ابن تيمية

أُضيف بتاريخ السبت, 06/11/2010 - 18:44

هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن الخضر تقي الدين أبو العباس ابن تيمية الحراني الحلبي ثم الدمشقي المولود بحران سنة (661 هجري) والمتوفي في دمشق (728 هجري).

امتدت حياته في العصر المماليكي الأول، عصر المماليك البحرية الذين سيطروا على مصر سنة (658 هجري) حتى كانت نهايتهم سنة (784 هجري).

مضت أيامه هادئة ممدوح السيرة عالي الصيت مدرساً وخطيباً ومُصنفاً حتى كانت سنة (698هجري) فتفجرت عليه براكين الغضب في دمشق فتابعتها القاهرة والإسكندرية، غضب قادة فقهاء المذاهب الثلاثة وشيوخ الصوفية الذين كانت لهم معه جولات من الصراع ونزاعات لم تخمد إلا أنها لم تبلغ ذروتها إلا فيما بعد.

كل ذلك كان أثر خطبة ألقاها على المنبر تكلم فيها في ذات الله تعالى وصفاته فعمّق البحث وتوسّع وأطنب فدخل في البحث طرقا لم يسلكها الأولون هيبة وورعاً وتمسكاً بحدود الشريعة التي تنهي عن الخوض في ذات الله وصفاته تعالى شأنه.

ثم زاد على ذلك ما أدخله من براهين ناصر فيها عقيدة القائلين بالتجسيم الذين نسبوا إلى الله تعالى صفات هي من صفات الأجسام، كالوجود في جهة واحدة والإستواء على العرش حقيقة والحركة والإنتقال، وأنّ الوجه والأيدي والأعين والأرجل المذكورة في بعض الآيات والأحاديث إنّما هي الحقيقة دون المجاز.

تلك أوّل ثائرة كبيرة تثور عليه ولكن سرعان ما حسمها أمير دمشق لصالحه، ولكن بقي جمرها تحت الرماد حتى تأجّج لظاها في فرصة سنحت في سنة 705 هجري فاستُدْعِيَ إلى مِصر إلى القضاء وسُجن هناك سنة ونصف ثم أفرج عنه وأمِر بالإقامة بالإسكندرية فأمضى فيها ثمانية أشهر في برج على البحر.

وفي الإسكندرية ركّز حملاته على الصوفية فوقعت هناك فتن كثيرة طيلة مدة إقامته.

وفي سنة (704 هجري) كان السلطان طوع فتواه يفتي له بما يَهواه ويُملي عليه ما يُريد، وفي سنة (720 هجري) ثارت عليه ثائرة دمشق أثر مسائل في الطلاق أفتى فيها بخلاف المذاهب الأربعة، واستدعي للقضاء ومنع من الإفتاء وسجن خمسة أشهر ثم أفرج عنه بأمر من السلطان وسكن الأمر.

وتجدّدت الفتنة على أشدها في سنة (726 هجري) على أثر تجديد الكلام في فتواه بتحريم شدّ الرحال إلى قبور الأنبياء والصالحين، وعثروا له على كتاب كتبه في هذه المسألة منذ سنة (710 هجري) وكان له كلام مُتقدم على هذا أيضا ذكره في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم".

وكَثُرَ الكلام والتشنيع عليه وحَصَلت فتنة طار شرَرُها في الآفاق ورفعوا ذلك إلى السلطان فترَدّد في أمْره ثم خفف عليه شيئا من شدة الأمر انتصار علماء بغداد له فبعثوا كتبا بموافقة رأيه منهم: ابن الكتبي الشافعي ومحمد بن عبد الرحمن البغدادي المالكي شيخ المالكية بالمدرسة المستنصرية وعبد المؤمن بن عبد الحق الخطيب وجمال الدين ابن البتي الحنبلي، كما كتب بعض علماء دمشق في نصرته أيضا منهم أبو عمرو بن أبي الوليد المالكي وآخرون.

وبين هذا وذاك رأى السلطان أن ينقل الشيخ إلى قلعة دمشق إخماداً للفتنة. وهناك تفرّغ للكتابة وإلى جنبه ما يحتاجه من الكتب، فكتب في الرد على خصومه من القضاة المالكية والشافعية، وكتب في التفسير أيضا كما كتب في مراسلة أنصاره كثيرا ثم أخرجت جميع كتبه من عنده فرأى في ذلك انتصارا له لأنه كان سبباً في نشرها واطلاع الناس عليها بعد أن كانت حبيسة له.

