نقد الظن في ولادة المنتجب

أُضيف بتاريخ الأحد, 11/04/2021 - 15:18

نقد الظن في ولادة المنتجب

فَمِنْ ظُنُوْنِهِ قَوْلُهُ :

(( ومن هنا اجتهد بتحديد سنة ولادة المنتجب ، وأرجح أنها في أواخر الثلث الأول من القرن الرابع لأنَّ بروكلمان حدَّد وفاته بحوالي سنة 400 هـ .. وهو يذكر في شعره أنه كبر ووجد طول هم وتنكيد، بل صار الشيب له رداءً وعمامةً ، على حد تعبيره : 

وكيف يرجو وصالَ الغانياتِ فتىً
                               مُعَمَّمٌ برداء الشيب منتقب ؟

قد يكون تحديد بروكلمان تقريبياً ، وكلمة حوالي تُبيح لنا هذا الفهم، وبذلك نظن أن المنتجب قد تجاوز السبعين من العمر ، وإذا كانت وفاته حوالي 400 هـ أي ، يتراوح تحديدها بين  395         ـ 405 هـ ... إذا كان ذلك كذلك فان تحديد ولادته يتراوح بين         325    ـ    335هـ ... )) 1

نَقْدُ الظّنّ

فِي اعْتِمَادِ المُؤَلّفِ عَلَى تَحْدِيْد سَنَةِ الوِلادَةِ وَالوَفَاةِ عَلَى بَيْتٍ مِنَ الشّعْرِ ذُكِرَ فِيْهِ الشّيْبُ، مَا لا يَخْفَى ضَعْفُهُ عَلَى مُتَأَمّلٍ، فَقَدْ يَقُولُ الشّاعِرُ بَيْتاً فِي الشّيْبِ وَهُوَ فِي رَيْعَانِ الشّبَابِ، وَقَدْ يَكُونُ عَلَى العَكْسِ.

قَالَ ابنُ الخَيّاطِ :

إِنَّ الثَّلاثِيْنَ لَمْ يُسْفِرْنَ عَنْ أَحَدٍ
                            إِلاَّ ارْتَدَى بِرِدَاءِ الشَّيْبِ وَانْتَقَبَا. 2

أَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَعِيْشَ ابنُ الخَيّاطِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِيْنَ سَنَةً ؟.

وَإِذَا قَرَأْتَ مَا أَوْرَدَهُ الأستاذ خليل مردم بك فِي مُقَدّمَةِ دِيْوانِهِ ، وَمِنْهُ :

(( ولد ابن الخياط بدمشق سنة خمسين وأربعمئة، كما ذكر ذلك هو نفسه 3  .... وتصح عزيمته على العمل بوصية شيخه ابن حَيُّوس ، فيترك الكتابة عند محمد بن مانك في حماة، ويقصد بني عمَّار بطرابلس في حدود سنة 476 وهو ابن ست وعشرين سنة 4  ..... دخل ابن الخياط طرابلس وكان صاحبها يومئذ القاضي جلال الملك أبا الحسن علي بن محمد بن عمَّار، وبنو عمَّار من خير الحُكَّام ، ولهم أيادٍ بيض على العلم والأدب، فاتصل بجلال الملك ومدحه ولم يتوسل إليه إلا بما عرف به من العطف على الشعر والشعراء 5  ...... ومدح أخاه فخر الملك بعدة قصائد هي من أحسن شعره ، منها قصيدة فريدة هي في رأينا أحسن شعره، سلمت جميع أبياتها وشرفت ألفاظها ومعانيها، أولها :

أَعْطَى الشَّبَابَ مِنَ الآرَابِ مَا طَلَبَا
                             وَرَاحَ يَخْتَالُ فِي ثَوْبَيْ هَوىً وَصِبَا .

كما مدح غيرهما من آل عمَّار ومن رجال دولتهم وأسبابهم .

دخل ابن الخياط طرابلس وهو شاب لا يعتمد إلا على كفاءته في الشعر وطبعه الفياض وما حفظه من شعر المتقدمين 6  .... والمدة التي عاشها ابن الخياط في  طرابلس تقدر بعشر سنوات من سنة 476  إلى سنة 486 تزيد أو تنقص قليلاً 7  .... وتوفي بدمشق في حادي عشر شهر رمضان سنة 517 سبع عشرة وخمسمئة .....)) 8

عَرَفْتَ أَنّ ابنَ الخَيّاط عاشَ سَبْعاً وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَأَنّهُ قَالَ :

إِنَّ الثَّلاثِيْنَ لَمْ يُسْفِرْنَ عَنْ أَحَدٍ     إِلاَّ ارْتَدَى بِرِدَاءِ الشَّيْبِ وَانْتَقَبَا.

وَعُمْرُهُ نَحْو ستٍّ وَعِشْرِيْن سَنَةً .

وَعَلَى تَقْدِيْرِ جَهْلِ سَنَةِ وِلادَتِهِ وَوَفَاتِهِ، لا يَصْلُحُ ذِكْرُهُ لِرِدَاءِ الشّيْبِ أَنْ يَكُونَ حُجّةً فِي تَحْدِيْدِ سَنَةِ وَفَاتِهِ عَلَى تَظَنِّي بُلُوْغِهِ سَبْعِيْنَ سَنَةً حِيْنَ قَالَ : ارْتَدَى بِرِدَاءِ الشَّيْبِ وَانْتَقَبَا.

