المذهب الإمامي (الجعفري)

أُضيف بتاريخ الخميس, 14/10/2010 - 14:48
  • توضيح هام .
  • تعريفه .
  • مراكزه .
  • مدارسه .
  • أصول الفقه .
  • الأحكام الفرعية .
توضيح هام

يقول العلامة الشيخ محمد الحسين المظفر في كتابه (الإمام الصادق ع) تحت عنوان كيف صار مذهباً ؟:
إن المذهب في عرف أهل الإسلام هو المرجع في أحكام الدين، وهذا لا يقتضي أن يكون الصادق عليه السلام دون الأئمة الأثنى عشر مذهباً، لأن الشيعة الإمامية ترى أن كل إمام من أولئك الأئمة من علي أمير المؤمنين إلى الغائب المنتظر يجب الأخذ بقوله والعمل برأيه، لأن علمهم – كما يرون – علم واحد موروث من الرسول صلى الله عليه وآله لا يختلفون في أخذه ولا يروون عن غيره ، وعلمهم سلسلة واحدة يرثه الابن عن أبيه من دون اجتهاد فيه ولا تحريف في أخذه ونقله.
بيدّ أن الفرص لم تسنح لواحد منهم في إظهار ما استودعهم الرسول صلى الله عليه وآله وإبلاغ ما استحفظهم عليه ، كما سنحت للصادق جعفر عليه السلام فإن الذي ساعد على بثه للمعارف ونشره للعلوم الموروثة لهم من سيد الرسل صلى الله عليه وآله اجتماع عدّة أمور:

  1. إن زمن استقلاله بالإمامة قد طال حتى جاوز الثلاثين عاماً، ولئن كان جدّه زين العابدين وابنه موسى الكاظم وحفيده علي الهادي عليهم السلام قد شاركوه في طول الزمن، وكانت أيام إمامتهم تجاوزت الثلاثين عاماً أيضاً فإنه لم يتّفق لهم ما اتفق له مما يأتي.
  2. إن أيامه كانت أيام علم وفقه، وكلام ومناظرة، وحديث ورواية، وبدع وضلالة، وآراء ومذاهب، وهذه فرصة جديرة بأن يُبدي العالم فيها علمه، ليقمع بذلك الأضاليل والأباطيل، ويُبطل الآراء والأهواء، ويصدع بالحق، وينشر الحقيقة.
  3. إنه مرّت عليه فترة من الرفاهية على بني هاشم لم تمّر على غيره من الأئمة ، فلم يتفق له على الأكثر ما كان يحول دون آبائه وأبنائه من الجهر بمعارفهم بالتضييق عليهم ومنع الناس عنهم ومنعهم عن الناس من ملوك أيامهم.

ولم يملك من الأئمة زمام الأمر سوى أمير المؤمنين عليه السلام، ولكن كانت أيامه على قصرها بين حرب وكفاح وبين مناهضة للبدع والضلالات فحمّلوه على السير في محجة لا يجد منها مناصاً من السلوك فيها، على أنه لم تكن في أيامه ما كان في عهد الصادق من انتشار العلم بين طبقات الناس وظهور الأهواء والآراء والنِحل والمذاهب.
أما الصادق فقد عاصر الدولتين المروانيّة والعبّاسية ووجد فترة لا يخشى فيها سطوة ظالم ولا وعيد جبار وتلك الفترة امتزجت من أُخريات دولة بني مروان وأوليات دولة بني العباس ، لأن الأمويين وأهل الشام لمّا أجهزوا على الوليد بن يزيد وقتلوه انتفضت عليهم أطراف البلاد وتضعضعت أركان سلطانهم، وكانت الدعوة لبني هاشم قد انتشرت في جهات البلاد فكانت تلك الأمور كلها صوارف لبني مروان عمّا عليه الصادق عليه السلام من الحياة العلمية، ولمّا انكفأ بهم الزمن وسالم بني العبّاس اشتغل بنو العباس بتطهير الأرض من اُميّة وبتأسيس الدولة الجديدة، وأنت تعلم بما يحتاجه المُلك الغضّ من الزمن لتأسيسه ورسوخه، فكان انصرافهم لبناء المُلك وإحاطته شاغلاً لهم برهة من الزمن عن شأن الصادق في بثّه العلوم والمعارف وإن لم يتناسه السفّاح ولكن لم يجد عنده ما يخشاه، ولما جاء دور المنصور وصفى المُلك له ناصب العداء للصادق فكان يضيّق عليه مرة ويتغاضى عنه أُخرى.

