المذهب المالكي

أُضيف بتاريخ الخميس, 14/10/2010 - 14:48
  • مدخل .
  • أصول المذهب المالكي .
  • النشأة والتأسيس .
  • تدوين المذهب وتعدد مدارسه .
  • المذهب بعد أبي حنيفة.
مدخل

تأسست مدرسة الرأي التي حمل لواءها أبو حنيفة النعمان بن ثابت في الكوفة.
وفي الشام كان الأوزاعي ينشر الفقه والحديث في أرجائها.
أما في المدينة المنورة فكان فيها مدرسة الحديث التي كان من أعلامها مالك بن أنس مؤسس المذهب المالكي وإمامه، فمن هو مالك؟

هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي التميمي الحميري.
ولد سنة \93هـ\ وهي السنة التي توفي فيها أنس بن مالك، وكانت وفاته سنة 179هـ.

من جملة آرائه التي عُرف بها:
كان يقول:إن الإيمان يزيد ويتوقف في النقصان، لأن القرآن ذكر زيادة الإيمان في غير موضع، فدع الكلام في نقصانه وكف عنه.
وكان ينفر من القدرية الذين يقولون (ما خلق المعاصي)، ويحذر منهم حتى نسب إليه القول بتكفيرهم،ولكن هذا القول يحتاج إلى إسناد عليه.
كان لا يرى تكفير مرتكب الذنوب صغيرها وكبيرها.
ويقول: القرآن كلام الله ومن قال إنه مخلوق يوجع ضرباً ويحبس حتى يتوب.
وكان لا يرى الخوض في المتشابه، وموقفه من المسائل عن قوله تعالى ( الرحمن على العرش استوى) معروف، حيث قال: {الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة...، وأمر به فأخرج.
وكان يرى أن الحق واحد في الاجتهاد، ويقول: قولان مختلفان لا يكونان صواباً.

أصول المذهب المالكي

يقول أبو محمد صالح الهسكوري الفاسي(ت 653هـ): الأدلة التي بنى عليها مالك مذهبه ستة عشر:
نص الكتاب العزيز، وظاهره (وهو العموم)، ودليله (وهو مفهوم المخالفة)، ومفهومه ( أي مفهوم الموافقة)، وتنبيهه (وهو العلة)، ومن السنة مثل هذه الخمسة، فهذه عشرة، والإجماع، والقياس، وعمل أهل المدينة، والاستحسان، والحكم بسد الذرائع، واختلف في قوله في السابع عشر وهو مراعاة الخلاف، فمرة يراعيه ومرة لا يراعيه. قال أبو الحسن الصغير: ومن ذلك الاستصحاب.
يختلف المذهب المالكي عن غيره بأصوله الخاصة، وقواعده، ومصطلحاته، وترتيبه الفقهي للأحكام، وبما أننا أتينا على ذكر الأصول فلا بأس من إيراد الترتيب الفقهي للموضوعات :
العبادات، ثم الذكاة والأطعمة، والأيمان والنذور، والجهاد، ثم الخصائص النبّوية، فالنكاح وتوابعه، ثم البيوع والمعاملات بأنواعها، من سلم ورهن وحوالة وضمان وشركة ووكالة ووديعة... ثم القضاء والشهادات والدماء والقصاص والحدود ثم العتق، فالوصية والفرائض.
والسر عند المالكية في هذا الترتيب يرجع إلى النظر في مقاصد الشريعة، فمقاصدها ترجع إلى حفظ مصالح العباد في الدنيا والآخرة، وهي مقسمة إلى خمس كليات مرتبة ترتيباً تنازلياً كالتالي:

  • الدين (العقائد والعبادات).
  • النفس (الكيان البدني للإنسان).
  • العقل (الكيان العقلي والفكري).
  • النسل (الكيان النوعي، ويتبعه العرض والنسب).
  • المال (المقوّمات المادية للحياة).

ثم أن السعي لإقامة هذه المصالح يتم عبر طريقين إيجابي وسلبي:
فالإيجابي يتمثل في إقامة دعائمها وتغذية كيانها حتى تبقى موجودة، ويعبّر عن هذا الطريق بالمحافظة من جانب الوجود.
والسلبي يتمثل في وقايتها من عوادي الإعدام ، وأسباب القضاء عليها، والاعتداء على جوهرها، ويعبر عن هذا الطريق بالمحافظة من جانب العدم.

ففي القسم الأول شرعت أنواع العبادات لحفظ الدين من جانب الوجود، وشُرعت أحكام العادات، وهي الصيد والذبائح والأطعمة والأشربة لحفظ النفس من جانب الوجود، وكذلك العقل،وتدخل أحكام المعاملات في قسم الأحوال الشخصية لحفظ مصلحة النسل والعِرض والنسب، وفي قسم البيوع وما يتبعها من معاملات مالية لحفظ مصلحة المال. وبذلك ينتهي القسم الأول، وهو القسم الإيجابي في خدمة مقاصد الشريعة.
وأما القسم الثاني فيدخل فيه القضاء والشهادات أولاً، لأنها وسيلة من وسائل المحافظة على هذه المصالح من الناحية السلبية (من جانب العدم)، وتدخل بعد ذلك الجنايات مقسّمة إلى قسم الجناية على النفس والأعضاء ، فشرعت أحكام القصاص والديات حفظاً لمصلحة النفس، وشُرع حد السكر لحفظ مصلحة العقل، وحد الزّنى لحفظ مصلحة النسل والنسب، والقذف لمصلحة العرض، والسرقة لمصلحة المال ، وكذلك الحرابة.