ومات ابن تيمية في سجن قلعة دمشق بعض مرض شديد امتد عشرين يوما بتاريخ (728هجري) مُتهما بإثارة الفتنة والنعرات المذهبية والخروج عن الشريعة السمحاء، فقد عادى جميع العلماء والفقهاء من غير مذهبه وتفرد ببعض شواذ المسائل التي أنكرها الجميع.

ومن عجائب الأيام أن يصير مدفنه في مقابر الصوفية خصومه مدى حياته وخصومه بعد موته أيضا.

لقد عاش ابن تيمية نحو ثماني وستين سنة ثم مات وحيدا لم يتزوج مدّة حياته ولقد تفرّد بفتاوي خالف فيها مذهبه الحنبلي وربما خالف فيها المذاهب الأربعة ورغم أن هذه المواضع ليست كثيرة إلا أنها أحدثت أصداء كبيرة.

ولقد رماه أقرب أنصاره إليه بالشذوذ ومن أولئك الذهبي والصفدي وابن كثير.

وقد حصر ابن عماد الحنبلي أهم هذه الفتاوي بنحو خمسة عشر مسألة 1 .

ويقول ابن رجب الحنبلي في كتابه طبقات ابن رجب:

كثيرا من العلماء ومن الفقهاء والمحدثين والصالحين كرهوا له التفرّد ببعض المسائل التي أنكرها السلف على من شذّ بها، حتى أنّ بعض قضاة العدل من أصحابنا - يعني الحنابلة- منعه من الإفتاء ببعض ذلك.

وجاء في كتاب "البداية والنهاية" إنه إذا أشار إلى السلطان أو نائبه بعزل قاضي أو خطيب أو شيخ في دار الحديث أو في ناحية من النواحي نفذ طلبه على الفور وبلا ترديد ولم يُذكر عنه أنّه أزعج السلطان في أمرٍ يَمَسّه أو يَمَسّ سياسته من أمر بمعروف أو نهي عن منكر مع شيوع الفحشاء واتساع أسواق الخمر والحشيشة برعاية السلطان وتفشي الظلم والإستبداد، بل كان مذهبه ( وجوب الطاعة للسلطان وحرمة الخروج عليه وإن كان ظالماً لأن الشر المتولد عن ذلك أكثر من النفع والخير ).
ويقول: إنّ بعض السلف كانوا يقولون: " لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان براً كان أو فاجرا ".

وقد كان ذا خُلق سيء في مجالسه وكان يُكثر الَسباب والشتائم إذا غضب مع أنه كان يروي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قوله: " سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر ".
وقد روي عنه أنه أفتى في مسألة وأفتى فقيه آخر بخلافه فرد عليه ابن تيمية قائلا:
من قال هذا فهو كالحمار الذي في داره . فأنكر عليه حتى مؤيدوه هذا الأسلوب في الجدل وهذه الحدّة التي تصدم الخصوم.

ثم إنّه كان يعتبر يزيد من كبار الصحابة وأئمة الهدى وقد ألف كتاباً مفرداً بعنوان (فضائل معاوية وفي يزيد أنه لا يُسب) مع العلم أن ابنه معاوية قال فيه :
( ولقد كان أبي - يزيد- بسوء فعله وإسرافه على نفسه غير خليق بالخلافة على أمّة محمد صلى الله عليه وسلم فركب هواه واستحسن خطاه وأقدم على ما أقدم من جرأته على الله) وأولى الناس بمعرفة الآباء هم الأبناء.

أما من حيث فضائل معاوية فيقول إسحاق بن راهوية – المقرون بالإمام أحمد ابن حنبل - : لا يصح عن النبي في فضل معاوية شيء .
وقال : إذن فدعوى كونه من كتاب الوحي هي من التزوير المعتمد . فالمروي فيه أنه كتب بين النبي وبين العرب .

ويروي عن الحسن البصري الذي عاصر معاوية ورآه وعرف سيرته ، فقال فيه :
اربع خصال كنّ في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة :

  • الأولى: انتزاؤه على هذه الأمة بالسيف حتى أخذ الأمر من غير مشورة وفيهم بقية الصحابة وذوو الفضيلة .
  • والثانية : استخدامه بعده ابنه سكّيراً خميراً يلبس الحرير ويضرب بالطنابير .
  • والثالثة : ادعاؤه زياداً ، وقد قال رسول الله (ص) الولد للفراش ، وللعاهر الحجر .
  • والرابعة : قتله حجراً وأصحاب حجر ، فيا ويلاً له من حجر ، ويا ويلاً له من حجر .

