المَعرفة المُطلقة

أُضيف بتاريخ الأحد, 08/11/2015 - 10:16

المَعرفة المُطلقة


وَمِمّا ظَنَّهُ إِبْدَاعاً قَوْلُهُ :

(( تنتظمُ نظريَّةُ المكزون هذه أربعة قضايا : الذات . الأسماء والصفات .الإنسان . الكون ......

يُجرِّبُ المكزونُ نوعاً من الحلِّ ، يمكن تسميتُه نسبيَّةَ المعرفة الإنسانيّة لمعرفة الله المطلقة . فيقول : وأكمل المعارف بهِ لأهل المزاج : نفيُ خطِّ الخيالِ العارضِ في الوهم لذاته ، ونفيُ حدِّه عند تجلِّيه كالشجرة المباركة ، الطالعة من طور سيناء ، المنعوتة بالخروج عن حدود الجهات .... بإثبات القدرة الظاهرة ، وتحقيق الحق ...

وعلى الإنسان أن يثبتَ القدرةَ الظاهرةَ للقادر ، وأن ينزِّه القادر عمّا أدركه منه وأثبتَه له ، لأنَّه أجلُّ من كلِّ ما يُرى وما يُتوهّم ؛ فالصورة الظاهرة تدلُّ إليه ، وتعبِّر عن قدرته ...))
1

وَهُوَ مِنَ المَشْهُورِ فِي كُتُب الصّوفِيّة ، وَمِنْهُ فِي شَمْس القُلُوب :

(( فَمَنْ لا يَعْرِفُ تَنْزِيْهَ القِدَمِ عَنْ صِفَاتِ الحدَثِ يُوْشِكُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ الكُفْرُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُ ...... فَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَزَلِيٌّ قَدِيْمٌ لا بِدَايَةَ لِقِدَمِهِ ، دَائِمٌ أَبَداً لا نِهَايَةَ لِبَقَائِهِ ، صَمَدٌ لا تَأْلِيْفَ لِذَاتِهِ وَلا صُوْرَةَ لَهُ ..... فَإِنَّ العَرْشَ مُحْدَثٌ وَالرَّبَّ قَدِيْمٌ ، وَحُلُولُ القَدِيْمِ فِي المُحْدَثِ يُنَافِي صِفَةَ القِدَمِ .... وَمَجِيؤهُ سُبْحَانَهُ بِلا نَقْلَةٍ وَلا حَرَكَةٍ وَلا تَشْبِيْهٍ وَلا تَكْيِيْفٍ .... وَهُوَ كَمَا كَانَ فِي الأَزَلِ بِلا مَكَانٍ وَلا تَشْبِيْهٍ وَتَكْيِيْف ..)) 2

وَفِي البُرْهَانِ المُؤَيّد :

(( وَلَوْ تَحَقّقُوا مَا النّبُوّةُ وَمَا الرِّسَالَةُ وَمَا الإِيْمَانُ ...لَمَا أَنْكَرُوا نُبُوّةَ مُحَمّدٍ، صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلأَبْصَرُوهُ كَمَا أَبْصَرُوا مُوْسَى ....

وَلَكِنْ كَانُوا وَاقِفِيْنَ مَع مَا سَمِعُوا مِنْ أَخْبَارِهِ ، وَثَبَتَ عِنْدَهُم مِنْ ظُهُورِ القُدْرَةِ عَلَى يَدَيْهِ، وَبُرُوزِ الآيَاتِ العَجِيْبَةِ مُقَارِنَةً لِتَحَدِّيْهِ .

