التجلي يفيد معنى الظهور والجلاء والحضور وهو ليس انتقال أو تحول أو إشغال حيز وإخلاء آخر كما يتوهم القاصرون أو يدعي المُشبّهون.. فتجليه تعالى هو ظهور سلطانه وعظمته من دون إحاطة وإدراك.. والظهور هنا بمعنى إسباغ ألطافه ونعمه على عباده ولا يعني الرؤية الحادثة

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 30/11/2011 - 01:14

المرسل: louay تشرين ثاني-25-2011م

بسم الله الرحمن الرحيم
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
السلام عليكم
يقول العالم منه السلام: لقد تجلا الله لخلقه في كلامه ولكنهم لا يبصرون.
وقال: كتاب الله عز وجل علا اربعة اشياء، علا العبارة والاشارة واللطائف والحقائق، فالعبارة للعوام والاشارة للخواص واللطائف للاولياء والحقائق للانبياء.
وقال شاعر: باللام اول ما يرا عبد صفا   مولاه عند الصفو في اقباله
سؤالي:
هل التجلي يكون في الكتابه واللفظ والذهن ام في العينية الخارجية كما تجلا للنبي موسا عليه السلام؟
وهل التجلي رؤيا في الحلم كما يحصل للصالحين؟
والسلام 1
الجـواب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين وآله المعصومين.

  الأخ الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لقد تناولتُ موضوع التجلي في إجابتي على سؤال سابق ، وبما انك طرحته بصيغة أوسع فلا بد من قول التالي:

  التجلي يفيد معنى الظهور والجلاء والحضور قال تعالى: ﴿ وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف:143]

وهو ليس انتقال أو تحول أو إشغال حيز وإخلاء آخر كما يتوهم القاصرون أو يدعي المشبهون بل هو ( ما يكون مبدؤه الذات من غير اعتبار صفة من الصفات معها، وإن كان لا يحصل ذلك إلا بواسطة الأسماء والصفات إذ لا يتجلى الحق من حيث ذاته على الموجودات إلا من وراء حجاب من الحجب الاسمائية ).

  وفي المُحَصّلة فالتجلي هو إحضار السالك إلى حضرة القرب من دون تحوّل الحق عن جلال سلطانه لقوله تعالى مخاطباً كليمه: ﴿ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ﴾ [القصص: 31] وهذا القرب هو إيماني لا مكاني، وهو من جهة العبد: إقبالٌ يُترجم بالطاعات، ومن جهة الحق: لطفٌ ورحمةٌ خارجٌ عن دائرة المحسوس الإمكاني، لقول أمير المؤمنين عليه السلام: ( قريبٌ من الأشياء غير مُلامِس )، لأن المُلامسة تقتضي التركيب والباري يجل عن ذلك ويتعالى، لقوله عليه السلام: ( بعيدٌ منها غير مُباين )، لأن البُعد يفيد حكم التمييز، وهو بَينونة صفة لا بَينونة عزلة. لقوله عليه السلام: (ليس في الأشياءِ بوالجٍ، ولا عنها بخارجٍ).

  أما قول العالم الذي صدّرت به سؤالك فيجليه قول المولى عليه السلام: (فتجلى سبحانه لهم في كتابه من غير أن يكونوا رأوه بما أراهم من قدرته، وخوّفهم من سطوته).

فـ (تجلّيه في كتابه) هو عين القول (لقد تجلى الله لخلقه في كلامه)، لأنّ الكتاب هو كلام الله تعالى، والكلام يجلي الغاية المطلوبة، وهذا البيان يفيد معنى التجلّي.

أما العبارة: فهي مبنى الكتاب ويُراد بها التفسير.
والإشارة: هي معنى الآيات ويُراد بها التأويل.
واللطائف: ارتسام تلك المعاني في نفس السالك، بمعنى: التحلّي والتجمّل بها.
أما الحقائق: فهي الخصائص التي انفرد بها الأنبياء والمرسلين.

  أما كون التجلي في مقابل الوجودات الأربع فيتطلب بعض التفصيل:

فالخطابي والكتابي: يُجَلّيهما الكتاب المُبين في الكثير من آياته، والنبي في كلماته وخطبه.
أما الذهني: فيُجَلّيه قول أمير المؤمنين بقوله: (لم تحط به الأوهام، بل تجلى لها بها، وبها امتنع منها).
وأما الخارجي: فيتضح في قوله عليه السلام: (بها تجلّى صانعها للعقول، وبها امتنعَ عن نظر العيون. لا يَجري عليه السكون والحركة. وكيف يجري عليه ما هو أجرَاه، ويعود فيه ما هو أبداه، ويحدث فيه ما هو أحدثه. إذاً لَتَفاوتت ذاته، ولَتجزأ كنهُه، ولامتنَعَ من الأزل مَعناه. ولَكان له وراءٌ إذ وُجد له أمامٌ. ولالتمَسَ التَمّام إذ لزمه النقصان. وإذاً لقامت آيةُ المصنوع فيه، ولَتحوّل دليلاً بعد أن كان مَدلولاً عليه. وخرجَ بسلطانِ الامتناعِ من أن يُؤثّر فيه ما يُؤثّر في غيره الذي لا يَحول ولا يَزول، ولا يجوز عليه الأفول).
وقوله:(الحمد لله المتجلي لخلقه بخلقه، والظاهر لقلوبهم بحجّته).

  فتجلّيه تعالى هو ظهور سُلطانه وعَظمته من دون إحاطةٍ وإدراكٍ، لقول أمير المؤمنين عليه السلام: (هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته، وهو الباطن لها بعلمه ومعرفته).
وقوله عليه السلام: (الظاهرُ بعجائب تدبيره للناظرين، الباطنُ بجلال عزته عن فكر المتوهّمين).

والظهور هنا: بمعنى إسباغ أَلطافه ونِعَمِه على عباده، ولا يعني: الرؤية الحادثة، لقول أمير المؤمنين : (الظاهر لا برؤية، والباطن لا بلطافة. بانَ من الأشياء بالقهر لها والقُدرة عليها. وبَانَت الأشياء منه بالخضوعِ له والرجوعِ إليه).
وقوله: (الظاهرُ لا يُقال مِمّا، والباطنُ لا يُقال فِيمَا).

لأنّه لو كان من شيءٍ لَكان: مُحدَثاً، ولو كان في شيءٍ لَكان: محصوراً، وهاتان الصفتان من صِفات الحدوث وهو يتعالى عن ذلك.

  فالتجلي: ليس حُدوثاً ولا نُزولاً ولا تحوّلاً، بل: لُطفاً ورَحمةً بعبادِهِ.

حسين محمد المظلوم
29\11\2011