ردّ الافتراء على أم المؤمنين

أُضيف بتاريخ الأحد, 11/04/2021 - 14:56

ردّ الافتراء على أم المؤمنين


وَإِذَا كَانَ الزّرِكْلِيّ ثِقَةً، فَإِنَّ مَا نَسَبَهُ إِلَى المُنْتَجَبِ يَرُدُّ زَعْمَكَ أَنّ المُنْتَجَبَ يُعَبِّرُ عَنِ السّنّيّ وَالشّيْعِيّ، فِي قَوْلِكَ :

(( وليس غريباً أن يكون المنتجب معبّراً عن الشيعة في نظرية الولاية، كما سبق، ومعبّراً عن السنيين في نظرية الحقيقة المحمدية ..)) 1

فَقَدْ قَال الزّرِكْلِيّ فِي تَرْجَمَةِ المُنْتَجَب:

(( ويذكر عائشة أم المؤمنين ، فيسبها :

جاؤوا بأمهم الحمرا على جمل       قد عض غاربه من تحتها القتب.

ويتابعه الشارح بأكثر من السب ...)) 2

فَإِمّا أَنْ تَرْجِعَ عَنْ تَوْثِيْقِ الزّرِكْلِيّ، لِيَصِحّ قَوْلُكَ : إِنّ المُنْتَجَبَ يُعَبّرُ عَنِ السّنّيّ وَالشّيْعِيّ . 

وَإِمّا أَنْ تَرْجِعَ عَنْ زَعْمِكَ أَنّهُ يُعَبّرُ عَنْهُمَا ، لِيَصِحّ ثَوْثِيْقُ الزّرِكْلِيّ، فَإنَّ نِسْبَةَ سَبِّ أُمِّ المُؤمِنِيْنَ  إِلَى المُنْتَجَبِ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُعَبّراً عَنْ مُبْغِضٍ، لا عَنْ مُحِبٍّ .

فَإِنْ رَجَعْتَ عَنْ تَوْثِيْقِ الزّرِكْلِيّ ، فَلَيْسَ فِي كِتَابِكَ شَيءٌ يُوْثَقُ بِهِ، وَإِنْ رَجَعْتَ عَنْ بَيَانِ شِعْرِهِ ، فَاجْتَهِدْ فِي تَبْرِئَتِهِ مِمّا نُسِبَ إِلَيْهِ مِنْ سَبِّ أُمِّ المُؤمِنِيْنَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

وَمِنْ هُنَا تَعْرِفُ أَنَّ مَا يَدّعِيْه الكُتّابُ الّذِيْن يَعْتَمِدُونَ عَلَى مُؤَلّفات الدكتور أسعد عَلي، ضَرْبٌ مِنَ الأَوْهَامِ، فَهُم يُؤَيّدُونَ اتّهَامَ العَلَوِيّيْنَ بِالغُلُوِّ، وَإِنْ زَعَمُوا أَنّهُم يَدْفَعُونَ عَنْهُمُ التّهَمَ وَالأَبَاطِيْلَ، وَمِنْ هؤلاءِ الأستاذ مَحمود عبد الرّحمن الّذِي زَعَمَ أَنّهُ يُؤَلّفُ فِي أَحْوَالِ بَعْضِ أَعْلامِ العَلَوِيّيْن، وَمِنْ مَزَاعِمِهِ الّتِي يُسَمّيْها (( مِنْ مَدْرَسة أَهْل البَيت )) وَهُوَ يُؤَيّدُ اتّهَامَنَا بِالغُلُوِّ، مَا سَلَكَ فِيْه مَسْلك الدّكتور أَسعد عَلي فِيْما نَسَبه إِلى المُنْتَجَب، وَلا أَدْرِي كَيْف يَدّعِي دَفَعَ التّهَمِ فِي قَوْلِهِ:

(( وَلا بد من التأكيد أن معظم ما نشر عنهم كان مغرضاً وظالماً هدفه تشويه صورتهم أمام العالم العربي. وهذه الدراسة محاولة لتقديم صورة حقيقية وموضوعية عن أحد الأعلام الأفذاذ الذين ظهروا في منطقة الجبال الساحلية .)) 3

