نقد تفسير بيتين نُسبا إلى المُنتجب

أُضيف بتاريخ الأحد, 11/04/2021 - 16:14

نقد تفسير بيتين نُسبا إلى المُنتجب


وَكَثِيْراً مَا يَتَوَهَّمُ فِي تَفْسِيْرِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ :

(( المنتجب يعرف السرَّ الإسلاميَّ النقي فينجذبُ إلى حقائقه انجذاباً يقينياً ولا يقلّد فيه أصحاب البدع الذين يحاولون تغيير صورة الإسلام :

ولا أقولُ ، كما قالت مضلّلة     من النصارى بتبعيضٍ وتجسيد

ولا أقول بفرعون وصاحبه     ولا النساء ولا بالخصية السُّود


هذا النفي يعكس صوراً من البدع المغايرة لجوهر الإسلام، كالحلول النصراني والقول بفرعونٍ وصاحبه ... ولعلَّ المنتجبَ يعني بذلك مقالة الشلمغاني أن موسى ومحمد عليهما السلام خائنان .. فهارون أرسل موسى، وعلي أرسل محمداً فخاناهما .... المهمّ أنه لا يقول بالتبعيض وهو حلول بعض الإله في إنسان، وهي مقالة شلمغانية ولا يقول بالتجسيد وهو القول بأن الله جسدٌ حقيقةً جلَّ وعلا ...... وأما عن النساء والخصية السود فقد تكونان بدعتين دينيتين أخريين... ولعله أراد إنكار ما شاع في العصر العباسيّ من تنكب طريق الإسلام في العادات والأخلاق ...وقد حرَّم الإسلام ذلك وشدَّد القرآن وشددت السنة في تحريم خصاء الإنسان والبهائم ...)) 1


بَيَانُ الوَهْمِ

مِنْ مَسَاوئِ هَذِهِ الأَوْهَامِ، أَنْ تَجْعَلَ الشّاعِرَ مُعَبِّرًا عَنْ كُرْهِهِ لِسَلِّ خِصْيَتَي غُلامٍ أَوْ بَهِيْمَةٍ، وَمَقْتِهِ لِرَجُلٍ يَسْتَبْدِلُ الخِصْيَانَ بِالنِّسَاءِ .

وَزَعْمُ المُؤَلِّفِ أَنّ هَذَا انْجِذَابٌ إِلَى حَقَائِقِ السِّرِّ الإِسْلامِيِّ .

أَلَمْ يَبْقَ فِي الإِسْلامِ شَيءٌ يَجْذبُ إِلَى حَقَائِقِهِ غَيْر كُرْهِ فِرْعَون، وَتَقْبِيْحِ الخَصْيِ وَإِتْيَانِ الرِّجَالِ، وَأَيْنَ دَعْوى المُؤَلّفِ مَعْرِفَةَ (( المنبع القرآني )) للمُنْتَجَبِ وَالمَكْزُونِ ؟.

وَإِنْ كَانَ عَلَى زَعْمِهِ ، فَأَيُّ سِرٍّ خَفِيٍّ فِي سَلِّ الخِصْيَتَيْنِ ؟.

وَكَان الأَوْلَى أَنْ يَقُولَ : إِنّ قَوْلَهُ : 

ولا أقول بفرعون وصاحبه        ولا النساء ولا بالخصية السُّود

مَأْخُوذٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ، وَمِنْ حَدِيْثِ أَهْلِ البَيْتِ ، فَالمُرَادُ بِفِرْعَون مِمّا لا يَحْتَاجُ إِلَى إِيْضَاحٍ، وَالمُرَادُ بِالنّسَاءِ : الأَصْنَامُ الّتِي ذَكَرَهَا اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ :

إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا 116 إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا 117 لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا 118  [سورة النساء ].

فَمِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا، أَخَذَ الشّاعِرُ قَوْلَهُ .

