أبيات منحولة

أُضيف بتاريخ الأحد, 11/04/2021 - 15:03

أبيات منحولة

وَفِي الشّعْرِ الّذِي نَسَبَهُ إِلَى المُنْتَجَبِ أَبْيَاتٌ مَنْحُوْلَةٌ، تَيَسَّرَتْ لِي مَعْرِفَتُهَا عَلَى قِلّةِ اطّلاعِي، فَلا أَدْرِي مَا صِحّةُ مَا نُسِبَ إِلَيْهِ بَعْدَمَا ظَهَرَ مِنْ قِلّةِ التّحْقِيْقِ، فَلَمَّا زَعَمَ المُؤَلّفُ أَنّ للمُنْتَجَبِ دِيْواناً، وَظَهَرَ فِيْمَا نَسَبَهُ إِلَيْهِ مَا تَحَقّقْنَا نَحْلَهُ، أَصْبَحَ الشّكُّ فِيْمَا كَتَبَهُ أَصَحّ فِي العُقُولِ، وَإِنْ كَانَتْ كِتَابَتُهُ عَلَى أَسَاسٍ مِنَ الأَوْهَامِ .

فَمِنْ أَوْهَامِهِ الّتِي زَعَمَ أَنَّهَا تَعْرِيْفٌ جَدِيْدٌ قَوْلُهُ :

(( وللمنتجب في مقام البسط شطحات، كما في قصائده: السكر ، اليقين، باطن الدين.. ولكنه لا يجعلُ  (( النقش هو النقاش بالكلية )) كالعطار... وهو ربما جاور بين مقامي القبض والبسط في قصيدة واحدة، بل في مقطع واحد، كما في قصيدته الأخيرة (( باطن الدين )) حيث يدَّعي أنَّ السرَّ لاحَ كوكباً دريّا ، فرأى وجه الحبيب وفجرَ ثغره .....

وَلَيْلَةٍ مِنَ اللّيَالِي الزّهرِ           قَابَلْتُ فِيْهَا بَدْرَهَا بِبَدْرِي 

وَلَوْن دَاجِيْهَا بِلَوْنِ الشّعرِ       مِنْهُ وَلَوْنُ فَجْرِهَا بِالثّغْرِ 

فَاتّضَحَ الغيْبُ لَنَا جَلِيّا ...)) 1

بَيَانُ الوَهْمِ

قَوْلُهُ : وَلَيْلَةٍ مِنَ اللّيَالِي الزّهرِ  ....... 

مَنْحُولٌ للمُنْتَجبِ وَهُوَ لإِبْرَاهِيم بن العبّاس 2  : 

وَلَيْلَةٍ مِنَ اللّيَالِي الزّهرِ       قَابَلْتُ فِيْهَا بَدْرَهَا بِبَدْرِي 

لَمْ تَكُ غَيْر شَفَقٍ وَفَجْرِ       حَتّى تَوَلَّتْ وَهِيَ بِكْرُ الدَّهْرِ 


وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ التّعْرِيْفَ الجَدِيْدَ لَيْسَ للمُنْتَجَبِ ، فَإِنْ قِيْلَ : كَانَ تَضْمِيْناً ، قُلْنَا : لا يَرُدُّ الخَطَأَ فِي نِسْبَةِ التّعْرِيْفِ الجَدِيْدِ للمُنْتَجَبِ فِي قَول الدكتور أسعد عَليّ :

(( تعريف جديد من المنتجب العاني : لم يعرِّفِ المنتجبُ العاني التصوّفَ ولكنه عاشه وذاقه ؛ مرَّ بمراحله المختلفة ، وعبّر عن أوقاته وأحواله وأنفاسه .... من كلِّ ذلك بدا لي تعريفٌ طريفٌ للتصوف، وهو تعريفٌ موجَزٌ ومركّز ...)) 3

فَلِمَ أَشَارَ إِلَى بَيْتِ الكُمَيْتِ بنِ زَيْدٍ ، فِي قَولِهِ :