فَإِنْ زَعَمَ أَنّ غَيْرَهُ كَتَبَ فَأَسَاءَ وَظَلَمَ، قِيْلَ لَهُ : 

كَيْفَ أَيّدْتَ مَا يُنْسَبُ إِلى العَلَوِيّيْن مِمّا يُعَدُّ غُلُوًّا فِي الدّيْن، وَاجْتِراءً عَلَى الصّحَابَةِ، فَزَعَمْتَ أَنَّ للشّيخ إِبْراهيم عبد اللّطيف :

(( مُؤلّفات حسنة وشروحات لديواني الشيخ الخصيبي والمنتجب ...)) 4

وَقَدْ ذَكَرَ الزّركلي في تَرْجَمة المُنْتَجب أَنّهُ :

(( ويذكر عائشة أم المؤمنين ، فيسبها :

جاؤوا بأمهم الحمرا على جمل       قد عض غاربه من تحتها القتب.

ويتابعه الشارح بأكثر من السب ..))

فَكَيْفَ تَدّعِي أَنَّ مَنْ سَبَقَكَ أَسَاء، وَأَحْسَنْتَ ؟.

إِنّكَ إِنْ وَافَقْتَ الزّركلي، فَقَدْ كَذَبْتَ فِي قَوْلِكَ :

(( وهذه الدراسة محاولة لتقديم صورة حقيقية وموضوعية عن أحد الأعلام ..))

وَإِنْ خَالَفْتَهُ فَأنْتَ فِي شُبْهَةٍ، وَفِي الحَالَيْنِ، فَقَدْ طَعَنْتَ وَقَدَحْتَ، وَوَهَِمَ مَنْ ظَنَّ أَنَّكَ مَدَحْتَ وَدَفَعْتَ.

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَمَا كَتَبَهُ الأستاذ يَلْزمُهُ ، وَمَنْ رَضِيَ بِهِ، وَأَقَلّ مَا يَجُوز لِي أَنْ أَضْربَ بِكُتُبِهِ عُرْضَ الحَائِط، فَلا أَعْتَدُّ بِمَنْ يَسْتَشْهِدُ بِهَا، وَلا أُقِيْمُ لَهَا فِي تَعْرِيْفي وَزْنًا. 

وَلَوْ أَرَدْتُ أَنْ أَصِفَهَا لَمَا اسْتَحْسَنْتُ فِي وَصْفِهَا غَيْرَ مَا أَخْتَارُهُ مِنْ كَلام الأستاذ عَبد القَادر المغربي :

(( كُلّمَا تَصَفَّحْتُ هَذَا الكُرّاسَ أَوْ قَرَأْتُ نُبَذًا مِنْهُ تَجَدَّدَتْ  لِي رَغْبَةٌ فِي وَصْفِهِ . وَإِعْلانِ أَمْرِهِ . مُؤَمِّلاً أَنْ أَجِدَ بَيْنَ القُرّاءِ مَنْ يَهْدِيْني إِلَى اسْمِ الّذِي كَتَبَهُ. أَو اسْم الكِتَابِ الّذِي مِنْهُ شَرَد . وَعَلَيْه حَرد .)) 5

وَمَعَ أَنَّ الشّكَّ فِيْمَا نَسَبَهُ الدكتور أسْعد عليّ إِلَى المُنْتَجَب أَصَحُّ فِي العَقْلِ، فَإِنّ رَدَّ اتِّهَامِهِ بِسَبِّ أُمِّ المُؤمِنِيْنَ أَوْلَى وَأَلْيَقُ، وَلَيْسَ الأَمْرُ عَسِيْرًا عَلَى مَنْ يُؤَلِّفُ فِي التّارِيْخِ وَالتّصَوّفِ وَاللّغَةِ وَالنّقْدِ، وَقَدْ سَبَقَ إِلَى رَدِّ هَذِهِ التّهْمَةِ غَيْرُ وَاحِدٍ .