وكذلك قال ابن تيمية: ( لم يكن لمروان ذنبٌ يُطرد عليه على عهد النبي ).
مع أنّ الثابت بأنّ النبي لعنه، فقد قالت له عائشة : أما أنت يا مروان فأشهد أنّ رسول الله (ص) لعن أباك وأنت في صلبه.

وقد كان ابن تيمية يرى أن تقديم آل الرسول ليس من أثر فحسب بل هو أيضا من عقائد اليهود. مع أنه صح عن النبي قوله : ( ولا تقدموهم فتهلكوا ).

وقال أيضا صلى الله عليه وآله وسلم :

  • ( فاطمة بضعة مني )
  • ( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة )
  • ( هذان ابناي وريحانتي من الدنيا )
  • ( حسين مني وأنا من حسين )
  • ( علياً مني وأنا منه وهو وليّكم بعدي )
  • ( اللهم هؤلاء أهل بيتي اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا )

وغير هذا كثير مثبت عند الجميع. فهل هذه الأقوال من أثر الجاهلية أو من أثر اليهود ؟؟؟!!! ( قاتل الله العصبية ).

إنكار حديث المؤاخاة

وفي كتابه منهاج السنّة فهو يقول : ( أما حديث المؤاخاة فباطل ، والنبي لم يؤاخي علياً ).
مع أنّ إمام مذهبه أحمد بن حنبل أثبته في مسنده (ج5 ص 230 ) . 2
أما حديث المؤاخاة فقد جاء في سيرة ابن حبان :

آخى النبي (ص) بين المهاجرين والأنصار ثم قال لعلي :
والذي بعثني بالحق ما أخـّرتك إلا لنفسي ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي ، وأنت أخي ووارثي. قال علي : يا رسول الله ، ما أرث منك ؟
قال (ص) : ( ما ورثت الأنبياء قبلي ) وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي ثم تلا رسول الله (ص) : ﴿ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ .

حديث الطائر

فهذا هو حديث المؤاخاة الذي يُنكره ابن تيمية بالإضافة إلى نُكرانه حديث الطائر والذي رواه الترمذي من طريق السدي ووثـّقه ، ورواه النسائي ، وصحّحه الحاكم في المستدرك وقال : رواه عن أنس أكثر من ثلاثين نفساً ، وصحّحه الذهبي وألّف جزءاً في ما صح عنده من طرق .
ورواه البغوي أيضاً ، وقال الخوارزمي في كتابه مقتل الحُسين : أخرج ابن مردويه هذا الحديث بمئة وعشرين إسناداً.
مع كل هذه الأحاديث فإنّ ابن تيميّة يقول : ( إنّ حديث الطائر من المكذوبات الموضوعات عند أهل العلم والمعرفة بحقائق النقل ).

فهل كل هؤلاء الذين رووا هذا الحديث بالأسانيد الثابتة وَضّاعين وكَذّابين ولم يكونوا من أهل العلم والمعرفة بحقائق النقل في نظر ابن تيميّة وهو وحده العالم بذلك والصادق في روايات الأحاديث وتحقيقها ؟؟؟!!!

أما حديث الطير فقد رواه أنس بن مالك ، قال: كان عند النبي (ص) طيرٌ أُهدِيَ إليه فقال: اللهم آتني بأحب الخلق إليك ليأكل معي هذا الطير فدخل علي (ع) فأكله معه .

آية الولاية

وأنكر أيضاً نزول آية الولاية في علي (ع) حينما تصدّق بخاتمه وهو راكع، وذلك في قوله بكلام مُوَجّه إلى الشيعة يقول فيه:

وحَرّفوا القرآن تحريفاً لم يُحرّفه غيرهم ، مثل قولهم : إنّ قوله تعالى ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ نزلت في علي لمّا تصدّق بخاتمه في الصلاة . وهو من أعظم الدعاوي الباطلة بل أجمع أهل العلم بالنقل على أنّها لم تنزل في علي بخصوصه ، وإنّ علياً لم يتصدّق بخاتمه في الصلاة ، وأجمع أهل العلم بالحديث على أن القصّة المَروية من الكذب الموضوع .