(( ويستعيرُ من شاعر الشيعة الكميت بن زيد ( المتوفي سنة 126 هـ ) بيته المشهور ليعبِّر به عن مذهبه إلى الحقِّ عن طريق تشيعه لبني المصطفى ولكنهم هنا آل أحمد :

فما لي إلاَّ آل أحمدَ شيعةٌ         وماليَ إلاَّ مذهبَ الحقِّ مذهبُ .)) 4

وَلَمْ يُشِرْ إِلَى بَيْتِ إِبْرَاهِيم بن العبّاسِ ، وَلا إِلَى بَيْتِ العَبّاس بن الأَحْنف ، فَمِنْ أَوْهَامِهِ قَوْلُهُ :

(( فحبه ووفاؤه باطنيان أصليان، ليسا شكلين ظاهريين. فما هذا البيت الذي يتعتب به، والذي يتغنّاه لهب قلب يحترق :

تَقرّبتُ بالإحسان جهدي فزادني      بِعاداً فما أدري بما أتقرَّبُ .

هذه هي القضية، انه يتقرب اليهم بالإحسان فيبعدونه ويبتعدون عنه لماذا ؟ لقد حيّره هذا التصرف، ولا يدري ماذا يفعل لينال قربهم ورضاهم ...)) 5

أَقُولُ : إِنَّ الحَيْرَةَ فِي هَذَا أَنْ يَتَكَلّمَ فِي خَصَائِص النّثْرِ وَالشّعْرِ ، وَمَقَايِيْسِ النّقْدِ ، مَنْ يَنْسبُ بَيْتاً لِشَاعِرٍ فِي القَرْنِ الثّانِي ، إِلَى شَاعِرٍ فِي القَرْنِ الرّابِعِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ :

تَقَرّبْتُ بِالإِحْسَانِ جَُهْدِي فَزَادَنِي ..... للعَبّاسِ بن الأَحْنف، وَهُوَ فِي دِيْوَانِهِ :

تَقَرّبْتُ بِالإِحْسَانِ مِنْهَا فَزَادَنِي         بُعَاداً فَمَا أَدْرِي بِمَا أَتَقَرَّبُ. 6

وَمَا يُدْرِيْكَ ، أَنَّ مَا نَسَبَهُ الدكتور أسعد عليّ للمُنْتَجَب صَحِيْحٌ ؟. لَعَلَّهُ بَيْتٌ مِنْ هُنَا وَبَيْتٌ مِنْ هُنَاك .

وَمَا صَحَّ مِنْهُ فَسَّرَهُ المُؤَلِّفُ بِرَأْيِهِ ، فَلا يَلْزَمُ مِمّا كَتَبَهُ الدّكتور أسعد عليّ ، مَا نُسِبَ إِلَى المُنْتَجَب ، وَلا مِنْ تَفْسِيْرِهِ أَنْ يَكُونَ مُعْتَقداً للمُنْتَجَبِ ، وَلا دِيْناً للمَكْزُوْنِ .

فَلَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى مَا يُوْثَقُ بِهِ فِي صَغِيْرٍ وَلا كَبِيْرٍ، اللّهُمَّ إِلاَّ عَلَى ظُنُوْنِهِ الّتِي لا تَهْدِي إِلَى صَوَابٍ، وَلا تَؤولُ إِلَى حَقِيْقَةٍ .

فَإِنْ وَثَّقَ أَبْطَلَ، وَإِنْ نَقَدَ ذَهَبَ إِلَى ظَنٍّ، وَإِنْ تَكَلّمَ عَلَى شِعْرِ المُنْتَجَب سَهَا فَكَانَ كَلامُهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُر .
 


 


  • 1فن المنتجب العاني وعرفانه 491 .
  • 2ديوان المعاني 339، وفي زهر الآداب وثمر الألباب 2\15، وفي ثمار القلوب في المضاف والمنسوب 518 ـ 519، وفي محاضرات الأدباء 3\186، وفي الأغاني 10\51، وفي نهاية الأرب 1\140.
  • 3فن المنتجب العاني وعرفانه 488 .
  • 4فن المنتجب العاني وعرفانه 114.
  • 5فن المنتجب العاني وعرفانه 257 .
  • 6ديوان العباس بن الأحنف 78 .