وَمِنْهُ تَعْرِفُ أَنَّ قَولَ المُؤَلِّفِ :

(( فإذا صح أن القصيدة كانت رثاء للديلمي المتوفي سنة 385هـ وكان (( منصور )) الذي ذكره في القصيدة السابقة لها هو الديلمي نفسه .. يكون المنتجبُ قد عاصرَه وعرفَ عنه ما حدَّث به في قصيدته هذه، وقد تكون من آخر شعر المنتجب الذي وصلنا ...)) 9

تَوَهّمٌ ، فَسَوَاءٌ أَكَانَتْ رِثَاءً فِي سَنَةِ 385 ،أَمْ فِي سَنَةِ 444 ، فَإِنَّ الاِحْتِجَاجَ بِذِكْرِ الشّيْبِ ضَرْبٌ مِنَ التّكَهُّنِ، وَمَا يُدْرِيْكَ لَعَلّهُ كَتَبَهَا وَعُمْرُهُ ثَلاثُونَ سَنَةً، فَمَنْ هَدَاكَ إِلَى القَولِ : (( نظن أن المنتجب قد تجاوز السبعين من العمر )).

وَلَيْسَ للشَّيْبِ وَقْتٌ لا يَكُونُ فِي غَيْرِهِ، عَلَى أَنّنَا لَوْ أَرَدْنَا الاِسْتِدْلالَ بِالتّكَهُّنِ كَمَا اسْتَدَلّ المُؤَلِّفُ ؛ لَقُلْنَا : كَانَ عُمْرُهُ سِتُّوْنَ سَنَةً، حِيْنَ قَالَ :

وكيف يرجو وصالَ الغانياتِ فتىً     مُعَمَّمٌ برداء الشيب منتقب ؟

لأَنّهُ أَخَذَ هَذَا المَعْنَى مِنِ ابنِ الرّومِيّ :

فَعَزَاءً إِنَّ ابنَ سِتِّيْنَ يَعْيَى        عَنْ طِرَادِ الغَزَالِ عِنْد طِرَادِه

وَمِنَ النُّكْرِ لَهْوُ شَيْخٍ وَلَوْ أَمْـ     ـكَنَهُ الظّبْيُ عَنْوةً مِنْ قِيَادِهْ

كَيْفَ يَهْتَزُّ للمَلاهِي نَبَاتٌ       أَصْبَحَ الشّيْبُ مُؤْذِناً بِحَصَادِهْ 10


وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ :

(( عرفت طريقي ، وحدّدتُ نفسي بنصوص المنتجب وردِّ كُلِّ شيء إليها وما أحرانا بفعل ذلك في كلِّ ما نبحث فالنصوص الأصلية وحدها هي التي عبّر بها أصحابها بصدقٍ عما كانوا..))

فَقَدْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ رَدَّ كُلِّ شَيءٍ إِلَى مَا نَسَبَهُ إِلَى المُنْتَجَب، فَقَالَ :

(( وهو يذكر في شعره أنه كبر ووجد طول هم وتنكيد، بل صار الشيب له رداءً وعمامةً .))

ثُمَّ بَلَغَ فَقَالَ : (( الغاية، نرجّح أن المتنجب ولد حوالي 330هـ وتوفي حوالي 400هـ، فهو شاعر عباسي، من متصوفي القرن الرابع الهجري ... لفنِّه طوابع ذلك العصر ، ولتفكيره مميزاته، ... وما أزعمه هنا قد يتحول عن رتبة الزعم المزعوم إلى ما يشبه الرأي الصحيح، بعد تحليل شعر المنتجب إلى عناصر فنه، وبوارق تصوفه ..)) 

فَاعْتَمَدَ عَلَى شِعْرِهِ فِي قَوْلِهِ :

(( شاعر عباسي، من متصوفي القرن الرابع الهجري )).

فَكَانَ بِنَاؤهُ عَلَى زَعْمِهِ عَلَى شِعْرِ المُنْتَجَب، وَلَمْ يَلْبَثْ قَلِيْلاً حَتّى نَقَضَ بِنَاءهُ وَتَرَكَ شِعْرَهُ، فَقَالَ :

((من الناحية السياسية ....  لا يصحُّ اعتبار شعره وثيقةً تدلُّ على عيشه في القرن الرابع ..)) 
 


 


  • 1فن المنتجب العاني وعرفانه 76.
  • 2ديوان ابن الخياط 64 .
  • 3المقدمة،ص: 5. كتب لفظ (أربعمائة ) بزيادة ألف وكتبتها ( أربعمئة ) اعتمادا على قواعد الإملاء التي وضعها مجمع اللغة العربية بدمشق .
  • 4المقدمة ، ص: 8.
  • 5المقدمة ، ص: 8.
  • 6المقدمة، ص: 9.
  • 7المقدمة، ص: 10.
  • 8المقدمة، ص: 14.
  • 9فن المنتجب العاني وعرفانه 76.
  • 10ديوان ابن الرومي 2\707.