فمن هم أهل العلم الذين أجمعوا على بطلان هذه القصة ؟! وقد أخرجه وأثبته: (الطبري ، والواحدي ، والثعلبي ، والزمخشري ، والرازي ، وأبو السعود ، والنسفي ، والبيضاوي ، والبغوي ، والسيوطي ، والشوكاني ، والألوسي ، وكذلك أحمد بن حنبل ، وابن الأثير).

آية الإنذار

كما أنه ضعّف الأسانيد الدالة على حديث آية الإنذار وشكك بها مع كثرتها وصحّتها وقد روى هذا الحديث الطبري والبغوي وابن تيميّة هو الذي قال في الطبري إنه لا يروي الأحاديث الموضوعة ولا الضعيفة .

وآية الإنذار في قوله تعالى : ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ وإنّه بعد نزولها جمع النبي بني عبد المطلب فأنذرهم ، ثم قال : ( أيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيِّ وخليفتي فيكم ؟ )
قال علي : فأحجم القول عنها ، وقلت : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه .
فأخذ برقبتي ثم قال : ( إنّ هذا أخي ووصيِّ وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا ) .

حديث الموالاة

وأما حديث الموالاة يوم الغدير فيُثبته ابن تيميّة برواية الترمذي وأحمد في مسنده عن النبي إنه قال : (من كنت مولاه فعلي مولاه) . إلا أنه أنكر بقيّة الحديث وهي ( اللهم وال من والاه... ) ، ويقول : فلا ريب أنه كذب .

مع أنّ هذه الزيادة قد رواها أحمد في مسنده من سبعة طرق ،   ورواها ابن ماجة في سننه ،   ورواها النسائي من أكثر من عشرة طرق ،   وصحّحها الحاكم في المستدرك فقال صحيحٌ على شرط الشيخين ،   وصحّحها الذهبي أيضاً وقال: قويّة الإسناد .

حديث الثقلين

وكذلك حديث الثقلين الذي رواه مسلم في صحيحه ، والترمذي في مسنده ، والحاكم في المستدرك ، وهو خطاب النبي المشهور بغدير خم وبلاغه للناس :
( ألا أيها الناس إنما أنا بشرٌ يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين : أولهما كتاب الله ، فيه الهُدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ) رواه مسلم .

وأما الترمذي ، وأحمد بن حنبل ، والحاكم فقد رووه بهذه الصيغة :
وقوله (ص) : ( إني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ؟ ).

فماذا يقول ابن تيمية ؟

إنه يقول :

الحديث الذي في مسلم إذا كان النبي (ص) قد قاله فليس فيه إلا الوصاية باتّباع الكتاب وهو لم يأمر باتّباع العترة ، ولكن قال أذكركم الله في أهل بيتي . فأين هو الثقل الثاني الذي أخبر عنه النبي (ص) ؟

بالإضافة إلى تشكيكه في صحّة هذا الحديث وذلك بقوله : (الحديث الذي في مسلم إذا كان النبي قد قاله) فلينظر ذو عقل إلى هذه التورية المفتعلة .

وله الكثير من هذا القبيل في تحريف الأحاديث وتضعيفها والتشكيك بها ولو أردنا الوقوف عليها لاحتجنا إلى وضع كتاب مفرداً لهذه الغاية .

الطعن في عدالة الإمام علي (ع)

ولم يقف به الأمر إلى هذا الحد بل تعرّض إلى عدالة علي(ع) وطعن بها وقلّل من قيمة علمه وجهاده وغير ذلك الكثير مما لا يُحصى فمن أراد الرجوع إليها فليُراجع كتابه (منهاج السنة) ففيه ما يؤكد قولنا.

فمن يقول هذا في الإمام علي عليه السلام ويتنكّر لفضائله هل يصعُب عليه الطعن بشيعته ومواليه؟

تصدّي علماء السُنّة لابن تيميّة

وكما نوّهنا سابقاً إلى أنّ شمس الدين الحموي أبو عبد الله الذهبي بعث رسالة إلى ابن تيمية ورفض فيها مذهبه وطعن به وعرّض عليه، فبدأ في مطلعها يستغفر الله على ذلته ويسأله أن يُقله عثرته وينصح بها ابن تيمية بتبديل مواقفه وعدم تهجمه وهذه الوصية أوردها الكاتب المصري (صالح الورداني) في كتابه (أهل السنة شعب الله المختار).

