الغزالي

أُضيف بتاريخ السبت, 06/11/2010 - 18:44

ألفت النظر ولو قليلاً ، إلى بعض القضايا الهامّة التي لا بدّ من ذكرها والتعليق عليها وذلك تمهيداً لبحثنا ، ومن جملة هذه القضايا التعريف ببعض الكتـّاب والمؤرخين ، الذين طعنوا بعقائد العلويين ، وألصقوا بهم ما شاؤوا من التُّهَم الكاذبة لإرضاء سُلطانهم ، وخدمة سياسته التي تتنافى مع مبادئ الإسلام ( كأبي الحامد الغزالي ) المولود في قرية (الغزالة) التابعة لكورة طوس من أعمال خراسان شمال شرقي فارس سنة (450 هـ) ومات فيها سنة (501هـ) وقيل (505 هـ) نشأ نشأة صوفية ودرس الفقه والكلام والفلسفة عن الجويني .

ولنسمع لحديث التاريخ وكيف كان الحاكم يؤثر تأثيراً كلياً على رجال الدين وكيف كانوا آلة بيده يُحرِّكها لصالحه متى يشاء :

ضاق أحد متأخري خلفاء بني العباس ذرعاً بأمواج النقمة المتصاعدة على الفساد والإفتئات فشعر بالحاجة لقمع وقائي، يُطفئ شعلة الثورة الوشيكة ولكي يتحقق ذلك على أتم وجه كان لا بد أن يسبقه شحن فكري للجماهير وتأجيج لكوامن أحقادها واستثارة لغرائزها بنبش دفائن الصدور ، وكان آلة ذلك مع الأسف الشديد الإمام الغزالي .

ونقول مع الأسف الشديد مخلصين ضناً بمكانته العلمية ولكن هذا ما كان ( فما اعتذارك عن قولٍ إذا قيل ) فطلع على العالم الإسلامي بكتابه " الرد على الباطنية " فكان عورة كتبه ، وبدا فيه مُتنكراً لكل ما أصّل هو نفسه في أصول البحث والحجاج في كتابيه " تهافت الفلاسفة " و " المنقذ من الضلال ، فإذا به بدلاً من الحجّة بالحجة ، والبرهان بالبرهان يحشوه بالأقاويل والظنون والسباب الرخيص ، وامتداح الخليفة والحَض على ما يهُم به من البطش .

وكم يحز في النفس هو أن العلماء متزلفون متصاغرون أمام ذوي السلطان ، وأشهد أني رثيت له منذ الصفحات الأولى من ثقل ما حمل عرفانه ووجدانه حتى نزل لهذا الدَرَك .

وكان ما كان مما ناله العلويون قِسطهم الوافر من النكبات والآلام مع أقربائهم وجيرانهم في الإعتقاد 1 .

وكتاب الغزالي اسمه المستظهري على إسم الخليفة المستظهر العباسي (انتصاراً له ، وتدعيماً لخلافته وإمامته وانتقاصاً من خصمه ونِدّه المُستنصر الفاطمي ، وإنكاراً لخلافته وإمامته ، وحَطاً من قدره ومقامه .

وقد أعاد نشره وتحقيقه الدكتور عبد الرحمن البدوي سنة (1964 م) تحت عنوان " فضائح الباطنية " .

هذا الكتاب يُعطينا الدليل ، ويُقيم لنا البرهان على عمل السياسة وهو أنّ العلم والدين والعلماء لدى أصحاب السلطة والسلطان ، وانجرافهم وانجرارهم وراء الرغبات والأهواء والنزعات ، وحُب الثراء والتنكّر للقيَم الأخلاقية والدينية التي جاء بها الإسلام . وإليك مقدّمة الكتاب وبواعث تأليفه قال :

أما بعد ، فإني لم أزل مدة المقام ، بمدينة السلام متشوقاً أن أخدم المواقف المقدسة النبوية الإمامية ، المستظهرية ، ضاعف الله جلالها ، ومد على طبقات الخلق ظلالها بتصنيف كتاب في علم الدين ، أقضي به شكر النعمة ، وأتم به رسم الخدمة وأجتني بما أتعاطاه من الكلفة ، ثمار القبول والزلفة ، ...

إلى أن يقول :

حتى خرجت الأوامر الشريفة المُقدّسة النبوية المستظهرية بالإشارة إلى الخادم بتصنيف كتاب في الرد على الباطنية ، فرأيت الإمتثال حتماً والمسارعة إلى الإرتسام حزماً ، وكيف لا أسارع إلى أمر زعيم الأمة وشرف الدين ، أمير المؤمنين ، لقول الله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) النساء:4- الآية 59 ، وقد شُرِّفتُ بالخطاب من بين سائر العالمين ، ورأيت المُسارعة إلى الإذعان والإمتثال ، من فروض الإيمان ... الخ .

