التنبيه على الأوهام في كتاب ( معرفة الله والمَكزون السنجاريّ )

أُضيف بتاريخ الأحد, 26/10/2014 - 13:10

القارئ الكريم، من المفيد والهام قراءة فصل ( تَحْقِيْقُ نِسْبَةِ الكُتُبِ ) قبل الشروع بقراءة هذا التنبيه.. (إدارة موقع المكتبة الإسلامية العلوية)

التَّنْبِيْهُ عَلَى الأَوْهَامِ فِي كِتَابِ

( مَعْرِفَة اللهِ وَالمَكْزون السّنجَاريّ )


كِتَابٌ اجْتَهَدَ مُؤَلِّفُهُ فِي التّوْفِيْقِ بَيْنَ الأَشْيَاءِ المُخْتَلِفَةِ ، وَلَهُ مَنْ يَقْدرُهُ ، فَهُوَ يَشْرَحُ للقَارِئِ مَا اسْتَعْجَمَ ، وَيَفْتَحُ مَا اسْتَبْهَمَ ، إِلاَّ أَنّهُ لَمْ يَنْجُ مِنْ مَزَالِق أَوْقَعَتْ مَا يَسُوءُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُ.

وَلَعَلّ المُخْتَارَ مِنْ كَلام الأستاذ أحمد راتب النفاخ أَصَحّ مَا يُعَبِّرُ بِهِ قَارئُ ذَلِكَ الكِتَابِ عَنْ حَالِهِ عِنْد قِرَاءتِهِ :

(( وَإِذا أَنَا أَمَامَ أَمْرٍ غَرِيْب غَرِيْب أَرْجُو أَلاّ يَكُونَ قَدِ امْتَدَّ إِلَى سَائِرِ مَا أَخْرَجَهُ الدكتور مِنْ كُتُبِ التّراث . وَذَلِكَ أَنّهُ تَعَجَّلَ ـ فِيْما يَظْهَرُ ـ فِي نسخِ الكِتاب، ثُمّ لَمْ يعن بِمُعارضة مَا نُسِخ بأصله، وَلا أَمْعَن النّظرَ فِي تَدَبُّرِ مَعانيه ..)) 1

فَذَلِكَ : كِتَابٌ لَمْ يُشِرِ المُؤَلِّفُ إِلَى مَصَادِرِهِ ، وَلَمْ يُسْنِدْ حَدِيْثَهُ إِلَى أَهْلِهِ.

كِتَابٌ يَشْرَحُ كَلامَ المَكْزُوْنِ ، مَعَ إِغْفَالِ مَذْهَبِهِ ، وَإِهْمَالِ مَدْرَسَتِهِ.

كِتَابٌ لا تُمَيِّزُ بِهِ شَاهِداً مِنْ كَلِمَةٍ ، وَلا تُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ قَوْلِ اللهِ وَقَوْلِ عِبَادِهِ.

كِتَابٌ يَكَادُ يَنْطِقُ بِمَذْهَبِ المَكْزُوْنِ ، وَكُلَّمَا هَمَّ أَلْجَمَهُ تَقْدِيْرٌ بَعِيْدٌ.

كِتَابٌ لَمْ يَهْتَمَّ مُؤَلِّفُهُ بِالإِشَارَةِ إِلَى مَذْهَبِ المَكْزُوْنِ وَمَصَادِرِ مَا كَتَبَهُ وَإِنّمَا اهْتَمَّ بِنَقْلِ كَلامِ المَكْزُوْنِ للمُقَارَنَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الغَزاليّ وَديكارت.

كِتَابٌ يُدَافِعُ فِيْهِ المُؤَلِّفُ عَنْ صَدِيْقٍ لَهُ ، مَدَحَهُ فَقَالَ : (( هندستك الحديثة للمكزون .. ما كان يحلم بها حتى المكزون )).

وَرَدَّ المُؤَلّفُ مُدَافِعاً ، فَدَعَا إِلَى قِرَاءةِ مَا كَتَبَهُ صَدِيْقُهُ : (( قراءة كلية فللسياق دلالة حبية تعظم النبع الذي ألهم صورة الدراسة .)). 2

عُذْرٌ للصَّدِيْقِ بِأَنَّهُ يُعَظِّمُ النّبْعَ الّذِي أَلْهَمَ المُؤَلِّفَ ، فَلَيْتَ المُؤَلِّفَ عَظَّمَ النّبْعَ الّذِي أَلْهَمَ المَكْزُوْنَ ، كَمَا اعْتَذَرَ بِأَنَّ مَدْحَهُ تَعْظِيْمٌ للمَكْزُوْنِ.

فَإِذَا قِيْلَ لَهُ : مَنْ أَلْهَمَ المَكْزُوْنَ أَنْ يَقُوْلَ : (( فَرَضَ الصَّلاةَ لِيُزِيْلَ بِهَا مَقْتَ الكبْر مِنْ رُؤوسِ المُتَكَبِّرِيْنَ فِي السُّجُوْدِ لَهُ ، وَالخُضُوْعِ بَيْنَ يَدَيْهِ.)) 3

لَمْ تَرَ أَثَراً لِمُلْهِمٍ ، وَلا فَضْلاً لِمُعَلِّمٍ ، وَقِسْ عَلَى هَذَا .