وكذلك تصدى له إمام الشافعية علي ابن عبد الكافي السبكي ونقض عقيدته في كتاب أسماه (شن الغارة على من أنكر السفر للزيارة) وقال فيه:

وما وقع به ابن تيمية فعثرة لا تُقال أبدا، ومُصيبة يَستمر شؤمها سَرمداً، وليس بعجيب فقد سَوّلت له نفسه وهَواه وشيطانه إنه ضرب مع المجتهدين بسهم صائب، وما درى المحروم إنه أتى بأقبح العجائب، إذ خالف إجماعهم في مسائل كثيرة وتدارك على أئمتهم...

ويقول ابن حجر الهيثمي المكي الشافعي في الجوهر المنتظم :

ومن هو ابن تيمية حتى يُنظر إليه ويقول في شيء من أمور الدنيا عليه، وهل هو إلا كما قال جماعة من الأئمة الذين تعقبوا كلماته الفاسدة وحججه الكاسدة حتى أظهروا عوار سقطاته وقبائح أوهامه وغلطاته، كالعز بن جماعة:
عبد أضله الله وأغواه وألبسه رداء الخزي وأرداه وبوأه من قوة الإفتراء والكذب ما أعقبه الهوان وأوجب عليه الحرمان.

وفي الدرر الكامنة لإبن حجر العسقلاني :

أنكروا -أي العلماء- عليه ما ابتدعته يده الأثيمة من المخازيق التافهة والآراء المحدثة الشاذة عن الكتاب والسنة والإجماع والقياس ونودي عليه بدمشق من اعتقد عقيدة ابن تيمية حل ماله ودمه.

وقد رد عليه الكثيرون وآخرهم فتوى الشيخ سليم البشري نذكر منها قوله :

وممن نسب إليه القول بالجهة من المتأخرين ابن تيمية الحراني الحنفي الدمشقي من علماء القرن الثامن في ضمن أمور نسبت إليه خالف الإجماع فيها عملاً برأيه، وشنّع عليها معاصروه بل البعض منهم كفّروه ولقي من الذل والهوان ما لقي..

إلى قوله:

ومن العجيب أن يدع مسلم قول جماعة المسلمين وأئمتهم ويتشدق بترهات المبتدعين وضلالتهم، أما سمع قول الله تعالى: ومن يبتغ غير الإسلام دينا نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا.
فليتب إلى الله من تلطخ بشيء من هذه القاذورات ولا يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر..."إلخ.

وهذه الفتوى رواها بكاملها الكاتب (صالح الورداني) عن كتاب (فرقان القرآن).

ابن تيميّة مُجسّم ومُشبّه ولا يُمثّل بآرائه رأي السُنّة

وعلى هذا الأساس اعتُبر ابن تيمية من المُجسّمين والمُشبّهين ودعاة الفتنة ولا يمثل بآرائه رأي السنة.

وبعد كل هذا يأتي بعض الكتاب المقلدين من غير تبيّن لما هم له ناقلون ليتغنوا بفتاويه الجائرة بخصوص العلويين، ويستندون إليها لتكفير هذه الطائفة وكأن أقواله ( آي الذكر الحكيم ) ، وهذا ما نعجب له ونستغربه ويدعونا للإستخفاف بهؤلاء الكتاب التافهين والشك في نواياهم الخبيثة والمُسَخّرَة لخدمة أعداء الدين ، - كما اتضح وبان من أقوال العلماء المنصفين - .

فتوى ابن تيميّة

وأمّا فتوى ابن تيمية فهي تدل على جهله بالمذاهب والفِرق ، حيث أنه خلط بين الحابل والنابل ، وجاء باتهامات عشوائية لا تستند إلى مصدر موثوق يعتمد عليه، كعادته في رواية الأخبار والأحاديث . وكفّر في هذه الفتوى بالإضافة إلى العلويين الكثير من الفرق الإسلامية . وأخبر بأنها جاءت من سائل مجهول وموجّهة إلى مجموع العلماء. وهنا نسأل:

