الإمامة والغلو والتأويل والأصول..

أُضيف بتاريخ الأحد, 14/11/2010 - 17:00

ثم إنّ هذا الكاتب أراد أن يُثبت بأنّ الإمامة هي المِحْوَر الأساسي التي تدور عليها العقائد الباطنية ضد العلويين، ليصل إلى القول بأنـّنا نـُغالي بأمير المؤمنين أو أبنائه المعصومين، وقد دعم فِكرته هذه ببعض الشواهد من كتب منسوبة إلينا.

وهنا أقول من جديد وأؤكّد وأعيد:
لا وجود لعقائد باطنية عند العلويين، إلا ما ألصقه بنا الغير من الذين لا يُريدون للإسلام الخير.

أمّا الإمامة عندنا فهي أصل من أصول الدين ورُكن من أركان الإيمان، وهي إتمام للنبوّة ومرتبة الإمام دون مرتبة النبي، ولا يكون تعيينه إلا بالنص القاطع والصريح، ومن شروط الإمامة: العصمة..

هذا ما نقوله ونعتمده في السر والعلن، وهذا هو السبب الذي جعل بعض الكتـّاب والمؤرخين يَصُبـُّونَ جام غضبهم علينا ويُلصقون بنا التـُهَم الباطلة التي ما أنزل الله بها من سلطان، ويَبرز ذلك بوضوح في كتبهم لمن أراد التحقق من صحّة قولي.

التأويل

نعود إلى متابعة هذا الكتاب فيما قاله عنـّا في باب العقائد:
أراد أن يوضـّح بأنـّنا نقول إنّ لكل عَمَلٍ وكل قول تأويلاً خاصاً لا يعرفه إلا المشائخ الين تعلـّموه عن الأئمـة، واعتبر أنّ هذا التأويل الباطني هو الذي يُفرّقنا عن إخواننا الشيعة لغلوّنا في التأويل، وإسباغنا مناقب خاصة وصفات قُدسية عالية على الإمام علي (ع) بالإضافة إلى الغموض الشديد الذي يشوب الأصول والأحكام.

ثم أتى على ذكر بعض هذه المناقب الذي عثر عليها - كما ادّعى - في كتاب مخطوط والتي لم نسمع بها من قبل، وقد استعمل اسلوباً تضليلياً وذلك حينما قال:

نحن لا ننكر المعجزات والكرامات التي ملأت بها الكتب النصيرية، لكننا نعترض على استغلالها كبرهان على تأليه الأئمة.

وراح يسرد بعضها ليستنتج بأنـّنا وضعنا هذه المناقب لنسبغ على الأئمة قوّة روحية خارقة ليكونوا دائماً موضع تقديس واحترام وتقدير من قبل الأتباع.

إنّ الرد على القول الأوّل في أنـّنا نقول (إنّ لكل ظاهر باطن لا يعلمه إلا الشيوخ وإنّ هذا التأويل الباطني هو الذي يفرّقنا عن إخواننا الشيعة لسبب غلوّنا في التأويل)
يدحضه ما قاله وأقرّه كبار علماء الشيعة الإمامية، كالعلامة السيد محمد جواد مغنية في رسالة خاطب بها إمام العلويين فضيلة العلامة الشيخ عبد اللطيف إبراهيم بتاريخ 1961 وقد اثبتناها في كتابنا هذا، قال:

إنـّي جد مُغتبط ومُرتاح النفس إلى أقصى الحدود، بعد زيارتي للإخوان الكرام العلويين، لقد لمست منهم الإخلاص، والإيمان، والتمسّك بالدين الصحيح، وأيقنتُ عين اليقين بأنـّه لا فرق أبداً بيننا وبينهم في شيء والحمد لله، وألف شكر، الخ...

وأقوال أخرى لغيره من العلماء الكبار قد أتينا على ذكرها في كتابنا فليثرجع إليها.

وأمّا قوله (عن إسباغنا مناقب خاصة وصفات قدسية عالية على أمير المؤمنين ع)
فنحن لا نقول بأمير المؤمنين إلا كما قال فيه رسول الله ص وآله:

  • علي مُنجز وعدي وقاضي ديني وخليفتي من بعدي .
  • من كنت مولاه فعليّق مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث ما دار.

إلى ما هنالك من الأقوال المُثبتة عن رسول الله ص وآله والتي قالها في علي (ع) فلولا النبي ما عرفنا الوصي وباتبـّاعنا للوصي كنـّا من نخبة من آمن بالنبي (ص وآله) .

  أمّا قوله عن (الغموض الشديد الذي يشوب الأصول والأحكام) .
فهذا الغموض غير موجود إلا في أفهام من لا يُريدون أن يفهموا، فأصول الدين عند العلويين واضحة البرهان صريحة البيان مشهودة العيان ليس فيها كتمان ولا تخرج عن نص القرآن أتى على ذكرها مجموعة من العلماء مع شرح الأحكام في كُتيّب صغير يحمل عنوان "العلويون شيعة أهل البيت" وقد نقلته حرفياً في فصل سابق ليطـّلع عليه من يهمّه الأمر.