روى العلامة ابن شهر أشوب في كتابه المناقب في أحوال الصادق عن المفضل بن عمر:
((( إن المنصور قد همّ بقتل أبي عبد الله عليه السلام غير مرة، فكان إذا بعث إليه ودعاه ليقتله فإذا نظر إليه هابه ولم يقتله، غير أنه منع الناس عنه ومنعه عن القعود للناس واستقصى عليه أشّد الاستقصاء حتى أنه كان يقع لأحدهم مسألة في دينه في نكاح أو طلاق أو غير ذلك، فلا يكون علم ذلك عندهم ولا يصلون إليه فيعتزل الرجل أهله ، فشّق ذلك على شيعته وصعب عليهم وحتّى ألقى الله في روع المنصور أن يسأل الصادق عليه السلام ليتحفه بشيء من عنده لا يكون لأحد مثله، فبعث إليه بمخصرة (ما يتوكأ عليه كالعصا) كانت للنبي صلى الله عليه وآله طولها ذراع، ففرح بها فرحاً شديداً وأمر أن تشق أربعة أرباع، وقسمها في أربعة مواضع، ثم قال له: ما جزاؤك عندي إلا أن أُطلق لك وتفشي علمك لشيعتك، ولا أتعرض لك ولا لهم فاقعد غير محتشم وافتِ الناس ولا تكن في بلد أنا فيه، ففشى العلم عن الصادق ، وأجاز في المنتهى))).

فلهذا وغيره قد فشى عن الصادق عليه السلام من العلوم ما لم تسمح الظروف به لسواه من الأئمة، وهذه كتب الحديث والفقه والأخلاق والاحتجاج وغيرها من كتب المعارف والعلوم ترشدك إلى ما كان منه، وكفت كثرة رواته والرواية عنه، ولقد كتب عن رواته جملة من المؤلفين وذكروا أن عددهم أربعة آلاف أو يزيدون، ومن المؤلفين ابن عقدة ، فإذا كانت الرواة عنه أربعة آلاف فكم كانت الرواية ؟ وإذا كان راوِ واحد يروي عنه ثلاثين ألف حديث فكم تكون رواية الباقين ؟وكم هي العلوم والمعارف التي أُسندت إليه ؟

وجُملة القول أن الصادق عليه السلام إنما عُرف بأنه مذهب تنتسب إليه الإمامية الجعفرية، لما انتشر عنه من العلم وحُفظ منه من الحديث حتّى أن أكثر ما في كتب الحديث الشيعية مرويّ عنه.
وما كانت الرواية عنه مقصورة على الشيعة بل أخذ عنه أكابر معاصريه من أهل السنة، ومنهم مالك وأبو حنيفة والسفيانان وأيوب وابن جريح وشُعبة وغيرهم، بل أرجع ابن أبي حديد المذاهب الأربعة إليه، كما في شرح النهج.

وكان انتساب الشيعة إليه من عهده، وهو القائل في وصاياه لأصحابه:
[ فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدّى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل: هذا جعفري ويسرّني ذلك، وإذا كان على غير ذلك دخل عليّ بلاؤه وعاره وقيل: هذا أدب جعفر ].
وكانت هذه النسبة معروفة في ذلك العهد حتّى أن شريكاً القاضي شهد عنده شيعيان وهما محمد بن مسلم الثقة الشهير المعروف بصحبته للصادق وأبو كريبة الأزدي ، فنظر شريك في وجهيهما مليّاً ثم قال: جعفريان فاطميان.
فنعرف من هذا أن النسبة كانت من أيامه واستمرت حتى هذا اليوم.
( الإمام الصادق ع تأليف الشيخ محمد الحين المظفر).

تعريفه

مذهب الإمامية هو أقدم المذاهب الإسلامية الكلامية والفقهية يرجع في انتمائه العقيدي والفكري إلى أئمة أهل البيت عليهم السلام، وبه سمي بالإمامي وأتباعه بالإمامية، ويسمى بالمذهب الجعفري نسبة إلى الإمام الصادق كما سلف وذلك لوفرة عطائه الفكري، ويُعرف هذا المذهب أيضاً بمذهب الإمامية الأثني عشرية في مقابلة المذهبين الشيعيين الآخرين الزيدي والإسماعيلي، اللذين تستمر الإمامة في اعتقادهما متجاوزة الحصر بعدد معين، ويطلق عليه غالباً المذهب الشيعي لكثرة أتباعه مقارنة باتباع المذهبين الشيعيين الزيديّ والإسماعيليّ.