وأما حفظ مصلحة الدين من الناحية السلبية فيتم بواسطة إقامة حد الردة، وهو داخل في قسم الحدود، وبالجهاد في سبيل الله، وقد أدخلوه في العبادات لما فيه من معنى التعبد لله سبحانه وتعالى.
والفرائض والوصايا، وإن كانت ترجع إلى المصلحة المالية، إلا أنها أخرت إلى خاتمة الأبحاث الفقهية لما لها من علاقة بالموت، الذي يعتبر فاصلاً يخرج به الإنسان تماماً، وبصفة نهائية، من دار التكليف إلى دار الجزاء والحساب.
على هذا الأساس بنى المالكية نظامهم الفقهي في ترتيب موضوعاته.

وهناك العديد من المصطلحات الأصولية والفقهية أنفرد بها المذهب المالكي لا حاجة إلى ذكرها في هذه العجالة فالتطلب من مظانها.

النشأة والتأسيس

نشأ المذهب بباكورته الأولى وظهر في طريقة مالك في الفتوى، وبناء الأحكام من مصادرها، وذلك حين انفصل عن مجلس ربيعة بن عبد الرحمن، وجلس إلى الناس، وعمره إذ ذاك سبع عشرة سنة، وكان أيامها نافع، وزيد بن أسلم، ويحي بن سعيد، من شيوخه على قيد الحياة، وبلغ شأنه الخلفاء من بني العباس، وكانت الدولة إذ ذاك فتية في مهدها، فجلس إليه أبو جعفر المنصور، واقترح عليه تأليف كتاب يحمل الناس عليه ، فألف الموطأ بناءً على هذا الطلب، ثم مات المنصور، وجاء ابنه المهدي وروى الموطأ على مالك، ثم جاء هارون الرشيد وولداه المأمون والأمين، وكلهم جلس إليه وأخذ عنه من العلم .

سلك مالك بتلاميذه وأصحابه مسلكاً مخالفاً لما كان عليه أبو حنيفة في الكوفة، فلم يفتح لهم باب المناقشة، ومنازعة الأقيسة والأراء، بل كان يلقي أحكام المسائل مبيَّنا طريق مأخذها، ويدوَّن عنه تلاميذه ما يتمكنون من تدوينه.
ومن أجل هذا لا يعدُّ المذهب المالكي مذهب مدرسة تدارسته في أوَّل نشأته، ولا كان لأحدٍ من الأصحاب رأي بإزاء رأي شيخه ، ولكن بعد وفاته ظهرت آراء لكبار تلاميذه خالفوه فيها، ودوَّنوا تلك المخالفة، وأعلنوها مع تقديرهم لشيخهم، وحرصهم على رواية علمه، ونشر فكره، وتوجيه آرائه، والتخريج على أصوله في ما لم يرد عنه رأي فيه.
وكان أول من ألف في ذلك العصر إلى جانب الموطأ، أسمعة الأصحاب، وتعد الأسمعة المصدر الثاني في تدوين المذهب في طوره الأول،وكان مالك إذا سئل عن مسألة كتبها أصحابه فيصير لكل واحد منهم سماع مثل سماع ابن القاسم، وعبد الرحمن بن القاسم، وعبد الله بن وهب الفهمي وغيرهم.

تدوين المذهب وتعدد مدارسه

تم تدوين المذهب تدويناً كاملاً بين المائة الثانية والرابعة، وفيه تكونت أمهات المدونات وتأسست مدارسه:

المدرسة المدنية: يمثلها بعد مالك عثمان بن كنانة، وعبد الله بن نافع، والمغيرة بن عبد الرحمن، ومحمد بن دينار،ومحمد بن مسلمة، وعبد الملك بن الماجشون، ومطرف بن عبد الله.
لم تترك هذه المدرسة كتباً مدونة مستقلة، وكان أصحابها يعتمدون على الحديث بعد القرآن في استنباط الأحكام دون النظر إلى كون العمل المدني موافقاً له أو مخالفاً.

المدرسة المصرية: يمثلها عثمان بن الحكم الجذامي، وعبد الرحيم بن خالد الجمحي، وهما أول من قدم مصر بمسائل مالك، ومن بعدهما عبد الرحمن بن قاسم، وأشهب، وعبد الله بن عبد الحكم، ثم أصبغ، والحارث بن مسكين، وغيرهم.
تميزت هذه المدرسة باعتماد أئمتها على العمل بالسنة الثرية وما تقتضيه من مسايرة عمل أهل المدينة.

المدرسة العراقية: كانت بداية ظهور المذهب في الشرق في البصرة، ثم انتقل إلى بغداد، رواه أولاً عبد الرحمن بن المهدي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، ثم بأتباعهما كابن المعدل ، ويعقوب بن أبي شيبة ، ثم باتباعهما كالقاضي إسماعيل بن إسحاق، وابن عمه عمر بن يوسف بن يعقوب، والقاضي أبي فرج البغدادي، ومن ثم الأبهري، وكبار اتباعه كالباقلاني، وابن جلاب، وابن القصار، وعبد الوهاب، وبموتهم ضعف المذهب بالعراق، حتى قيل: إنَّ موتهم كان نهاية لهذه المدرسة.
أزدهر المذهب أولاً بتبني العباسيين له وتولية أئمته القضاء، وبالمناظرة والتدريس، وكانوا منفتحين على المذاهب السنية الأخرى ولم يتعصبوا.
تميزت هذه المدرسة بالتقعيد، والتخريج، وجمع النظائر، واعتنت بالفقه الافتراضي.

المدرسة المغربيَّة: هي المدرسة التي حفظت فقه مالك ومذهبه إلى الآن، والمقصود بها بلاد الشمال الإفريقي من تونس إلى الرباط والأندلس .