فَحُجِبُوا بِظُلُمَاتِ الصُّوَرِ المُظْلِمَةِ المُجَسَّمَةِ، وَهِيَ صُوَرُ المُعْجِزَاتِ، فَظَنّوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قُدْرَةِ مُوْسَى وَقُوَّتِهِ وَحَوْلِهِ .وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الّذِي أَبْدَى القُدْرَةَ عَلَى يَدَي مُوسَى .. هُوَ الّذِي أَبْدَاهَا عَلَى يَدَي مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم، وَأَنَّ الإِلَهَ وَاحِدٌ، وَالدِّيْنَ وَاحِدٌ، وَالأَنْبِيَاءَ وَاحِدٌ، وَدَعْوَتُهُم وَاحِدَةٌ، وَالقُدْرَةُ ظَهَرَتْ عَلَى أَيْدِيْهم، وَأَشَارَتْ إِلَيْهِم .....

أَظْهَرَ القُدْرَةَ عَلَى أَشْبَاحٍ مُتَفَرِّقَةٍ ، وَهَيَاكِل مُتَبَايِنَةٍ، وَهُوَ وَاحِدٌ فِي ذَاتِهِ، غَيْرُ مُتَحَيِّزٍ، وَلا مُنْقَسِمٍ، وَلا حَالٍّ، وَلا مُتَّحِدٍ .
وَلَكِنْ تَجَلَّى لِعِبَادِهِ بِأَفْعَالِهِ وَقُدْرَتِهِ ....))
3

وَفِي الكَمَالاتِ الإِلَهِيّةِ :

(( اعْلَمْ أَنّ التّجَلّيَاتِ الإِلَهِيّة ( عَلَى قُلُوب العِبَادِ )، لَهَا مِنْ حَيْث المَرْتَبَةُ حُكْمٌ، وَمِنْ حَيْثُ الظّهُورُ حُكْمٌ .

فَحُكْمُهَا مِنْ حَيْث المَرْتَبَةُ : عَدَمُ الجِهَةِ، وَعَدَمُ المُمَازَجَة، وَعَدَمُ الحُلُولِ، وَعَدَمُ الاتّحَادِ، وَعَدَمُ الانْفِصَال، الاتّصَال، وَعَدَمُ التّشْبِيْه وَالصُّورَة، وَعَدَمُ التّغْيِيْر .

وَحُكْمُهَا مِنْ حَيْثُ الظّهُور : وَمَا وَقَع التّعْرِيْف حَالَة التّجَلّي . فَلا يَسْتَحِيْل ظُهُورُهَا بِالجِهَة ، وَالمُمَازَجَةِ . وَالحُلُولِ، وَالاتّحَاد، وَالانْفِصَال، وَالاتّصَال، وَالتّشْبِيْه، وَالصّورَةِ، وَالتّغْيِيْر .

لأَنّ اللهَ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، يَظْهَرُ فِيْمَا يَشَاءُ كَمَا يَشَاءُ .... فَقَدْ ظَهَرَ الحَقّ تَعَالَى لإِبْرَاهِيْم ، وَفِي النّارِ لِمُوسَى ، وَفِي صُوَرِ المُعْتَقَدَاتِ لأَهْلِ المَحشَرِ ... وَقَدْ قَالَ (ص وآله) : (( رَأَيْتُ رَبِّي فِي صُورَةِ شَابٍّ أَمْرَد عَلَى سَرِيْرِ كَذَا، فِي رَأْسِهِ كَذا، فِي رِجْلِهِ كَذَا وَكَذَا )).

فَهَذِهِ الّتِي يعنى بِهَا التّشْبيه وَالصّورة، عَلَى أَنّهُ فِي ظُهُورِهِ بِمَا نُسِبَ إِلَيْه مِنَ التّشْبِيْه مُنَزّهٌ . فَتَعَالَى عَنِ التّجْسِيْم وَالتّصْوِيْرِ وَالحُلُول ...))
4


 


  • 1 معرفة الله والمكزون 1\424 ـ 425 ـ 426.
  • 2 شمس القلوب 188 ـ 189.
  • 3 البرهان المؤيد 311ـ312ـ313.
  • 4 الكمالات الإلهية 58 ـ 59.