لَقَدْ أَغْفَلَ المُؤَلِّفُ مُخَرِّجِي المَكْزُوْنِ ، وَتَجَنَّبَ ذِكْرَهُم ، وَاللهُ أَعْلَمُ أَسَهَا عَنْ ذِكْرِهِم ، أَمْ سَهَا فِيْهِ ، وَمَا أَدْرِي كَيْفَ لِقَارِئٍ أَنْ يُعَمِّقَ النَّظَرَ فِي شَيءٍ كَتَبَهُ المَكْزُوْنُ ، وَهُوَ لا يُلِمُّ بِمَعْرِفَةِ مُخَرِّجِيْهِ ، وَلا يَهْتَدِي إِلَى المَدْرَسَةِ الّتِي تَخَرَّجَ فِيْهَا .

أَمْ كَانَ يَضُرُّهُ لَوْ بَيَّنَ مَا أَخَذَهُ المَكْزُوْنُ عَنْ هُدَاتِهِ ، وَكَيْفَ وَرَدَ مَاءَهُم مُتَعَلِّماً ، فَصَدَرَ عَنْهُ مُعَلِّماً ، بَدَلاً مِنْ أَنْ يُخْفِيَ ذِكْرَهُم ؟.

فَتَأَمَّلْ كَيْفَ يُبَيِّنُ لَكَ المُؤَلِّفُ مَصَادِرَ مَعْرِفَةِ المَكْزُوْنِ ، فَلا يُشِيْرُ إِلَى مَا أَخَذَهُ ، لِيَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى مُرَادِ المَكْزُوْنِ .

وَإِنْ وَجَدَ فِيْمَا نُسِبَ إِلَيْهِ كَلِمَةً لَمْ يَطّلِعْ عَلَيْهَا مِنْ قَبْلُ، أَعْرَضَ عَنْ تَحْقِيْقِهَا، فَلَمْ يُشِرْ إِلَى أَصْحَابِهَا، وَإِنّمَا أَشَارَ إِلَى غَيْرِهِم ، وَشَرَحَ مَا يَعُدّهُ مِنْ كَلامِ المَكْزُونِ عَلَى الوَجْهِ الّذِي تَنَازَعَ فِيْهِ التّلامِيْذُ ، بَدَلاً مِنَ المُعَلِّمِ .

أَفَلا يَسْأَلُ القَارِئُ : أَيْنَ مَصَادِرُ مَا كَتَبَهُ المَكْزُوْنُ الّتِي أَغْفَلَ المُؤَلِّفُ بَيَانَهَا ؟.

فَإِذَا كَانَ المَكْزُونُ كَاتِبا ًمِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ ، فَقَدْ تَكَلّفَ المُؤَلِّفُ البَحْثَ عَنْ شَيءٍ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنّهُ أَصْلٌ . وَإِذَا كَانَ آخِذاً مِنْ مُعَلِّمٍ لَهُ ، إِلاَّ يَسِيْراً خَصَّهُ اللهُ بِهِ مِنْ بَرَكَةِ ذَلِكَ المُعَلِّمِ ، فَقَدْ أَخْطَأَ المُؤَلِّفُ فِي إِغْفَالِ التَّنْبِيْهِ عَلَيْهِ .

فَمَا كَانَ للمَكْزُونِ كَانَ دَلِيْلاً عَلَى مَذْهَبِهِ ، وَمَا كَانَ مِنْ شَوَاهِد فَهُوَ لأَهْلِهِ ، وَهُمْ أَحَقُّ بِتَبْيِيْنِهِ ، وَأَوْلَى بِتَفْسِيْرِهِ .

وَمَا أَفَادَ مِنْهُ المَكْزُوْن ،كَانَ شَرْحُهُ عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُهُ ، وَمِنَ العَجَبِ أَنْ يَتَصَدَّى رَجُلٌ لِشَرْحِهِ عَلَى مَا يُرِيْدُ .

وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ : أَنْ نَتَكَلَّمَ فِي تَعْبِيْرِ المَكْزُوْنِ ، وَنَتْرُكَ مَنْ لَقَّنَهُ ذَلِكَ التّعْبِيْرَ ! .

أَيُعَظِّمُ المُؤَلِّفُ ـ سَامَحَهُ اللهُ ـ النَّبْعَ الّذِي أَلْهَمَهُ ، وَلا يُعَظِّمُ مَنْ فَجَّرَ اليَنَابِيْعَ للمَكْزُوْنِ !.