وَالمُرَادُ بِالخُصْيَةِ : القِيْلَةُ وَهُوَ مَرَضٌ تَنْتَفِخُ مِنْهُ الخُصْيَتَانِ، وَمِنْهُ فِي لِسَانِ العَرَب :

(( وَفِي حَدِيْثِ أَهْلِ البَيْتِ : لا يُحِبُّنَا حَامِلُ القِيْلَةِ ، وَلا النُّتَّاشُ .... وَنُتَّاشُ النَّاسِ : رُذَالُهُم ..)) 2

وَفِي تَاجِ العَروس :

(( وَالقَيْلَةُ : الأُدْرَةُ، وَبِالكَسْرِ أَفْصَحُ، وَمِنْهُ حَدِيْثُ أَهْلِ البَيْتِ : (( وَلا حَامِل القِيْلَةِ ))، وَهُوَ انْتِفَاخُ الخُصْيَةِ ....)) 3

وَالمُرَادُ بِالسُّوْدِ : الغِرْبِيْبُ، مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ : (( إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ الشَّيْخَ الغِرْبِيْبَ )).

وَفِي تَاج العَروس :

(( هُوَ الشَّدِيْدُ السَّوَادِ، وَجَمْعُهُ غَرَابِيْبُ . أَرَادَ الّذِي لا يَشِيْبُ، وَقِيْلَ : أَرَادَ الّذِي يُسَوِّدُ شَيْبَهُ بِالخِضَابِ، وَيُقَالُ : أَسْوَدُ غِرْبِيْبٌ أَي حَالِكٌ شَدِيْدُ السَّوَاد ...)) 4

وَفِي كَشْفِ الخَفَاءِ :

(( ( إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ الشَّيْخَ الغِرْبِيْبَ ) رَوَاهُ الدّيلميّ عَنْ أَبِي هرَيْرة مَرْفُوعًا، وَالغِرْبِيْبُ بِكَسْرِ الغَيْنِ المُعْجَمَة وَسُكُونِ الرَّاءِ وَبِمُوَحّدَتَيْن بَيْنَهُمَا تَحْتِيّةٌ : الّذِي لا يَشِيْبُ ، وَقِيْلَ : الّذِي يُسَوِّدُ الشَّعْر .)) 5

وَفِيْهِ :

(( ( مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الإِسْلامِ كَانَتْ لَهُ نُوْرًا يَومَ القِيَامَةِ ) رَوَاهُ أَحْمدُ وَأَبُو داؤود وَالتّرْمذي وَالبَيْهقيّ عَنْ عَمرو بنِ عنبَسة رَفَعَهُ وَهُوَ حَسَنٌ، وَفِي البَابِ أَحَادِيْثُ كَثِيْرَةٌ، مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الدّيلَميّ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو الشيخ وَآخَرون عَنْ أَنس رَفَعَهُ : يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : الشّيْبُ نُورِي وَالنّارُ خَلْقِي وَأَنَا أَسْتَحِي أَنْ أُعَذِّبَ  نُورِي بِنَارِي، وَرَوَى الدّيلميّ عَنْ أَبِي هُرَيْرة رَفَعَهُ : إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ الشّيْخَ الغِرْبِيْبَ . بِكَسْرِ الغَيْنِ المُعْجَمة : الّذِي لا يَشِيْبُ، وَجَمْعُهُ غَرَابِيْب، وَقِيْلَ : الّذِي يُسَوِّدُ شَعْرَهُ يَصْبغُه بِالسّوَاد .)) 6

وَفِي بِحَارِ الأَنْوارِ ـ مِنْ خَبَرٍ عَنِ الإِمام الصّادق ـ :

(( وَالغِرْبِيْبُ مِنَ الرِّجَالِ، فَلا تَرَى للهِ عَزَّ وَجَلَّ خَلْقًا غِرْبِيْبًا ـ وَهُوَ الّذِي قَدْ طَالَ عُمْرُهُ فَلَمْ يَبْيَضَّ شَعْرُهُ وَتَرَى لِحْيَتَهُ مِثْلَ حَنكِ الغُرَابِـ إِلاَّ كَانَ عَلَيْنَا مُؤَلّبًا وَلأَعْدَائِنا مُكَاثرًا، وَالحُلْكُوْكُ مِنَ الرِّجَالِ ، فَلا تَرَى مِنْهُم أَحَدًا إِلاّ كَانَ لَنَا شَتّامًا وَلأَعْدَائِنا مَدّاحًا .)) 7


 


  • 1فن المنتجب العاني وعرفانه،ص: 119.
  • 2لسان العرب 6\350 ـ 351.
  • 3تاج العروس من جواهر القاموس 15\ 644.
  • 4تاج العروس من جواهر القاموس 2\285.
  • 5كشف الخفاء 1\ 248.
  • 6كشف الخفاء2\255.
  • 7بحار الأنوار مج2\409. وفي مصابيح الأنوار 1\99.