3- الحق المُبين في القول على أدب الدين.

Submitted on Tue, 12/10/2010 - 17:40

إعلم أن الشرع الشريف قد حضّ على أدب الدين فقال: أدب الدين قبل الدين ومن لا أدب له لا دين له .
وهي إقامة أوامر الله عز وجل كالصلاة و الصوم و الزكاة و الحج و الجهاد و العدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى و النهي عن الفحشاء و المُنكر و البغي و الظلم وما أشبه ذلك كله من آداب الدين.

ومن آداب الدين إقامة كل ما أتى به الرسول الأعظم ونصّت عليه الكتب السماوية والتجنب عما نهى الله عنه.

ومن آداب الدين معرفة ما نزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الذكر الحكيم من قصص الأنبياء السالفة وأخبار القرون الخالية وبيان ما كان مجملاً ومفصلاً وإيجازاً ومعرفةً واستنباط ما نبّه على معانيه وأشار إلى أصوله بالإجتهاد فيه.

ومن آداب الدين معرفة أن الكتاب العزيز أصلاً والسنة فِرعاً واستنباط العلماء إيضاحاً وكشفاً كما رويَ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: "إنّ القرآن أصل الشريعة ودليلها".

ومن آداب الدين أن يعلم المتديّن أن القرآن مُنطوي على الحِكم كلها علميّها وعمليّها كما قال الله تعالى : ( وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) يس\12.

قال الإمام الراغب رضي الله عنه :
ولكن ليس يظهر ذلك إلا للراسخين في العلم وما من برهان ودليل وتقسيم وتحديد في المعلومات العقلية والسمعية إلا وكلام الله تعالى قد نطق به وأورده على عادة كلام العرب دون دقائق طرق الحكماء والمتكلمين وذلك لأمرين أحدهما ما أشار إليه سبحانه بقوله: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ) إبراهيم\4.
والثاني إنّ المائل إلى دقيق المحاجة العاجز عن إقامة الحجة بالجليل من الكلام فإن من استطاع أن يفهم بالأوضح الذي يفهمه الأكثرون لم ينحط إلى الأدق.

وقد ورد القرآن العظيم في صورة جلية تحتها كنوز خفية ليفهم العوام من جَلِيِّه ما يُقنعهم, ويَفهم الخواص من دقائقه ما يزيد على إدراكه فِهم الحكماء بمراتب شتى.
ومن هذا الوجه كل من كان حظه من العلوم أوفر كان نصيبه من القرآن أكثر وكذلك إذا ذَكر سبحانه حجة أتبعها مرة بالإضافة إلى أولي العِلم ومرة إلى ذوي العقل ومرة إلى المتذكرين, وبالجملة قد انطوى على أصول علوم الأولين والآخرين وفيه تجلى الله سبحانه لعباده المؤمنين وهو حبل الله المتين والذكر الحكيم والصراط المستقيم وهو الذي به تندفع الأهواء والشبه عن العلماء ولكن محاسن أنواره لا يفهمها إلا البصائر الجلية ولطائف ثماره لا تقطفها إلا الأيدي الزكية. ( الإمام الراغب)

ومن آداب الدين أن يعرف المتديّن أن تحت كل لفظة من القرآن فائدة, وفي ضمن كل قصة حصة, وفي أثناء كل إشارة بشارة, وفي طي كل حكاية كناية, ولذلك تراهم يستكثرون من الحكايات في تضاعيف محاوراتهم ليأخذ كل من السامعين ما يصيبه ويحظى بما هو نصيبه. وعلى حسب استعداده قد علم كل أناسٍ مشربهم.

وعلى هذا ورد أن للقرآن ظهراً وبطناً إلى سبعة أبطن, فلا يُظَنُّ أن المُراد بالقصص والحكايات التي هي واردة في القرآن العزيز محض القصة والحكاية لا غير, فإن كلام الحكيم غير ذلك: ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ* لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) الواقعة\77-78-79.

واعلم أن من آداب الدين القنوت والمناجاة والدعاء 1 .

فكان من قنوط أفلاطون هذه الكلمات :
(يا علة العلل يا قديم يا أزل يا مُنشي مبادئ الحركات الأوَل يا من إذا شاء فعل إحفظ عليَّ صحتي النفسانية مادمتُ في عالم الطبيعة).
وكان يقول في مناجاته :
(يا روحانيتي المتصلة بالروح الأعلى تضرّعي إلى العلة التي أنت معلولة من جهتها لتضرّع إلى العقل الفعّال ليحفظ عليَّ صحتي النفسانية ما دمتُ في عالم التركيب ودار التكليف).

وكان قنوت فيثاغورس :
(يا واهب الحياة أنقذني من دَرَن 2 الطبيعة إلى جوارك على خط مستقيم فإن المعوج لا نهاية له).

ومن الدعاء تعلق إعرابي بأستار الكعبة وقال:
(اللهم إن قوماً آمنو بك بألسنتهم ليحفظوا دماءهم فأدركوا ما أملوه وقد آمنا بك بقلوبنا لتجيرنا من عذابك فبلغنا ما أملناه).

ومن أحسن دعاء ما قالته امرأة لرجل أحسن إليها , قولها:
(أذلّ الله كل عدوٍ لك إلا نفسك, وجعل نعمته عليك هبة لك لا عارية عندك, وأعاذك الله من بطر الغني وذل الفقير, وفرّغك الله لما خلقك له ولا شغلك بما تكفّل لك به) 3 .

  • 1 القنوت: الطاعة والسكوت والدعاء والقيام في الصلاة والإمساك عن الكلام.
    وأقنت: دعا على عدوه وأطال القيام في صلاته.
  • 2 الدرن: الوسخ أو تلطخه درن الثوب كفرخ وأدرن وأدرنته فهو دَرِن.
  • 3 قال الحكماء: أعظم عدو للمرء نفسه. وقولها (وجعل نعمته عليك هبة) تريد أن الهِبَة لا تُرَدّ, والإستعارة مردودة. والغنى يجلب البطر, والفقر يجلب الذل, والله سبحانه خلق الناس ليعبدوه من قوله تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) والله عز وجل تكفل لعباده الرزق إما براحة وإما بمشقة, والمرأة تطلب من الله إعطاء الرجل رزقه براحة دون مشقة ولا تعب.