  • من هو هذا السائل المجهول ولماذا أخفى اسمه؟ ولا أرى إلا أن يكون السائل ابن تيمية نفسه، سأل بلسان سواه وأجاب بما يهواه.
  • ولنفترض أن هذا السؤال له صاحب غير ابن تيمية وقد وجّه سؤاله إلى مجموعة العلماء فلماذا أحجموا عن الجواب وتصدّر له ابن تيمية؟
  • هل لأنه أعلم أهل زمانه؟
  • أم لأنه مقبول عند سلطانه؟
  • أم لشدّة تعصبه على شيعة أهل البيت وبغضه لهم وهذا يبدو واضحا من خلال فتواه وبعض مؤلفاته وخصوصاً (منهاج السنة).
  • وإحجام بقية العلماء عن الجواب ألا يدل على عدم رغبتهم في تكفير الغير من دون دليل؟
  • وتساؤلات كثيرة تطرح نفسها...؟؟؟
وخلاصــة القــول

وخلاصة القول فإنّ ابن تيمية طعن به أكثر علماء زمانه والكثير مِمّن أتى بَعده وأصدروا فتاوى بحقه وبحق مؤيّديه وفوق ذلك يأتي من يَستند إليه ويَعتبره شيخ الإسلام أمثال: عبد الرحمن البدوي، وعبد الحسين مهدي العسكري، وصابر طعيمة، وسهيل الفيل.
وغيرهم من الكتاب المتخرصين والرخيصين بالإضافة إلى استنادهم على أقوال أعداء دينهم من مستشرقين ومبشرين هدفهم إثارة النعرات وخلق الفتن بين المسلمين.

ولو رجعنا إلى ابن تيمية للاحظنا بأنّه نسب العلويين إلى فئات ومذاهب عديدة وهذا يَدُلُّ بوضوح إلى اضطرابه الشديد والذي أدّى به إلى تناقض أقواله، كما أنه تحدث في هذه الفتوى باسم كافة المسلمين مع أنّ أكثر علمائهم كما أثبتنا طعنوا به وتبرؤوا من بدعه.

وأُعَقِّبُ على أمر ذكره ابن تيمية بقوله : ( إنّ لدى العلويين عدّة كتب ومؤلفات وقد ردّ عليها من قبل العلماء والفقهاء ).
فلماذا لم يذكر أسماء هذه الكتب أو أسماء مؤلفيها ، أو أسماء العلماء والفقهاء الذين ردوا عليها وأسماء كتبهم التي ردّوا بها ؟؟!!
وفي الحقيقة التي يأبى قبولها هو ومن تابعه إنه لا يوجد شيء من هذا القبيل إلا اختلاقات أوجدها كعادته ليوهم الناس بصدق دعواه وصحّة فتواه وما افتراه .

ففتوى ابن تيمية إنْ دلت على شيء فهي تدل على حقد هذا الرجل وجهله وتعَصُّبِه والذي يبدو جلياً من خلال إنكاره لفضائل أهل البيت وتحريفها كما بيّنا ذلك وأوضحناه ...

وإنّ أقواله وأقوال غيره من المُتَزمّتين أداة ووسائل تخريبية في يد المستعمر استغلها فيما مضى ضد المسلمين وسيبقى يَستغلها ويُحركها كلما سنحت له الفرصة بواسطة جنوده المرتزقة من الكتاب المأجورين لهذه الغايات. 3

  • 1 شذرات الذهب 85:6.
  • 2 وقد رواه أيضاً أصحاب السنن كالترمذي ، والبغوي ، والحاكم ، وأصحاب السِيَر والتاريخ.
    ورواه : ابن إسحاق ، وابن هشام ، وابن سعد ، وابن حبان ، وابن عبد البر ، وابن الأثير ، وابن أبي الحديد ، وابن سيد الناس ، وابن كثير ، والسيوطي .
    ورواه غير هؤلاء كثير من أصحاب الجوامع : كجامع الأصول ، ومجمع الزوائد ، والصواعق المحرقة ، وكنز العمال.
  • 3 القارئ الكريم تكاد لا تخلو فتوى أو كتاب من الذين طعنوا بالمسلمين العلويين من الإعتماد على أقوال ابن تيميّة لذلك ستجد ذكره مُرَدّد في أكثر الكتب والردود. ولمزيد من الإطلاع راجع بقية الأجزاء من كتاب (المسلمون العلويون بين مفتريات الأقلام وجور الحُكّام)
    ويمكنك أيضاً الإطلاع على الرد على فتوى الشيخ محمد سيّد طنطاوي مفتي الديار المصرية وما قاله الدكتور عمر أبو زلام في معرض ردّه على فتواه وحديثه عن ابن تيميّة 
    وسيكون للشيخ الفاضل حسين المظلوم مستقبلاً كتابٌ مُفرد عن ابن تيميّة فترقبّوه. (أبو اسكندر)