يشكل الشيعة في الوقت الحاضر ثلث مسلمي العالم، ويكثرون في إيران والعراق والهند وباكستان وأفغانستان وبلدان شرقي آسيا وساحل الخليج الأخضر وسورية ولبنان.

أثرى علماء هذا المذهب الفكر الإسلامي بمؤلفاتهم وبحوثهم وأغنوا المكتبة الإسلامية في علوم اللغة العربية وعلوم الشريعة الإسلامية غنى ملحوظاً.

تميز هذا المذهب عن بقية المذاهب ببقاء باب الاجتهاد الفقهي مفتوحاً لدى أتباعه.

مراكزه

كان المركز الأول للفقه الإمامي المدينة المنورة، وكان المرجع الأعلى في هذا المركز، الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.
وبانتقال الإمام عليه السلام إلى الكوفة صارت المركز الثاني بعد المدينة تاريخياً، والأول مرجعياً.
وبعد وفاته عليه السلام عادت للمدينة المنورة مركزيّتها الأولى، ويتعهد تدريس فقه آل محمد فيها بنوه، وعلى رأسهم الإمامان الحسن والحسين عليهما السلام سبطا رسول الله صلى الله عليه وآله.
ثم من بعدهما الأئمة علي زين العابدين، ومحمد الباقر، وجعفر الصادق عليهم السلام.
وعلى أيديهم تخرّج الكثيرون من الفقهاء الرواة وبخاصة في الكوفة عندما أقام فيها الإمام الصادق مدّة سنتين.
ثم وبحكم العوامل السياسية انتقل المركز الدراسي للفقه الإمامي إلى بغداد فالنجف وقم والرّي، وغيرها.

أما الآن فأهم مراكزه:
النجف الأشرف في العراق، وقم المقدّسة في إيران، ولهذين المركزين فروع كثيرة متوزّعة في أمثال:
كربلاء والكاظمية وسامرّاء في العراق، وطهران ومشهد وأصفهان وتبريز في إيران، وكراجي وملتان في باكستان، ولكنهو ولاهور وحيدر آباد وبمبي في الهند، وبيروت وصور وصيدا والنبطية في لبنان، ودمشق وحلب في سورية والأحساء والقطيف والكويت والبحرين ودبي في ساحل الخليج الأخضر، وفي غيرها.

مدارسه

للفقه الإمامي ثلاث مدارس أسهمت في نشوئه وتطّوره، وهي:

  • مدرسة الفقهاء الرواة
  • مدرسة الفقهاء المحدّثين
  • مدرسة الفقهاء الأصوليين


مدرسة الفقهاء الرواة

تمثلت هذه المدرسة في الفقهاء الرواة الذين كانوا يلتقون الأئمة عليهم السلام، ويتقدمون إليهم بما لديهم من أسئلة عن قضايا حدثت لهم، أو عمّا قد يعنّ لهم ممّا يرغبون في معرفته تحسباً لحدوثه، ويتلقون أجوبة الأئمة ويفتون بها أصحابهم وأتباعهم.
تتمثل مادة الفقه في هذه المدرسة بالحديث المسموع عن الإمام، أما منهجها فيعتمد على السماع من الإمام والنقل إلى أتباعه.
يعود سبب اقتصار هذه المدرسة على المنهج المذكور إلى عدم قيام الحاجة مع وجود الإمام وحضوره للاجتهاد وإعمال النظر بغية الوصول إلى الحكم الشرعي، لأن الوصول إلى الحكم الشرعي ميسر، وذلك بالتقاء الإمام والسؤال منه.
ومع هذا كان بعض الفقهاء الرواة أدركوا انهم قد يحتاجون بسبب بُعد أوطانهم عن وطن الإمام إلى شيء من الأصول والقواعد العامة ليرجعوا إليها عند الحاجة، وتعذر وصولهم إلى الإمام حينها، فطرحوا بعض الأسئلة ذات الطابع العلمي ليفيدوا منها القاعدة أمثال أسئلتهم عن كيفية العمل عند تعارض الأخبار المروية عن الأئمة، وعن وثاقة الراوي وحجيتها.
إلا أنها لم تخرج عن نطاق كونها أخباراً ومرويّات مسموعة إلى مجال التقعيد العلمي، بيد أنها أفادت فيما بعد بأن كانت من البذور التي ساعدت وأسهمت في انبثاق مدرسة الفقهاء الأصوليين.
إلى جانب هذا وجههم الأئمة عليهم السلام إلى أن يجتهدوا في التفريع على الأجوبة التي هي بمثابة أصول يمكنهم التفريع عليها، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: إنما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرعّوا .
فكانت تفريعات الفقهاء الرواة على الأصول التي كانوا يتلقونها من الأئمة الخطوات الأولى في طريق الإجتهاد الفقهي الإمامي.
وقد استمرت هذه المدرسة من القرن الأول الهجري حتى القرن الرابع، ودونت مسموعات الرواة في ما عرف بالأصول الأربعمائة.

