إن معرفة الله هي الغاية التي من أجلها خلق الله الخلق.. معرفةُ الله سبحانه وتعالى هي الأصلُ الأولُ من أصول الدين عند سائر المُسلمين.. المعرفة بالدليل الإجمالي فرضُ عَينٍ.. المعرفة بالدليل التفصيلي فرضُ كفاية .. المعرفة هي الأساس لكل شيء والكمال له...

أُضيف بتاريخ الأربعاء, 28/08/2013 - 12:37

المرسل: غيث في 06\08\2013م

كيف يمكن من معرفة الخالق. 1
الجـواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين محمد وآل بيته المعصومين.

  إنّ معرفة الله هي الغاية التي من أجلها خلق الله الخلق لقوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ أي ليعرفونِ، ومعرفته سبحانه وتعالى من أجلُّ العلوم وأسماها وأقدسها وأسناها، ترفع النفس الإنسانية إلى أوج الدرجات، وتُطَهّرها من ربائثِ الجهل المُعيقِ لها عن طلب الكَمَالات، فلخطورَتها ودِقّتها، وجَلال شأنها فهي لا تصحّ إلا بذاته، ولا تُعرَف إلا بآياتهِ لقول أمير الكلام وإمام الإسلام عليه السلام: ( اعرفوا الله بالله ) أي بما وصف به نفسه في كتابه فيما يتناسب مع ألوهيته من التنزيه والتقديس، لأنّ معرفته بالعقول الناقصة تُؤَدّي إلى نِسبة ما لا يَليق بذاته إليه.

  فمعرفةُ الله سبحانه وتعالى هي الأصلُ الأولُ من أصول الدين عند سائر المُسلمين الواجب معرفتها بالبرهان واليقين لا بالظن والتخمين، لأنّ التقليد في المُعتقد غير جائِزٍ بل يشترط البحث والنظر.

  أما العدل فإنّه من موضوعات الإلوهية وهو من مباحث التوحيد وتوابعه وقد جمعه الرسولُ ص وآله معه بقوله: ( ما عرف الله من شبهه بخلقه، ولا وصفه بالعدل من نسب إليه ذنوب عباده)، وبنفس هذا المعنى الشريف يقول أمير المؤمنين عليه السلام: ( التوحيد أن لا تتوهّمه، والعدل أن لا تتهمه. ) وإنّما أفرده العلماء ضمن فصلٍ مستقلٍ لما وقع فيه من خلافاتٍ بين الفِرَق الكلامية.

  وان المعرفة بالدليل الإجمالي فرضُ عَينٍ ،كالاعتقاد بوجود الله ونَفي الشريك عنه، والشبيه له، والإقرار ببعثة الأنبياء، والإيمان بوجود اليوم الآخر.
  هذا من حيث الأصول، أما من حيث الفروع، كمعرفة كيفيّة إقامة المُفترضات وذلك لإمكانية التعبّد بها بشكلٍ صحيح، كالصلاة والزكاة والحج والصيام ، وأما ما دَقّ منها وخَفِيَ عِلمُه وفهمُه على المُكَلّف فيَعود فيه إلى الأعلم، والأوثق.

  وأما المعرفة بالدليل التفصيلي فهي فرضُ كفاية لا بُد أن يَقوم بها البعض كمعرفة تفاصيل الأمور وجزئياتها.

  والمعرفة تُقال فيما يُدرك آثاره وان لم تُدرك ذاته بخلاف العلم ،وفيها يقول أمير المؤمنين عليه السلام: ( سَكّنوا أنفسكم معرفة ما تعبدون، حتى ينفعكم ما تُحرّكون من الجوارح بعبادة من تَعرفون.).
  والمُراد هنا بتسكين النفس هو استقرار اليقين في معرفته تعالى، ومعرفة مفترضاته، بزوال الشك والتردّد حتى ينتفع الإنسان بعبادة ربّه، لأنّه لا عبادة من دون معرفة.
  فالمعرفة هي الأساس لكل شيء والكمال له، وهي غاية الأشياء ،لقول أمير المؤمنين عليه السلام لكُمَيْل بن زياد النخعي: (يا كميل ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى المعرفة.).

  وإنّ معرفة الله جل وعلا قديمةٌ بقدم الإنسانية لقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا ﴾ فالمعرفة به من أوجب الواجبات، وأقرب القُربات، وأَعظم الطاعات، وأشرف العبادات، وغاية الدرجات، وأسمى الكمالات، وسبب السعادة والنجاة، وهي لا تُدرك بالعقول الناقصة، ولا تُعرف بالتقليد الأعمى للغير من دون دليلٍ وإثبات، بل يتوصّل العبد إليها باليقين الراسخ، والإيمان الثابت، والتسليم الكُلّي، وقد قسم مولانا أمير المؤمنين مراحل المعرفة إلى خمسة أقسام:

  • أولها: معرفة الله سبحانه وتعالى.
  • ثانيها: التصديق به.
  • ثالثها: توحيده.
  • رابعها: الإخلاص له.
  • خامسها: نفي الصفات عنه.
  فكل مرحلة من هذه المراحل كمالٌ لسابقتها وغايةٌ لها، ومُنطلق للتي تَليها، وقد ضَرَبَ أحدُ العُلماء مثلاً على مراتب المعرفة فقال:
  إن مثل تلك المراتب مثل النار، فإنّ معرفة بعض الناس بها هي سماعهم بأنها شيء موجود يَنعدم كل ما يصل إليه، وأثره ظاهرٌ في كل ما يُجاوره ويُحاذيه، وإنّ كُل ما أُخذ منه لا ينقصه، وما انفصل عنه فهو مُضاده في الطبع، وإن هذا الموجود يُسمى (ناراً)، ويُشبه هؤلاء في معرفة الله المُقلدون الذين يصدقون أقوال أكابرهم دون أن يقفوا في ذلك على دليل.
وأرقى من هؤلاء مرتبةً من يَستدلون بالدخان على وجود النار، ومثل هؤلاء في المعرفة أهل النظر الذين يَعرفون للعالم صانعاً بدليل آثارِ قدرته.
وفوق هذه المَرتبة من يتحسّس حرارتها بالمُجاورة، وينتفع بتلك الحرارة، ومثل هؤلاء في المعرفة المؤمنون بالغيب الذين يعرفون الله من وراء حجاب.
وأعلى من هذه المرتبة مرتبة من ينتفع من النار بمنافع أخرى كالخبز والطبخ والإنضاج وغيرها، وهؤلاء بمنزلة من التذّ بالمعرفة وابتهج بها.
وأسمى من هذه المرتبة من يُشاهد سائر الموجودات بتوسّط نور هذه النار، ومثل هؤلاء في المعرفة العارفون الذين تكون معرفتهم معرفة حقيقية.

  وفي الختام فإن معرفة الخالق جلّ جلاله أساسُ الدين وحَبْلُهُ المَتين، وهي الغايَةُ القصوى التي من أجلها خُلق الإنسانُ ، وبُعثت الرُسلُ، وأُنزلت الكُتبُ السَماوية.

  والحمد لله رب العالمين.

23\8\2013
حسين محمد المظلوم


هنا إعلان هذا الموضوع على صفحتنا في الفايسبوك.