قَالَ السَّيِّدُ عَبْد الحُسَيْن شَرف الدّين فِي نَقْدِ الفَتَاوى الحَامِدِيّة :

(( ( إِنّهُم يُطَوّلُونَ أَلْسِنَتَهُم عَلَى عَائِشَة الصِّدِّيْقَة ، وَيَتَكَلّمُونَ فِي حَقِّهَا مِنْ أَمْرِ الإِفْكِ ، وَالعِيَاذُ بِاللهِ، مَا لا يَلِيْقُ بِشَأْنِهَا )... إِلَى آخرِ إِفْكِهِ وَبُهْتَانِه .

وَالجَوابُ : أَنّهَا عِنْدَ الإِمَامِيّةِ وَفِي نَفْسِ الأَمْرِ وَالوَاقِعِ أَنْقَى جَيْبًا، وَأَطْهَرُ ثَوْبًا، وَأَعْلَى نَفْسًا، وَأَغْلَى عِرْضًا، وَأَمْنَعُ صَوْنًا، وَأَرْفَعُ جَنَابًا، وَأَعَزُّ خِدْرًا، وَأَسْمَى مَُقَامًا، مِنْ أَنْ يَجُوزَ عَلَيْهَا غَيْرُ النّزَاهَةِ، أَوْ يُمْكِن فِي حَقّهَا إِلاَّ العِفّةُ وَالصِّيَانَةُ، وَكُتُبُ الإِمَامِيّةِ قَدِيْمُها وَحَدِيْثُهَا شَاهِدٌ عَدْلٌ بِمَا أَقُولُ، عَلَى أَنَّ أُصُوْلَهُم فِي عِصْمَةِ الأَنْبِيَاءِ تُحِيْلُ مَا بَهَتَهَا بِهِ أَهْلُ الإِفْكِ بَتَاتًا، وَقَوَاعِدَهُم تَمْنَعُ وُقُوْعَهُ عَقْلاً.)) 6

وَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ، فَالاِسْتِشْهَادُ بِقَولِ أَمِيْر المُؤمِنِيْنَ : (( وَلَهَا بَعْدُ حُرْمَتُهَا الأُوْلَى، وَالحِسَابُ عَلَى اللهِ .)) 7

يَا عَجَباً مِنَ القَائِل :

(( فربما أخذوا من عامّة الناس في عصرنا هذا، وبيننا وبين المنتجب حوالي ألف عام.. كما فعل السيد منير الشريف في كتابه : المسلمون العلويون ، من هم ؟ وأين هم ؟.))

أَيُعَابُ السّيّدُ مُنِير الشّريف، لأَنّهُ أَخَذَ مِنْ عَامّةِ النّاسِ، وَلا يُعَابُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ عَمَّنْ أَخَذَ ، فَتَارَةً يَدّعِي أَنّهُ يَعْتَمِدُ عَلَى مَصَادِر مَوْثُوقٍ بِهَا، وَتَارَةً يَقُولُ :

(( ليس من السهل أن أحدِّد سنةَ ولادةِ المنتجب، فما بين يديَّ شيءٌ موثوق.. ومن المؤسف أن يكون الذين تعرّضوا لذكر المنتجب ، لجأوا الى الحكاية المحكية ، بين العوامّ ، دون أيّ تمحيص أو إعمال نظر ، وربما دون اطّلاع على شعر المنتجب ، فزادوا الناظر إلى سيرته حيرة إزاء المتناقضات .... 

ولكنني من البداية ، عرفت طريقي ، وحدّدتُ نفسي بنصوص المنتجب وردِّ كُلِّ شيء إليها وما أحرانا بفعل ذلك في كلِّ ما نبحث ـ فالنصوص الأصلية وحدها هي التي عبّر بها أصحابها بصدقٍ عما كانوا،أما الرواة وأما المؤرخون أعاذنا الله من شرِّ فهمهم وطغيان ادّعائهم، لا أعني هنا مؤرخي المنتجب ، ولكني عنيتُ من أرّخوا للأمة فقطعوها عن منابع الصدق الحياتي لترضى أهواؤهم ..)) 8

أَقُولُ : إِنْ كَانَ لا بُدَّ مِنَ الأَسَفِ، فَعَلَى اللُّغَةِ وَالتُّرَاث.