مدرسة الفقهاء المحدّثين

انبثقت هذه المدرسة في القرن الرابع الهجري متميزة بظاهرتين علميتين:
التطور في تدوين الحديث من ظاهرة الجمع الغير منظم إلى ظاهرة التأليف .
وتمثلت هذه الظاهرة في العملين التاليين:
تبويب الأحاديث حسب موضوعاتها الفقهية، فجمعوا بين النظائر، وضموا القرين إلى قرينه.
تقويم السند باختيار الحديث المعتبر المفيد للعلم، وكانت إفادة الحديث للعلم عندهم تعني توفره على وثاقة الراوي، وتلقي الأصحاب له بالقبول.
الالتزام عند الإفتاء بنقل الحديث بمتنه.
أما المادة الفقهية لهذه المدرسة فهي الحديث أيضاً.
أما منهجها فقد تطور من السماع والنقل إلى تقويم السند واعتداد الأخبار الصحيحة السند المفيدة للعلم، والوقوف عند متن الحديث للفتيا.
لم تدم هذه المدرسة أكثر من قرن واحد وهو القرن الرابع الهجري حيث كان في منتصفه الأول الغيبة الكبرى، وتعذرت اللقيا بالإمام فمسّت الحاجة الملحة لدى الفقهاء من ناحية منهجية وتاريخية للتقعيد والتأصيل بغية التفريع والتخريج، فكان أن كان الاجتهاد معتمداً فيه القواعد في دراسة النص سنداً ومتناً، وفي معرفة ما هو الحكم أو الوظيفة التكليفية عند فقدان النص، وكان هذا هو عامل وأوان انبثاق المدرسة الأصولية.

مدرسة الفقهاء الأصوليين

طوّرت هذه المدرسة الفقه من حديث يُسمع ويُروى، إلى علم له قواعده وأُصوله، وله فروعه وتطبيقاته.
وكانت الأحاديث العلمية التي تحمل في طياتها مضامين القواعد العامة، والظواهر الاجتماعية التي دأبت المجتمعات البشرية على ترسّمها في سلوكها بصفتها معطيات عقلية متسالماً عليها مصدر قواعد علم الفقه.

مصادر الفقه في هذه المدرسة هي:
الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، وعند عدم الوصول إلى معرفة الحكم الشرعي من هذه الأدلّة يرجع إلى القواعد، وهي كثر منها الخاص في موضوعه، وهي القواعد الفقهية، كقاعدة الطهارة، وقاعدة الفراغ، وقاعدة التجاوز، وقاعدة الضمان، وغيرها.
ومنها ما هو العام الذي يدخل في أكثر من موضوع، وهو القواعد الأصولية، وأعمّها الأصول الأربعة: الاستصحاب، والبراءة، والاحتياط، والتخيير، وكلها مستفادة من النصوص الشرعية، وكيفية الرجوع إليها واستفادة الحكم منها تعرف من علم أصول الفقه، فهو المنهج الخاص لعلم الفقه.

وفي القرن الحادي عشر الهجري انشعبت المدرسة الأصولية إلى شعبتين هما: الأصولية والأخبارية.

فالأصولية هي التي التزمت خط مدرسة الفقهاء الأصوليين مادّة ومنهجاً.
والأخبارية هي التي حاولت الرجوع إلى مدرسة الفقهاء المحدثين فاقتصرت في مصادر الفقه على الكتاب والسنة، وألغت اعتبار الإجماع والعقل، بدعوى أن الرجوع إليهما يعني الاجتهاد خارج دائرة النص ، وهو بعينه اجتهاد الرأي، وما تفرع عليه من قياس وغيره.