وَمِنَ الوَاجِبِ أَنْ يَعْرِفَ القَارِئُ مَذْهَبَ المَكْزُوْنِ ، حَتّى يَتَسَنَّى لَهُ شَرْحُ كَلامِهِ ، وَإِلاَّ فَهُوَ يَشْرَحُ كَلامَ غَيْرِهِ ، وَإِلَيْكَ مِثَالاً مِنْ عِلَلِ العِبَادَاتِ الّتِي أَوْرَدَهَا المُؤَلّفُ مِنْ كَلامِ المَكْزُونِ:
(( لأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ ، عَلَى حَدِّ تَعْبِيْرِ المَكْزُوْنِ : فَرَضَ الصَّلاةَ لِيُزِيْلَ بِهَا مَقْتَ الكبْر مِنْ رُؤوسِ المُتَكَبِّرِيْنَ فِي السُّجُوْدِ لَهُ ، وَالخُضُوْعِ بَيْنَ يَدَيْهِ..)) 4

فَمَنْ نَظَرَ فِي هَذِهِ الجُمَلِ ، ظَهَرَ لَهُ : أَنَّهُ تَعْبِيْرُ أَهْلِ البَيْتِ ، لا تَعْبِيْر المَكْزُونِ، وَمِنْ ذَلِكَ : قَوْلُ السّيّدَةِ فَاطِمَة الزّهْراء : (( فَجَعَلَ اللهُ الإِيْمَانَ تَطْهِيْراً لَكُمْ مِنَ الشِّرْكِ ، وَالصَّلاةَ تَنْزِيْهاً لَكُمْ عَنِ الكبْرِ..)). 5

وَقَوْلُ الإِمَامِ الرّضَا : (( إِنَّهَا إِقْرَارٌ بِالرّبوْبيةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَخَلْعِ الأَنْدَادِ ، وَقِيَامٌ بَيْنَ يَدَي الجَبّارِ جَلّ جَلالُهُ بِالذّلِّ وَالمَسْكَنَةِ ، وَالخُضُوعِ وَالاِعْتِرَافِ ...)) 6

وَلِذَا فَهُمْ مُخَرِّجُوهُ ، وَشَرْحُ كَلامِهِم مَع بَيَانِ نِسْبَتِهِ ، أَوْلَى وَأَلْيَقُ ، فَإِنَّ إِغْفَالَهُ جُحُودٌ لِحَقِّهِم ، وَاسْتِصْغَارٌ لِقَدْرِهِم، وَمِنَ العَدْلِ نِسْبَةُ الفَضْلِ إِلَى أَهْلِهِ .

فَلَوْلا ادِّعَاءُ المُؤَلِّفِ الاِطِّلاعَ عَلَى مَصَادِرِ تَفْكِيْرِ المَكْزُوْنِ ، فِي قَوْلِهِ : (( وكما ألزمني المكزون بالاطّلاعِ على مصادر تفكيره ، فإنّهُ ألزمني بترتيب انطباعاتي ترتيبا ينسجم مع منهجيّة تفكيره وتصرفه .)) 7  لَمَا لِيْمَ عَلَى مَا أَتَى بِهِ ، فَإِنَّ إِثْبَاتَ عَدَمِ اطِّلاعِهِ عَلَى مَصَادِرِ تَفْكِيْرِ المَكْزُوْنِ ، وَنِسْبَتِهِ إِلَيْهِ مَا لَيْسَ لَهُ، أَبْيَنُ مِنْ فَلَقِ الصُّبْحِ .


عزيزي القارئ، لكثرة الأوهام في كتاب (معرفة الله والمكزون السنجاري) ولكثرة من اعتمد على ذلك الكتاب في توجيه الاتهامات إلى العلويين، فإنّ فضيلة الشيخ تمّام أحمد  أفرد 34 فصلاً ضمن ثلاث دعاوى لتفنيد تلك الأوهام وهي التالية، كما وتجد عناوينها أيضًا في الفِهرس على يمينك أو أدنى هذه الصفحة.. انقر على أي عنوان لتقرأه.. وأهلًا وسهلًا بكم..
(إدارة موقع المكتبة الإسلامية العلوية)

1- دَعْوَى الاطِّلاعِ عَلَى المَرَاجِعِ القَدِيْمَةِ وَالحَدِيْثَةِ



2-  دَعْوى التّمَيُّزِ وَالمَعْرِفَة الخَاصّة



3-  دَعْوى إِثْبَاتِ مَنْهَجِ المَكْزُونِ


 


  • 1من نقده لنسخة كتاب (( القوافي )) التي حققها الدكتور عزة حسن، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق م47 ج1\95.
  • 2 معرفة الله والمكزون 1\20.
  • 3معرفة الله والمكزون 1\247.
  • 4معرفة الله والمكزون 1\247.
  • 5الاحتجاج 1\128، وفي أعيان الشِّيعة 1\461، وفي بحار الأنوار مج2\527، وفي مج12\391.
  • 6من لا يحضره الفقيه 1\208، وفي علل الشّرائع 2\11، وفي وسائل الشيعة 4\9، وفي بحار الأنوار مج33\50، وفي عيون أخبار الرضا 2\110.
  • 7معرفة الله والمكزون 1\55.