كم في هذا الكتاب من الذلّة والإذلال والإزعان ، والرضوخ لمتطلبات السياسة ، ورغبة السلطان مما لا يتناسب مع قدر الدين ، والعلم والعلماء .
وكم فيه من المُبالغة ، وإغداق الألقاب ، على الخليفة يستعديه ، ويستدرجه ، على الإيقاع بخصومه من المسلمين ، فالخليفة العباسي ذو مواقف مقدّسة نبويّة إمامية وهو شرف الدين ، وأوامره فرض كالصلاة ، وغيرها من المُفترضات ، والغزالي خادم ممتثل للأوامر ، مُسارع للإجابة ، وتحقيق الرغبة تشرّف بالخطاب من بين سائر العالمين .
لا نحاول في هذه العُجالة ، تحليل هذا الكتاب ، وأغراضه وبيان نفسية المؤلف من خلاله ، وأكتفي بالقول بأنه نموذج لسلوك ونفسية الفقهاء والعلماء والمؤرخين في ذلك الزمن ، ومدى هوانهم وخضوعهم ، وخنوعهم للسلطان ومن هنا نُدرك قيمة آثارهم ، وآرائهم ، ونصيبها من الصحّة والحقيقة .

هذا هو الغزالي ، وهذا هو كتابه ، الذي شَقّ به المسلمين ، وكَرّس الشِقاق والفرقة والإنقسام ، حتى أطلق عليه الآخرون صفة الحُمق والجنون والجهل ، وفي طليعتهم الفيلسوف ابن رشد 2 .

وقال عنه ابن الجوزي : إنّ الغزالي طوى بصوفيته بساط الشريعة .

وقال عنه الفيلسوف القاضي أبو الوليد محمد بن رشد القرطبي الشهير في كتابه تهافت التهافت : إنه جاهلٌ شرّير .

وكان موصوفاً بالكِبر والخيلاء والإغترار كما حدّث عنه الظافر بن اسماعيل.

بالإضافة إلى ما قاله الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر السابق وعميد كلية أصول الدين في تعليقه على كتاب الغزالي، فقد أكثر من التشنيع على آرائه وسلوكه إلى أن قال : فانقلب شيطان رعونته والتخلق بالأخلاق الذميمة إلى سكون النفس .

وقد ردّ الحافظ العراقي على أكثر أحاديثه التي أوردها في كتابه "إحياء علوم الدين" واعتبرها موضوعة . وتكلم عنه أبو الوليد الطرطوشي بقوله : إن الغزالي انصرف عن طريق العلماء وتصرّف فهجر العلوم وأهلها ودخل في علم الخواطر وأرباب القلوب ووساوس الشيطان .

وفوق كل ذلك أتانا يُبرر يزيد ويُبرّئه من دم الحُسين وإنه لا يجوز عليه اللعن بل بالغ بإيجاب الترحّم عليه والدعاء له وإنه داخل في جملة من نستغفر له ونترحم عليه ختم الصلاة من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات أليس ذلك لأن الماء تكدّر من ينبوعه وانصرف من مجراه النقي فتسرّبت إليه الأكدار ومرنت النفوس على اعتياد ذلك وتقليده فصار مَلكة راسخة لا يَحسّ صاحبها بحسن ولا قبيح إلا ما أورثته إياه 3 .

هذا هو الغزالي الذي كفـّر أكثر المسلمين لإرضاء سلطانه والذي طعن به أكثر علماء زمانه ، وقد صفّق له علماء الغرب وأثنوا عليه وهذا أمر طبيعي أن يُصفّق له علماء الغرب فلقد كفـّر أكثر المسلمين وهذا أمرٌ يهمهم كثيراً .

وذكروا إنه توصل إلى ما توصل إليه من حقائق بالبحث ونبذ التقليد ، وإنه استنبط جميع الآراء والنحل ، وتعمّق بها حتى الزندقة والتعطيل "يُريدون الغلو والرفض" إلى أن استقرّ فكره على آراء اطمأن إليها بعد التسليم بقلب سليم ، والإستمداد من مَفيض الجود على كل موجود.
وانظر إلى ما حَكى عنه شارحوه ومُحللوه هذا الحِبر العظيم الذي باهى به النبي (ص) موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام قائلاً لهما : هل في أمتيكما حبراً – كهذا – قد طرح التقليد كما يقول ولكنه ارتطم في وحلته من حيث لا يشعر ذهاباً إلى ما وعاه العقل الباطن من مذهب الأشعري 4 .

ومن كتاب غاية الأماني بأن ابن صلاح تقي الدين عثمان بن عبد الرحمن تكلم في الغزالي بكلام قادح فيه ، وطعن على كتبه بأنها مُشتملة على خرافات وأكاذيب وموضوعات .
وقال القاضي عياض بن موسى بن عياض : الشيخ أبو الحامد ذو الأنباء الشنيعة ، والتصانيف الفظيعة ، ... ساءت به ظنون الأمة .

وغيرهم الكثير .

هذا هو الغزالي باختصار شديد والذي يُعتبر كتابه حُجّة عند البعض بالطعن على فئات إسلامية .
ونكتفي بهذا القدر
ونترك للقارئ حريّة النقد والتأمل كما يوحيه له عقله وضميره لنعود ونقف مع الشهرستاني وكتابه وأقوال العلماء فيه .

  • 1 الدكتور الشيخ علي سليمان الأحمد.
  • 2 أحمد علي حسن "العلويون في مواجهة التجني".
  • 3 من مقالة للعلامة الكبير الشيخ سليمان الأحمد ق.
  • 4 من مقالة للعلامة الكبير الشيخ سليمان الأحمد ق.