إنّ الفرق بين منهجي الأصوليين والإخباريين يلخص بالتالي:
يذهب الاخباريون إلى أن مصادر الفقه هما الكتاب والسنة، ويقول الأصوليون إنها الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل.
يذهب الاخباريون إلى عدم جواز الأخذ بظواهر القرآن إلا ما فسرته السنة منها فقط، ويجوّز الأصوليون الأخذ بها مطلقاً.
يذهب الاخباريون إلى قطعية ما في الكتب الأربعة، ويذهب الأصوليون إلى أن فيها ما هو قطعي الصدور وما هو مظنونه.
يقسم الاخباريون الأخبار إلى قسمين: صحيح وهو المقرون بما يفيد العلم بصدوره، وضعيف وهو الذي لا علم بصدوره، ويقسمها الأصوليون إلى أربعة أقسام صحيح، وحسن، وموثّق، وضعيف، وتعرف تعريفاتها من كتب علم الدراية.
يرجع الاخباريون في ما لا نص فيه إلى الاحتياط، ويرجع الأصوليون إلى البراءة الأصلية.
يوجب الأصوليون الاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط على التخيير في الوصول إلى الحكم الشرعّي ، ويكتفي الأخباريون بالرجوع إلى الأحاديث مباشرة.

بعد تطور الفكر الأخباري انشعب الأخباريون إلى شعبتين هما:
أتباع الميرزا محمد النيسابوري الأخباري، ويمثّلون في واقع منهجهم الفقهي الفروق المذكورة سابقاً.
أتباع مدرسة البحرين، وقد تطور منهجها الفقهي إلى ما يقرب جداً من منهج المدرسة الأصولية الأصيلة، حيث انتهى إلى الأخذ بظواهر الكتاب مطلقاً وإلى القول بالاجتهاد والتقليد، وإلى عدم قطعية ما في الكتب الأربعة ، وإلى تربيع الأخبار، مع فارق الالتزام بثنائية مصادر الفقه، ولزوم استفادة القواعد الأصولية من النصوص الشرعية، ووجوب الرجوع إلى الاحتياط في ما لا نص فيه.

أصول الفقه

الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية، والعالم بها كذلك هو الفقيه ويقال له المجتهد، والأحكام المذكورة خمسة: الوجوب والندب والتحريم والكراهة والإباحة ، فالواجب ما يثاب على فعله، ويعاقب على تركه، والحرام بالعكس، والمندوب ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، والمكروه بالعكس، والمباح ما لا يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، وأدلة الأحكام المذكورة أربعة: الكتاب والسنة والإجماع والعقل، أما الأخباريون فقد اقتصروا على الكتاب والسنة كما أسلفنا، وعلم الأصول هو الباحث عن هذه الأدلة الأربعة.

الأحكام الفرعية

تقسم الأحكام الفرعية إلى عبادات ومعاملات، والمعاملات إلى عقود وإيقاعات وأحكام:
يدخل في العبادات أحكام المياه والوضوء وآداب التخلي وأحكام الغسل وأقسامه والحيض والاستحاضة والنفاس وأحكام الأموات والتيمم والنجاسات والمطهرات والصلاة والزكاة والخمس والصوم والاعتكاف والحج والعمرة وأعمال المدينة المنورة والجهاد ويدخل فيها أيضاً الوقف والصدقة لاعتبار نية القربى فيهما ويدخلان في العقود باعتبار آخر.
العقود هي: التجارة وآدابها والبيع وأقسامه من النقد والنسيئة والسلف والصرف والربا وبيع الثمار والحيوان والخيارات والشفعة والإجارة والمزارعة والمساقاة والجعالة والسبق والرماية والشركة والمضاربة والوديعة والعارية والضمان والحوالة والكفالة والدين والرهن والصلح والوكالة والهبة والصدقة والوقف والسكنى والعمرى والوصية والنكاح وتوابعه من الرضاع والقسم والنشوز وأحكام الأولاد والنفقات والخلع والمباراة والمكاتبة.
والإيقاعات يدخل فيها الإقرار والطلاق وتوابعه من أحكام العدة والظهار والإيلاء واللعان والعتق والتدبير والأيمان والنذور والعهود.
والأحكام يدخل فيها اللقطة والغصب وإحياء الموات والحجر والكفارات والصيد والذباحة والأطعمة والأشربة والميراث والقضاء والشهادات والحدود والتعزيرات والقصاص والديات.