  وأما (المناقب والأخبار) التي أتى على ذكرها ونقلها من بعض الكتب فهي من جملة الأمور المنسوبة إلينا ولم نسمع بها إلا من خلاله، ولا يهمّنا إن آمن بها كما ادّعى أم لم يؤمن، ولكن نرفض أن ينسبها إلينا ليتـّهمنا بأنـّنا نستغلـّها كبرهان على تأليه الأئمة. فالأئمة المعصومون في المفهوم العلوي ﴿ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ ولا نُنكر بأنّ الله عَصَمهم وكرّمهم على بقيّة الخلائق وهذا من أصول عقيدتنا، ولكن هذا لا يعني أنـّنا نؤلـّههم (والعياذ بالله).

وإنّ ما ينقض مُفتريات هذا الكاتب ويُسقط ادّعاءاته ، قوله:

إنّ محمد بن نصير النميري البصري كان شديد الحب للإمام علي بن أبي طالب (ع) كثير الموالاة لآل البيت، شيعياً مُتطرّفاً، زاهداً عالماً فقيهاً، كان مُعاصراً للإمام الحادي عشر الحسن العسكري (ع) وهو باب - حسب معتقد النصيرية - وهو رئيس الفرقة التي سُمّيت بالنُصيرية أو العلوية، ولا زال أتباعه من خيرة الشيعة الإمامية الإثني عشرية.

هذا التعريف الواضح والصريح منه يُسقط كل اتهاماته لأن قوله (ولا زال أتباعه من خيرة الشيعة الإمامية الإثني عشرية) يتناقض مع قوله أنـّنا نستغل مناقب الأئمة كبرهان على تأليههم.

ثم إنّ هذا التناقض يُسقط قوله من أنـّه كوّن رأياً صحيحاً شاملاً عن هذا الموضوع الغامض كل الغموض (كما أراده أن يكون) فكيف يكون قد كوّن رأياً صحيحاً وشاملاً مع وجود هذا التناقض؟؟!

وأعلـّق على كلمة قالها عن السيد أبو شعيب من أنّه (شيعياً متطرّفاً) لأصححّها بكلمة (شيعياً مُعتدلاً).

وأختم هذا الفصل بتعليق أخير وهو ما يتـّضح من قوله بأنـّنا

وضعنا هذه المناقب في فضل الأئمة لنـُسبغ عليهم قوّة روحية ليكونوا دائماً موضع تقديس واحترام وتقدير من قِبَل الأتباع.

إنّ الأئمة المعصومين ليسوا بحاجة لمن يختلق لهم المناقب والمعاجز حتى يكونوا موضع تقدير واحترام، لأنّ فضائلهم ومناقبهم أكثر من أن تُحصى، بل يكفي أن نذكر أنّ الله عَصَمَهُم من الذنوب في كتابه بقوله تعالى ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾ الأحزاب\33.
وأنّه أمر بمودّتهم بقوله ﴿ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ الشورى\23.

وإنّ الرسول الأعظمن ص وآله قد قرنهم بالصلاة عليه حينما نهى عن الصلاة البتراء،1 وقرنهم مع القرآن في حديث الثقلين المشهور عند علماء الطرفين، والذي أمر به في اتـّباعهم وعدم مخالفتهم والتقدّم عليهم، وغير ذلك من الفضائل والمناقب والمواهب ومن أراد التوسّع فعليه بالكتب المختصـّة، والمراجع المعتمدة من قبل علماء الفريقين، أمّا من قِبَل العلويين فعليه بالهداية الكُبرى للسيد أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي الإمامي الكبير والمُحدّث الجليل الصادق.

ولا ينكر فضائلهم إلا من أعماه التعصـّب وبلـّده الحقد وقتله الجمود.

  • 1 عن النبي ص وآله قال: لا تصلوا عليَّ الصلاة البتراء ، فقالوا: وما الصلاة البتراء؟
    قال: تقولون اللهم صل على محمد وتُمسكون، بل قولوا: اللهم صلّ على محمد وآل محمد . (الصواعق المحرقة)
    » وفي سنن البيهقي عن ابن مسعود قال: (لو صليت صلاة لا أصلّي فيها على آل محمد لرأيت أن صلاتي لا تتم) .
    » ورواه أيضا الدارقطني في سننه، وروى الدارقطني ايضاً في سننه عن أبي مسعود قال: قال رسول الله ص وآله:
    ( من صلّى صلاة لم يُصلّ فيها عليَّ ولا على أهل بيتي لم تُقبل منه ) .