلا وَجْهَ لِقَولِ المُؤَلّفِ : (( المكزون ، هنا ، يفهم شيئاً جديداً ..))


 


  • 1معرفة الله والمكزون 1\247.
  • 2رسائل إخوان الصفاء 4\138.
  • 3معرفة الله والمكزون 1\302 .
  • 4شرح نهج البلاغة مج5\101، وانظر التوحيد للصدوق 56 ، والكافي للكليني1\189، وشرح أصول الكافي 4\182، ومرآة العقول 2\100 ـ 101، وبحار الأنوار مج 2\198، والميزان في تفسير القرآن 6\100.
  • 5منارات السائرين 266.
  • 6معرفة الله والمكزون 1\350 ـ 351.
  • 7إحياء علوم الدين 1\367، وانظر مشكاة الأنوار للغزالي أيضاً ص 55، وإيقاظ الهمم في شرح الحكم 74، والمحجة البيضاء في تهذيب الإحياء 1\ 478.