لَقَدْ أَوْجَبَ المُؤَلّفُ عَلَى نَفْسِهِ مَا يَعْجَزُ عَنْ تَسْوِيْغِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ :

(( عرفت طريقي ، وحدّدتُ نفسي بنصوص المنتجب وردِّ كُلِّ شيء إليها وما أحرانا بفعل ذلك في كلِّ ما نبحث ـ فالنصوص الأصلية وحدها هي التي عبّر بها أصحابها بصدقٍ عما كانوا،أما الرواة وأما المؤرخون أعاذنا الله من شرِّ فهمهم وطغيان ادّعائهم، لا أعني هنا مؤرخي المنتجب )).

فَإِنِ اسْتَثْنَى مُؤَرّخي المُنْتَجَبِ، وَعَدّ النّصُوصَ الّتِي نَسَبُوها إِلَى المُنْتَجَبِ أَصِيْلَةً عَبَّرَ فِيْهَا (( بصدقٍ عما كانوا ))، فَكَيْفَ يُمْكِنُ تَخْرِيْجُ مَا نَسَبَهُ الزِّرِكْلِيّ إِلَى المُنْتَجَب فِي قَوْلِهِ :

(( ويذكر عائشة أم المؤمنين ، فيسبها :

جاؤوا بأمهم الحمرا على جمل
                          قد عض غاربه من تحتها القتب.

ويتابعه الشارح بأكثر من السب ...)).

مَعَ قَوْلِهِ :

(( لا يمكن عدُّ المنتجب سنيّاً تقليديّاً ، ولا شيعيّاً غالياً ، كما لا يمكن عدُّه مسلماً متعصبِّاً ولا مسيحيّاً متطرِّفاً ولا يهودياً متراخياً ، وإنما يمكنُ عدُّه هؤلاء جميعاً إذا اعتبرنا عناصر عقائدهم التي التمعت في ما يكوِّنُ معتقده ، لأنّه هو نفسه يعدُّ نفسه كذلك ثم يتجاوزه إلى ما يعلِّمه مفهوم القرآن الصافي من شروط الانتساب إلى عملِ المحبّة التي ساقت إلى المعرفة الموحِّدة ..)) 9

أَقُولُ : إِذَا كَانَ المُنْتَجَبُ عَلَى هَذِهِ الحَالِ ، فَإِنّ مَا ذَكَرَهُ الزِّرِكْلِيّ تَحَامُلٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ المُؤَلِّفِ، فَإِنْ صَدَقَ الزِّرِكْلِيّ فَقَدْ كَذَبَ المُؤَلِّفُ، وَإِلاَّ فَكَيْفَ لِمُسْلِمٍ غَيْرِ مُتَعَصِّبٍ وَشِيْعِيٍّ غَيْرِ غَالٍ أَنْ يَسُبَّ زَوْجَ رَسُولِ اللهِ  ؟.

وَلِمَ لَمْ يُشِرِ المُؤَلّفُ إِلَى النّصُوصِ الّتِي يَعُدّهَا أَصِيْلَةً ؟.


 


 

  • 1فن المنتجب العاني وعرفانه 116 .
  • 2الأعلام 6\83 .
  • 3الشيخ الشاعر عبد اللطيف إبراهيم ص 10.
  • 4الشيخ الشاعر عبد اللطيف إبراهيم ص 53.
  • 5مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق م6 ج 11\481.
  • 6الفصول المهمة،ص: 140ـ141.
  • 7شرح نهج البلاغة مج5\129.
  • 8فن المنتجب العاني وعرفانه، ص: 71 ـ 72.
  • 9فن المنتجب العاني وعرفانه،ص: 121.